حدود المصالح بين روسيا وإيران في سوريا. الأستاذ زيد م. هاشم

كما قلنا ونكرر: علاقات الدول تُسيّرها المصالح، والمصالح فقط، ولا مكان للعواطف والأمور الوجدانية، ومَن يقرأ الأخبار والتحليلات بعواطفه، سيستمرُ شعوره بالخيبة واليأس والاحباط إلى ماشاءت الأيام.

لاشك أنّ الأزمة السورية واحدة من أكثر الأزماتِ تعقيداً، ويمتد تأثيرها ليمسّ مصالح الدول الإقليمة المؤثرة والعالمية، وبالتالي نفوذ الدول الكبرى بمنطقة الشرق الأوسط.

بحيادية، بعيداً عن التحزّب لطرفٍ على حساب الآخر، نستعرضُ معكم أهمّ نقاط الخلاف والاتفاق بين روسيا وإيران ومصالحهما في سوريا.

مصالح إيران في سوريا

تَعتبرُ طهران دمشقَ الحليفَ الإقليمي الأقرب في صراعها مع الكيان الصهيوني، ودعمها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين. وأيضاً في مواجهة السياسة الأميركية التي تُشكّلُ خطراً على الدولتين.

بالمقابل؛ تعتبر دمشقُ طهرانَ ركناً أساسياً ضمن محور إقليمي يتصدى لتحالف تقوده واشنطن، وتتبعهُ أنظمة الحكم في الخليج العربي ومعها إسرائيل.


روسيا تدعمُ محور المقاومة في هذا التوجه بالذات، أي: مواجهة تمدد النفوذ الأمريكي الذي يريد السيطرة المطلقة على الشرق الأوسط وإخراج موسكو من هذه المنطقة.

في الحرب السورية لم تتدخل إيران بثقلها العسكري، بمعنى لم تأتِ بجيشها وأسلحتها المختلفة، وتشارك بالحرب بشكل مباشر. كان اعتمادها الرئيسي على الدعم اللوجستي وتجنيد بعض الفصائل العراقية والأفغانية والباكستانية زينبيون وفاطميون، كما قامت بتشكيل فصائل سوريّة محلية، جميعها تُقادُ من الحرس الثوري، مع مشاركة محدودة لخبراء عسكريين وقادة ميدانيين إيرانيين. الحديث عن عشرات الآلاف من المقاتلين الإيرانيين هو ضرب من الخيال، فلم تُشارك بأكثر من 3 آلاف مقاتل يحملون الجنسية الإيرانية منذ بداية الحرب وحتى الآن. هذا ما أكده مسؤولون إيرانيّون بالقول: “مشاركتنا لوجستية”، ولم تُعلن أنها دخلت الحرب.

ماذا تريدُ إيران في سوريا

تسعى طهران لتحقيق عدة أهداف ومكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية تتلخص في:

إقامة قواعد عسكرية من خلال الفصائل التابعة لها، لتكون خطاً أمامياً لمواجهة الكيان الصهيوني والدول التي تريد تقليص نفوذ إيران بالمنطقة، حيث سيتحتم عليها قتال إيران خارج أراضيها، وهذا ما عملت على تكريسه في عدة دول؛ العراق لبنان اليمن وسوريا.

تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال الاستثمار في الثروات السورية، والدخول بقوة في مرحلة إعادة الإعمار مما يؤدي لفتح باب تتجاوز من خلاله العقوبات المفروضة عليها أميركياً وأوروبياً، فترمم الاقتصاد وتوفّرُ حركة استثمار قوية للشركات الخاصة والعامة، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال لتكريس نفوذ طهران بشكل راسخ وغير مسبوق إقليمياً.

وصول طهران لسواحل المتوسط، يجعلها تتجاوز العقوبات الحالية والقادمة في حركة التجارة، تصديراً لغازها وبترولها عبر مدّ “خط أنابيب الصداقة”  و “خط أنابيب الغاز الإسلامي” وهنا تختلفُ مع قطر وروسيا… الموانئ السورية تؤمن لها استيراد ما تحتاجهُ أيضاً.

وجودها في سوريا يجعلها تُقاتلُ الجماعات الإرهابية التي ستنتقلُ لاحقاً لأراضيها، وهذا بدأ فعلياً منذ سنتين على الأقل، وهو ما أعلنتهُ عدة جماعات متطرفة وعلى رأسها داعش: “بعد نجاحنا في سوريا والعراق سنتوجهُ إلى إيران”.

أيضاً؛ ستواجهُ الخطر الكردي الانفصالي، وتمنعُ تشكيل خطر مستقبلي على وحدة أراضيها، وبهذا تلتقي مع أنقرة في عملية إجهاض المشروع الانفصالي في مهده.

ترتبط طهران بعلاقات قوية مع أنقرة والدوحة “الإخوانية” لمواجهة الحلف السعودي “الوهابي”، لهذا لا تُمانعُ، وهو ما ذكرناه مراتٍ في مركز فيريل للدراسات، في مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في الحكم في سوريا، بينما تريدُ تركيا وقطر سيطرة كاملة للإخوان على الحكم في دمشق. هنا تتلاقى مصالح طهران مع أنقرة في ملفات قطر واليمن والعراق ومصر وليبيا وتونس والسودان، في الصراع مع حلف السعودية الإمارات مصر البحرين، والذي انفجر بعد فشل المخطط بسوريا، حيث أُعلن عنه بعد زيارة ترامب للرياض وبدأ بالأزمة الخليجية مع قطر.

مصالح روسيا في سوريا

تعتبر موسكو دمشقَ آخر حليف مباشر شرقي التوجه في منطقة الشرق الأوسط، وتحتفظ بقاعدتين عسكريتين هامتين في طرطوس واللاذقية، كي تبقى حاضرة استرتيجيّاً وعسكرياً في المياه الدافئة لمواجهة الناتو خارج الأراضي الروسية، فسوريا جغرافياً قريبة من القواعد الأميركية في الشرق الأوسط والخليج والعراق والأردن وتركيا. كما أنّ وجود القوات الروسية في سوريا هو خط دفاع أول باتجاه منع حصار جنوبي تام لروسيا من قِبل الناتو.

تريد روسيا أن تكون الشريك الأول دون منازع في استخراج الثروات الباطنية، خاصة على الساحل السوري الذي نعود ونؤكد مرة أخرى بوجود كميات كبيرة من الغاز والبترول، راجعوا البحث على موقعنا. كما تريد لشركاتها أن تنخرط في عملية إعادة الإعمار، وهذا كله يُحقق مكاسب اقتصادية كبيرة.

وجود روسيا في سوريا بقوة يؤمّنُ لها دوراً جيوسياسياً في الشرق الأوسط بكافة ملفاته، وتصبحُ نداً قوياً للولايات المتحدة، ولاعباً أساسياً لحلّ النزاعات وما أكثرها.

تعلمُ موسكو أنّ سوريا والعراق هما الممران لخطوط الطاقة من إيران وقطر باتجاه المتوسط، وهذا باعتراف الغرب أحد أسباب الحرب على سوريا، هنا لا ترغبُ بمرور الخطين لأنهما سيؤثران على خطوط غازها لأوروبا، وهي تريد أن يكون اعتماد القارة العجوز عليها بإمدادات الغاز اعتماداً مطلقاً كي يسهل عليها إخضاع الأوروبيين عند الضرورة، وهذا يحدث تدريجياً.

بناء على ما سبق دخلت موسكو الحرب السورية بشكل استراتيجي وعسكري، مستخدمة قوتها الجوية وأسطولها البحري، مع مشاركة عدة آلاف من المشاة. هذا ما أعلنه وزير الدفاع الروسي.

استخدمت موسكو ومعها بكين حق النقض الفيتو عدة مرات لإجهاض محاولات واشنطن وضع سوريا في بند الفصل السابع لمجلس الأمن الدولي، جنّبَ هذا الفيتو سوريا من عدوانٍ عسكريٍّ كبيرٍ من الناتو، وهذه نقطة لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن روسيا.

هل قلبَ التدخلُ الروسي الموازين؟

قبل أيلول 2015، كان الوضعُ العسكري على الأرض سيئاً، هذه حقيقة، مَن يُريدُ تجاهلها يمكنه إغماض عينيه. الشحنُ الطائفي كان على أشدهِ والدول العربية ومعها تركيا، تضخُ المليارات وعشرات الآلاف من الإرهابيين مع أسلحة متطورة أميركية. الدعم الإيراني ومن حزب الله كان حاضراً لكنه لم يكن كافياً لصدّ العدوان.

بدخول روسيا عسكرياً، بدأت الأوضاع الميدانية تتحسن، وجرى حسم عدة جبهاتٍ على التوالي، سواء بالتدخل العسكري أو المصالحة وطرد الإرهابيين.

ماذا تريدُ سوريا من روسيا؟

سوريا دولة صغيرة، يُحيطُ بها أعداء من معظم الجهات، لكلّ منهم أطماعه وخبثهُ الذي لا ينتهي. الدولة الصغيرة بحاجة لدولة عظمى تُساعدها ميدانياً وعسكرياً وسياسياً، الخيار الوحيد هو روسيا، فكانت روسيا ذات الماضي السوفيتي الجيّد والداعم لقضايا سوريا…

تسعى دمشق لبناء معادلة سياسية تصوغ حلاً يُنهي الحرب مع الأطراف الإقليمية والدولية المعادية، هذه الأطراف لن تلتزم بأيّ اتفاق مع دمشق، لهذا لا يمكن عمل ذلك إلا من خلال روسيا، لما تمثله من ثقل سياسي وعسكري واقتصادي، المقابل تحقيق مصالح روسيا الحيوية في سوريا.

موسكو تسعى لترمّمَ علاقات دمشق بباقي الدول، بتمرير صفقات سياسية بضمانتها، تنجحُ أحياناً وتفشلُ في أخرى عندما تتدخل واشنطن لمنع تلك الصفقات، كما حدث في عملية إعادة علاقات الدول العربية بسوريا، حيث رفعت واشنطن الكرت الأحمر بوجه الحكام العرب، فانصاعوا كالعادة لأوامرها.

الجيش السوري فقد عشراتِ الآلاف من الشهداء، والكثير من قدراته الدفاعية وأسلحته وعتاده، موسكو المنفذ الوحيد لترميم ما حصل وإعادة بناء هذا الجيش، بينما الحصول على سلاح من إيران خطر وسيواجه إجراءاتٍ سياسية وعسكرية. روسيا زوّدت الجيش بعدة أسلحة دفاعية، لكن ليس كما يجب أو كما تطلب دمشق بالتأكيد، ولن تسمحَ موسكو بوجود سلاح متطوّر فعّال بيد السوريين، طالما هناك حالة عداء مع إسرائيل، هذا الأمر ليس بحاجة للتحليل العميق.

لدى سوريا ثروة باطنية جيدة، وأكثر بكثير مما يتم التصريح عنه، هذه الثروة بحاجة لدولة قوية تحميها، مقابل حصتها منها.

سوريا القوية الموحدة تعني رأس حربة لمواجهة النفوذ الأميركي، هذا ما تُدركهُ موسكو وبكين، وعليهما العمل أكثر للوصول لذلك.

الخلاف الروسي الإيراني

تختلف الدولتان في عدة قضايا…

تسعى موسكو لإبعاد سوريا عن خوض مواجهة النفوذ الإيراني ضد حلف السعودية، وعدم جعل الساحة السورية ميداناً لتصفية الخلافات بين المحاور، وذلك لحفظ المكتسبات التي حققتها روسيا في سوريا. أي تريد أن يستقر الوضع في سوريا وتكون بعيدة عن الصراع الأميركي الإيراني.

لا تريد موسكو أن تفتح الجبهة بين الكيان الصهيوني ومحور المقاومة، بحجة التواجد الإيراني، مما يؤدي لخلط الأوراق والانزلاق نحو سيناريوهات خطيرة لا تخدم المصلحة الروسية. بالتالي؛ لا تمانع من قيام حلف حيوي بين دمشق وطهران كما كان قبل الحرب، يشمل تعاوناً على أعلى المستويات، دون استفزاز أطراف إقليمية ودولية لموسكو مصالح معها، سواء في تل أبيب أو الخليج العربي أو واشنطن. فلدى روسيا مشاريع وعقود وصفقات كبيرة مع أعداء إيران في الخليج العربي، لا تريد أن تخسرها.

من هنا تعمل موسكو على سحب ذرائع واشنطن في سوريا بالتواجد الإيراني، بينما طهران ترفضُ خسارة ورقة وجودها في سوريا دون مقابل، فخروجها سيضعف شروط تفاوضها مع واشنطن بالملف النووي وغيره. هنا تعتقدُ أنّ وجودها سيلوي ذراع واشنطن بتهديد أمن إسرائيل، فيتم تقديم تنازلات…

تتنافسُ موسكو وطهران على حجم الاستثمارات في الاقتصاد والثروات الباطنية وعقود إعادة الإعمار، وقد ظهر ذلك واضحاً بعد توقيع سوريا وإيران في 2 تشرين الأول 2018، على البرنامج الزمني لتنفيذ مشروع محطة توليد كهربائية تعمل بالغاز في اللاذقية باستطاعة 540 ميغا واط، ليبدأ التنفيذ خلال العام الحالي، بالإضافة لإعادة تأهيل محطة توليد حلب الحرارية، هنا تخشى موسكو أن تُحكم طهران قبضتها على مينائي طرطوس واللاذقية حيث تتواجد القاعدتان الروسيتان، وغربهما حقول البترول والغاز.

لن تقطعَ روسيا علاقاتِها بإسرائيل مهما حصل، لعدة أسباب أهمها اليهود الروس الذين يملكون تأثيراً كبيراً في الداخل والخارج، كما يؤثران على علاقات موسكو بالغرب الأوروبي والأميركي، ومحاباة اللوبي الصهيوني هي الأساس في السياسات العالمية، هذه حقيقة لا يمكن القفز فوقها. من هنا، وجود إيران عسكرياً في سوريا ليس لصالح روسيا.

حرب تصريحاتٍ شنّها مسؤولون كبار في الدولتين؛ كلّ ينسبُ لدولته الفضلَ بعدم سقوط سوريا بيد الإرهابيين… منها:

الدكتور على ولايتي مستشار قائد الثورة الاسلامية قال في 22 كانون الثاني 2018 في كلمة بملتقى “تحرير المسجد الأقصى على ضوء انتصارات محور المقاومة: “لولا إيران لسقطت سوريا خلال بضعة أسابيع ولكانت داعش حالياً في بغداد”. ثم كرر كلامه في مؤتمر “فالداي” للحوار في موسكو: “حكومة الرئيس بشار الأسد كانت ستسقُط خلالَ أسابيع لولا مساعدة إيران، ولو لم تكن إيران موجودة لكانت سوريا والعراق تحت سيطرة أبو بكر البغدادي”. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء مؤتمر صحفي عقد في كانون الثاني 2017 بموسكو: إنّ العاصمة دمشق كانت ستسقط خلال أسبوعين أو ثلاثة في يد الإرهابيين لولا تدخل روسيا عسكرياً“..

أين تتفق موسكو وطهران في سوريا؟

القضاء على الجماعات التكفيرية، والتي تمثل أداة مهمة بيد واشنطن في ضرب استقرار إيران وروسيا، لذلك محاربتهم في سوريا هي الأفضل بعيداً عن أراضيهما.

تتفقان أيضاً في دعم حليف مشترك يحقق مصالحهما الاقتصادية والسياسية.

تتفقُ موسكو وطهران في صيغة حكم شبه ديني في سوريا، بدرجة متفاوتة ومختلفة التوجه؛ الأولى على الطريقة الشيشانية والثانية بإشراك الإخوان المسلمين في الحكم.

تسعى الدولتان لاسترضاء تركيا بالحد الأدنى في سوريا لتحقيق مصالح مشتركة مع أنقرة بمجالات مختلفة، فروسيا تسحبُ حليفاً قوياً للناتو من حدودها الجنوبية، وتُنفّذُ مشاريع اقتصادية ضخمة. بينما إيران تبقى على علاقة مع دولة إسلامية عضو في الناتو تجمعهما عدة مصالح. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. زيد م. هاشم. Firil Center For Studies FCFS. Berlin.