المعادلة السورية بين أنقرة والرياض وطهران. الأستاذ زيد م. هاشم

تمّ التخلّص عسكرياً أو بالمصالحة من المجموعات الإرهابية من درعا إلى حلب والبادية السورية، مع بقاء مجموعات كخلايا نائمة أو تأتي من العراق وريف إدلب لتهاجم الجيش السوري. إلى أن وصلنا حالياً للوضع التالي:

تجميع الإرهابيين في محافظة إدلب وأرياف حلب الشمالية والغربية وريف حماة الشمالي، هؤلاء يتبعون المخابرات التركية وأوامرها دون شك. مجموعات من الانفصاليين الأكراد يحتلون أجزاء واسعة من الجزيرة السورية والرقة ودير الزور، ويتبعون الولايات المتحدة وتحت حمايتها.

الوضع دون رتوش، معقدٌ ودقيق ويشكل معضلة للبدء بالحل السياسي.

تعمل روسيا على خلق جو سياسي لاستئصال جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة الإرهابي من محافظة إدلب، بمشاركة تركيا الراعي الرئيسي للنصرة ولغيرها، والتي شاركت كممثل للمجموعات الإرهابية بالإضافة لروسيا وإيران كممثلان عن سوريا، وهما من اللاعبين الأساسيين في الساحة السورية. الحل العسكري “المؤجل” سيكون “جراحياً” على الأغلب بطريقة مشتركة من أجل تصفية النصرة عسكرياً وإخراج الإرهابيين الأجانب، ودمج بعض السوريين منهم في الجيش السوري، وحلّ المجموعات الأخرى وتجريدها من سلاحها.

الناتو وعلى رأسهِ واشنطن يرفضون أيّ عمل عسكري دون مشاركتهم وبشروطهم، ويلوّحون باستخدام الكيماوي كلما برزت مؤشرات لتحرّك عسكري أو حلّ سياسي في ملف إدلب.

واشنطن تريد نقل إرهابيي تنظيم القاعدة في سوريا والإشراف على تفاصيل ذلك، تماماً كما حدث مع نقل عناصر داعش من خلال أتباعها في قسد، دون أيّ تدخل من دولة أخرى، وقامت بتوزيعهم على عدة مناطق حول العالم.

الحلف الإماراتي السعودي ضدّ الحلف الإيراني التركي

يخشى الحلف السعودي من النفوذ القوي لتركيا وإيران في سوريا، وأنّهُ سيصبح مصدر خطر لوجود عشرات الآلاف من الإرهابيين، بينهم سعوديون، كون الإرهابيين السعوديين كما ذكرنا في مركز فيريل للدراسات في إحصائيات 2017، هم الأكثر تعداداً، هؤلاء يتبعون أنقرة والدوحة ودخول السوريين منهم بحلّ سياسي سيُعزّزُ نفوذ الدولتين ويجرّ معهم إيران ضد حلف السعودية.

بصورة أوضح، يعني مشاركة الإخوان المسلمين في الحكم في سوريا، ونقل الأجانب منهم إلى مناطق أخرى بما في ذلك عودتهم للسعودية ومصر وما يتلو ذلك من عمليات إرهابية هناك.

هنا يعملُ الحلف السعودي باتجاهين:

الأول: التعاون عبر واشنطن مع أعداء أنقرة من الأكراد الانفصاليين واستخدامهم كفزّاعة، لوقف تعاون أنقرة مع موسكو أيضاً.

 الثاني: عودة العلاقات مع دمشق عبر روسيا في إدلب وسحب البساط من تحت تركيا وضرب نفوذها، بتغيير ولاء المعارضة السورية من أنقرة باتجاه الرياض، وإقصاء الإخوان المسلمين نهائياً. لهذا تعملُ السعودية باتجاه عملٍ عسكري في إدلب للتخلّص من جيش الإخوان، العمود الفقري للإرهابيين هناك. نجاحُ السعودية يضربُ أيضاً النفوذ الإيراني المؤيد ضمنياً للإخوان ولحلف تركيا…

ما علاقة ذلك بالوضع الاقتصادي في سوريا؟

رغم أننا نشرنا سابقاً عما يتسببُ بالوضع الاقتصادي السيء في سوريا على موقع مركز فيريل، لكن مازالت تردنا أسئلة سنجيبُ عنها بحيادية هنا كما عودناكم. بوضوح؛ اتفق الناتو والدول العربية وروسيا على الضغط على دمشق، وبدرجات مختلفة، بدءاً من التخلّص النفوذ الإيراني وصولاً لإخراج إيران وقطع العلاقات معها. من هنا جاء أحد أهداف التضييق الاقتصادي ومنع توريد أيّة حاجة أساسية للشعب السوري.

هل كان بإمكان روسيا خرق الحصار؟

ذهب محللون إلى مناطق بعيدة في تحليلاتهم حول سعر البترول الذي سيصل بسبب الطريق الطويلة… ببساطة: بإمكان موسكو إرسال ناقلات بترول إلى اللاذقية أو طرطوس رغماً عن واشنطن… بتاريخ 7 شباط 2013، أبحرت السفينة “نيكولاي فيلتشينكوف”، من ميناء “سيفاستوبول” في البحر الأسود، إلى ميناء طرطوس، مُحمّلة بالعتاد العسكري للجيش السوري تحت مراقبة البتاغون الذي نشر صوراً لها وهي تُفرّغُ حمولتها وأثناء إبحارها، ثم توالت السفن الروسية دون الالتزام بقوانين القواعد البحرية المعمول بها دولياً، والتي ينبغي بموجبها أن تُعلنَ السلطات الروسية عن معلومات بشأن شحنات السفن عند دخولها إلى البحر المتوسط… مثالٌ آخر؛ في 10 أيار 2017، أفاد البنتاغون أن أسطولاً كاملاً من السفن الروسية حاملاً معداتٍ عسكرية ضخمة شملت مدافع عسكرية وصواريخ باليستية متطورة وأنظمة دفاع جوي، للجيش السوري.

 هل خشيت خلال السنوات الماضية وحتى اليوم روسيا من الولايات المتحدة، وتوقفت عن توريد الأسلحة لسوريا؟

أتمنى ألا يقول أحدٌ: ماذا عن صواريخ إس 300، أو ماذا فعلت هذه الأسلحة؟ هذا سؤال طفولي سنترك له البحث عن الإجابة.

أين سوريا مما يحدث وما هو القادم؟

نوهنا مراتٍ إلى أنّ إيران تُخطئ بارتباطها الضمني بالإخوان المسلمين، بالإضافة لأهداف أخرى للغرب ضدها، راجعوا المقالة السابقة. الآن العقوبات بحزمتها الجديدة اقتربت، والحصار يشتدّ. تصعيد خطير قادم، والحجة الدائمة وجود قوات وقواعد عسكرية إيرانية في سوريا.  
حلفُ السعودية استعاد نشاطهُ ويبحثُ عن الورقة الأقوى وهي بيد سوريا…

سوريا الآن بوضع تفاوضي دقيق وقادرة على ترجيح الكفة لأي جانب. سحب ورقة التواجد الإيراني يعني ضعفُ إيراني وانكفاءٌ خاصة في ملفها النووي.
موسكو أظهرت أنها تريدُ عودة سوريا إلى منظومة الدول العربية، والأمور تسيرُ بهذا الاتجاه، فإخراجُ إيران وتحجيم تركيا يعني أنّ الساحة باتت خالية لها، وستعمل لاحقاً على إخراج واشنطن من الجزيرة السورية والتنف، مع دعم خليجي لانفصاليي قسد مادياً وعسكرياً ضد تركيا.

هي فرصة الآن أمام دمشق لإضعاف تركيا وتدمير نفوذها والقضاء على تنظيم الإخوان المسلمين، وفتح باب حوار مع الانفصاليين بشروطها، لكن المقابل هو التخلي عن إيران… فهل ستفعلها دمشق؟

المقابل سيكون أيضاً؛ انفراجٌ اقتصادي وضمان روسي بانكفاء تل أبيب عن مهاجمة أهداف عسكرية بانتفاء الحجة، ولن نستغربَ أن تقوم موسكو بتزويد الجيش السوري بأسلحة أكثر تطوراً مع تفعيل استخدام الموجود منها على الأرض.

سباقٌ محمومٌ بين طهران وموسكو، مَن يصلُ إلى دمشقَ بشروط أفضل. هذه هي حقيقة ما يجري هذه الفترة. المبعوث الروسي عاد بعرض من الرياض، بينما حاول ظريف الحصول على مثلها من أنقرة، الأنباء الواردة لمركز فيريل تقول: “نجاحٌ أقربُ للفشل” وتركيا رفضت شروط دمشق التي قالت عنها أنقرة “غير معقولة” خاصة بما يتعلق بإشراك الإخوان المسلمين في الحكم وانسحاب كامل للجيش التركي. تركيا ستكون في ورطة كبيرة إن فشلت في سوريا، وها هي تفشلُ في السودان وليبيا، وستصبحُ بوضع أسوأ من إيران إن بقيت الأمور تسير ضدها.

نعم؛ دمشق صاحبةُ القرار الآن إلى أين تميل، المتوقع كما عودتنا السياسة السورية أن تمشي على الحافة، ستعقدُ صفقةً مع إيران دون التخلي عنها، تصوغ من خلالها علاقتها بها بطريقة تسحبُ فيها ذرائعَ واشنطن وتل أبيب، مع إطلاق يد إيران أكثر في العراق بموافقة أميركية، أي مبدأ المقايضة، وستضربُ دمشقُ من جهة أخرى تركيا ومخططها… الوضعُ كما ذكرنا دقيقٌ وحساس، لكن إن سارت الأمور بصورة جيدة، سنرى إقبالاً سعودياً على إعادة الإعمار وانفراجاً اقتصادياً “مفاجئاً”… نُذكّر أن السياسة مصالح، وكما تتعامل الدول مع سوريا من مبدأ المصلحة، يجب أن يكون التعاملُ بالمثل… الأستاذ زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. الموضوع واسع سنتطرقُ لجوانب أخرى.