حقيقة إعصار إيلاينا؟ 17.12.2020. مركز فيريل للدراسات

لا شك أنّ تغيّرات واضحة طرأت على مناخ الكرة الأرضية، نتيجة الاحتباس الحراري Global warming بسبب زيادة غاز ثاني أوكسيد الكربون والميثان وغازات أخرى. شهر تشرين الثاني 2020 سجل أعلى متوسط حرارة حتى الآن ومنذ بدء التسجيل حسب  Copernicus-Programm الأوروبي بواقع 1,5 درجة. كما ذكرنا سابقاً (سقوط ثلوج أو قدوم شتاء أو شتائين باردين لا يعني عصراً جليدياً)، كل هذا يضعُ أصحاب نظرية العصر الجليدي القادم محل الشكّ…

الشكّ هذا انتقل إلى الكثير من الأخبار حتى في التقارير والنشرات الجوية التي تُهوّل أحياناً لمنخفض جوي عادي، فتصفهُ بالإعصار أو تجعلُ من تساقط بضعة سنتمترات من الثلج، عاصفة ثلجية قطبية!

أين هو إعصار إيلاينا؟

تناقلت صفحاتٌ ومواقع شرق أوسطية في مصر وسوريا ولبنان وغيرها، عن إعصار “فجائي” أسمته إيلاينا سيضرب شرقي المتوسط مساء الأربعاء 16.12.2020، هذا الإعصار حسب قولهم، تشكل بين جزيرة قبرص ولبنان ويحمل معه أمطاراً طوفانية ورياحاً شديدة جداً. بعض الصفحات أخذت صوراً عن الأقمار الصناعية وأخرى صوراً لأعاصير إستوائية، في الحالين أخطأ ناقلو الخبر عن حسن أو سوء نيّة أو قلة خبرة، وقد نشرنا عن ذلك في صفحة مركز فيريل للدراسات رداً على عشرات التساؤلات الواردة. اليوم الخميس 17.12.2020 بدأ الجو يستقر في المناطق الشمالية والغربية ويتحول إلى غائم جزئياً، بينما يستمر تساقط أمطار في المناطق الوسطى والجنوبية حتى ساعات المساء… الرياح خفيفة إلى متوسطة السرعة تبقى شرقية في الساحل وجنوبية غربية في فلسطين… هل تبخّر الإعصار فجأة؟

ماذا يعني إعصار؟

استخدام تعبير إعصار يجب أن يكون دقيقاً تماماً كاستخدام تعبير عصر جليدي. الإعصار بالتعريف: منطقة ضغط جوي منخفض بمركز يُسمى عين الإعصار، يتشكل في المناطق المدارية أو الإستوائية حصراً وفي المحيطات والمياه الدافئة، تُرافقه رياح دائرية حلزونية شديدة تتحرك عكس عقارب الساعة في النصف الشمالي وأمطار رعدية غزيرة، تصلُ إلى مئات الميلمترات. تم تصنيفه ضمن خمس درجات أضعفها الأولى وتحمل رياحاً سرعتها أكثر من 120 كم/سا.

عين الإعصار، هي المركز وتكون منطقة هادئة خالية الغيوم يصلُ قطرها إلى 80 كم. بينما يشغل الإعصار مساحة تبدأ من 80 ألف كم مربع لتصل إلى مئات الآلاف، وكلما ابتعدنا عن المركز، ضعف تأثيره. قيم الضغط قد تكون أقل من 960 ميلي بار، وكما ترون في الصورة قيمة الضغط الجوي في الإعصار من الدرجة الخامسة الذي يضرب الآن جزر فيجي تصل إلى 953 ميلي بار برياح 260 كم/سا وأمواج بارتفاع 16 متراً.

هذا اسمهُ إعصار

ماذا حدث وأين أخطأ ناشرو الخبر؟

عدم تحقق الشروط السابقة يعني أنّ الظاهرة المناخية ليست إعصاراً وإنما هي منخفض جوي بين الضحل والعميق. الذي حصل البارحة الأربعاء هو التالي؛ أخطأ ناشرو الخبر في قراءة خرائط الطقس وصور الأقمار الصناعية. نعم؛ ظهرت عين للمنخفض الجوي الطبيعي وهذا أمرٌ كان نادراً لكنه بات يتكرر في السنوات الأخيرة وحصل مرتين قبل سنة تماماً عام 2019 كانون الأول.

المتابع وسكان المناطق الغربية لاحظوا هبوب رياحٍ متغيّرة الاتجاهات حسب مناطقهم. رياحٌ شمالية شرقية في سوريا من لواء إسكندرون وصولاً إلى الجزيرة السورية. رياحٌ شرقية في محافظات حماة واللاذقية وطرطوس. رياح جنوبية إلى جنوبية غربية في الجنوب وفلسطين والأردن ومصر. أي هبت رياح من الجهات الأربع التقت عند مركز المنخفض الجوي الذي كان قريباً من الشاطئ، فشكلت “دوامة” حلزونية ظهرت غيومها على الأقمار الصناعية على أنها إعصار، فاختلط الأمر على القارئين ولم ينتبهوا لتحقق باقي شروط الإعصار…

ما حدث هو عاصفة فقط، عاصفة عادية مرّ مثلها وأشد منها مئات العواصف. الرياح لم تتجاوز 71 كم/سا وهذا رقم بعيدٌ كثيراً حتى عن العاصفة. كمية الأمطار كانت كبيرة في بعض الأماكن لكن هذا ليس بالأمر الغريب والاستثنائي نهائياً… للتذكير سقط بتاريخ 19.01.2018 في منطقة القدموس 118 ملم خلال أقل من 24 ساعة، وبتاريخ 5 تشرين الثاني 2020 سقط 98 ملم، وفي الأردن منطقة خرجا 108 ملم رأس منيف سقط 136.9 ملم بتاريخ 27 كانون الأول 2019.

بالنسبة لاستخدام تعبير Medicanes ميديكان، فهو حديث العهد وغير مُعتمد من قِبل الخبراء، لكنه بدأ يتكرر منذ الثمانينات فاستخدم في الخريف لوصف حالة معينة محدودة في البحر الأبيض المتوسط تمزج بين الإعصار والمتوسط. يحدثُ عندما يتدفق هواء بارد من خطوط العرض المعتدلة نحو خط الاستواء ويتشكل الحد الأدنى للقطع في الطبقات العليا من الهواء، وهي حالة استثنائية تحدث خارج المناطق المدارية عندما تكون مياه المتوسط دافئة.  الكتلة الهوائية القريبة من سطح البحر تكون رطبة بسبب التبخر ، تتكثف وتشكل دوامة من السحب أثناء الحمل الحراري الأعظمي أي بعد الظهر، وبصورة مشابهة للمناطق المدارية إلى حد ما، تتشكل معها عين للدوامة تختفي فيها الغيوم فتشبه شكلاً، ونقول شكلاً فقط الإعصار، لكنها ليست إعصاراً… طالما أن سرعة الرياح لا تتجاوز 120 كم/سا. بتاريخ 27 تشرين الأول 2016 أطلق الاسم على دوامة جنوب جزيرة صقلية Medican TRIXI كانت قيمة الضغط الجوي فيها 1010 ميلي بار رافقتها رياح 119 كم/سا وأمطار غزيرة.

للتوضيح أكثر، قارنوا بين الصور. منخفض أطلسي عملاق يُغطي مساحة 7 مليون كم مربع برياح تصل إلى 120 كم/سا وأمطار غزيرة جداً، رغم ذلك لم يطلق عليه أهل العلم وصف إعصار… بينما أطلق على ميني منخفض اسم إعصار في شرقي المتوسط!! مركز فيريل للدراسات. 17.12.2020