المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران؟ السيناريوهات المتوقعة. الدكتور جميل م. شاهين.

قد لا يروق ما سأكتبهُ لمؤيدي إيران وأعدائها بنفس الوقت، فالقسم الأول يعتبرها دولة عظمى سوف تمسحُ إسرائيل عن الوجود وتنتصر على الولايات المتحدة، والثاني يعتبرها دولة ضعيفة ذات أطماع توسعية طائفية ويحتمون بتل أبيب وواشنطن للوقوف بوجه الخطر الفارسي المحدق…

الدكتور جميل م. شاهين. Firil Center For Studies FCFS Berlin. المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران؟ السيناريوهات المتوقعة

ما أراهُ أنّ إيران دولة متوسطة الحجم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، مقارنة بالدول العظمى، لديها مشاريعها الخارجية كغيرها من الدول في بسط نفوذها على دول الجوار، ولعب دور سياسي إقليمي ينعكس على الساحة العالمية في أخطر منطقة في العالم.

نجحت طهران في مناطق وفشلت في أخرى، وهذا انعكس سلباً على علاقاتها غير السليمة تاريخياً بدول الجوار. تمت تغذية العداء الطائفي لإيران في معظم العواصم العربية والإسلامية وبأوامر من الولايات المتحدة، واستغلال الدّين من قِبل جميع الدول هو الطريقة الأسهل والأسرع للسيطرة على الشعوب… وقد نجحوا.

نظرة سريعة على تاريخ إيران الحديث

لا شكّ أنّ إيران من أكثر الدول الإسلامية قوةً وتطوراً تقنياً وتكنولوجياً، وقد اعتمدت على قدراتها الذاتية وما ورثتهُ من عهد الشاه السابق محمد رضا بهلوي، حيث وصلتْ لأفضل نمو اقتصادي في فترة السبعينات، بالمقابل كان حكم الشاه ديكتاتورياً. عادَى الاتحاد السوفيتي بإقامة “حلف بغداد” عام 1956 الذي كانت تركيا وباكستان والعراق وبريطانيا أعضاء فيه، ولقي الحلفُ مباركة من دول الخليج والولايات المتحدة، لأنه يقف في وجه المد الشيوعي “الكافر”. الثورة الإيرانية 1979 ألغت الحلف، وهذا أحد نقاط بداية الخلاف مع الغرب والخليج. بعد خلعِ الشاه، لم يجد دولةً تستقبلهُ سوى مصر وهو صديق أنور السادات الشخصي، وحظي باستقبال الملوك وأقام في قصر القبة حتى وفاته التي أمر السادات بأن تكون جنازة تليق بالملوك… وهنا أول خلاف بين القاهرة وطهران.

الثورة الإيرانية جاءت بشعارات دينية، رداً على حكم الشاه الذي منع التديّن وأوله حظر الحجاب، فكانت معاكسة له تماماً بفرض الحجاب وتحويل إيران إلى دولة دينية إسلامية، وهذا يتفق مع ما يريدهُ الغرب من تحويل الشرق الأوسط لدول دينية ليتم إعلان الكيان الصهيوني دولة يهودية، وقد حصل.

ليس هناك خلافٌ على الحكم الديني بين الغرب والسعودية وإسرائيل من جهة وتركيا وإيران من جهة أخرى. الخلاف على ضرورة تحجيم إيران ومنع تمددها أكثر من مساحتها.

تهديدات وحشودات عسكرية أميركية دائمة

ما يجري حتى اللحظة، هو أكثر من حربٍ نفسية وأقل من حرب عسكرية، وهو ما ذكرناه في مركز فيريل للدراسات مراراً، محللون يرون أنها وسائل ضغط ليس أكثر، آخرون يؤكدون أنّ الحرب الكبرى واقعة لا محالة… في الحقيقة؛ لا يملكُ أحدٌ العلم بالغيب، وما نملكهُ هو التحليل والتوقع…

ما نراهُ أنّ واشنطن ومع إقتراب نهاية ولاية دونالد ترامب وأزمة نتنياهو، بحاجة لتحريك المياه في الخليج العربي قبل استلام جو بايدن دفة الحكم في البيت الأبيض

الحشد العسكري الأميركي موجود دائماً. بعضهُ من أجل “البروظة” لكن ماذا عن التحركات الأخيرة؟ تنتظرُ واشنطن وتل أبيب حدثاً ما مُفتعل أو حقيقي كي تضرب، وسوف تضرب إن حدثَ… أين ومتى وكيف؟ هذا تُقررهُ الأحداثُ على الأرض.

ترسانة الأسلحة الأميركية وعشرات الآلاف من الجنود موجودة أصلاً في الشرق الأوسط، وهي كافية لشن حرب كبرى، فلماذا تأتي بالمزيد؟ صواريخ دفاع جوي من نوع باتريوت وحاملة طائرات وقاذفات بي 52 الاستراتيجية التي شوهدت في قاعدة العديد جنوب الدوحة، صديقة إيران! وحلقت في رحلة استعراضية. حديثٌ سابقٌ لترامب عن إرسال 120 ألف جندي لغزو إيران… كل هذا استعراضٌ ليس أكثر بإنتظار حدوث مُبرّرٍ ما تقدمه إيران…

الجديد في المنطقة

إذاً معظم ما ورد مُكرّرٌ منذ سنوات ولم يحدث أيّ احتكاك عسكري خطير. زيارة مارك ميلي رئيس أركان الجيش الأمريكي لتل أبيب يوم الخميس، لعقد مباحثات حول تعزيز التعاون الأمني بين الجيشين، أيضاً ليست جديدة فقد زارها في نهاية تموز 2020. المُلفت للانتباه هو أنّ الزيارة غير محددة المدة…

التبريرات تنصبُّ حول اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني، ونائب قائد هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في مطار بغداد، بطائرة أمريكية مسيّرة. وأيضاً اغتيال عالم الذرة محسن فخري زاده في نهاية تشرين الثاني الماضي. فهل ستنتقمُ إيران وتُقدّم المبررات على طبق من فضة؟

الردّ الإيراني على اغتيال سليماني كان بقصف قاعدة “عين الأسد” في العراق بعشرة صواريخ باليستية حسب واشنطن، وقد أصابت الصواريخ فعلاً القاعدة وأدت لمقتل وجرح عدة جنود أميركيين في كانون الثاني 2020.

الردّ الإيراني على اغتيال زاده كان بتسريع برنامجها النووي قبل مضيّ 72 ساعة على الحادثة، وهو يعني زيادة تخصيب اليورانيوم مما يتعارض مع الاتفاق النووي. فهل ستكتفي طهران بهذا الرد أم ستتابع؟

السيناريوهات المتوقعة حسب مركز فيريل للدراسات، برلين

نورد لكم السيناريوهات المتوقعة دون ترتيب، ونُذكّر أننا نشرنا في مركز فيريل عن مناورات جوية أميركية لقصف إيران، يمكنكم مراجعة المقالة على الرابط.

https://bit.ly/2V5X9uQ

السيناريو الأول:

حادثة ضد المصالح الأميركية وضرب الميليشيات الإيرانية

الجيش الأميركي في العراق والمنطقة في حالة التأهب بناءً على معلوماتٍ من المخابرات المركزية الأميركية عن خطة لضربه من قِبل ميليشيات موالية لإيران. واشنطن سحبت منذ شهور موظفيها غير الأساسيين من سفارتها ببغداد… قد يكون هذا تمهيد لقصف هذه الميليشيات في العراق وطبعاً في سوريا…

طهران قد لا تردّ مباشرة كما حدث في كانون الثاني 2020، بل ستوكل المهمة للميليشيات التابعة لها كما فعلت حركة أنصار الله سابقاً، باستهداف طائراتها المُسيرة لخزانات نفط استراتيجية وحقول بترول في مدينة ينبع السعودية على البحر الأحمر.

إذاً؛ ضربة للمصالح الأميركية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، ستردّ عليها واشنطن وتل أبيب بقصفِ مَن تراهُ الفاعل… المُتهم هو ميليشيات عراقية شيعية موالية لإيران، سيتم قصفها في العراق وإن دعت الحاجة في سوريا أيضاً. بينما تتولى السعودية قصف اليمن بحرية أكبر. هنا لا نتوقعُ أن تردّ إيران مباشرة، فالأمر استعراضٌ للقوة من قبل الولايات المتحدة ورسالة تهديد عملية لطهران…

السيناريو الثاني:

عدم ردّ إيراني بانتظار وصول بايدن

كي تتجنّب طهران كافة الاحتمالات، عليها تمرير الوقت بانتظار وصول موكب بايدن إلى البيت الأبيض والتوقيع على اتفاق نووي جديد. وهذا أمرٌ غير مؤكد فقد يكون من شروطهِ أن يحقّ للمفتشين الدخول للقواعد العسكرية الإيرانية متى شاؤوا، والتوقف عن تطوير ترسانتها الصاروخية، والتوقف عن دعم حزب الله والحوثيين والميليشيات في العراق، وسحبهم من سوريا. هذا لا يمكن أن تنفّذه طهران وقد ترضى ببعض البنود وفق شروطها. ترامب وضع تلكَ الشروط منذ انسحابة من الاتفاق النووي 2018 وأعطى الإيرانيين رقم هاتفه الخاصّ ليتصلوا به عندما يوافقون على شروطه، ومازال ينتظر.

بتاريخ 1 أيار 2020، تعرضت قاعدة التاجي في العراق للقصف أثناء وجود قوات أميركية فيها. في 8 أيار وزير خارجية الولايات المتحدة بومبيو، طلبَ من المسؤولين العراقيين خلال زياته المفاجئة، تحمّل مسؤوليتهم لحماية المصالح الأميركية من هجمات إيرانية وحمّلهم رسالة لطهران للجلوس المباشر معه للتفاوض حسب بي بي سي. بتاريخ السبت 11 أيار الثامنة مساءً، حطّت طائرة Airbus A320 تابعة لأمير قطر في مطار طهران لمدة ساعتين ونصف، ثم عادت إلى الدوحة، المُرجح أنّ مسؤولاً قطرياً أجرى محادثات مع الإيرانيين أَرسلته واشنطن. إذاً؛ قنوات الاتصال مفتوحة ولم تُغلق بعد، ومعلومات مركز فيريل للدراسات أنها مفاوضات غير ناجحة.

والنتيجة؛ واشنطن وطهران لا تريدان الحرب، فمَن يسعى لها؟

السيناريو الثالث الأسوأ

اندلاع مواجهة عسكرية شاملة

احتمال مُستبعد على الأقل حالياً، لكنه واردٌ… التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، وعودة نشاطاتها النووية واقترابها، حسب تل أبيب، من صنع قنبلة نووية، وتهديداتها بإشعال المنطقة، كلّ هذا لن يجعلَ احتمالات شنّ الولايات المتحدة ضرباتٍ جوية على أهداف معيّنة داخل إيران، أمراً مستحيلاً لكنه ضربٌ من الجنون غير محسوب العواقب، وهو ما يسعى إليه نتنياهو تحديداً.

اشتعالُ حربٍ كبيرة في المنطقة ليس في صالح أية دولة بدءاً من طهران ومروراً بالرياض والقاهرة ودمشق وبغداد وحتى تل أبيب… الأضرار ستكون كبيرة على الجميع وبنسبٍ متفاوتة تبعاً للمنتصر… ولا منتصر في هكذا حرب سوى شركات بيع السلاح والبترول.

بدون انفعالاتٍ وتهويلات، مواجهة إيران لأقوى دولة في العالم ليس نزهة، هزيمة الولايات المتحدة عسكرياً وجهاً لوجه صعبة. لهذا أتمنى ألا نعودَ لأحداث 1991 قبيلَ حرب الخليج الثانية، عندما تمّ تصوير الجيش العراقي بأنه رابع جيش في العالم، وبأنّ صدام حسين سيمسح إسرائيل بصواريخه، وسيُلقّنُ واشنطن درساً لن تنساه… ما حصل مستمرٌ حتى الآن، إلا إذا كان البعض يعتبرُ أنّ العراق انتصر!!

تستطيعُ الصواريخ الإيرانية الوصول إلى كافة القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، ولكن ماذا وكيف سيكون الردّ الأميركي؟

تستطيعُ الصواريخ الإيرانية والألغام البحرية إغلاق مضيق هرمز وضرب محطات وموانئ النفط، وكما ذكرنا ونُكرر في مركز فيريل، توقعوا أن يُصبح برميل البترول بـ 200 دولار لو تدهورت الحالة في الخليج العربي. هنا ستتضرر الولايات المتحدة أيضاً، كونها أكبر مستورد ومستهلك للبترول في العالم، وماذا عن باقي الدول المستوردة للبترول؟.

تستطيعُ إيران تحريك عشرات الآلاف من مقاتليها في المنطقة وإحداث فوضى عارمة ضد الدول المعادية، وستكون دول الخليج أول المُستهدفين.

اتساع مساحة الحرب أمرٌ لا يمكن الحكم عليه مسبقاً، ويعودُ لما يجري في الساحة الرئيسية، لكن امتداد النيران إلى الدول المجاورة غير مُستبعد، بما في ذلك وصوله إلى الجولان ولبنان وتحرّك حزب الله.

السؤال الأهم: هل سترضى الولايات المتحدة “النووية” بالهزيمة على يد إيران؟

إن انتصرت إيران؛ هذا يعني أنها سيطرت على الشرق الأوسط كاملاً بمقدراته وثرواته، وستطوّر سلاحاً نووياً وتدخلُ نادي الدول الكبرى، فهل ستقبلُ مُعظمُ دول المنطقة والعالم بذلك؟

باختصار؛ الحرب الكبرى إن وقعت ستدمّرُ الجميع، وستمتدُ لسوريا والعراق ولبنان ودول الخليج وستكون إسرائيل في عين العاصفة. بينما سيقع عشرات الآلاف من الضحايا مبدئياً… إلا إذا استطاعت واشنطن قصفَ كامل القواعد العسكرية الإيرانية وسحق الجيش الإيراني خلال ساعات، وهذا أمرٌ مستحيل عسكرياً في دولة مساحتها 1,6 مليون كم مربع.  

كلّ ما وردَ يأخذهُ صاحبو قرار الحرب بعين الاعتبار، وبقدر دوافع واشنطن لشن حرب ضد إيران، بقدر خشيتها من نتائج هذه الحرب.

ما يجري حتى اللحظة، هو أكثر من حربٍ نفسية وأقل من حرب عسكرية
ما يجري حتى اللحظة، هو أكثر من حربٍ نفسية وأقل من حرب عسكرية

مواقف الدول من ضرب إيران

أوروبا، باستثناء بريطانيا، تُفضّلُ عدم مواجهة طهران عسكرياً، وتحاول فتح باب التفاوض معها، وهي أكثر المتضررين من ارتفاع أسعار البترول وتدفق اللاجئين.

الصين؛ تدعمُ إيران كونها تستورد البترول الإيراني ولها مصالح اقتصادية معها، لكنها لن تتجاوز حدود الشجب والفيتو إن حصل.

روسيا؛ هي الوحيدة القادرة على الوقوف بوجه الولايات المتحدة إلى حدّ ما، رغم أنها ستسفيدُ من ارتفاع أسعار البترول والغاز، لكنّ تدمير إيران وقلب نظام الحكم فيها والمجيء بشاهٍ جديد، سيجعلها “تُفكّرُ” أن تتحرّك عسكرياً آنذاك، فهذا سيكون تهديداً مباشراً لها ولن تسمح بوجود عدو جديد على حدودها الجنوبية. إذاً؛ تحرّك موسكو بشكل حاسم، مؤجّل وقد لا يحدث حتى لو أصبح الجندي الأميركي في قلب طهران.

معظم دول الخليج ومصر والدول العربية وغالبية الشعوب الإسلامية تقف مع الولايات المتحدة حالياً، ضد “العدو الشيعي” هذه حقيقة مَن يريد القفز فوقها عليه أن يقفز طويلاً…

إسرائيل بدون شك، تقف ضدّ إيران وستحاول المشاركة بضربها لكن واشنطن لن تسمح بذلك على العلن.

تركيا، صديقة إيران، من مصلحتها ضرب إيران دون تدميرها، كي تتراجع في سوريا، ظنّاً منها أنّ هذا سيُضعفُ موقف دمشق.

ليس من مصلحة سوريا توجيه أية ضربة لإيران.

أخيراً

هي أسابيع قليلة وتنتهي حالة التوتر لننتقل إلى حالة اللاحرب واللاسِلم. ترامب ونتنياهو ييتهلان أن تُقدّم لهما إيران مبرراً يُنقذهما من ورطتهما. فاشتعال حرب كبيرة قد يؤجل رحيل الأول، بينما الإنتخابات المبكرة تلوح في الأفق إثر تصاعد الخلافات بين حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، وحزب أزرق أبيض برئاسة وزير الحرب بيني غانتس.

اضرب الضعيف كي يخشاكَ القوي، وافرض الأتاوة على الأثرياء… هذه هي سياسة ترامب، فهل سيتجاوزها خلال الأيام القادمة؟. بجميع الأحوال؛ ليس هناك منتصرٌ في أية حرب، فما نفعُ الانتصار بينما التدمير أصاب أنحاء الدولة وفقدت مئات الآلاف من جنودها؟ بالنسبة للشعب، لا أحد يهتم لأمرهِ، كان وسيبقى الوقود، ماضياً وحاضراً… الدكتور جميل م. شاهين. Firil Center For Studies FCFS Berlin.