حل الملف الكردي في سوريا 2020. زيد م. هاشم

دعونا في البداية نُلقي الضوء سريعاً على ثقل الأحزاب والتنظيمات الكردية، لفهم ما يتم العمل عليه كمدخل لحل الملف الكردي في سوريا ضمن خارطة مصالح الدول المعنية بالأزمة السورية.

البيشمركا السورية


أُسّست البيشمركا الكردية السورية في كانون الأول 2012 كذراع عسكرية للحزب الديمقراطي الكردستاني السوري. الحزب هذا هو نواة المجلس الوطني الكردي الذي انضوى تحت ذراع الائتلاف السوري المعارض في إستنبول. مع حلول حزيران 2015 تحوّلت البيشمركا السورية لتصبحَ جناحاً عسكرياً للمجلس الوطني الكردي برئاسة إبراهيم برو، من مواليد عامودا ويقيم في أربيل، والذي كان زعيماً لحزب يكيتي حتى 23 كانون الأول 2018. برّو إختطفتهُ ميليشيات الأسايش التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في 13 آب 2016 وتمّ نفيّهُ إلى شمال العراق.

يُصنف حزبُ الاتحاد الديمقراطي الكردي، المجلسَ الوطني الكردي كقوة معادية، وهذا الأمر أكدته الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد آسيا عبدالله، التي قالت أنّ المجلس الوطني الكردي تابع للائتلاف الذي يعادي مكتسبات الأكراد ويعادي وجود الشعب الكردي ويُنكر حقوقه، وتقوم الفصائل التابعة له بالاعتداء وقتل المدنيين الكرد، بحسب وصفها.

يُقدّر عدد قوات البيشمركا السورية بالآلاف، نُقدّرهم في مركز فيريل بـ 8 آلاف مقاتل سوري كردي، تلقوا تدريبات عسكرية على مدى السنوات الماضية في شمال العراق تحت إشراف الولايات المتحدة، ولا يتبعون ميليشيات قسد وليسوا على وفاق معها.

المجلس الوطني الكردي؛ ائتلاف سياسي يضم 15 حزباً وفصيلاً من السوريين الأكراد، يتمتع بإعتراف دولي ورعاية من رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، لكنه محدود التأثير في الشارع السوري الكردي. الأحزاب تلك في سوريا هي:

حزب يكيتي الكردي في سوريا (يكيتي) (السكرتير  سليمان أوسو)

الحزب الديموقراطي الكردستاني في سوريا (السكرتير سعود الملا)

حركة الإصلاح الكردية في سوريا (السكرتير فيصل يوسف)

حزب المساواة الديموقراطي الكردي في سوريا (السكرتير نعمت داوود)

الحزب الديموقراطي الوطني الكردي في سوريا (السكرتير طاهر سفوك)

الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا (البارتي)

حزب الوحدة الديموقراطي في سوريا (يكيتي الديموقراطي) (السكرتير هجار علي)

حزب الوحدة الديموقراطي الكردستاني (السكرتير كاميران حاج عبدو)

حزب اليسار الديموقراطي الكردي في سوريا (السكرتير شلال كدو)

حزب اليسار الكردستاني في سوريا (السكرتير محمود ملا)

تيار المستقبل الكردي في سوريا (رئيس الحزب سيامند حاجو)

تيار المستقبل الكردي في سوريا (مسؤولة مكتب العلاقات العامة نارين متيني)

حزب مجلس إيزيديي سوريا (الرئيس مزكين يوسف)

البارتي الطليعي الكردستاني في سوريا (السكرتير إسماعيل حساف)

للمعلومات: عدد الأحزاب والتنظيمات الكردية في سوريا هو 46 حزباً وتنظيماً، أي 46 زعيماً على الأقل! راجعوا البحث الكامل على موقع مركز فيريل للدراسات تحت عنوان: لم يُشكّل الأكراد أيّ خطر في الماضي، فهل أصبحوا الآن خطرين؟

قسد

تم الإعلان عن تشكيل ميليشيات قسد في 10 تشرين الأول 2015. المؤسس الحقيقي هو الولايات المتحدة الأمريكية بحجة تقديمها أسلحة لجماعة تقومُ بمحاربة داعش. قسد هي إختصار لقوات سوريا الديموقراطية؛ مجموعة من فصائل مسلحة تُشكّلُ: وحدات حماية الشعب حوالي 15 ألف عنصر، ووحدات حماية المرأة قرابة 5 آلاف عنصر، عمودها الفقري، وهي تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. كما تضمّ فصائلَ أخرى:

التحالف العربي السوري، جيش الثوار ويضم: جبهة الأكراد، واللواء 99، والعمليات الخاصة 455، وأحرار الزاوية، ولواء السلطان سليم، ولواء شهداء أتارب. هناك أيضاً: غرفة عمليات بركان الفرات وقوات الصناديد، لواء السلاجقة، تجمع ألوية الجزيرة، المجلس العسكري السرياني- أو ما يُسمى سوتورو، لواء ثوار الرقة، كتائب شمس الشمال، لواء التحرير
لم ننتهِ بعد… هناك مجموعات أخرى منها: صقور البادية، لواء الجهاد في سبيل الله، كتائب فاضل الشبلي، أحرار جرابلس، كتائب أسود الفرات، كتائب أسود السفيرة، لواء جند الحرمين، تجمع كتائب فرات جرابلس.

أشرسُ معركة خاضتها وحدات حماية الشعب وحماية المرأة كانت في عين العرب ضد داعش التي هاجمتها في أيلول 2014، ثم استمرت المعارك شهوراً طويلة حتى منتصف 2015.

وزارة الدفاع الأمريكية تتحدّثُ عن 45 ألف مقاتل تضمهم قسد نصفهم من العرب، بعض التقديرات ترفع العدد إلى 70 ألفاً. مهما كان العدد فواشنطن هي الداعم الأول لهم سياسياً وعسكرياً بالعتاد بمختلف أنواعه وبالتغطية الجوية.

تركيا على عداءٍ شديد مع هذه الميليشيات، وتعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا فرعاً من حزب العمال الكردستاني “الإرهابي” حسب وصفها.

اعتمدت الولايات المتحدة على قسد لشرعنة إحتلالها للشرق والشمال السوري، والحجة الدائمة “محاربة داعش”. بعد تلاشي ميليشيات “الجيش الحرّ” وسيطرة تنظيم القاعدة بفرعه “جبهة النصرة” على محافظة إدلب كاملة وأجزاء من ريفي حلب الغربي والجنوبي، ركزت واشنطن دعمها على مليشيا قسد بأشكال متنوعة:

دعم أمريكي مباشر وعلني، بإرسال آلاف شاحنات العتاد والأسلحة والمعدات العسكرية، تدخل من شمال العراق نحو المناطق التي تحتلها قسد. هذا الدعم كان سرياً مع تنظيمات الحر والنصرة في السابق.

فتح قواعد عسكرية أمريكية بمناطق سيطرة قسد. في الآونة الأخيرة سُحبت القوات الأمريكية المتواجدة غرب الفرات نحو شرقه حيث النفوذ الأساسي الجغرافي للأكراد، ليتركّز الوجود الأمريكي حول آبار البترول بالجزيرة السورية وشرق الفرات. يأتي هذا التطور المهم في ظل وضع سيئ يعيشه الإقتصاد السوري الذي تدهور بشكل ملحوظ خلال السنة الماضية، واقترب من حافة الإنهيار. واشنطن احتلت آبار البترول بالتواطؤ مع قسد لتزيد الضغط الإقتصادي على دمشق، هو احتلال دون تطويرٍ واستثمارٍ حقيقيّ لتلك الآبار، والقصد حرمان الخزينة السورية من الموارد لإعادة الإعمار…

ماذا تريدُ واشنطن من دعم الإنفصاليين؟

رغم أنّ الإنفصاليين وقعوا في الحفرة عدة مراتٍ لكنهم لم ولن يتعلموا، ظنّاً منهم أنّ واشنطن “تعشقهم” وهمّها إنشاء دولة لهم لأنهم أحبابها… واشنطن تستخدمُ ورقة الأكراد الإنفصاليين لهدفين:

الهدف الأول: التلويح بهذه الورقة لتركيا كلما حاول أردوغان أن يُغرّد خارج سرب الناتو.

الهدف الثاني: ترتيب وضع قسد والمجلس الوطني الكردي وإنخراطه في التسوية السياسية المرتقبة بشروط تحقق المصالح الأمريكية، أي يبقى لواشنطن “بؤرة إنفصالية” في الشرق السوري.

أمّا هدف الاحتلال الأميركي الأهم فهو إخراج إيران من سوريا.

لو كان بإمكان الولايات المتحدة إنشاءَ دويلة كردية على حساب الأراضي السورية، لما تأخّرت لحظة.

ماذا جرى سابقاً؟

سوريا لعبت على الملف الكردي مع تركيا، وكان ضمن مناقشات لقاءات المسؤولين من البلدين، بما في ذلك اللقاء الأخير بين مملوك وفيدال، حيثُ احتل الملف الكردي حيّزاً واسعاً ضمن المباحثات. السياسة السورية في هذا الملف كانت ورقة ضغط على أنقرة، جعلها تتراجعُ في عدة نقاط وتبدأ بتغيير سياستها بما في ذلك القفز إلى الحضن الروسي كلما ضاقت بها الحيلة، ورأت صدّاً أميركياً.

عقدت تركيا إتفاق مناطق خفض التصعيد ونقلت قسماً كبيراً من الإرهابيين التابعين لها نحو الشمال. بالإضافة لاتفاقات الأستانا وسوتشي وسلسلة اللقاءات ذات الصلة، ترافق هذا بتحقيق الجيش السوري لإنتصاراتٍ في الجبهات الوسطى والجنوبية، وكان الخوف من الملف الكردي يقصف رُكَبَ أردوغان، مع استخدام واشنطن ومعها الرياض وأبو ظبي للأكراد ضد تركيا. ثم جاء اللعب السوري الذي تراهُ أنقرة أخطر مما ورد… هنا بدأت أنقرة تعملُ بكلّ جدية على استمالة دمشق، تارةً عبر طهران لأنها معنية أيضاً بهذا الملف،  وتارة عن طريق روسيا للضغط على سوريا. العراق بات الأكراد فيه كياناً مستقلاً ولا حول له ولا قوة… بينما الملف السوري الكردي مفتوح على مصرعيه في الأزمة السورية شديدة التعقيد، وشاءت تركيا أم أبت، ستتفقُ مع سوريا في قضية تمسّ أمنها القومي، ووحدةُ الأراضي السورية تهمّ أنقرة لدرجة كبيرة.

ماذا عن روسيا؟

روسيا لا تُعارض كثيراً أهداف واشنطن واستغلالها للأكراد سواء فيما يخص تركيا أو إيران، لأنها تريد إبعاد سوريا عن أية مواجهة عسكرية تهدد الوجود والمصالح الروسية، كما أنها لا تمانع في مشاركة المعارضة، بما في ذلك الأكراد الإنفصاليين، الحكمَ من خلال اتفاق الأستانا واللجنة الدستورية، والذي كانت روسيا عرابته وبوتين مهندس تفاصيله من خلال لافروف. الروس صرحوا أن هناك نقاط يمكن منقاشتها مع الأكراد بقضايا الحكم الذاتي… إذاً؛ موسكو لا تُعارضُ حلاً يجمعُ مصالح واشنطن التي تتوافق مع مصالحها لكن ضمن وحدة الأراضي السورية، مع القبول بهامش محدود للمصالح الأمريكية. لهذا دخلَ الجيش العربي السوري المناطق التي تحتلها قسد ضمن تنسيق روسي بين دمشق وقسد وأنقرة، والمثير للإهتمام أن واشنطن لم تعارض هذا الإتفاق، السؤال: لماذا؟

ماذا يجري الآن؟

تعملُ واشنطن على إبرام مصالحة بين المجلس الوطني الكردي وذراعه العسكرية البيشمركة (المسعوديين)، وحزب الإتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب pyd (الأوجلانيين) الذين يهيمنون على قسد، وتحتلُ أكثر من 20% من مساحة سوريا. الهدف واضحٌ؛ بناء جبهة كردية موحدة ذاتُ صبغة سياسية تجمعُ أوسع أطياف المكوّن الكردي لزجّهم  في العملية السياسية القادمة بموافقة روسية ورضىً سوري مشروط.

سوريا لم تعتبر يوماً الأكراد عدواً ولم تستهدفهم عسكرياً، رغم استجلابهم للمحتل الأميركي وإعتداءات عديدة ضد الجيش السوري والقوى الأمنية، على العكس؛ وفّرت لهم غطاءً ودعماً عسكرياً لمواجهة النصرة وداعش قبل الإحتلال الأميركي، لكنهم إنقلبوا بعد سماعهم بالوعود من واشنطن، ثم عادوا إلى دمشق ثم إنقلبوا ثم…

حتى اليوم لا تعتبرهم دمشق عدواً، بل جهة يمكن التعامل معها، لهذا بقي مربعان أمنيان في القامشلي والحسكة، وعدم تجرؤ الجيش التركي وجيش الإخوان المسلمين على احتلال القامشلي كان بسبب وجود الجيش السوري فقط، وليست بطولات قسد وشقيقاتها. الجيش عاد إلى المناطق الحدودية بالتوافق مع قسد ضمن إتفاقٍ صاغته موسكو مع أنقرة بمباركة أمريكية أعلن عنها ترامب وقتها.

إتمام المصالحة بين البيشمركا السورية ووحدات حماية الشعب، يحقق مصالح أمريكية روسية تركية، ويفرض نموذجاً مصغراً عن إقليم شمال العراق من حيث المضمون لا الشكل، فإقليم شمال العراق تحكمه عائلة البرزاني حليفة الأميركي والتركي والإسرائيلي، وعائلة الطالباني حليفة الإيراني والروسي (السوفيتي سابقاً).

ما يتمّ العملُ عليه حالياً وحسب رأي مركز فيريل للدراسات هو (تقديم مناطق شرقي الفرات والجزيرة السورية بشكل كتلة موحّدة كباقة سياسية تضمّ قوىً كردية وعربية، تُشكّلُ ثِقلاً فاعلاً في الأزمة السورية). تتدخّلُ في تنسيق هذه الباقة واشنطن وموسكو والرياض وتركيا وصاحبة الأرض سوريا، هي بوادر وليست اتفاقات ولا اتفاقيات، فهل الأمر بهذه البساطة؟!…

روسيا وكما ذكرنا، تريد سوريا بلداً مستقراً تنتهي فيه الأزمة بتسوية سياسية تبعده عن المواجهة، لتقوم بجني الثمار بعد موسم طويل من “الزراعة” والإنتظار. تطمحُ موسكو نحو شرق أوسط مستقر تتغلغلُ فيه إقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، لهذا ستدعم أي إتفاقٍ يُعزّزُ مصالحها بتسوية تحفظ وحدة الأراضي السورية وتتوافق عليه الأطراف المعنية، ولابأس من تحقيق مصالح واشنطن وأنقرة بالحدود الدنيا. موسكو لا يمكنها تجاوزهما لأنهما ممثلان على الأرض بقوة من خلال مليشيات وفصائل مسلحة تابعة لها، شاركت في أستانا وجنيف وعليهما يقوم الحل السياسي كطرف مقابل لدمشق.

هل هناك صياغة معيّنة لأيّ إتفاق؟

لا توجدُ صياغة ثابتة حتى اللحظة، ولم تطرحُ أية عاصمة تصوراً متكاملاً عمّا تريد، هي اجتهاداتٌ وطموحاتٌ من الإنفصاليين لا تؤخذُ مأخذ الجَد عندما يجتمعُ أصحاب الأرض الحقيقيون… على فرض أنّ واشنطن تمكنت من توحيد الأحزاب الكردية بعد سلسلة طويلة من اللقاءات الماراتونية، سواء في القواعد الأميركية في الحسكة وبوساطة فرنسية أيضاً، أو لقاءات خراب عشق في عين عرب أو في أربيل، هل سينتهي الأمر؟

تمتلكُ دمشق نفوذاً قويا في عدة قبائل عربية شرقي الفرات، وتدين هذه القبائل بالولاء لسوريا، كقبائل طي جبور العكيدات البكارة الشرابيين، هؤلاء يمثلون الثقل الأكبر للتكوين السكاني بالجزيرة السورية، وأغلب هذه القبائل لديها مقاتلون ضمن تشكيلات الدفاع الوطني، وهذه نقطة حيوية لا يمكن تجاوزها على الإطلاق تعطي لدمشق قوة كبيرة هناك. أمرٌ آخر؛ دعونا نقول أنّ 50% فقط من ميليشيات قسد هم سوريون عرب، دفعتهم الظروف الإقتصادية أولاً، ونؤكدُ على ذلك، ثم الوضع الأمني السيء خلال السنوات السابقة في ظل غياب الجيش العربي السوري للالتحاق بقسد، كما دخلوا قسد من أجل المال سيخرجون منها لذات السبب… لكن مَن سيدفع لهم؟ الممول قادم…

دمشق تمشي بين قطرات المطر

حرّكت دمشق الملف العشائري شرقي الفرات والجزيرة، فسمحت بعودة “نواف راغب البشير” شيخ مشايخ قبيلة البكارة بوساطة روسية إيرانية، والذي شكّل قوة عشائرية فاعلة موالية للدولة السورية في دير الزور. الخطوة أعادت نوعاً من التوازن لريف غرب دير الزور وملأت فراغاً كانت ستستغلّهُ واشنطن بالتواطؤ مع قسد.

الشيخ محمد الفارس شيخ قبيلة طي، شكّل أيضاً قوة من الدفاع الوطني في القامشلي، كان لها دوراً فعالاً منذ اليوم الأول للأحداث في سوريا ويشهد له بمواقفه الوطنية والثابتة.

يمتلكُ الشيخ حميدي دهام الجربا، شيخ قبيلة شمر في سوريا، قوة عشائرية تسمى الصناديد محسوبة على قسد. مؤخراً تواصل مع دمشق بوساطة الروس، وبدأ بتغيير مواقفهِ.

هناك قوات رديفة من قبيلة العكيدات، كبرى قبائل ريف ديرالزور الشرقي، وكذلك عشيرة البوحمد في الرقة تمتلكُ قوات دفاع وطني كان لها دور قوي بتحرير ريف الرقة من داعش.

في أيلول 2019، عاد الشيخ نواف المسلط شيخ مشايخ قبيلة الجبور، بعد سبع سنوات قضاها في الرياض. زار العراق ودمشق والحسكة. الأهم في تعليقاته كان (وحدة وسيادة سوريا وعروبة منطقة شرق الفرات. العلاقات السعودية السورية تعود تدريجياً…). الشيخ نواف محسوب على السعودية، وقبيلة الجبور كبرى قبائل مدينة الحسكة وريفها،  وهذا دليل على توجّه دمشق نحو تعزيز التيار العربي بوجه تياراتٍ تُمجّدُ السلطنة العثمانية وأخرى إنفصالية كردية. بقي أن نعرف أن عدد السوريين الذين ينتمون لقبيلة الجبور في الجزيرة السورية يقارب مليون سوري.

هي تحرّكاتٌ متتالية تقوم بها دمشق ذاتُ تأثير سياسي وإجتماعي سينعكسُ على الأرض في الجزيرة وشرقي الفرات، لتعديل موازين القوى لتصبحَ لصالحها. لهذا نرى في مركز فيريل أنّ عودة العلاقات مع السعودية أمر هام، ودعكم من المبادئ فهي لا تمتُّ للسياسة بصلة. لا مبادئ في السياسة.

الردّ الأميركي

تذكرون عندما أعلنَ ترامب إنسحابه من سوريا أننا راهنّا في مركز فيريل للدراسات أنه لن ينسحب… ولن ينسحب إلا إذا حقّقَ غاياته أو بالتوابيت… احتلت واشنطن وقسد حقول بترول وغاز الجزيرة وشرقي دير الزور، وتتقاسم وارداته مع الميليشيات، على أمل أن يعترفَ المجتمعُ الدولي بهذه الميليشيات كقوة رئيسية. كما جعلت من محافظة الحسكة سجناً كبيراً لأسرى داعش وعائلاتهم كبطاقة تهديد إقليمي وعالمي، وجعلت هذه الورقة بيد قسد. وهذا كمَن يُعطي صبيّاً سلاحاً لا يعرف إستخدامهُ… الآن تُحاولُ واشنطن وصلَ إنفصاليي سوريا بنظرائهم في شمال العراق للضغط وابتزاز الدول الأربع ومعهم روسيا.

توسّعُ قواعدها هناك كما يحدث الآن في قاعدة “تل بيدر”  على الطريق الدولي المعروف باسم M4. في تشرين الأول 2019 انسحب الجيش الأميركي من القاعدة. الآن عاد وطرد منها كافة عناصر الميليشيات الكردية ومنعهم من دخولها. كذلك فعل في قاعدة الوزير شمال الحسكة. عشرات الجنود والآليات والمدرعات والعتاد وصلت القواعد تلك، والعمل جارٍ أيضاً على إنشاء قاعدة كبيرة في “تل براك”، فهل هذه قواتٌ مُحتلة تنوي الإنسحاب؟!

مايك بينس، نائب الرئيس الأمريكي قال إنّ الولايات المتحدة لن تسمح بسيطرة موسكو أو طهران أو دمشق، على حقول النفط في شمال سوريا.

بماذا سترد قسد؟

تحرّكت قسد سريعاً كي لا تجد نفسها محشورة في الزاوية، فبعد إنشقاقات حدثت في صفوفها عادت للترميم، فأفرجت عن معتقلين من سجونها اتهمتهم بالإنتماء لداعش، شرط أن ينخرطوا في صفوفها. في أواخر كانون الأول الماضي أفرجت عن 83 سجيناً من داعش، وقبل أيام أفرجت عن 50 معتقلاً في الرقة، حسب مكتب العدل في “مجلس الرقة المدني”، وبعد كفالة شيوخ ووجهاء عشائر الرقة.

في اليوم التالي اعتقلت ميليشيات قسد  15 شاباً شرقي الرقة، وتحديداً في قرية حوس التابعة لناحية الكرامة، وسحبتهم للتجنيد الإجباري في صفوفها، حيث تستخدم معسكر الفرقة 17 لنشاطاتها العسكرية.

تقوم قسد أيضاً بإعتقال أي شخصٍ يُشكّ بتأييده للدولة السورية، آخر الحوادث جرت قبل ثلاثة أيام في قرية حويزية شرقي الشدادي جنوب الحسكة، فاعتقلت 11 شاباً بتهمة الإنتماء إلى قوات الدفاع المدني.

قسد تفرج عن معتقلين من سجونها اتهمتهم بالإنتماء لداعش. الرقة كانون الثاني 2020 فيريل

هل بدأت المقاومة الشعبية؟


حوادثُ كثيرة جرت ضد قسد في الآونة الأخيرة لم يذكرها الإعلام، فخلال الأيام القليلة الماضية فقط، اغتال مجهولان على دراجة نارية عنصراً من قسد في الشحيل دير الزور. لقي عنصر وأصيب ثلاثة آخرون من قسد بتفجير عبوة ناسفة في عين عيسى، خربة هدلة، شمال الرقة. عبوة ناسفة أخرى في مدينة الرقة أصابت عنصرين من الأسايش يوم السبت 18.01.2020. ثم هجوم من مسلحين “مجهولين” على دورية لقسد في قرية الحدادية جنوب الحسكة، قُتل فيه عنصران وجُرح ثلاثة لقسد. الجمعة 24.01.2020، عبوة ناسفة تقتلُ عنصرين من قسد وتجرح آخرين قرب قرية السوسة شرقي دير الزور. أيضاً، قُتل عنصر من الأمن العام التابع لـقسد على يد مجهولين قرب جسر الرومانية، وعثر على جثته داخل مكب النفايات في المنطقة غرب مدينة الرقة. يوم الإثنين 27.01.2020 قتل عنصر من قسد وأصيب آخر في قرية الطكيحي شرقي البصيرة بدير الزور، في نفس اليوم قُتل عنصران لقسد بإنفجار عبوة ناسفة استهدفت سيارتهما العسكرية في قرية السحل غربي الرقة. الثلاثاء 28.01 قتل عنصر من قسد وأصيبت قيادية “مريم النجار” بانفجار عبوة ناسفة بسيارتهما في قرية المحمدية ناحية الكرامة شرقي الرقة. أثناء إعداد هذا البحث في مركز فيريل للدراسات، لقي مُخبر يعمل في قسد حتفهُ بعد إحراق سيارته في الحوايج بريف دير الزور الشرقي.

تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن بعض الحوادث التي جرت في الشهور القليلة السابقة، ولكن معظم عمليات قتل عناصر داعش بقيت ضدّ مجهول… مَن هو هذا المجهول؟

ملاحظة جديرة بالإهتمام… قسمٌ كبيرٌ من قتلى قسد يعملون في حقول البترول التي تحتلها القوات الأميركية…

خلاصة القول ورأي مركز فيريل للدراسات

بالتزامن مع إنتصارات الجيش السوري في محافظتي إدلب وحلب، يسيرُ ملف شرقي الفرات، متسارعاً أحياناً أو متباطئاً. عندما تُفاوض دمشق المنتصرة في إدلب، ستكون أقوى. ملف الإنفصاليين أمام حلّين لا ثالث لهما: العودة إلى حضن سوريا بالتفاهمات أو العودة بالقوة. قد ترضى سوريا بتقديم بعض التنازلات كإعطاء الميليشيات هناك ميّزات ما، أو تفاهمات على طريقة إدارة المؤسسات الرسمية، ولكن لا يجب ولا نتوقع أن تقبلَ دمشق بأية صيغة قريبة أو بعيدة لحكم ذاتي. ملفُ شرقي الفرات والجزيرة السورية آن أوانهُ، ويجب أن يُحرّك بشكل كبير، ودمشق قادرة.

دخول دول عربية برقابة سورية لصيقة على الخط مُفيدٌ للجم التغوّل التركي وعملية التتريك، لكن يجب ألا يُسمحَ أن يكون عداء الإمارات والسعودية لإخوان تركيا ذريعةً لإعطاء الإنفصاليين ما يريدون… احذروا. عندما تُنجزُ التفاهمات، يُصبحُ الاحتلال الأميركي دون غطاء، مع يقيينا بأنّ واشنطن ستخلقُ ذريعة للبقاء.

إن فشلت كافة الجهود السلمية لحلّ المعضلة، هناك حلّ المقاومة وبيد العشائر السورية العربية وتبقى دمشق بعيدةً عن العيون… الأستاذ زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.