خفايا المصالحة بين موسكو وأنقرة د. جميل م. شاهين

 

 

حلم بائع البطيخ حفيد يهود الخزر، بأنه سيكون خليفة المسلمين، وسيعيد أمجاد السفاح السلطان محمد الثاني وهو يجلس على كرسي السلاطين في قصر “بشتبيه السلجوقي”، وبأنّ اللاذقية طريقه نحو غاز المتوسط عبر كسب، وإدلب ستكون لواء اسكندرون الثاني. التفّ حولهُ مئات الآلاف ممن باعوا وطنهم سوريا، وقدموا فروض الطاعة والخنوع “المتوارث” ومعهم معامل حلب. وكبُر حلُمُ السلجوقي وعل المكسر يا أحمر… أسقط الطائرة الروسية، ويا أرض اشتدي ما حدا قدي، فصاحت حناجر الملايين من الغوغاء: “تكبير للسلطان الأكبر أيردوغان، صانع أمجاد الخلافة…”. غداً يتدخل الناتو ويؤدب روسيا، وخلال ساعات سيصلي الإمام الجديد في الجامع الأموي بدمشق، ووراءه الملايين من العبيد. لكنّ حتى خُفي حنين لم يستطيع أن يعود بهما زوج أمينة جولبران. كابر، أرعدَ وأزبد، وعاد ذليلاً مكسوراً على أبواب موسكو، معتذراً بذلّ ما بعده ذل، منفّذاً شروط الكرملين بحرفيتها، رافعاً الأربعة، دافعاً الأتعاب عن يد وهو صاغر، وهل هناك كبار أمام الدب الروسي؟

كيف سيخرج زوج أمينة جولبران من ورطته؟ أصبح وحيداً مكروهاً، فضائحه تلاحقهُ مع المحروس بلال أيردوغان ومعها دعم الإرهابيين في سوريا بكافة ألوانهم، الأكراد يقضّون مضجعهُ، خططه في سوريا فشلت على أقدام الجيش السوري والسوخوي الروسي، حلم الدخول من بوابة براندنبورغ انتهى، ونساء أوروبا تحتقرُ أفكاره المتخلفة، إذاً… تفجير في استنبول. وشكراً يا هاكان فيدان، وأتمنى لكَ إقامة طيبة في أستراليا، لكن احذر من الكانغر، رفستهُ… مميتة…

ونزل زوج أمينة جولبران عن السطح عبر سلّم ذو فرعين، أحدهما يوصل لموسكو والآخر لتل أبيب. هو اعتذر من موسكو، فهل اعتذرت منه تل أبيب قبل أن يُعيد معها علاقاته؟ لم يستطعْ أن يصمدَ أيردوغان سوى تسعة أشهر /مدة الحمل/ حتى اعتذر من موسكو، بينما مرّتْ ست سنوات ولم تعتذر منه إسرائيل…. السُلّم فرعان والذلّ ذُلان يا أيردوغان.

كثيرون انزعجوا من سلوك موسكو بمصالحة تركيا، فهل يريدون أن تحارب عنهم بلدٌ أجنبي في حين خانهم أبناء جلدتهم ودينهم وعروبتهم؟ وتحيا الأمة العربية. هل يريدون أن تقصف موسكو أنقرة بتوبول، وأبناء وطنهم يقصفون حلب بالصواريخ؟ إنها السياسة أيها الحالمون. قلتها قبل شهور: “استعدوا ولا تتفاجؤوا إن رأيتم أردوغان يزور دمشق لتمتين العلاقات الأخوية، وقد يصطحبُ معه أحد أطفال آل سعود.”. وعفى الله عمّا مضى ونحن أبناء اليوم، وعيد الفطر قادم…

بين روسيا وتركيا مشروع محطة الطاقة النووية وخط أنابيب الغاز ، بقيمة 50 مليار دولار، هذا المشروع وضع على الرف، أوقفت موسكو استيراد الخضروات والفواكه من تركيا، قيّدتْ أنشطة رجال الأعمال الأتراك في روسيا، وأوقفت الرحلات السياحية إلى تركيا، أي تضررت تركيا كثيراً لكن روسيا أيضاً تضررت، الآن شعرت أنقرة أنها الخاسرة من كل ما يجري، وشعرت بالضربة على رأسها، وبأنها ليست بحجم الدب الروسي، فخنعت.  

خنعت أنقرة ليس فقط اقتصادياً، فالدرس الاقتصادي أسهل، استطاعت روسيا توتير علاقات تركيا مع إيران والعراق ولبنان، ماذا عن علاقة موسكو العسكرية بحزب العمال الكردستاني؟ أما عسكرياً؛ فروسيا الدولة الوحيدة التي قصفت شاحنات وجيش أيردوغان عند الحدود السورية وحتى داخل الأراضي التركية، ولم يتجرأ على الردّ، وحرمت طائراته من الدخول في الأجواء السورية، وأفشلت كل خططه في سوريا.

أدركت تركيا أنها كرة يتقاذفها الكبار، كرةٌ بين أقدام الأوروبيين والولايات المتحدة وروسيا، فرضخت وعرفت أنها أصغر من أن تواجه ما هو أبعد من حزب العمال الكردستاني، والذي فشلت معه.

موسكو أثبتت أن الحلّ في سوريا يمر عبر الكرملين، وهذا ما لا تريدهُ واشنطن، فهل ستستسلم؟ صحيح أنّ أنقرة رضيت بتنفيذ شروط روسيا بالاعتذار عن إسقاط الطائرة ودفع التعويضات ومحاسبة المسؤولين عن الحادثة، هذه هي الشروط العلنية، فهل توجد شروط أخرى في الخفاء؟

في الخفاء الاتصالات تجري، وخبايا حلب والرقة كثيرة، خبايا الإرهاب والأسلحة غير التقليدية التي أمدّت المخابرات التركية بها الإرهابيين، فهل سيفشي الأتراك مُكرهين أسرار الناتو؟ الروس جرّوا أيردوغان بحبل تحاول واشنطن قطعهُ، لكن المسألة حياة أو موت، والموت سيكون إن استمرت أنقرة بدعم المسلحين واللهاث وراء الناتو، فتجد دولة كردية على حدودها الجنوبية. العدو مشترك بين دمشق وأنقرة، والنهاية المأساوية ستكون من نصيب الأكراد الحالمين بحلم ينافس حلم أيردوغان.

التقارب بين دمشق وأنقرة تقوده موسكو، وكفّ يد أيردوغان المجرمة، يعني أنّ الحلّ في الشمال سيكون أسرع من المتوقع، وهذا ما سيتم اليوم الجمعة لدى اجتماع وزيري خارجية روسيا وتركيا، لكنّ واشنطن ومن ورائها تابعوها وأذنابها في الرياض، لن تتفرج وستشعلُ جبهات أخرى في الشرق أو الجنوب باستخدام مرتزقة من جيش جديد أو ديموقراطي أو حتى سيلفستر ستالوني بنفسه، أو بسلوك مخابراتي أشدّ خبثاً، ورقبة أيردوغان على المحك… بالإضافة لجبهة الأكراد. واشنطن ستعيد حلم الأتراك بمنطقة عازلة شمال سوريا، في لعبة خبيثة قد يبتلعها أغبياء أنقرة.

الكاتب: د. جميل م. شاهين. 01.07.2016