خفايا ملف الانفصاليين في سوريا. زيد م. هاشم

يخبو الملف الكردي في الشرق الأوسط فترة ثم يعود إلى الواجهة فترةً أخرى، تبعاً لحاجة الدول لفتحهِ وإثارته ضد الدول الأربع…

الدول الأربع هي تركيا إيران العراق سوريا، حيث يتواجد الأكراد وهي بالترتيب بعددهم فيها، حيث تحتلُ تركيا المرتبة الأولى. أيام حكم صدام حسين للعراق ظهر الملف بقوة، واستطاع أعداء العراق الحصول على تنازلات كبيرة من بغداد بشأنه. ثم عاد للظهور بقوة بعد 2011 والحرب في سوريا، ويزداد العمل عليه تباعاً، فالمؤشرات المتعلقة بهذا الملف في العراق بعد الغزو الأميركي 2003 حيثُ مُنحت محافظات شمال العراق نموذج حكم (شبه دولة)، وهو نموذج فريد لا شبيه له في العالم. إنّهُ أكثر من إقليم وأقلُّ من دولة...

ملف الأكراد في سوريا

يعتبر الملف الكردي في سوريا الأضعف من الناحية الديمغرافية والجغرافية والتاريخية بين الدول الأربع. رغمَ ذلك؛ تدّخل الاحتلال الأميركي والفرنسي والبريطاني في المنطقة وفرض “حظراً جوياً” حتى على الطيران الروسي، تراجعَ في الفترة الأخيرة لينحصر في مناطق شرقي الفرات حول آبار البترول والغاز بمحافظتي دير الزور والحسكة.

كان المخطط في البداية وكما ذكرنا في مركز فيريل للدراسات، احتلال أكثر من 35% من مساحة سوريا وإقامة دولة انفصالية تضم محافظات، دير الزور والحسكة والرقة وصولاً إلى ريف حلب وعفرين. فشل المخطط جزئياً وقُلّصت المساحة إلى النصف، لكننا نؤكد أنّ العمل مازال يجري على ذات المنوال، وما تقوم به واشنطن حالياً من إعادة “إنعاش” الانفصاليين وتثبيت ميليشيات قسد كعميل عسكري وسياسي يجب أن يُشارك في العملية السياسية في سوريا، هو استمرارية للماضي…

لماذا دير الزور والحسكة؟

حدود المحافظتين شرقاً مع “إقليم” شمال العراق والموصل والأنبار حيث النفوذ الأمريكي الأكبر. تثبيتُ عميل هو قسد الانفصالية سيشكل امتداداً جغرافياً كبيراً والعمل جارٍ على توحيده مستقبلاً بين الطرفين، وإقامة إقليم موحّد قوامهُ أكراد وعرب سنّة تجمعهم روابط قوية بواشنطن و… تل أبيب.

تقوية قسد الانفصالية لتصبحَ ذراع واشنطن في سوريا، سيُمكّنُ تل أبيب من الظهور العلني في دير الزور والحسكة، وهي لن تأتي من بعيد، فقط ستنتقلُ من أربيل… ولن نستغرب إطلاقاً أن نرى قواعد عسكرية إسرائيلية تحت العلم الأميركي تنصبُ صواريخها الموجهة ضد إيران وتركيا إن حاولت الأخيرة اللعب بالنار.

خطر الانفصال يتعاظم

المستفيدُ الأكبر من الغزو الأميركي للعراق هو إقليم الشمال الانفصالي، حيثُ أعلن انفصاله بإجراءات واضحة على الأرض ولم يبقَ سوى إصدار القرار الذي فشل في الاستفتاء الأخير بسبب الضغوطات الخارجية، لكنّ هذا الاستفتاء سيُعاد…

فتح انفصاليو شمال العراق الأبواب أمام تواجد عسكري واستراتيجي واقتصادي كبير لواشنطن بالمنطقة، فتدفقت آلاف الشاحنات من المعدات اللوجستية والسلاح منه لانفصاليي سوريا خلال السنوات الماضية، ومازالت. تحكمت أربيل بالعملية السياسية العراقية ضمن المصالح الأمريكية وطريقة رسمها في العراق، والأخطر أنّها تريد تصدير نموذج شمال العراق إلى… سوريا وباقي الدول.

العلم الإسرائيلي في كل مظاهرة للانفصاليين أينما كانوا

دعونا نسوق ما جرى هناك على الدول الثلاث الأخرى… التناغم واضح في طريقة التعاطي مع الملف الكردي أميركياً وأوروبياً، وزخمُ العمل عليه ازداد بوتيرة عالية بعد ظهور داعش المفاجئ! فقامت تلك الدول بدعم الانفصاليين بقوة وإظهار هم بمظهر “حماة العالم ضد الإرهاب”!… وهو أحد أسباب ظهور داعش ثم اختفائها.

رفع العلم الإسرائيلي لم يعد حكراً على مظاهرات المدنيين، بل وصل لأن يتفاخر به مسلحو الميليشيات الانفصالية

الرباط الوثيق بين داعش وقسد

توقيت ظهور ميليشيات قسد الانفصالية وداعش في سوريا متقارب زمنياً.

مكانياً: ظهرت داعش في الموصل على تخوم مناطق تواجد الأكراد في العراق وسوريا.

تراجعت داعش في سوريا والعراق لتبقى في دير الزور بالذات وفي المنطقة التي تحتلها قسد!!.

 قامت قسد بتجميع الإرهابيين وعائلاتهم بعشرات الآلاف في محافظة الحسكة، بما في ذلك “مخيم الهول” الذي يقع جنوب شرق المدينة عند الحدود العراقية السورية. لماذا؟

كل ما ورد ليس صدفة، فوجود أسرى داعش وعائلاتهم قرب حقول البترول والقواعد الأميركية تحت سيطرة قسد، سيكون ورقة تهديد دائمة ضمن خارطة المصالح الأمريكية في الاتجاهات الأربع؛ سوريا والعراق وإيران وتركيا. حدوث تمرد “مفاجئ” وهروب الآلاف منهم، أمرٌ لن يكون أيضاً صدفة عند الحاجة لتبرير وجود الاحتلال الأميركي في سوريا، أو نقلهم إلى باقي الدول.

 الملف الانفصالي، وبسبب التواطؤ الذي يصل مرحلة الخيانة دون شك، ليس سهلاً. لكنه الأقل صعوبة في سوريا مقارنة بباقي الدول، فالأكراد أقلية ولا يسيطرون على مناطق جغرافية متصلة بل متقطعة، كما أنّ تاريخ وجودهم الحقيقي في سوريا يعود إلى عام 1925 كما ذكرنا بعد ثورة سعيد بيران في تركيا. وجود روسيا والاحتلال التركي يلعبُ دوراً في التخفيف من صعوبة الحلّ، والأهم من كل ذلك “استمرار” رفض دمشق إعطاءهم أيّ شكل من أشكال الحكم الذاتي ما قبل الانفصالي…  إذاً؛ الاختلاف كبير عن الحالة العراقية، ولابد من اعتماد صيغة حل سياسي توافقي بين الأطراف في التعامل مع الملف الكردي في سوريا ودورهم بالعملية السياسية القادمة، وطريقة التعاطي معهم في مناطق نفوذهم…

إلى أين سيصلُ الانفصاليون في مشاريعهم؟

يمكن ملاحظة تواترات الملف الكردي في الشرق الأوسط ببساطة، فعندما يكون هناك ضعفٌ في الدولة وبوجود دعم خارجي، يطفو الملف على السطح. عندما تعود الدولة إلى قوتها، يصمت الانفصاليون بانتظار فرصة أخرى، وهكذا منذ مئات السنين.

حتى الآن لم يُثبتَ الانفصاليون في سوريا جدارتهم في كونهم مطيّة يمكن الوثوق بركوبها أميركياً، ولم يستطيعوا تأمين ولاء القبائل العربية والسكان العرب في مناطق الجزيرة السورية ومحافظتي الرقة ودير الزور. حتى عسكرياً؛ ليسوا نواة جيش قوي أو مقاتلين أشداء يمكن الاعتماد عليهم. تجاربُ عفرين وغرب الفرات، ثم شرقي الفرات وهروبهم أمام جيش الإخوان المسلمين والجيش التركي وتوسلاتهم بدخول الجيش السوري، كلّ هذا جعل واشنطن متأكدة أنّ قسد ومثيلاتها من الميليشيات الانفصالية لا تنفع أكثر من حراس خارجيين لمناطق محدودة المساحة حول حقول البترول والغاز السوري.

واشنطن ستختصرُ مناطق نفوذها بمناطق معينة شرقي دير الزور والحسكة لتبقى على تواصل مع العراق، مع دعم قسد وبرنامجها الانفصالي بسرقة البترول وتوزيع المسروقات مناصفة بينها وبين الإدارة الذاتية، وإقامة بعض المشاريع وزيادة رواتب المتعاونين معها، وإظهار تلك المناطق على أنها تطورت والناس تعيش في وضع جيد مقارنة مع المناطق التي حررها الجيش السوري لكسب المزيد من المؤيدين للمشروع الانفصالي.

المطلوب من أحداث العراق إخراج إيران من شماله، حيث تتمتع طهران بتواجد اقتصادي كبير وعلاقة قوية مع حزب جلال الطالباني، وإخراجها أيضاً من الجنوب… وهذا يعني أن واشنطن تريد نفوذاً مطلقاً في العراق، وتقليص دور إيران فيه إلى أبعد الحدود. تمهيداً لجعله أكبر قاعدة لها في الشرق الأوسط، بترحيب شعبي نشاهده على الشاشات حيث بات الكثيرون ينظرون لواشنطن كمخلّص من السطوة الإيرانية.

واشنطن ستمنع وحسب تصريحاتها العلنية، سوريا وروسيا من الوصول إلى حقول البترول، وستأتي بشركاتها لنهب هذه الثروات.

كما تغلغلت إسرائيل والصهيونية بشكل كبير ومعلن شمال العراق، القادم هو الجزيرة السورية وشرقي دير الزور.  بدأ الحضور الصهيوني بقوة هناك كحليف شعبي وسياسي للانفصاليين.

تل أبيب وعلى لسان وزير العدل تؤكد دعمها للانفصاليين في سوريا

التعاون الوثيق ومحاولات رأب الصدع وتمتين العلاقات بين إقليم شمال العراق والانفصاليين في الجزيرة السورية، يجري برعاية أميركية إسرائيلية

قبل أكثر من سنتين قلنا في مركز فيريل: (القادم على العراق لا يُبشر بالخير إطلاقاً… سيكون ساحة صراع مستمر بين الدول). من العراق تُستمد التجربة إلى سوريا. مسعود برزاني العميل الصهيوني دخل على الخط السوري ومعه زعيم قسد المتلوّن حسب الظروف. هذه الفترة، يُدلي الأخيرُ بتصريحات نارية وكأنه قائد جيوش جرارة، بينما قبل أسابيع كان يبكي متوسلاً تدخّلَ الجيش السوري. لكنه سيعود للبكاء بعد تغريدة من ترامب على تويتر، إن اقتضت مصالح واشنطن رمي الانفصاليين في الحفرة للمرة الألف. تخلي واشنطن عن مشروعها في سوريا لن يكون دون ضغط سياسي و… عسكري. زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.