طرق الناتو لمكافحة الإرهاب: قتل 3 مدنيين مقابل إرهابي واحد! الكاتبة والباحثة سارة عيسى. بحث من مركز فيريل للدراسات ـ برلين

ونحنُ نرى قصف طيران الناتو لمن يدّعي أنهم إرهابيون في ريف دير الزور وقبلها الرقة، فنجدُ أن معظم الضحايا مدنيين… نتأكدُ أنّ آخر ما يقوم به الناتو هذا هو مكافحة الإرهاب، بل على العكس؛ هو يُشجّع ويدعم، بل يؤسس الإرهاب في بلدان العالم.

تقريرُ مجموعة من الأطباء الحائزين جائزة نوبل للسلام، ومنذ 2015 أكد سقوط 1,3 مليون مدني منذ أحداث سبتمبر 2001، بحجة مكافحة الإرهاب. كان هذا في العراق وأفغانستان والباكستان.

مكافحة الإرهاب “المباشر” في سوريا والعراق، والذي تقوم به طائرات التحالف، فتقصف تجمعاً للمدنيين على أنه معقل لداعش، ليسقط العشرات بل المئات بين قتيل وجريح. بعد الضغط الإعلامي، تقول واشنطن: “شكّلنا لجنة للتحقيق”. هل سمع أحدكم يوماً بنتائج التحقيق؟

الولايات المتحدة ادّعت أنها قامت بعشرات الآلاف من الطلعات الجوية وهاجمت آلاف المواقع لداعش، إحصائيات مركز فيريل تؤكد أنّ قوات التحالف أقل القوات الموجودة في سوريا بعدد الإرهابيين الذين قتلتهم، الأسوأ أنها قتلت من المدنيين ثلاثة أضعاف ما قتلته من تنظيم داعش، أي تقتل 3 مدنيين وإرهابياً واحداً.

إذاً: طريقة مكافحة الإرهاب في دول العالم الثالث:

“قتلُ المدنيين أولاً”.

في بحثنا هنا نسلط الضوء على ما يقوم به الغرب لمكافحة الإرهاب في بلادهم.

تتم عملية مكافحة الإرهاب والتطرف في الغرب وفق ثلاثة مدارس، هي: المدرسة الأميركية والبريطانية والأسترالية.

تستند جميعها إلى استراتيجيات فعالة متكاملة وعمليّـة لمكافحة الراديكالية، لكنّه حتى الآن لم يتم تنفيذها بالكامل في الدول الثلاث.

تمزج هذه الاستراتيجيات بين القوة الناعمة والمفرطة، وتُطبق تبعاً لظروف كل دولة لتفادي تفاقم التوترات الدينية، ولضمان نجاح هذه الجهود عليهم تقويض شرعية المذاهب الإسلامية الراديكالية سراً، ودعم التسامح الديني وحرية الاعتقاد، لكن شرط وضعها تحت المراقبة.

تقاس نجاعة عملية مكافحة التطرف بموضوعيتها، وقدرتها على تلبية تطلعات الناس نحو التطور والحضارة، مع الحفاظ على التماسك الإجتماعي وتحقيق الاندماج. ويُناقش كل نهج وطني أكاديمياً للوصول إلى الطرق المُثلى، هذا في العلن…

الحقيقة تقول:

تكافحُ الدولُ الإرهابَ في العلن، لكنها تقوم بنفس الوقت بتشكيل ودعم النظم العقائدية الإسلامية المتطرفة سِـرّاً.

لهذا:

“كلُّ مسلمٍ متنوّر متحضّرٍ مُعتدل هو عدوٌّ للناتو”. 

عدد المدنيين الذين قُتلوا في مكافحة الإرهاب الغربية، أضعاف الذين قتلتهم العمليات الإرهابية نفسها!! فيريل للدراسات

مكافحة الإرهاب في بريطانيا

    تفترض المدرسة الإنكليزية في مكافحة الإرهاب، وجودَ علاقة قوية بين طبيعة المجتمـع العقائدية المُفردة ودعمه للإرهاب، واتخاذهِ موقفاً سلبياً من المجتمع متعدد الأديان. والأفراد الذين يرفضون فكرة وجود مجتمع مدني متسامح متعدد الأديان، هم أولئك الذين تصبُّ أفكارهم حتماً في دعم التطرف كوسيلة لفرض إعتقادهم بالقوة على حساب باقي المجتمع.

تُعزّزُ الاستراتيجية الحكومية الشعور بالإنتمـاء للوطن، لزيادة مناعة الجاليات والجماعات الدينية ضدّ تسلل الفكر الإرهابي.

تبتعد استراتيجية مكافحة التطرف عن الأطر القانونية الجزائية، في التعامل مع حالات التطرف الإرهابي، نحو إطار وقائي يسعى لتجنب حدوثه، كما تسعى للتصدي حتى لمنظمات لا يغلب عليها طابع العنف، لكنها توفر إطاراً شرعياً للإعلام الراديكالي الذي يعرقل جهود الحكومة للحد من التطرف في المجتمع. يعتمد هذا النهج على التغلغل في هذا المجتمع، ومعالجة مكامن الخطر، ودعم بيئة غير مواتية لتوظيف الأشخاص من قبل الفصائل المتطرفة.

يجفف هذا الأسلوب وبشكل غير مباشر ينابيع الإرهابيين على شبكة الانترنت، ويمنعهم من كسب النفوذ المحلي باستخدام المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر الفكر الإرهابي. يشمل ذلك توجيه الفئات المعرضة للخطر، من قبل شخصيات مقبولة بالنسبة لهم، تعمل على إرشادهم ونصحهم بعيداً عن السلوك المتطرف. وتقوم سلوكيات القوة الناعمة، على استخدام جماعات غير حكومية لتصميم ونشر فكر عبر الإنترنت، يدحض دعاية التشدد.

    كما تشمل استراتيجية “المنع” البريطانية، تكتيكات القوة الصارمة:

حظر السفر، مصادرة جوازات السفر، سحب الجنسية من أولئك الذين يقومون أو يحاولون القيام بأنشطة إرهابية أو تدريبية في الخارج.

بينما يشمل برنامج القوة الناعمة

رصد العائدين أو المُدانين من المتطرفين، وحصولهم على التأهيل ضد التطرف، وبالتالي الاستفادة منهم كشهود ذوو مصداقية بإدانة وانتقاد وشجب شرور الإرهاب والتطرف.

      انتـُقدَت سياسة بريطانيا في مكافحة التطرف كونها تركز بشكل أساسي على عنصر هامشي، وهو التأثر بالتطرف أكثر من تركيزها على المجتمع الإسلامي بأسره. 

بريطانيا تعترف بالجماعات الدينية الراديكالية وتسمح لها بالمشاركة في الحياة العامة، فتحصل على نتائج عكسية من هذه المشاركة وهذا الاعتراف، فتستغل الجماعات تلك هذه المساحة من الديموقراطية لنحصل في النهاية على نتائج كارثية.

كان لحكومة (Research, Information and Communications Unit

RICU) دوراً مركزياً في مكافحة الأيديولوجيات الأخرى، لكنها ببساطة ليست ماهرة في مكافحة الإرهاب، فهي تعتمد بشكل كبير على العمل المضمون مع الجماعات الإسلامية للجلوس حول طاولة الحوار ضد مكافحة التطرف. بعض هذه الجماعات الإسلامية التي تم احتواؤها، بالنظر لأسسها الفقهية، تعتبر متطرفة، ويحتمل أن تكون هي السبب في زيادة تشدد المجتمع الإسلامي في المقام الأول.

من خلال مشاركة هذه الجماعات الإسلامية في العملية، تظن الحكومة أنها تجتث التطرف بشكل كبير، وهو سلوك مماثل لوضع ذئبٍ يحرس الدجاج. رغم ذلك، مازالت بعض السلطات البريطانية تعوّل على هذه الفئة المتطرفة غير العنيفة، لتمثيلها قنوات اتصال فعالة ومفيدة لنشر أفكار مكافحة التطرف. صُمّمت هذه السياسة لتعزيز الشعور بأن المجتمع الإسلامي مندمج ومُحتَوى من قبل المجتمع البريطاني، وبالتالي تخديرهم من العقليات الأصولية الإقصائية الخاصة بهم، وأوكلوا للمجتمع الإسلامي المسؤولية والرقابة الذاتية على قضية مكافحة التطرف.

 



مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة

     اعتمد على تسمية نهج الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب منذ عام 2011 بـ”الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب”، وملخصها:

استراتيجية شاملة لقطع خطوط الاتصال بين المنظمات الإرهابية، ومنعها من ترويج تلك الأيديولوجيات الإرهابية، بخطاب إيجابي يقوم على تحرير العقل الأميركي من قبول الشرور التي يتبناها المتطرفون التي اسمتهم أبناء الشيطان. سعى النهج العام لهذه الإستراتيجية على إبعاد جهود مكافحة التطرف عن قالب التحدي الأيديولوجي للإسلام، واختارت عوضاً عنه، معالجة المسألة على أنها حرب على الإجرام الإرهابي أكثر منها حرب ضد قناعات دينية خاطئة.

    تسعى الاستراتيجية هذه وعلى نطاق واسع لتحقيق هذه الأهداف، دولياً؛ من خلال عمليات قوات وأجهزة الاستخبارات العسكرية. محلياً؛ من خلال دائرة الأمن والوكالة المساماة “وكالة إنفاذ القانون المحلية”. تدور حالياً مناقشات حول إنشاء محاور متعددة ومناهج مركزية تهدف إلى تفعيل مبكر لبرنامج مكافحة التطرف.

    يبدو أن مرحلة التخطيط، هي مرحلة دائمة التمديد ولم يتم تحديد موعد محدد لاستكمالها، وتقف العديد من العقبات في الطريق كمضاعفات هيكلية و ثقافية وقانونية ملازمة لنظام الولايات المتحدة الأميركية.

    أعرب البيت الأبيض عن رغبة عارمة في إشراك المجتمع المحلي بعملية مكافحة التطرف، بتفعيل استراتيجية مكافحة التطرف على شكل برامج اتصالات تهدف إلى إشراك واستمالة جاليات محلية وعرقية وجماعات دينية مختلفة، كانت هذه الاتصالات مزدوجة الهدف تُستخدم على نطاق واسع لاطلاع الاستخبارات على أفراد هذه الجماعات، وتنقل رسائل أن هذه المجتمعات الإسلامية بشكل عام جزء من المشكلة، ما لم يتم إعادة تشكيلها على نحو فعّال، وبدون إعادة التشكيل، فإن بعض أفراد المجتمعات على الأقل، ستصبح راديكالية وتتحول لتنهج ممارسات إرهابية.

    أدى هذا التركيز السائد على ضرورة إنفاذ القانون في إطار الإستراتيجية القائمة على المشاركة الحالية، لانتقاد كبير لجهود الولايات المتحدة في مكافحة التطرف حتى الآن. يقول البعض أنه نهج “ما بيسوى فرنكين” في مكافحة التطرف، قد خلق هوة كبيرة بين الحكومة والمجتمع المسلم، كونه يميل للتعدي على الحريات المدنية. لكن البعض يشير إلى نجاعة هذه السياسات التي منعت حدوث هجمات إرهابية على الولايات منذ 11 سبتمبر، بإستثناء عمليتين. ينأى نهج مكافحة التطرف في قسمه الأكبر، عن التعامل مع المسببات الدينية للتطرف ويفضّل الحفاظ على دولة ينفصل فيها الدين عن السياسة.

    يرى البعض أنّ الولايات المتحدة في حاجة ماسة إلى معالجة الفكر الإسلامي باعتباره أرضاً خصبة للإرهاب، وترى إحدى وجهات النظر أن الممارسة الحالية المتمثلة في تبييض صفحة القضية على أنها “تطرّف” فقط، تُمارس لتجنب استفزاز المسلمين في الداخل، يمكن القول جدلياً؛ أنّ هذا الاستفزاز سيكون النتيجة النهائية المحتملة وقد لا يكون، فمن نتائج 11 سبتمبر أنها قامت بوضع المتطرفين الإسلاميين على أجندة الولايات المتحدة الأميركية حتى يومنا هذا. ولكن هناك افتقار واضح في موقف الولايات المتحدة من المبادرات التي تهدف ليس فقط لمكافحة التطرف وإنما أيضاً معالجته بعد وقوعه.

يفتقر النهج الحالي لمركزية التخطيط الاستراتيجي، ويمكن أن يُستفاد منه إذا تم وضع نهج ومبادىء توجيهية مدونة رسمياً على ورق، وأفاد بيان سياسي أن الخارجية الأميركية تساهم في المسؤولية الأساسية لتنفيذ خطة مكافحة التطرف.

من اللافت أن بريطانيا لديها النهج القطبي نفسه لاستمالة المسلمين، من أجل مكافحة التطرف.

 



مكافحة الإرهاب في أسـتراليا

    يُدعى النهج الأسترالي في مكافحة التطرف الأيديولوجي منذ عام 2012 بـ”الخطة الوطنية لمكافحة الارهاب”، ويؤكد على أهمية المجتمعات المحلية، وهي الطريقة المرنة. أما مكافحة التطرف بالطرق العنيفة، فهي مجموعة تدابير تحد من التطرف وتكافحهُ، بالإضافة لبرامج إعادة تأهيل المتطرفين.

   تشابه هذه الاستراتيجيات، استراتيجية “المنع” المتبعة في بريطانيا، من حيث الصفات الهيكلية للقوة الناعمة، وكذلك رغبتها الصريحة في استمالة المجتمع الديني الإسلامي لتسهيل مهمة الحكومة في مكافحة التطرف.

على غرار نهج الولايات المتحدة، فاطريقة العنيفة لمكافحة الإرهاب تسعى بحزم وبشكل مناسب لتطبيق الاستجابة الأمنية والقانونية، باعتبارها خط الدفاع الأول. فتركز على برامج تعزيز التماسك الاجتماعي والشراكة مع الدين والمجتمع والمؤسسات الحكومية كرأس حربة لبرامج مكافحة التطرف.

    تم تفعيل إطار مكافحة التطرف الاسترالي، عن طريق تشكيل مجلس السياسات الاجتماعية الواسعة على المستوى الإتحادي، والشرطة على مستوى الدولة، أما المكون التنفيذي النهائي فيتمثل بالتطبيق عبر شركاء المجتمع على المستوى المحلي.

صممت الشراكات المجتمعية لتعزيز القدرة على مواجهة النفوذ الجهادي، ببناء التضامن الطائفي والإجتماعي وتحدي الأيديولوجية الجهادية بالخيارات الأيديولوجية الإيجابية. بالإضافة لهذه التدخلات الإستباقية، يجري تنفيذ النهج من خلال استراتيجيات تعطيل وسائل الإعلام المتطرفة على الانترنت، وتسهيل إعادة تأهيل الجهاديين الإرهابيين المُدانين. رغم أنّ هذه السياسة تبدو متطورة في مكافحة التطرف وأكثر انسجاماً وغير تمييزية، إلا أنها تلقت سيلاً من الانتقادات بشأن فعاليتها النهائية، ويكون قرار مدى نجاحها في كثير من الأحيان عبارة عن تخمين شخصي.

يؤكد أعضاء المجتمع الإسلامي أن السياسات الأسترالية صممت بملامحها العامة، على غرار السياسات والإجراءات المتبعة في الولايات المتحدة على مستوى التدابير الأمنية، وأنها تعطي نتائج عكسية، وتستهدف بشكل غير عادل المجتمع الإسلامي بحجة التطرف. وأعرب المسلمون عن عدم الثقة باستراتيجيات الحكومة، بسبب نشاط أستراليا في الحروب ضد الدول الإسلامية. وتوصي العديد من المنظمات الإسلامية باستراتيجية أكثر فعالية، تشمل برامج تطبِّق المشورة في مكافحة التطرف من قبل قادة إسلاميين مؤهلين وموثوقين، بدلاً من الرسائل التي توجهها حكومة البيروقراطيين، ويرون أن النهج الحالي المتبع يدعو للاستياء، وأن هناك حاجة لنهج تعاوني أكثر ليونة يوظف مسلمين أكثر اعتدالاً. يؤكد بعض الخبراء على وجود مظالم للمجتمع الإسلامي المذكورة، وأن البرامج الحكومية غير فعالة إلى حد كبير.

    يُنظَر لرسالة مكافحة الراديكالية الإسلامية في الغرب، أنها لا تصل لجمهورها المستهدف حقاً أي “الشباب المسلم”، بدلاً من ذلك يتم إغراقهم بكتل من الدعايات المتطرفة التي فاضت بها مواقع الانترنت، لكن الموارد البشرية للمسلمين يمكن استخدامها بشكل أفضل لتدريبهم على إنتاج رسائل الكترونية فعّالة لمكافحة التطرف. الكاتبة والباحثة سارة عيسى. بحث لمركز فيريل للدراسات ـ برلين