أين تبخّرَ الغاز في سوريا ولبنان؟

كيفَ تبخّرَ الغاز السوري واللبناني؟ بحثٌ من Firil Center For Studies FCFS. Berlin 26.02.2021. عدد القراءات 90857

نشر مركز فيريل للدراسات بتاريخ 11 آذار 2017 بحثاً واسعاً عن الغاز في شرقي المتوسط، وقلنا أنّ الصراع الحديث على الغاز والبترول في المنطقة بدأ خفياً بين الدول منذ عام 1966، عندما اكتشفت سفن أبحاثٍ بريطانية حقولاً للغاز في جبل إراتوسثينس، ثم جاءت الولايات المتحدة وروسيا بين أعوام 1977 و 2003، لتؤكد أنّ الغاز في شرقي المتوسط يمتدُ من شواطئ اللاذقية إلى غربي مصر، في جبل إراتوسثينس الممتد تحت مياه المتوسط، اعتباراً من جرف اللاذقية إلى شمالي دمياط بـ 180 كم.

عام 1997 اكتشفت إسرائيل واحداً من أكبر حقول الغاز في المنطقة، وبدأت فعلياً باستخراج الغاز خلال سنوات قليلة، فماذا فعلت منذ ذلك الحين سوريا ومعها لبنان؟ وحسب نفس الدراسة فإنّ حجم الغاز المكتشف في إسرائيل يوازي 11% منه في سوريا، ونكرر السؤال أين هو الغاز المكتشف؟ هل تبخّر أم اختفى والأدق “أُخفيَ”؟!

حل مشكلة الغاز والكهرباء في سوريا

أيضاً نشرنا بحثاً بتاريخ 14 شباط 2020 أي قبل عام كامل، ذكرنا فيه التالي: الدولة التي لديها رياح وشمس ساطعة، مُعيبٌ أن يحتاج مواطنوها للكهرباء. راجعوا البحث.

تستهلك سوريا سنوياً 17 تيراواط من الكهرباء، ويستهلك الفرد 989 كيلواط. وهو ما تستهلكه آيسلند تماماً، عدد سكانها 364 ألف نسمة فقط، لكن يستهلك المواطن الآيسلندي 50613 كيلواط سنوياً أي 51,1 مرة ضعف السوري! الطاقة الكهربائية المتولدة من عنفات الرياح والألواح الشمسية، تكفي لتغطية 60% من استهلاك سوريا من الكهرباء، وبما أن الحكومة تستخدم الغاز  لتوليد الكهرباء، فسيتوفر هذا الغاز للمواطن السوري، هل تنفيذ ما ورد مستحيل؟ ماذا فعلت الدولة السورية لحلّ مشكلة الكهرباء سوى الشكوى من العقوبات الغربية؟

أين هو الغاز السوري إذاً؟

بتاريخ 17.12.2017  وزير الكهرباء المهندس محمد زهير خربوطلي:  (تسعى سوريا لتنفيذ مشاريع الطاقات المتجددة والتي تعتبر صديقة للبيئة وكيفية تنفيذها كونها تشكل داعما أساسيا للمنظومة الكهربائية). يتابع الوزير: (تحسّن الواقع الكهربائي في سوريا وانخفاض التقنين سببه استعادة الجيش السوري بمساندة الطيران الروسي السيطرة على حقول الغاز بالمنطقة الوسطى، حيث ارتفعت واردات مادة الغاز من 5 ملايين متر مكعب إلى 10 ملايين ونصف متر مكعب من الغاز يومياً، إضافة، لنجاح الحكومة في توريد مادة الفيول ما انعكس إيجابا على الطاقة المولدة بالمحافظات).

الكلام هذا منذ ثلاث سنوات وأكثر من شهرين، فهل لاحظتَ أيها القارئ الكريم في سوريا تحسناً في وضع الكهرباء أو توفراً في مادة الغاز؟

وقّعت الحكومة السورية عام 2013 مع شركة (سيوز نفتا غاز الروسية) على عقد للتنقيب عن البترول والغاز في البلوك البحري رقم /2/. الشركة باشرت أعمالها الاستكشافية بعد شهور من التوقيع. تشمل عمليات التنقيب مساحة 2190 كلم مربع. مدة العقد 25 عاماً والتمويل روسي وهو الأول من نوعه للتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية. تكلفة التنقيب والاستكشاف تبلغ 100 مليون دولار  تُحسم من الناتج في المستقبلي. تحصل الشركة على 20% وسوريا على 75%، هل يعلمُ أحدٌ ما هي نتائج التنقيب بعد مرور 8 سنوات؟

حسب  Energy Consulting Group و Oil And Gas الأميركيتين، فإنّ احتياطي البترول السوري في شواطئ المتوسط هو 2,5 مليار برميل، بينما احتياطي الغاز المؤكدة هي 9,5 ترليون قدم مكعب للعام 2014. عِلماً أنّ تقديرات المجموعتين الأميركيتين قبل عام 2006 كانت عند 2 ترليون فقط، ارتفعت فجأة وتوقفت عند عام 2014 عن التقدير! ونحنُ في مركز فيريل نأخذ التقديرات بعد مراعاة الجانب السياسي لها.

من الطبيعي أن تبدأ سوريا باستخراج الغاز والبترول من شرقي المتوسط والبادية السورية قبل سنوات طويلة، ويكون الانتاج عام 2021، على أقل تقدير، ثلاثة أضعاف الأرقام التي أكدها وزير الكهرباء ووزير النفط والثروة الطبيعية عام 2017، أي يجب أن تكون مشكلة الكهرباء والغاز ومشتقات البترول من المنسيات ونحن في نهاية شباط 2021، وبأسعار توازي أسعارها في الدول الخليجية، وهذا سيرفدُ الاقتصاد السوري ويُنعشهُ ويُحسّنُ الوضع المعيشي للمواطن السوري… ما سبب التأخير؟

ثلاثة احتمالات لا رابع لها كما نراه في مركز فيريل للدراسات

إمّا أنّ الأبحاث العالمية والاستكشافات حول الغاز السوري والكميات المستخرجة من قِبل مصر وإسرائيل مجرد أوهام كاذبة، وهذا احتمال شبه مستحيل.

الاحتمال الثاني هو أنّ الاستخراج يجري فعلياً، ولا تصرّحُ به الحكومة ويتم بيعه سراً. جزء من هذا الاحتمال وارد، أي تُستخرجُ كميات أكبر مِنَ المُصرّح بها، تُباع أو تُدفع كديون مستحقة، لكن هذا الاحتمال بالمجمل ضعيف.

الاحتمال الثالث وهو الأقوى كما نراه مع توفّر بعض المعلومات لدينا…

يتمّ تأخير وعرقلة استخراج الغاز والبترول السوري عن قصد. ما هي أسباب هذا التأخير والأخطر؛ النتيجة المحتملة؟

أسباب تأخير استخراج الغاز السوري

من البديهي أنّ زيادة العَرض تؤدي لانخفاض الأسعار على البضاعة المعروضة. أسعارُ الغاز والبترول تشهد منذ أكثر من سنة، وبسبب انتشار وباء كورونا، إنخفاضاً كبيراً، وعرض المزيد يعني استمرار هذا التقهقر. تأخير استخراج البترول والغاز في عدة دول منها سوريا ولبنان وعرقلته في الدول المُنتجة كفنزويلا، سيحافظ على الكميات المُنتجَة في باقي الدول، ويُخففُ من تدهور الأسعار.

المطلوب وكما ذكرناهُ مراتٍ؛ إطالة الحرب بكافة أشكالها العسكرية والسياسية والاقتصادية في سوريا وزيادة معاناة الاقتصاد السوري، بانتظار العملية السياسية المطلوبة والمُختلف عليها، والصراع محتدمٌ بين الطرفين؛ “حلفاء” سوريا، ونستخدم كلمة حلفاء دائماً مجازاً، وبين معسكر واشنطن. ولا حلّ في الأفق حالياً بانتظار الانتخابات الرئاسية في سوريا. الخلاف على تقاسم الغنائم وليس في طرق الحفاظ على سوريا وشعبها. بعبارة أوضح لمَنْ يجري وراء التعابير المباشرة: ليس من مصلحة روسيا أو إيران طرح كميات جديدة من الغاز والبترول في الأسواق، بالإضافة طبعاً للدول الأخرى المنتجة كدول الخليج.

ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن ينتعش الاقتصاد السوري وتتحسن حالة المواطن المعيشية، باستخراج الغاز والبترول، قبل تحقيق شروطها السياسية.

نتائج تأخير استخراج البترول والغاز الخطيرة

لاحظوا التالي؛ رغم وصول أسعار البترول إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2002 حوالي 30% من أعلى سعر وصلته، هل خفّضت الدول المنتجة إنتاجها إلى النصف مثلاً؟ على العكس، اشتعلت حرب الأسعار بين روسيا والسعودية في آذار 2020. لماذا؟ سؤال آخر أهم: ماذا لو ارتفعت الأسعار عند الانتهاء من الإغلاق وفتحت المعامل وشركات الطيران وعاد التصدير والحركة التجارية إلى الأسواق العالمية…؟ سترتفعُ الأسعار بشكل كبير، وستعوّضُ الدول المنتجة خسائرها، ماذا عن الغاز السوري واللبناني، متى سيعوض بل متى سيُستخرج؟

السبب وهو ما يتم إخفاؤهُ إعلامياً:

عام 2030 ستختفي محطات الوقود في أوروبا

صحيفة Financial Times البريطانية: 25% من محطات الوقود حول العالم ستختفي عام 2035. أي حتى في البلدان الفقيرة، وعلى محطات الوقود الحالية وضع خدمة الشحن الكهربائي بجانب البنزين والديزل.

السيارات الكهربائية تغزو العالم، والدول مشغولة بالعلم وتطوير الصناعات والاستغناء عن البترول والغاز، الأمر ليس حديث العهد، عام 1947 أُنتجت أول سيارة كهربائية تحت اسم Henney Kilowatt، ثم بدأ الاهتمام والعمل على تطويرها.

كمثال حالي؛ شركة Tesla هنا في ألمانيا وفي مصنعها الجديد قرب برلين، ستبدأ بإنتاج 500 ألف سيارة سنوياً اعتباراً من تموز 2021، وستطرح سيارة كهربائية ذات قيادة ذاتية كاملة عام 2023. وتبيع الشركة النسبة الأكبر من السيارات الكهربائية حالياً، ليصبح Elon Musk أغنى رجل في العالم متجاوزاً Jeff Bezos.

في النرويج: 21% من مبيعات السيارات عام 2020 كانت من نصيب السيارات الكهربائية.

الصين وما أدراك ما الصين؛ العملاق الصيني طوّر سيارة كهربائية تسير حتى 1000 كم في كل شحن للبطارية، لتحلّ العام الفائت 2020 سيارات شركة Build Your Dreams الصينية في المرتبة الثانية بعد تسلا، وتنافس Tang تيسلا. بينما تطوّر أيضاً مع Daimler الألمانية مشروع سيارات ستغزو الأسواق. طلائع السيارات الصينية وصلت شوارع كاليفورنيا فسيارات جمع القمامة كهربائية صينية الصنع، وإلى الدول الإسكندنافية.

معظم شركات السيارات الكبرى بدأت تُنتج سيارات كهربائية بينما اقتحمت الأسواق شركات جديدة مثل BAIC التي حلت بالمرتبة الثالثة وبالرابعة جاءتSAIC  الصينية التي اشترت العلامة التجارية MG البريطانية. وهناك Geely و Wuling

عالم الفيزياء الألماني Richard Randoll عام 2017: عدد السيارات الكهربائية المباعة سيتضاعف مرة كل 15 شهراً، والمحرك العادي سيختفي من مصانع الشركات الكبرى عام 2026. كلام العالم صحيح، فعام 2010 بيعت 20 ألف سيارة فقط، بينما بيعت 4970000 سيارة كهربائية عام 2019.
أي أنّ افتتاح أو إنشاء أي معمل للسيارات بمحرق الاحتراق الداخلي التقليدي هو هدر للأموال وسوء تخطيط بل جهالة.

كانون الأول 2019، هناك 7,9 مليون سيارة كهربائية تسير في العالم، 3,8 مليون في الصين و1,5 مليون في الولايات المتحدة. الرقم تضاعف عام 2020…

كافة السيارات الكهربائية تصل لسرعة من 0 إلى 100 كم/سا بأقل من 6 ثوان. الشحن الواحد تجاوز 500 كم ليصل إلى 1000 كما ورد. مشكلة البطارية اقتربت من الحل النهائي، والطرح القادم خلال سنة هو “بطارية المليون ميل”. الباقي مشكلة واحدة؛ تخفيض سعر السيارة. حسب James Morris:

 Tesla’s $25,000 Electric Car Means Game over for Gas and Oil

بعد كل هذا العرض الذي حاولنا اختصارهُ، ماذا سيحل بالدول المنتجة للبترول والغاز، والسؤال فقط حول نتائج تخلي السيارات عن تلك الطاقة، عِلماً أن الدول الأكثر إنتاجاً واستخداماً للسيارات الكهربائية وهي الولايات المتحدة وأوروبا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، تستهلكُ 57,8% من البترول والغاز العالمي. ماذا عن بقية القطاعات الصناعية التي تحتاج للمواد النفطية وقد بدأت بالاستغناء عنها منذ سنوات؟ ألمانيا صاحبة أول اقتصاد عالمي بالطاقة المتجددة بالاعتماد على الرياح والشمس وصل انتاجها عام 2017 إلى 36,2% من الطاقة المستهلكة وتشمل قطاعات الكهرباء والتدفئة والنقل، والعمل جار على أن يتجاوز 50% عام 2030، أي الحاجة لمصادر الطاقة التقليدية ستتراجع إلى النصف.

ليتر الماء أغلى من ليتر البنزين

لن يكون ببعيد أن يُصبحَ ليتر الماء أغلى من ليتر البنزين في كافة دول العالم، يومها ماذا ستفعل الدول التي رقدت على بيوض آبار البترول والغاز ولم تستثمرها؟ مَن سيشتري إنتاجها؟ سيأتي اليوم الذي لا تتمكنُ فيه هذه الدول من بيع ثرواتها الباطنية مهما كانت الأسعار منخفضة.

الرقود على حقول الغاز والبترول في سوريا ولبنان مطلبٌ بل أمرٌ من كافة الدول المُنتجة دون استثناء، لكن أضعفَ الإيمان أن تقوم الدولة بتأمين هذه المواد للمواطن وبأسعار رمزية، هذا على فرض أنّ الدولة يهمها المواطن. ويستمر الفساد وسوء الإدارة مع شماعة العقوبات و… إشغال الشعب عن القادم… مركز فيريل للدراسات. 26.02.2021