عودة الجراد إلى الشرق الأوسط 2020

لم يشأ شباط أن يكون أقلّ شأناً من كانون الثاني 2020 الذي حمل في جعبته الكثير من المصائب للعالم، فها هي أستراليا تُعلنُ حالة الطوارئ من جديد بسبب الحرائق، بينما يتحرّك “وحش” الجراد شمالاً وشرقاً من إفريقيا، إلى أين المسير؟

بعد كينيا وإثيوبيا والباكستان وأريتيريا، الصومال تُعلنُ حالة الطوارئ بسبب طاعون الجراد. وزارة الزراعة في مقديشو صرّحت البارحة الأحد أنّ أسراباً هائلة من الجراد بدأت تغزو أراضيها الزراعية، وهي واحدة من أفقر دول العالم، وفوق مصائب الحرب فيها تأتيها مصيبة جديدة. كما أعلنت السعودية أنّ الجراد هاجم منطقة نجران

منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)  FAO، حذّرت منذ منتصف كانون الثاني الماضي من وباء الجراد في جميع أنحاء شرق أفريقيا، فالظروف المناخية الحالية مواتية تماماً لتكاثره هناك.

الجراد في الباكستان 2020 والحكومة عاجزة عن فعل شيء منذ شهور. فيريل للدراسات

مخاطر الجراد

سبق ونشرنا قبل سنة تماماً عن هذه الآفة، في مركز فيريل للدراسات، التي اجتاحت يومها أجزاء واسعة من الشرق الأوسط، وقد أوقفها الطقس البارد عن الوصول إلى سوريا، بينما وصلت حتى جنوب إيران.

عندما تكون أعداد الجراد قليلة لا يُشكّلُ خطورة تذكر، لكن عندما يتكاثر ويصبحُ أسراباً هنا تبدأ الآفة. الجراد لا يترك وراءه شيئاً أخضر. كي نعلم مدى خطورته؛ تأكل الجرادة يومياً ما يُعادل وزنها من النباتات الخضراء، فتخيّلوا أنّ الناس تفعلُ ذلك ويأكل الشخص 60 كغ يومياً!! بحساب بسيط فإنّ سرب جراد يُغطي كلم مربع يضمُّ حوالي 60 مليون جرادة، يأكل يومياً كمية تصل إلى 100 ألف طن من الأوراق والأعشاب الخضراء، أي ما يعادل ما يأكله 450 ألف إنسان لمدة عام كامل من الخضروات! أما السرب الصغير فيأكل ما يكفي لغذاء 35 ألف شخصتضعُ أنثى الجراد 300 بيضة خلال حياتها القصيرة، هذا يعني أنّ سرباً مكوناً من آلاف يمكن أن يصبح عدة ملايين خلال شهرين فقط.

طائرة ركاب إثيوبية بيونغ 737 قادمة من جيبوتي، لم تستطع الهبوط في مطار ديري داوا بسبب أسراب الجراد التي جعلت الرؤية معدومة على نوافذ الطيار، فاضطر للهبوط في مطار أديس أبابا. 9 كانون الثاني 2020. فيريل للدراسات.

يعملُ سرب الجراد كوحدة متكاملة مترابطة دون قيادة! السبب أنه يُفرز مادة عصبية ناقلة هي serotonin السيترونين، تكون محفّزة للاتصالات التناسلية ورابطاً عصبياً بين السرب، كما تزيد النشاط والشهية للطعام

سُمّي الجراد بـ “طاعون الصحراء” وهو ما حدث بين عامي 1966 و 1969 ثم 2019، فقد ارتفع عددها في شرقي إفريقيا لتجتاح الشرق الأوسط وتصل إلى إيران، ومن 2 مليار إلى 30 ملياراً، وغطت مساحة تزيد على مساحة الأردن، 100 ألف كلم مربع… لتعقب ذلك مجاعة كبيرة ومصاعب اقتصادية في عدة دول، فكيف بالدول التي تعاني أصلاً من المجاعة؟

خطورة الجراد أيضاً في مكافحته وصدّ هجومه، فلدى السرب القدرة على الطيران يومياً لأكثر من 150 كيلومتراً.

استطاعت الولايات المتحدة القضاء على الجراد منذ عام 1902 لكنه ظهر عام 1932، واستطاعت القضاء عليه مجدداً، وتعتبرُ أميركا الشمالية والقارة القطبية الجنوبية وسيبيريا وشمال أوروبا، مناطق خالية من الجراد، لأن عدوه الأول هو الطقس البارد.

منذ القدم درس أرسطو الجراد وعادات تكاثرهم، كما سجل Livy وباءً مدمراً في Capua عام 203 قبل الميلاد، حيث انتشرت الأوبئة التي أعقبت انتشار الجراد وموته وتعفنه. كذلك في الصين عام 311 م، قتل 98% من سكان عدة قرى والسبب ازدياد عدد الجرذان والبراغيث التي تغذّت على الجراد، فنشرت أمراضاً فتاكة.

جراد 2020

حذر الخبراء من التهاون هذه السنة 2020 في مكافحة الجراد القادم من شرقي إفريقيا، فقد قُدّرت نسبة تكاثره حتى شهر حزيران 2020 بأكثر من 500 مرة! وهذا رقم مُرعب قد يصله إن توفرت الظروف الجوية وتكاسلت الدول عن القيام بواجباتها كالعادة. وحسب Riccardo Bubbolini من منظمة  CEFA؛ ما يحدث الآن أنّ أسراب الجراد تُغطي مساحة 150 كيلومتراً مربعاً، فتقضي على المزروعات خلال دقائق، ثم تنتقلُ لمنطقة أخرى. بينما السرب الواحد يضم حوالي 150 مليون حشرة ويُغطي مساحة 2.5 كيلومتراً مربعاً. الجراد قضى على كل شيء أخضر والسكان الفقراء سيواجهون مجاعة في الشهور القادمة.

#الجراد_في_الصومال وإعلان حالة الطوارئ 2020. فيريل للدراسات

الجراد ضرب إثيوبيا وهو الآن على مشارف العاصمة أديس أبابا، وانتقل إلى كينيا والصومال جنوباً ويقترب من نيروبي، ثم انتقل إلى أريتيريا والسودان شمالاً. عبر باب المندب قبل شهور إلى اليمن ثم عُمان والسعودية ليصل إلى الباكستان وجنوب شرقي إيران. طبعاً لم نسمع بهذا لأن العالم مشغول بقضايا أخرى أهمها الكورونا…

في الباكستان ومنذ شهر كامل، تبدو السلطات عاجزةً عن فعل شيء. وزير الإعلام فردوس عشيق قال: (نواجه أسوأ طاعون من الجراد منذ أكثر من عقدين، لهذا أعلن حالة الطوارئ الوطنية).

الجراد وصل إيران بالقرب مع الحدود الباكستانية ولم يستطع التغلغل شمالاً بسبب برودة الطقس. كما وصلت الأسراب الحدود الباكستانية الهندية وبدأت الهند باتخاذ تدابير وقائية برش المبيدات في الحقول الزراعية.

في السعودية؛ هاجم الجراد منطقة نجران ووصل الأحياء الشعبية داخلها. وزراه البيئة والمياه والزراعة أعلنت وصوله منطقة نجران ومكة المكرمة والمدينة المنورة وعسير وجازان والباحة، وبدأ يقضي على المحاصيل الزراعية حتى داخل البيوت البلاستيكية. الوزارة أعلنت أيضاً أنّ حالة الجراد الصحراوي تطورت إلى مستوى التهديد في الساحل الجنوبي الغربي بين مكة المكرمة وجازان، وما زالت الأسراب تهدد جميع مناطق المملكة الداخلة ضمن موسمي التكاثر الشتوي والربيعي. كما تتوقع تدفق المزيد منها عبر السودان واليمن مع بدء الربيع. الأخطر هو أنّ أسراباً استوطنت جازان وساحل عسير وبدأت بالتكاثر وبشكل يفوق ما جرى في الشتاء الماضي.

#الجراد_في_السعودية 2020. وصل نجران وعسير والباحة والمدينة المنورة ومكة المكرمة. فيريل للدراسات. الطقس البارد منعه من الهجرة شمالاً نحو الأردن… ماذا عن الربيع القادم؟

توقعات مركز فيريل للدراسات

التغيير المناخي هو أحد أهم أسباب تفاقم هذه الآفة الخطيرة، فالأمطار الغزيرة التي تسقط في مناطق صحراوية جافة فتنبت الأعشاب الموسمية بعدها، تؤمّن الغذاء المناسب لتكاثر الجراد وإمكانية عبوره الصحراء وإنتشاره بشكل أوسع. ويأتي تقاعس الحكومات عن مكافحته ليزيد الأمر سوءاً. الأمطار تتساقط بغزارة في شرقي إفريقيا وهذا الطقس الرطب يؤمن غطاءً نبايتاً وكمية الغذاء المطلوبة لتكاثر هذه الحشرة بسرعة. مع إرتفاع درجات الحرارة في الربيع، ستزداد الأسراب المهاجرة شمالاً وشرقاً نحو الشرق الأوسط، وهذا تحذيرٌ مسبق من مركز فيريل للدراسات. إفريقيا تشكو وبدون هذه الآفة من المجاعة، المشكلة تتفاقم هناك وستحصد أرواح المزيد من الإفريقيين… ومَن يهتم… الأمم المتحدة تقول أنّ 26 مليون إفريقي في المنطقة، يعانون الآن من نقص الغذاء، فماذا ينتظرهم بعد أن يأكل الجراد محاصيلهم ومعه الحروب التي لا تنتهي خاصة في الصومال.

استمرار الطقس البارد في الشرق الأوسط وسوريا مع درجات حرارة متدنية، كفيل بصد الجراد دون الحاجة لتدخل السلطات، فلا تتذمروا من موجات الصقيع التي تضر من جهة لكنها مفيدة من جهة أخرى. خطر الجراد سيبقى قائماً حتى بداية الصيف وموسم الجفاف، لكنه سيعود من جديد في الخريف وبشكل دوري سنوياً. مركز فيريل للدراسات. برلين. 04.02.2020

قُدّرت أعداد الجراد التي اجتاحت المنطقة في شباط 2019 بحوالي 30 مليار حشرة، اليوم ونحن في شباط 2020 تُقدّر الأعداد بأكثر من 50 مليار، أي أنّ الخطورة مُضاعفة هذه السنة.

إقرأ أيضاً