فيدراليــة ديـر الــزور! د. جميل م. شاهين

 

يكثـر الحديثُ هذه الأيـام عن فيدراليـة في سـوريا، عن طريق استغلال تصريـح من هنـا أو هناك لنصف مسؤول رمى ببالون اختبار لغاية لا يفهمها محللو “البيضة قبل الدجاجة أم العكس؟”. تتزعم قنواتٌ يُقالُ عنهـا “صديقة” ترسـيخَ هذه الفكـرة في عقـول الشعب، تمهيداً لجعلها أمراً واقعاً مقبولاً جماهيرياً.

في صيف 2011 وبعد بدء “حملة أغصان الزيتون” ببحثهـم عن الحرية المنشودة، سمعتُ هذا الكلام هنا في برلين من مُعارضٍ اكتشفَ فجأة أنه معارض، سألقبّـهُ هنا بالفهلوي.

ي

الفهلوي المُعارض هذا أكاديميّ اختصاصي، درس على نفقة الدولة في سوريا وأوروبا، أي أنّه نظرياً مُتعلّمٌ مثقفٌ. عمِلَ سنواتٍ كناقش تقارير رخيص ضدّ كل سوريّ في ألمانيـا. بعد 15 آذار 2011 وقفَ في البداية ضدّ أيّ مظاهرة أو تحرك في سـوريا، وازداد مكسبهُ لشهور ثلاثة من نقش التقارير. يبدو أنّ الريع المادي من أن يكون مُعارضـاً كان مُغرياً أكثر، فانقلبَ بين ليلة وضحاهـا وراح يُحدثني عن جرائم الدولة السورية والفساد والديكتاتورية لينتهي به المطـاف بالحديث عن الفيدراليـة. ثم أنشأ تنسيقية في ألمانيـا، وراح نجمـهُ يصعدُ وتبرعاتـه السخية تصل للمعارضة في دير الزور…

قال الفهلوي: “سوف نؤسس فيدرالية أو كونفدرالية في ديـر الزور؟”

سألتهُ: “وما هو الفرق بين الفيدرالية والكونفدرالية؟”

الفهلوي: “ها… نفس الشي.”

سألتهُ: “وهل تقبل أن يفعل ذلك الأكراد أيضاً؟”

الفهلوي: “لِمَ لا، نحن كمعارضين نبحثُ عن الديموقراطية، وتطبيقها يعني حرية الشعب باتخاذ القرار. ونحن في دير الزور تماماً كالأكراد، يمكننا الاستقلال عن سـوريا وليس فقط فيدرالية.”

أعدتُ سؤاله: “الاستقلال! وما هي مقوماتكما في محافظة دير الزور أو الأكراد كدولة.”

أجاب بعبقريـة: “لدينا أرض زراعية، بترول، مياه، مصانع… سوف نصدّر البترول عن طريق ميناء بانياس أو تركيا، ونوسّع المطار ليصبحَ دولياً… كافة مقومات الدولة موجودة، لماذا لا نستقل؟”

وحلّقَ الفهلوي بخياله كغيره من الفهلويين، وراح يُقارن بين سـوريا كفيدرالية وفيدراليات الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا. ورُغمَ سطحية هذه المقارنة وما قالهُ، أعلمته أنّ فيدراليات الدول المتطـورة ناجحة لأنّ الشعب هناك واعي متناغم غير طائفي أو عنصري أو عشائري، وليس لديه أيّ نوايا انفصالية، ويرى هذا الشعب بولائه للحكومة المركزية سرّ وحدة الدولة وبقائها، فالإفريقي والآسيوي والشرق أوسطي، الذين يحملون الجنسية الأميركية يقولون عن أنفسهم نحن أميركان ولا نسمع مَنْ يقول: “أنا فيتنامي أميركي.”. وعندما تجري الانتخابات، يُصوّت ابن دوسلدورف لمرشح من كوتبوس ولا نسمع حملات انتخابية لعشيرة شميت أو مولر أو “مرشحكم للمجلس الشعب الشيخ المؤمن أبو لوتس شرويدر.”… ولنا في فيدراليـة العراق “الرائعـة، المنسجمة، المُسالمة” خير مثال على كيف تكون الفيدراليات في المجتمعات العشائرية الطائفيــة. حاولتُ أن أشرح له عسى أن يفهم، أنّ من مقومات الدولة أيضاً الإطلالة على بحـر مفتـوح، وهكذا دولة مُغلقـة، ستموت خنقـاً إن عاداها جيرانها. عبث…

في الحقيقة؛ لا توجـد في سـوريا أية مقومـات أو مؤهلات أو  أسباب لقيـام فيدراليـة أو حتى مجرد التفكير بها، ومَـن يروّجُ لها هـو مأجور أو سـطحي، وقد تمّ غسل عقول السطحيين بنشر خرائط لدولة تمتدُ بمساحة 700 ألف كلم مربع، وتزوير التاريخ بحيث أنّ أصحاب هذه الدولة “الورقية” كانوا في الماضي يقطعون الكهرباء عن القمر. إنّ طرح هكذا فكرة هو تمهيد للانفصال ومَنْ يؤيد الانفصال هـو خائن. العاقل هو الذي يؤيد اتساع رقعة دولته ووحدتها وليس خلق دويلاتٍ ليست أكثر من مستعمرات مُغلقة مصيرها الاقتتال الدائم فيما بينها.

كلام هذا الفهلوي وأمثالهُ ذكرني بكلام الكبير دريد لحام، عند مقارنته بين بلادنا والجنّة في حديثه هاتفياً مع والده الشهيد بمسرحية غربة.

مـنْ يؤيـد الفيدراليـة أو يريـد الإنفصـال عن ســوريا ينقصـهُ أمران فقـط: الكرامـة والعقــل.

الكاتب د. جميل م. شاهين 15.03.2016