كأس العـالم لكـرة القـدم 1982. الدكتور جميل م. شاهين 18.08.2015

بيروت تحترق والعرب يتفرجون وسوريا وحدها تدافع

 

كنتُ أتقدّمُ يومها لامتحانات الفصل الثاني في جامعة دمشق، بينما يُحاصـر الجيش الإسرائيلي بيروت. في نفس اليوم انطلق كأس العالم لكرة القدم 1982 في إسبانيا، وكأنّهم على موعد!

كنّا نطرب لرؤية باولو روسّي، لكننا نعشقُ الجيش السوري أضعافاً مضاعفة. منتخبا الكويت والجزائر لكرة القدم كانا حاضرين في إسبانيا.

بدأ الحصار وقصف الميليشيات العميلة وإسرائيل لبيروت يوم 13 حزيران 1982، وهو نفس اليوم الذي تقدمتُ لمادة للدكتور خليل آل شاكر رحمهُ الله، وجرتْ فيه أول مباراة في المونديال بين الأرجنتين وبلجيكا! قيل بأن اختيار توقيت الاجتياح بالتزامن مع مونديال 1982 كان ضمن ترتيبات سبقت العدوان، وكان القائل صادقاً.

حاربت سـوريا وحدها ببطولة ندرَ مثيلها، واستبسل الجيش السوري في البقاع والقوات الخاصّة تحديداً، جرت معارك بالسلاح الأبيض مع الصهاينة، أرادوا الوصول بدباباتهم عبر البقاع إلى دمشق. كنا نسمع صوتَ المعارك في قاعة الإمتحان بالبرامكة. تشتّت ذهننا بين العدوان الصهيوني على لبنان والحرب القذرة التي يشنها الأخوان المسلمون، بينما إنشغلت الأمة العربية بالأحداث المتسارعة للمونديال، فالجزائر فازت على ألمانيا 2-1 في 16 حزيران، وعلى تشيلي في 24 حزيران.

اشتعلت الحرب أكثر واحتدمت المعارك، فهاجَ العرب… ويل للأعداء إن هـاج العرب!!

هبّ فهد الأحمد الصباح رئيس الإتحاد الكويتي لكرة القدم آنذاك، وقام بتعطيل مباراة الكويت ومنتخب فرنسا لكرة القدم في 21 حزيران، محتجّاً على هدف رابع سجلتهُ فرنسا في شباك الكويت، نزل فهد أرض الملعب لمدة سبع دقائق، فاضطر الحكم الروسي ميروسلاف ستوبار لإلغاء الهدف. غرّمَ الاتحاد الدولي لكرة القدم الأمير فهد بمبلغ 8000 جنيه إسترليني بسبب تدخله، واستغنى عن الحكم في بقية باقي مبارياته المُجدولة.

ازداد القصف، وبدأت بيروت تحترق، قذيفة إسرائيلية أصابت ملجأً في برج البراجنة فقتلت 75 مدنياً، هنا اهتز العالم… وثارت الأمة العربية من المحيط إلى الخليج… الله أكبر… شوارع العواصم العربية امتلأت بالمظاهـرات؛ لقد فازت الجزائر على ألمانيا في كرة القدم.

بيـروت تحترق والجيش السوري يقاتل لوحده، والأمة العربية تحتفلُ…

وهل يبقى العربُ نائمون؟! بعد ثلاثة أيام فقط أدرك العَرب حجم المؤامرة. صحيحٌ أنهم تأخروا، لكنهم أدركوا… صحوةٌ عارمة من غفلة عابرة، خرجوا بمئات الآلاف ليس لنجدةِ الجيش السوري والدفاعِ عن بيروت ودمشق، بل ضد ألمانيا التي تآمرت مع النمسا لإخـراج الجزائر من كأس العالم في 25 حزيران 1982.

مظاهرات عربية حاشدة خرجت ضدّ تآمر ألمانيا، بينما  خرجتْ حركة “السلام الآن” في إسـرائيل تستنكر الاجتياح الصهيوني، وتُطالبُ بالانسحاب من لبنان!. وعاشت الأمة العربية الواحدة. 

فازتْ إيطاليا بكأس العالم، ما أذكرُهُ أنّ الفريق الإيطالي أهدى لبنان كأس العالم (رمزياً) تعاطفاً معه.

خسرنا آنذاك عشراتِ الطائرات الحربية، وكان للأسطول السادس الأميركي وللقوات الفرنسية، الدور الأبرز في التشويش على الرادارات السورية… لم تردّ سوريا فوراً، انتظرت حتى تاريخ 18 نيسان 1983، فكان الرد الأول، وفي 23 تشرين الأول 1983، جاء الرد الثاني، وكان أقوى ضربة تتلقاها الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم…

كانوا ومازالو يتفرجون، وسوريا لوحدها تُحارب وتدافع عنهم، وتأكل الضربة تلوَ الأخرى… ليتهم يكتفون بالفُرجة دون أن يرسلوا قذاراتهم إلينا. الدكتور جميل م. شاهين. 18.08.2015 مركز فيريل للدراسات.