كانون الثاني جعل الشتاء طبيعياً. الدكتور جميل م. شاهين. 25.01.2022 Firil Center For Studies FCFS Berlin
نُفصّلُ لكم دون إسهاب الحالة الجوية السائدة في الشرق الأوسط وسوريا مع توقعات الأيام القادمة، وتحليل سريع لما يحدث.
النزول القطبي الحالي مستمر بين شدة وضعف حتى 05 شباط القادم على الأقل. وهو نزول يحدث سنوياً عدة مرات، تميّز هذه السنة عن السنوات القليلة السابقة بطول فترته ليس أكثر، دون تسجيل أرقام قياسية في درجات الحرارة أو كميات الثلوج كبيرة حتى الآن.
سجلت المنطقة درجات حرارة دون الصفر ليلاً، خاصّة في الشمال والجزيرة السورية واقتربت من الأرقام القياسية دون أن تصلها، لكنّ ندرة مواد ووسائل التدفئة، جعل الناس تشعر ببردوة الطقس أكثر من قبل.
بروباغندا الثلوج والطقس شديد البردوة
البروباغاندا الحالية تحدثُ كلّ شتاء، وفي كلّ شتاء منذ انتشار وسائل التواصل الإجتماعي يتكرر المشهد حرفياً ليتم سؤالنا في مركز فيريل للدراسات عن (منخفضات قطبية عملاقة وثلوج بالأمتار وإنزياح القطب الشمالي نحو الشرق الأوسط!).
هذه معلومة سريعة لمَنْ يريدُ أن يعرف؛ يتشكل المنخفض القطبي فقط في مناطق العروض العليا وخاصة البحار الشمالية والجنوبية القريبة من القطبين؛ بحر بارنتس وبحر لابرادور وخليج آلاسكا ونادراً بحر اليابان.
أخفض منخفض قطبي سُجّلَ في نهاية كانون الأول 2009 عند خط عرض 46.23، ودام أقل من 48 ساعة، وهو أضعف المنخفضات الجوية ويتلاشى سريعاً لدى وصوله إلى اليابسة، لهذا لا تتأثر منطقة الشرق الأوسط بأيّ منخفض قطبي، بل منخفضات متوسطية تتغذى بتيارات شمالية باردة. استخدام تعبير (منخفض قطبي) سيؤثر على سوريا غير صحيح عِلمياً، ويتم تداولهُ لخلق نوع من “الأكشن”. الغريب أنّ استخدام هذا المصطلح لم يعد حِكراً على هواة نشرات الطقس بل وصل إلى بعض مراكز الرصد الرسمية!
لهذا ما يتم تناقلهُ عن ثلوج قادمة تصلُ إلى مترين في دمشق وانزياح مركز القطب الشمالي جنوباً، يمكنُ وضعهُ تحت بند الخيال الفيسبوكي الطفولي.
نعم أثّرت سلسلة منخفضات جوية متتابعة على المنطقة، وتساقطت ثلوج ضعيفة إلى متوسطة، ومازالت المنخفضات تتوالى حالياً حاملةً المزيد من الأمطار والثلوج دون أن تُحدّدَ مراكز الرصد العالمية، والأصح؛ لا تستطيع تحديد كميات الثلوج المتوقعة بدقة إلا قبل ساعات وبنسبة خطأ 30%، بينما “يؤكدُ” الهواة كمياتها وسماكاتها مستخدمين تعبير “التراكمات” دون معرفة المعنى العلمي لها، ليصل الأمر للحديث عن “عصر جليدي” سبق ونشرنا عن ذلك في مركز فيريل للدراسات؛ مرور شتاء أو شتاءين باردين لا يعني إطلاقاً بداية عصر جليدي، عِلماً أنّ استخدام كلمة “عصر” للدلالة على عشرات وحتى مئات السنوات من الطقس شديد البرودة، هو استخدام خاطئ بكل تأكيد وليس فقط سنوات، وأخصائيّو المناخ يعرفون معنى عصر جليدي ومدته وفترة تكونّه.
المقارنة مع شتاء 1991 أو شتاء 1982 غير واردة حتى الآن، فقد تراكمت الثلوج يومها في منطقة ضهر البيدر مسببة وفاة حوالي ستين شخصاً، بينما استمرت الحرارة في دمشق أربعة أيام دون الصفر ليلاً نهاراً مما أدى لتعطيل حركة المرور نتيجة تساقط الثلوج وتشكّل طبقة من الجليد، رغم أنّ سماكتها لم تتجاوز 20 سنتمتراً في المدينة.
معلومة سريعة أيضاً؛ أكبر كمية تساقط للثلوج مُسجّلة في العالم حدثت في جبل Mount Baker شمالي ولاية واشنطن خلال شتاء 1998، 1999 وكانت 722 سنتمتراً، الجبل على ارتفاع 3288 متراً عن سطح البحر.
الحرارة أعلى من المعدلات!
بشكل عام درجة حرارة الأرض في إرتفاع وليس إنخفاض، والصورة تؤكد هذا. هناك مناطق واسعة ومنها أوروبا يُسجلُ فيها شتاء دافئ وصولاً إلى خط عرض 72 درجة وضمن الدائرة القطبية نفسها. ففي شمال النرويج سُجّلت درجة حرارة 12,2 درجة فوق الصفر البارحة عند خط عرض 70، و9,4 عند خط عرض 71 شمالاً، وهي أرقامٌ قياسية حسب الباحث Mika Rantanen.
دعونا من أوروبا ومن الصورة ولنتحدث عن الشرق الأوسط وسوريا، فالخريف بشهوره الثلاثة مرّ بحرارة أعلى من المعدل العام وأمطار قليلة وجفاف واسع.
كانون الثاني الحالي؛ سجل حتى تاريخ 14 في معظم المناطق بين 1 إلى 1,5 درجة أعلى من المعدل العام. بعدها انخفضت درجات الحرارة دون المعدل، لهذا كي نقول أنّ الحرارة انخفضت وكان الشتاءُ قاسياً، يجب أن يستمر النزول القطبي حتى منتصف نيسان… ما رأيكم؟
منظر الثلج جميل وممتع لمَن يمتلكُ وسائل تدفئة ومعها وجبات طعام غني بالسعرات الحرارية، وأكثر مَنْ يُسرّ به هم الأطفال الذين يرون 10 سنتم من الثلوج كميات كبيرة بل تراكمات.
التوقعات للأيام القادمة
منخفض جوي متوسطي بمركز شمال غرب قبرص الآن، يمر إلى شمال شرق سوريا غداً، مصحوب بجبهة هوائية باردة وأمطار جيدة وثلوج فوق المرتفعات، نُفصّلها بعد قليل. يبدأ تأثيره بعد ظهر اليوم الثلاثاء 25 كانون الثاني 2022 ويستمر عدة أيام خاصة على المناطق الجنوبية وصولاً إلى سيناء.
تشتد سرعة الرياح لتتجاوز 85 كم/سا في المرتفعات الجبلية والمكشوفة، وتكون مثيرة للغبار في المناطق الصحراوية. يضطربُ البحر وترتفع الأمواج لتصل في اللاذقية وطرطوس إلى 2,9 متر ، لكنها تكون أكثر ارتفاعاً في شواطئ فلسطين فتتجاوز 3,3 متر بينما تقتربُ في شواطئ مصر من 4,2 متر غداً الأربعاء.
أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة على المناطق الغربية بدءاً من لواء اسكندرون حتى الاسكندرية. تمتد الأمطار تدريجياً إلى المناطق الداخلية بكميات أقل، قبل أن تتحول غداً بعد الظهر إلى ثلوج.
الثلوج المتوقعة
ننوّهُ إلى أنّ خط الثلج يختلف ضمن مساحة جغرافية صغيرة، فتتساقط الثلوج أحياناً عند الشواطئ بينما تكون فوق ارتفاعات أعلى على مسافة 50 كم فقط.
تسقط الثلوج الليلة الثلاثاء ـ الأربعاء، فوق المرتفعات الجبلية التي تزيد عن 1400 متر.
نهار الغد الأربعاء ومع تدفق الهواء الأكثر برودة: ينخفض خط الثلج تدريجياً ليصل في المناطق الشمالية إلى 500 متر وبكميات بسيطة. ويكون عند 600 متر في الجبال الساحلية دون تراكمات التي تكون فوق 900 متر لأكثر من 20 سنتم. وتصل الثلوج إلى حمص والبادية السورية والجبال التدمرية.
جنوباً، يصل خط الثلج إلى 600 متر ويكون ممزوجاً بالأمطار، وحتى لحظة نشر هذه المقالة، درجات الحرارة أعلى مما ينبغي لتساقط ثلوج كثيفة في المناطق الأقل إنخفاضاً. تشهد دمشق تساقط الثلوج كذلك عمّان وبكميات أكبر في عجلون والشوبك. كما تتساقط الثلوج في جبل كاترينا في سيناء.
يضعف تأثير المنخفض الجوي يوم الخميس على المناطق الشمالية والشمالية الغربية والوسطى، لكن تحدث فعالية محلية غير شاملة، تؤدي لتساقط الثلوج شمالي حلب والرقة والجزيرة السورية مساء وليل الجمعة. بينما يستمر بفعالية جيدة على المناطق الجنوبية حتى بعد ظهر السبت 29 كانون الثاني. مسبباً، الخميس خاصة، تساقط المزيد من الثلوج في محافظات دمشق والسويداء والقنيطرة ولبنان والأردن وفلسطين مع أمطار رعدية على الساحل.
يوم الأحد سيكون استراحة مؤقتة في المكان، بانتظار منخفض جوي جديد.
التحذيرات
من الرياح القوية التي تزداد قوتها أثناء التساقط. تحذير متوسط من الأمواج العالية. تحذير أيضاً من الأمطار الجليدية في المناطق المنخفضة. تحذر لسكان المناطق الجبلية فوق 1400 متر، من أن يتخذ شكل تساقط الثلوج عاصفة ثلجية بوجود رياح تتجاوز سرعتها 40 كم /سا.
نعود ونكرر؛ ما يحدث هو شتاء قريب من الطبيعي، وكانون الثاني شهر خير قام بتعديل كميات الأمطار التي كانت دون 20% في عدة محافظات. تساقط المزيد من الثلوج أمرٌ هام جداً لتغذية المياه الجوفية وإعادة الحياة للينابيع الجافة. أتمنى لكم الدفء والعافية وموسماً زراعياً مٌبشراً. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 25.01.2022