ماذا تريد السعودية من البطريرك بشارة الراعي؟ الدكتور جميل م. شاهين

ضمن ظروف استثنائية تمر بها السعودية، يتمّ توجيهُ دعوة للبطريرك بشارة الراعي لزيارة الرياض! فيردّ البطريرك بحبور كبير قائلاً عبر مكتبهِ بلسان المتحدث باسمه وليد غياض:

(ينظرُ غبطة البطريرك بعين الامتنان والشكر لدعوة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين _ حفظهما الله _، وهذه الدعوة مشكورة وسوف يلبيها صاحب الغبطة بكل سرور للمملكة… الزيارة ستكون بعد أسبوعين تقريباً).

البطريرك الراعي قال لصحيفة الرياض: (المملكة لم تتأخر في دعم لبنان وشعبه بكل طوائفهم… لقد تبيّنَ للعالم أجمع بأن المملكة بلد حوار وتعايش لمكافحة الإرهاب ونبذ التطرف)!!.

كلامٌ وتصريحات كثيرة لا مجال لذكرها. كلامٌ يحتاجُ لعشرات إشارات التعجب بل الاستهجان، لما وصل إليه حال رجال الدين المسيحي في الشرق الأوسط تحديداً، من الانخراط في “الكذب” السياسي، والدونية أمام “أشباه” الرجال وعتاة الإرهابيين ومموليهم.  

السعودية تكافحُ الإرهاب وتنبذُ التطرف!! البطريرك ممتنٌّ لدعوة الملك لزيارته!! السعودية دعمت الشعب اللبناني بكافة طوائفهِ!! السعودية أقامت مركزاً للاعتدال كأول دولة تؤكد على محاربة التطرف والإرهاب!! شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز شخصية واعدة جداً، وهو يكمل ويضيف على أسلافه من انفتاح وحوار ومبادرات خيرية في المنطقة وفي العالم، وهي شخصية مميزة وغنية مليئة بالإيمان بالحوار والعطاء!! نعم هذه ليست كوميديا تراجيدية، بل ما قالهُ البطريرك بشارة الراعي… هنا نُذكّرُ بأنّ الوصية التاسعة تقول: (لا تشهد شهادة زور. تث 15:19).

ماذا تريد السعودية من البطريرك الراعي؟

إعلامياً هناك حديثٌ عن الحوار والانفتاح بين الأديان، ونبذ العنف والإرهاب والتطرف، هذا ما صرّح به وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان: (زيارة غبطة البطريرك بشارة الراعي المرتقبة للمملكة، تؤكد انفتاح المملكة للتقارب والتعايش السلمي والانفتاح على جميع مكونات الشعوب العربية).

عندما زار البطريرك بشارة الراعي سوريا عامي 2011 و2015، وأيضاً القدس برفقة البابا فرنسيس عام 2014 بناءً على دعوة منه، حدثَ جدلٌ سياسي بين رافض ومؤيد للزيارات، لكننا لم نسمع يومها بهذه التعابير الرنّانة عن الدول التي زارها، رغم تناقض سياساتها، فردّت بكركي: (غبطة البطريرك يزور رعيته حيثما كانت). فهل يزور هذه المرة رعيتهُ وعشرات الكنائس المتوزعة على أرجاء السعودية أيضاً؟

الزيارة سياسية بحتة ولا علاقة لها لا برعية مسيحية في السعودية أو بخديعة حوار الأديان. ونتوقع بناءً على معلومات وتحليلات في مركز فيريل أن تتمحور حول المواضيع التالية:

  • اتفاق طائف جديد، خاصة وأنّ البطريرك الراعي سبق وانتقد هذا الاتفاق الذي رعته السعودية عام 1989. تنصّ المادة الثانية على حلّ جميع الميليشيات، وحزب الله ميليشيا يجب حلّها. حسب معلومات حصل عليها مركز فيريل أنّ الرياض التي كانت مُصرّة على عدم تعديل اتفاق الطائف، باتت اليوم مُصرّة على تغييره بأيّ صيغة تقلل من عدد النواب الشيعة في لبنان، حتى لو كان على حساب المسلمين بشكل عام.
  • اتفاق طائف جديد تمهيداً لاتفاق طائف في ســوريا…
  • دفع مسيحيي لبنان لمواجهة حزب الله، وزيادة دعمهم للتيار السني. يتم ذلك عن طريق جعل المسيحيين رأس حربة في أيّ تحرك أمني قادم قد يحدث، وإظهار حزب الله كمنظمة إرهابية يجب التخلّصُ منها، ومعها التخلّص من النفوذ الإيراني عدو السعودية الأول.
  • بعد الدفع بالأمور الأمنية في لبنان على حساب المسيحيين، سيبدأ الحديثُ عن كنتنون مسيحي، وهذا سنتحدثُ عنه في مركز فيريل لاحقاً، لكنه ضمن أجندة السعودية بناء على توجيهات واشنطن.
  • التنسيق فيما يخصّ الملف السوري لما بعد الحرب، ودعم موقف بعض مسيحيي لبنان (الكتائب والقوات) في معاداتهم لسوريا. كما سيتم الضغط على القيادة السورية بملف اللاجئين السوريين في لبنان، عن طريق دفعهم للعودة إلى بلادهم بأية طريقة.
  • دقّ اسفين بين مسيحيي لبنان أنفسهم بتياراتهم المختلفة، ومحاولة لزيادة عزلة التيار العوني الماروني والتيار الأرثوذكسي المؤيد لسوريا.
  • ترتيبات البيت اللبناني السياسي، في حكومة (سنية ـ نصف مسيحية) يتم الإعداد لها، استعداداً للقادم على لبنان من أحداث كبيرة تُهدّدُ بها السعودية كلّ زوراها…
  • أخيراً؛ إن سمح الوقت، قد يتم الحديث عن حوار الأديان والتهويل لكنيسة “أمل الرياض” التابعة للمخابرات الأميركية التي افتتحت في شارع الدمام…

إذاً زيارة الراعي ستكون مصيرية له وللبنان بكافة طوائفه، وما سيتم نقاشهُ ليس من مهمات رجل دين بوزن البطريرك الراعي، بل هي مهمة رئيس وزراء أو رئيس الجمهورية نفسهُ، لكن الرئيس ميشيل عون شخصٌ غير مُرّحب به في الرياض لأنه لا يمتثلُ دائماً للأوامر، كما أنّ تأثيرهُ “عالمياً محدود كونه محسوب على سوريا وحزب الله، لهذا جرى اختيار رأس السلطة الدينية المسيحية.

المطلوب من البطريرك بشارة الراعي مسيحيّاً

المطلوب من البطريرك بشارة الراعي كونه “كاردينال” وعضو مجمع الكرادلة الكاثوليك الذي يرأسه البابا فرنسيس، وكونه أول بطريرك مشرقي يشارك في انتخابات البابا منذ عشرات السنين، أن يكون أشد صلابة وأن يُعطي مركزه الهام القيمة التي يستحقها، وأن تكون لغة خطابه تحمل من العزّة والكرامة أكثر مما تحملهُ من الخنوع وشهادة الزور.

المطلوب من البطريرك بشارة الراعي، ألا يكون في صفّ ضد الآخر، وقد سبق أن كتبت “رسالة من صيدنايا إلى غبطة البطريرك الراعي”، هنا أقول: (الذي قتلَ المسيحيين في سوريا هم إرهابيو السعودية وأخوتهم… السعودية التي سيزورها يا غبطة البطريرك أرسلت إلى سوريا 27600 إرهابي حسب إحصائيات مركز فيريل… السعودية التي  وصفَ مكتبُ البطريرك زعماءَها بالاعتدال ومحاربة التطرف والانفتاح، ومساعدة لبنان، أنفقت أكثر من 20 مليار دولار لقتل المدنيين في سوريا…

رسالة من صيدنايا إلى غبطة البطريرك الراعي. الدكتور جميل م. شاهين

 

المطلوب من البطريرك بشارة الراعي، ألا يكون جسر عبور لحكام النظام السعودي ومن ورائهم واشنطن وتل أبيب، نحو سفك الدماء في لبنان والمنطقة…

بكل محبة واحترامٍ نقول للبطريرك الراعي: ابتعد عن السياسة لأنها قذرة، فلا يمكن لرجل دين انخرط فيها إلا أن يكون كاذباً… كاذباً بلباس الديبلوماسية والدّين. الحكام الذين ستزورهم يا غبطة البطريرك قتلوا أشقاءهم وأبناء عمومتهم، فهل تأمنُ منهم؟!! الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 08.11.2017