ماذا لو ضرب ترامب… إيران؟ مركز فيريل للدراسات ـ برلين



تمّ الاتفاق النووي بين إيران والغرب في ظروف عاصفة مرت بها المنطقة، ابتداءً مما سُمّي مجازاً “الربيع العربي” فإذ به ربيعٌ عبري، مروراً بالتمدد الداعشي في العراق وسوريا، والحرب السورية المعقدة الطاحنة، وانتهاءً بالحرب التي تشنها السعودية ومرتزقتها على الشعب اليمني. ولِد هذا الاتفاق من رحم هذه الأحداث الصعبة والقاسية، وتمددت إيران في المنطقة بقوة بفضل الصمود السوري، لتصل إلى سوريا واليمن بعد أن تسيّدت الوضع في العراق.  

دخلت المقاومة اللبنانية، المدعومة من طهران، الحرب السورية ضد التنظيمات التكفيرية كرديف مهم للجيش السوري. وتم تشكيل الحشد الشعبي في العراق بتركيبة وقيادة دينية ترتبط بإيران ارتباطاً وثيقاً،
كذلك دعمت طهران الحوثيين في اليمن عسكرياً، ضد السعودية وحلفائها، وقدمت دعماً سياسياً وعسكرياً لوجستياً كبيراً للقيادة السورية في حربها ضد الإرهاب الدولي. إذاً؛

دخلت إيران الحرب على كافة الجبهات في الشرق الأوسط ضد الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين والأتراك. هي حرب بالوكالة، كلّ يدعم حليفهُ.

الخطة البديلة لواشنطن

عندما أدركت واشنطن فشل مشروع الربيع العربي، بدأ تنفيذ الخطة البديلة وهي: “استنزاف القوة الإيرانية”.

عن طريق خلق أعداء لها في المنطقة من قبل الأكثرية السنية، والتي يمثلها حسب الأوامر الأميركية، التيار الوهابي وتنظيم الإخوان المسلمين المعاديان لإيران بسبب طائفي. هنا ستتمكن واشنطن من خلال حلفائها، أن تُبرر وجودها كداعم سياسي وعسكري قوي للسنّة، فتحظى بترحيب شعوب الشرق الأوسط، وتكون مظلة دفاعية ضدّ “البعبع” الإيراني، الذي صنعه ورسّخ صورته إعلام عربي بإخراج هوليوودي، يتخذ من عصابات قطع الرؤوس أبطالاً له. بالمقابل؛ روسيا داعمة للشيعة وتدافع عنهم. هكذا تمت صياغة الصورة في عقول القطيع، وعلى هذا القطيع أن يكون الضحية، وهو الضحية بغبائه…

هذا هو الهدف الرئيسي الذي تنشده واشنطن، والذي سيكون المدخل لتواجد طويل الأمد ومريح لرأس الشر العالمي في منطقتنا، برغبة وحماية ومطلب أكثرية مذهبية، تعتبر أمريكا غطاء سياسياً عسكرياً يحميه من النفوذ الإيراني.  نعم أيها السادة؛ أنه تخطيط محترف تم صياغته والعمل عليه لعقود طويلة لكي يصلوا لهذه النتيجة، والتي ستتبعها خطواتٌ أكثر خطورة على المدى المتوسط إن لم يتم تداركه من قِبل شعوب المنطقة.

 

أين سوريا من مخطط ضرب إيران؟

هل ستكون سوريا خارج هذه المخططات المعدة للمنطقة، كونها تدار من قبل قيادة علمانية، ويحميها جيش وطني وأجهزة أمنية غير طائفية، رغم كل المحاولات لجر سورية لحرب مذهبية وعرقية؟

يربط دمشق تحالف وثيق مع موسكو، التي تعتبرها جزءاً مهماً وحيوياً من أمنها القومي، ومدخلاً لتواجدها ومصالحها في المنطقة، وحصرا يتحقق لروسيا هذا من تحالفها مع القيادة السورية السياسية والعسكرية، التي هزمت التكفير الدولي بدعم سياسي وعسكري كبير من موسكو وطهران، ونتيجة حتمية لتضحيات الجيش السوري. لذلك ستكون سوريا، إلى حدّ ما، خارج الحسابات الأمريكية بسبب علاقتها الاستراتيجية مع روسيا، حيث فشلت واشنطن بتنفيذ مخططاتها بجعل سوريا دولة فاشلة، محكومة من التنظيمات والجماعات الوهابية والإخوانية وأحزاب الإسلام السياسي، كما في ليبيا والعراق وأفغانستان.

أحداثٌ متتالية بنفس طويل

تحركات جرت بعد وصول ترامب للسلطة، حيث زارت واشنطن رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، الدولة التي أسست ورعت تنظيم الأخوان المسلمين والحركة الوهابية، بعد واشنطن اتجهت تيريزا إلى أنقرة للقاء سلطان الإخوان! 

إيران تحركت بمساعدة روسية واستوعبت الإخوان المسلمين إلى حدّ ما عن طريق علاقات مباشرة معهم، أو مع تركيا، فتم عزل أنقرة من المعسكر المعادي لإيران… علماً أنّ نظام الحكم التركي لا يمكنُ الوثوق به. 

اتصل ترامب بحكام الخليج وأرسل مسؤوليه إليهم والهدف طبعاً إيران. طهران تلقفت الإشارة وعلمت الهدف، فاستبقت الأمر بتجربة صاروخية بعيدة المدى لتستعرض قوتها. هنا كشف البيت الأبيض المخفي من هذا الحراك السياسي المحموم في المنطقة، مصرحاً بأنه لن تمر هذه التجربة دون عقاب، وأنّ الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام كافة الخيارات بما فيها العسكرية، ضد إيران. طبعا كان هذا تصريح إعلامي بروباغاندي ضمن عشرات التصريحات اللاهبة…

مرت التجربة ولم تكن هناك ضربة عسكرية لإيران، بل عقوبات اقتصادية وإجراءات لتقليص نفوذ طهران في المنطقة مع إثارة التظاهرات وعمليات إرهابية داخل إيران، كل هذا لم ينجح، فهل الضربة العسكرية باتت محتمة؟

ها هو بومبيو يعود للتصريحات النارية من وارسو الآن، ويهدد بضرب إيران.

الذي استنتجتهُ واشنطن أنّ العقوبات والتصعيد الداخلي في إيران، لم يأتِ بنتيجة، لهذا يجب الانتقال لما هو أخطر…   

إجراءات كثيرة قامت وستقومُ بها واشنطن وحلفاؤها وأتباعها في المنطقة ضد إيران: 


  1. عقوبات متتالية ضدّ البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني.

  2. إثارة مشاكل وفوضى داخلية وعمليات إرهابية في إيران.

  3. عقوبات اقتصادية متصاعدة.

  4. محاربتها في العراق، بتشكيل حشد سني من الصحوات والقوى السنية المعادية لإيران، تكون خصماً للحشد الشعبي والذي سكتت عنه واشنطن لهذا الغرض.

  5. التضييق على إيران في اليمن والخليج بكافة السبل، والحد من حركتها البحرية والجوية.

  6. تحريك اللبنانيين من حلف آل سعود ضد حزب الله وتوتير الوضع داخل لبنان.

  7. تشكيل ناتو عربي يضم بعض دول الخليج ومصر، ضد النفوذ الإيراني بالمنطقة، وتوزيع المهام على كل دولة من هذا الحلف الأمريكي.

  8. استمرار التحرّك العسكري الإسرائيلي في الفترة القادمة على الساحة السورية واللبنانية وقريباً في… العراق، لإرباك الوضع.

  9. الاستمرار بنقل الإرهابيين من سوريا والعراق، إلى الداخل الإيراني، للقيام بعمليات التخريب وإنشاء خلايا تتحرك بالوقت الذي تؤمر فيه.

  10. أخيراً: تسهيل تحرك الإرهابيين ودعمهم في العراق واليمن ولبنان وسوريا، لضرب المصالح الإيرانية، بعمليات انتحارية وتخريبية تشمل السفارات والقنصليات وكل ما له علاقة بإيران حتى لو كانوا حجاجاً، لتأزيم الموقف ونشر الفوضى لغرض اتخاذ إجراءات تحدد الدور الإيراني في هذه الدول.

مؤتمر وارسو الذي ينعقدُ اليوم هو محطةٌ ضمن محطات الحشد ضد طهران، ورغم فشلهِ، حسب رأي مركز فيريل في تشكيل قوة عسكرية لضرب إيران، إلا أنه يبني لبنة في صرح التصعيد المستدام… وما تريده واشنطن هو استمرار حالة الغليان، حيث تقوم بتجميع قواتها وتعزيزها في المنطقة، وتستنفذ قدراتِ حكام النفط الوهابيين المادية وتبتزهم لأبعد الحدود، استعداداً لما هو… قادم.

 

الموقف الروسي؟

لن يكون الموقف الروسي تجاه إيران، بنفس تلك القوة التي تميّز بها موقف روسيا مع سوريا.  هناك رغبة روسية بتحجيم دور إيران إلى حد معين، دون إلغائه، فتحل هي مكانه أو تكسب مزيداً من النفوذ والمصالح، بحجة الضغوط الكبيرة من قبل أمريكا وأنظمة المنطقة تجاه طهران. لكن بجميع الأحوال، لن تسمح موسكو بأن تصل الأمور إلى درجة التدخل العسكري المباشر، أو استخدام القوة ضد طهران، فطهران القوية، تعني جنوباً روسياً قوياً ومحمياً.

العلاقة الاقتصادية والصفقات الكبيرة بين روسيا ودول الخليج، هي دليل معرفة جميع الأطراف بتوجهات واشنطن. كما أنّ زيارة حكام المنطقة لموسكو، هي إشارة لرغبة تواجد وحضور أكبر للروس في الخليج على حساب الصراع الأمريكي الإيراني، كضامن لعدم انتشاره وتوسعه، فأية ضربة أميركية لإيران تعني… اشتعال الخليج وانهيار ممالكه بسرعة كبيرة، الخليج يريد، بغباء مطلق، تدمير إيران بضربة ساحر، وهذا لن يحدث.

المرحلة القادمة حرجة، وستشهد توتراً وحرباً ناعمة تتحوّل إلى خشنة بين الحلف الأمريكي وإيران، قد تتطور إلى تصعيد عسكري من الطرفين حتى تصل الأمور إلى أحد أمرين:

اتفاقٌ أميركي إيراني على تقاسم المصالح في دول الخليج.

صدام عسكري سيدمر إيران ودول الخليج ومعهم إسرائيل.

لكن في الحالين، ستكون دول الخليج كافة… في مهب الريح… وهذا لا يهمّ ترامب بشيء، فليذهب الخليج بمن فيه إلى الجحيم… لكن؛ هل ستغامر واشنطن بأمن إسرائيل؟ زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. 

مركز فيريل للدراسات ـ برلين. Firil Center For Studies FCFS. Berlin. Germany