ماذا يعني الاعتراف بالإبادة الأرمنية؟ الدكتور جميل م. شاهين

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن السبت 24 نيسان 2021 الاعتراف بالمذابح التي ارتكبتها الخلافة العثمانية بحق الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى، والتي ابتدأت بتاريخ 24 نيسان 1915. الاعتراف تضمن استخدام تعبير (إبادة جماعية)، فماذا يعني كلّ هذا وما تأثيره على تركيا؟

الإبادة الأرمنية

استخدم جو بايدن تعبير Genocide، الذي تعني الإبادة الجماعية وهي اتفاقية وقعت عليها عشرون دولة عام 1948 ثم صادقت عليها 133 دولة لاحقاً وبُدءَ العمل بها عام 1951، وتعني: (سياسة القتل الجماعي المُنظمة لإبادة طوائف وشعوب على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي) واعتبرت جريمة دولية يُعاقَب عليها فأنشئت لها محاكم خاصة واتفقَ على جزء كبير من حالات الإبادة في العصر الحديث؛ إبادة الأرمن. مجازر سيفو. المحرقة اليهودية. بينما بقيت بعض جرائم القتل دون اتفاق كإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وعملية الأنفال وإبادة الهنود الحمر…

مما لا شك فيه أنّ الخلافة العثمانية وكما بحثنا عدة مرات في مركز فيريل للدراسات، واحدة من أكثر الدول ارتكاباً للمجازر في التاريخ البشري، جرائم العثمانيين لم تقتصر على دين أو عرق معين، بل طالت عدة قوميات من الأرمن والسريان والآشوريين والكلدان واليونانيين والروس والبلغار والقبارصة والعرب والفرس والمسلمين والعلويين والمسيحيين واليزيديين وحتى الأكراد. الخلافة العثمانية ووريثتها تركيا مسؤولة عن قتل أكثر من 6 ملايين إنسان وتشريد 24 مليوناً.

كل هذا مجرد تاريخ وإن كان يحمل الدلائل الدامغة فليس له تأثير فعلي على تركيا، فهل سيكون للقرار الأميركي تبعات هامة؟

هل حدث الطلاق بين الولايات المتحدة وتركيا؟

الإعلان سياسي بحت، دعكم من المشاعر الإنسانية الفيّاضة خاصة إن كانت صادرة عن واشنطن، جو بايدن اتصل بأردوغان ليلة الجمعة للمرة الأولى منذ تسلمه كرسي البيت الأبيض، وبالتأكيد لم يتصل لأخذ موافقته على الإعلان. يبدو أن مقايضة ما فشلت فجاء يوم السبت.

هي بداية قطيعة وتوتر في العلاقات غير مسبوق بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية. فالرؤساء الأميركيّون السابقون تجنبوا هذا الاعتراف لمنع تفاقم العلاقات وحاجتهم لحليفهم في الناتو لمواجهة الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا حالياً، لكن هذا الحليف أصبح في الحضن الروسي وبات ضررهُ يُعادل فوائده فإلى متى سنبقى نُداريه؟ رونالد ريغان بتاريخ 22 نيسان 1981 استخدم تعبير “الإبادة الجماعية للأرمن” لأول وآخر مرة حتى جاء بايدن بعد 40 عاماً.

ثلاثون دولة اعترفت بإبادة الأرمن على يد الأتراك ولم يعقبُ هذه الاعترافات ما يُذكر، لكنّ الاعتراف الأميركي يُعادل تلك الدول مجتمعة ويزيد، كيف؟

الليرة التركية سجلت صباح الإثنين 26.04.2021 إنخفاضاً حاداً بعد الاعتراف الأميركي مسجلةً 8.4635 ليرة مقابل الدولار الواحد، والمعارضة اتهمت أردوغان بسحب 128 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي، لتغطية العجز وحماية سعر الصرف من الانهيار. مجلس الذهب العالمي: (باعت تركيا 201 طن من الذهب خلال فترة الربع الأول من العام الجاري 2021، في محاولة لتوفير النقد الأجنبي وضخه في السوق المحلية لتقوية الليرة). هذا يعني أنها باعت 28% من هذا الاحتياطي الذي كان 716 طناً.

التأثير الاقتصادي يمكن تداركه إلى حد ما، لكن بالعودة إلى مجلس النواب الأمريكي الذي تبنى المشروع بتاريخ 29 تشرين الأول 2019، واصفاً أحداث عام 1915 بـ”الإبادة الجماعية”، وافق عليه 405 ورفضه 11 نائباً فقط… نسبة موافقة عالية 97,3%. الموافقة الساحقة كانت بتاريخ 12 كانون الأول 2019 في مجلس الشيوخ دون أي اعتراض، أي هناك توجّهٌ واضح ضد تركيا وإن كان تحت غطاء “جرائم الحقبة العثمانية”… لكن ترامب عطّلَ القرار إلى حين.

المتابعة تتوقف على اللوبي الأرمني

 Armenian lobby in the United States

يُشكل الأميركيون من أصل أرمني حوالي 1,6 مليون وهم صاحبو أقوى لوبي (اللوبي الأرمني ԱՄՆի հայկական լոբբի) بعد اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة. تبعات الاعتراف بإبادة الأرمن تتوقف على ما سيقوم به أعضاء هذا اللوبي. إن تابعوا القضية بجدية دون رضوخ للسياسة والسياسيين، يمكنهم زعزعة تركيا قانونياً… أما إن تراخوا فسيكون الاعتراف الأميركي كغيره من الدول الثلاثين.

إن تابعَ اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة القضية بجدية، دون الرضوخ للسياسة والسياسيين، يمكنهُ التسبب بتغريم تركيا وريثة الخلافة العثمانية مليارات الدولارات وزعزعة استقرارها وإعادة الأراضي والقرى التي احتلتها وهجّرت أو قتلت سكانها من الأرمن خلال مجازر الإبادة الأرمنية.

سبقَ ورُفعت عدة قضايا تعويض لضحايا الإبادة الأرمنية في الولايات المتحدة، كانت تصطدمُ برفض السلطات لعدم وجود ما إدعاء “الإبادة الجماعية. أما اليوم  وبناءً على الاعتراف الرسمي الأميركي فقد أصبحَ بإمكان المواطنين الأميركيين من أصول أرمنية رفع قضايا تعويض أمام المحاكم تصل إلى مليارات من الدولارات. الأخطر؛ يحق لهم المطالبة بممتلكاتهم من العقارات والأراضي التي قامت السلطات العثمانية بمصادرتها أو احتلالها وطردهم منها، وهذا يتضمن عشرات القرى.

كسْبُ هذه القضايا بدعم من اللوبي الأرمني أمرٌ ليس بالصعب، فألمانيا التي وقعت اتفاقية تعويضات المحرقة اليهودية في ستراسبورغ 10 أيلول 1952 مازالت تدفع وتدفعُ بعد 69 عاماً… البيانات الرسمية الألمانية تشير إلى أنّ برلين دفعت حتى عام 2000 حوالي 83 مليار مارك…

ربما يكون الطلاق قد حدث بين واشنطن وأنقرة، لكن يمكن التراجع عنه إذا نفّذت تركيا الأوامر كاملةً، وبالمقابل؛ قد يكون طلاقاً بالثلاثة ويُستبدلُ الشرطي التركي بشرطيّ آخر… بين هذا وذاك، تركيا والمنطقة مُقبلة على تغييرات شاملة. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 26 نيسان 2021