هل بدأ تحرير شرقي الفرات والجزيرة السورية؟ زيد م. هاشم

هل بدأ تحرير شرقي الفرات والجزيرة السورية. 10.08.2020 زيد م. هاشم Firil Center For Studies. FCFS Berlin.  

تبدو عملية اغتيال شيوخ العقيدات والبكارة بطريقة همجية أنها أمر مقصود من قِبل واشنطن التي تريد وضع قسد في فوهة المدفع. لماذا؟ تُدركُ الولايات المتحدة أنّ شرقي وشمال نهر الفرات في محافظة دير الزور، والذي تحتلهُ عصابات قسد العميلة، يضمُّ أغلبية عربية من قبيلة العقيدات. قسد من خلال سياستها الإقصائية ضد مكوّن هذه المنطقة، إضافة للفشل الإقتصادي والخدمي والأمني، كل هذا خلق حالة عداء وكره لمليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي pyd وypg، وهذا يؤثر بشكل كبير على مصالح أميركا في المنطقة وصولاً إلى الجزيرة السورية.

هل بدأت المقاومة الشعبية شرقي الفرات؟

دعونا نبدأ بالتطورات العسكرية التي تسيرُ دون تدخّلٍ سوري روسي علني، فماذا يجري في الخفاء؟ ما تخشاهُ عشائر شرقي الفرات أن تقومَ عصابات قسد بالتنكيل بهم إن تحركوا، أو توعزَ تلك العصابات لحلفائها من تنظيم داعش للقيام بذلك. الإتكال على قدرات العشائر فقط أمرٌ خيالي غير مجدي، كونها تواجهُ جيشاً من العصابات المدعومة عسكرياً وسياسياً ومادياً من قبل واشنطن، لهذا لابد من دعمهم بكافة المجالات…

عملياتٌ يومية وتحرير عشرات القرى والحواجز من المحتلين. معارك حقيقية جرت وتجري وسط تجاهل إعلامي تام. كفكرة نستعرضُ معكم ما جرى خلال الساعات الثمانية والأربعين ساعة الماضية؛ قامت المقاومة الشعبية في ريف دير الزور بقصف مواقع عصابات قسد في غرانيج وحاجز بلدة “أبو حمام“. هجوم للمقاومة على الكشكية. كمينٌ لدورية من قسد على طريق دير الزور الشدادي القديم. هجوم على حاجز لقسد قرب مدينة الصوَر. استهداف سيارة هامر في جديدة البكارة. إنفجار سيارة مفخخة تلاهُ اشتباكات عند دوار الناحية في بلدة ذيبان، هذا بالإضافة للخبر الذي نشرناه على صفحة مركز فيريل للدراسات “فيس بوك” حول حادثة #حاجز_رشو التابع لـ #الجيش_السوري في ريف القامشلي الجنوبي اليوم الإثنين 17.08.2020.

واشنطن والإنفصاليون يهرولون

نتيجة الحوادث السابقة وما تلى إغتيال شيخ عشيرة العكيدات، الشيخ مطشر حمود جدعان الهفل، عضو مجلس الشعب السوري لست دورات متتالية، وأيضاً اغتيال سليمان الكسار، أحد وجهاء قبيلة العكيدات، وعلي الويس أحد زعماء قبيلة البكارة، وبأوامر أميركية؛ عقد زعيم مجلس دير الزور العسكري، المدعو أحمد الخبيل المعروف بــ (أبو خولة الديري)، اجتماعاتٍ مكثفة مع الإنفصالي المدعو “مظلوم عبدي” في حقل العمر النفطي بريف ديرالزور ومعهم الدكتور غسان اليوسف الزعيم المدني للمجلس. الموضوع هو نتائج لقاء بلدة البيضة قرب “الصَوَر” الذي جمع بعض زعماء عشيرة البكير، لتدارك الوضع بما يُرضي الأهالي وما يُسمى “الإدارة الذاتية” معاً، لوأد الفتنة حسب تصريحات المجتمعين. سبقَ واتهمَ أبو خولة خلايا داعش باستهداف رموز العشائر في دير الزور وبعض العمليات الأخرى، ولم ينسَ أن يتهم الدولة السورية وإيران بأنهما وراء إشعال المنطقة حيث قال: (استغلوا خروج الأهالي في مظاهرات مطالبة بالتحقيق في قضية اغتيال أحد رموز عشيرة العكيدات، وانضموا لصفوف المتظاهرين وقاموا بإطلاق الرصاص على قوات مجلس دير الزور العسكري وقوات سوريا الديمقراطية في بلدة الحوايج ما أدى لفقدان بعض المقاتلين لحياتهم، كما زرعوا الألغام في قرية ذيبان…). بجميع الأحوال هو اعتراف بما يجري هناك.

أهداف إغتيال شيخ العقيدات

تقعُ أكبر حقول البترول المستثمرة حديثاً في دير الزور. هناك تمت عملية اغتيال أمام حاجز لقسد دون تدخل أحد من عناصرها. قد يكون مَن قام بالجريمة ليس من عناصرها، إنما جرى بتدبير أميركي ومعرفتها، والهدف تسليم معارضين عرب سوريين ملف ديرالزور الشرقي حيث لا وجود للأكراد نهائياً. كره سكان هذه المناطق للعصابات الإنفصالية يتصاعد، وما تخشاه واشنطن أن يتحوّلَ هذا الكره  لفقدان سيطرتها لصالح دمشق، خاصة أنّ الشيوخ الذين جرى إغتيالهم موالون للدولة السورية. هنا تُحقّقُ هدفين: تتخلّصُ من شخصيات ذات ثقلٍ وحضور شعبي غير تابعة لها، وتضغط على قسد من خلال تحرك أبناء قبيلة العقيدات للثأر لشيخهم لتنفذ مطالبها.

ماذا تريد واشنطن من عصابات قسد؟

 تتلخّصُ مطالب واشنطن من قسد، والتي بحثناها سابقاً في مركز فيريل للدراسات بالتالي:

قبول الصلح مع المجلس الوطني الكردي وذراعه العسكري البيشمركا السورية شمال العراق لدخول سوريا. بهذا يزداد نفوذ واشنطن في الجزيرة السورية ويتقوّى الملف الكردي الإنفصالي سياسياً وعسكرياً، أي يتمُّ تنظيم الإنفصاليين كقوة منظمة علمانية تمثل مصالح الولايات المتحدة وأوروبا، والأهم إسرائيل،  في العملية السياسية القادمة في سوريا. هذا ليس كلّ شيء… المجلس الوطني الكردي في سوريا حليف لتركيا لأنه يتبع فعلياً لمسعود البرزاني حليف إسرائيل أيضاً. فتضمن واشنطن عدم تحرّك أنقرة وتكسبها لصفها، لتبتعد الأخيرة ولو قليلاً عن روسيا.

تسعى واشنطن كما ذكرنا لتسليم معارضين سوريين منطقة شرقي دير الزور، فتضمنُ عدم اختراق دمشق وموسكو وطهران واستغلالهم للغضب الشعبي على عصابات قسد من خلال المؤيدين من قبيلة العقيدات للجيش السوري.

تركيا لديها عشرات المشايخ والوجهاء من عشائر المنطقة الشرقية ممن يقيمون في إستنبول، تحاول واشنطن أن تعقد اتفاقاً مع تركيا لتفعيل دورهم في المحافظات الثلاث، فتًكرّسُ واقعاً إجتماعياً وسياسياً ضد دمشق.

بدأت عصابات قسد ترضخ للضغوط الأميركية

 عملية إغتيال الشيخ مطشر حمود الهفل، أحد أبرز شيوخ العقيدات في بلدة الحوايج بريف دير الزور الشرقي بتاريخ 02 آب 2020، مصلحة أمريكية بحتة. إثارة الغضب الشعبي وإرتعاش عصابات قسد بعد بداية ثورة عربية قبلية عارمة هناك، قد يُطيحُ بها. إذاً؛ عليها تنفيذ الأوامر الأميركية كاملة دون مراوغة والتخلي عن أجندتها الحزبية الضيقة.

 عقدت واشنطن عدة إجتماعات بين الإنفصاليين المتصارعين على الزعامة. حسب معلومات مركز فيريل للدراسات من هناك، ظهرت بوادر موافقة pyd على الصلح مع البيشمركا شرط رفع أسماء قادة جبل قنديل من لوائح الإرهاب الامريكية. واشنطن لم تعطِ الموافقة بعد لكنها وعدت بفتح الملف مع تركيا لإجراء تسوية سياسية تخدم الأطراف جميعاً، طبعاً باستثناء صاحب الأرض… دمشق.

هل سنرى طعنة تركية جديدة لموسكو؟

 إنجاز مصالحة بين pyd والبيشمركا وموافقة عصابات قسد على المطالب الأمريكية بالجزيرة السورية بمباركة تركية، هو طعنة مزدوجة جديدة لموسكو قبل دمشق.

عشائر شرقي الفرات بحاجة لدعم قوي وصريح من دمشق وموسكو

مطالب عشائر الجزيرة السورية وشرقي الفرات هي أن يتحرّكَ الجيش السوري بدعم روسي، كما حدث بأرياف حلب وحماة وإدلب ودرعا والقنيطرة، وأن تستكمل العمليات شمال وشرق نهر الفرات. عندها ستكون هذه العشائر في الصف الأول وتقفُ مع الجيش السوري كما وقفت في عمليات ديرالزور والرقة وشرق وجنوب حلب والبادية. آن الأوان لاستغلال ما يجري من قبل دمشق وموسكو ضد واشنطن وأذيالها من المحتلين، لتغيير المعادلة جذرياً… نقول هذا ولكن… الواضح أنّ توافقاً أميركياً روسياً يتعلّقُ بالحلّ السياسي القادم للأزمة السورية…

أكبر قبائل الجزيرة السورية باتت تعتبرُ عصابات قسد عدوّاً لها

أكبر قبائل الجزيرة السورية باتت ضد الإحتلالين هناك، وفيها رجال وطنيّون كثر؛ ففي دير الزور هناك قبيلة العكيدات وقبيلة البكارة. في الحسكة، قبيلة الجبور وقبيلة طي وقبيلة الشرابيين. في الرقة عشيرة الولدة (المغمورين) وعشيرة البو جابر وعشيرة العجيل وعشيرة العفادلة وعشيرة الجيس وعشيرة المشهور وعشيرة المجادمة. في ريف حلب قبيلة البو شعبان كبرى قبائل شمال سوريا، ويتفرع منها الكثير من العشائر. قسم كبيرٌ من هذه القبائل والعشائر موالي للدولة السورية. صحيح أنّ بعضهم معارضين ومرتبطين بدول خارجية، لكن حتى هؤلاء يجمعهم كرهٌ متنامٍ للانفصاليين واعتبارهم سلطاتٍ مفروضة فرضاً.

إن تمّ دعم وتجهيز القبائل السورية بما يلزم، لن يبقى للعصابات العميلة أيّ تواجد.

لحظة؛ هل سيقف أصدقاء وأعداء سوريا متفرجين، وهل الأمر بهذه البساطة؟

بالتأكيد لا… تعقيدات أكبر في الطريق. المُلاحظ وجود توافق بين موسكو وواشنطن بعدم التصعيد، فهل نستكين دائماً لما تريدهُ موسكو؟!

هناك محاذير أخرى؛ في حال حُرّرَت مناطق شرقي الفرات من قِبَل الجيش السوري والقبائل، ستهرول تركيا لتحريك جيش الإخوان المسلمين وعملائها من بعض أفراد القبائل المعارضين.

بسبب هذه التعقيدات نتوقعُ أنّ تعاملَ دمشق مع الأمر قد يكون بطريقة أخرى، فهي ترى أنّ أيّ اتفاق مع الإنفصاليين سيكون ضد تركيا، وهذا أهون الشرين. من شروط سوريا الاتفاق على الثروة الباطنية والمنافذ الحدودية، واحتمال دمج العناصر المسلحة تلك ضمن إطار معين في الجيش السوري. مع تواجد أوسع للدولة السورية في الجزيرة عسكرياً وأمنياً. هذا الأمر تُرحّبُ به موسكو.

Firil Center For Studies. FCFS Berlin.  

ترى دمشق وموسكو نقاط اتفاق مع مليشيات pyd؛ فهي علمانية قاتلت الإرهابيين التكفيريين من الحرّ والنصرة وداعش بدعم من الجيش السوري، أي أنّ قسماً كبيراً من أعداء سوريا هم أعداء حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، قبل أن ترتمي هذه الميليشيات في أحضان واشنطن.

تدخلت واشنطن فلبسوا وجههم الآخر وأصبحوا عملاء للمحتل الذي وعدهم بسلخ جزء من سوريا لهم. روسيا بدورها باتت وسيطاً بين أنقرة من جهة ودمشق والإنفصاليين من جهة أخرى.

أمام الإنفصاليين بضعة أشهر فقط

بضعة أشهر لن تزيد. لا أحد يضمن بقاء الجيش الأميركي لما بعد بداية عام 2021، فماذا تفعل عصابات قسد إن انسحب؟ كما أنّ تعديل اتفاقية أضنة في الجزيرة السورية، وإن لم يكن رسمياً، قد يجري بموافقة دمشق وموسكو وواشنطن وأنقرة.

 تعنّتُ الإنفصاليين ومحاولتهم الحصول على أكبر قدر من المكتسبات والاستمرار بخطوات الإنفصال، سيقلبُ أحلامَهم كابوساً. نماذج عفرين ورأس العين وتل أبيض، تتجهّزُ لها تركيا وعملاؤها من إرهابيي جيش الإخوان المسلمين.

يتواجد الأكراد في محافظة الحسكة في مدن: رأس العين الدرباسية عامودا القامشلي القحطانية الجوادية باب الحديد رميلان معبدة المالكية. أما في مدينة الحسكة فالأغلبية عربية وقد تراجعت نسبة الأكراد إلى 15% بسبب نزوحهم نحو مدن أقصى الشمال السوري عند الحدود الحالية مع تركيا، أو ما يُسمى الخط 10. هذه نقطة ليست في صالحهم، فقد سبق ودفعت تركيا بجيشها، واجتاحت عدة مدن وقطعت هذا الخط في عفرين وجرابلس وتل أبيض ورأس العين وبقية المناطق.

في حال عُدّلَ “اتفاق أضنة” فستُسير دوريات تركية روسية مشتركة، تصل لعمق 30 كم في مناطق الجزيرة السورية. مع ازدياد تواجد وإنتشار الجيش السوري هناك، أي أنّه على عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي pyd و ypg التراجع لكن إلى أين المسير؟

 الدولة السورية بدأت تتحرّك وهذا هو الوقت المناسب. أيّ تأخّرٍ في الوصول لاتفاق مع كافة الأطراف قد تكونُ نتيجتهُ انخراط القبائل في المشروع الأمريكي التركي. فالانتساب لعصابات قسد كان ومازال هدفهُ الأساسي هو تأمين مصدر رزق مما تسرقهُ هذه العصابات.

حضور الدولة السورية يجب أن يتخطّى المربعين الأمنيين في القامشلي والحسكة، بينما لا وجود لها في ريف دير الزور الشرقي ومحافظة الرقة بشكل عام. أنباءٌ ترد مركز فيريل للدراسات تباعاً عن تحركات هامة خلال الأيام القادمة… قد يكون نموذج منبج وعين العرب، حيث الحواجز المشتركة مع قسد، هو المطروح الآن. هو أمرٌ سيء دون شكّ، لكنّهُ الأقل سوءاً… ويبقى سلاحُ المقاومة هو أقوى الأسلحة المُجرّبة… إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات Al-Hasaka. زيد م. هاشم. 17.08.2020. Firil Center For Studies. FCFS Berlin.