هل تدخل اسبانيا نفق لندن الإسلامي؟ فادي عيد وهيب. مصر



حتى منتصف العام الماضي كان وضع المسلمين باسبانيا يسير عادياً وطبيعياً، سواء كان بأكثر المقاطعات الإسبانية من حيث كثافة تواجد المسلمين وهي كتالونيا، أو بأندلوسيا مروراً بالعاصمة مدريد وبمدن فالنسيا وألميريا وبيلباو سبتة ومليلية وغيرها، إلى أن جاء منتصف تموز الماضي 2018، فما الذي حصل؟

تنظيم الإخوان المسلمين يدخل اسبانيا من بابها العريض

 في تموز 2018 دعت كلّ من “حركة النهضة” التونسية و”حزب العدل والإحسان” و”حزب العدالة والتنمية” المغربيان، أنصارها في اسبانيا للانخراط في العمل السياسي والحزبي، والاندماج داخل الأحزاب الاسبانية بمختلف توجهاتها الايديولوجية، تمهيداً لخوض الانتخابات، والترشح فيما بعد لتولي المناصب القيادية داخل مؤسسات الدولة الاسبانية خلال السنوات القادمة.

توجهت تلك الكيانات السياسية العريقة ببلادها لمخاطبة كافة الشباب الاسباني المسلم مباشرة، وفي المقدمة الطلبة الذين يدرسون في الجامعات الاسبانية ذوي المؤهلات العليا التي تمكنهم مستقبلاً من اختراق مراكز صناعة القرار والتوغل فى المناصب السياسية العليا، وجاءت تلك الخطوة بعد أن عقد الاتحاد الاسباني للمنظمات والجماعات الدينية الإسلامية، وهو الكيان المؤلَّف من أكثر من 200 منظمة وجمعية، العديد من الاجتماعات غير المعلن عنها للإعلام والصحافة، والتي طرح خلالها فكرة إنشاء “حزب إسلامي اسباني” داخل اسبانيا، يسعى لضم أكبر عدد ممكن من الشباب المسلم في كافة قطاعات الدولة، وأن يخضع لـ “إرشاد” جماعة العدل والإحسان، وهي سلسلة الاجتماعات التى كان أخرها بشهر حزيران 2018، وجميعها كانت تهدف لاختراق مناصب ومؤسسات الدولة الاسبانية.

أغلبنا يعلم ماهية “حركة النهضة” التونسية و”حزب العدالة والتنمية” المغربي، بحكم تولي الأول زمام الأمور فى تونس بعد ثورة “الياسمين” 2011، والثاني هو الحزب الحاكم بالمغرب ومنصب رئيس الوزراء دائما يأتي منه، أما الحزب الثالث “حزب العدل والإحسان” لمن لا يعرفه فهو واحد من أكبر التنظيمات الإسلامية بالمغرب، تأسس على يد عبد السلام ياسين الذي تولى منصب مرشدها العام حتى وفاته سنة 2012، ثم خلفه محمد عبادي في 24 كانون الأول 2012 بلقب الأمين العام، بينما احتفظ بلقب “المرشد العام” لمؤسس الجماعة عبد السلام ياسين.

تختلف جماعة العدل والإحسان عن الحركات السلفية ببعدها الصوفي، وتتميز عن الطرق الصوفية بنهجها السياسي المعارض، وقد اتخذت منذ نشأتها أسماء عديدة؛ من أسرة الجماعة إلى جمعية الجماعة ثم الجماعة الخيرية، لتعرف ابتداءً من سنة 1987 باسم “العدل والإحسان” وهو شعارها الذي أخذته من الآية القرآنية: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون“.

الآن ونحن ننظر لخريطة أوروبا وما تحمله لندن من ثقل هائل لجماعة الإخوان المسلمون موطنهم الأصلي، بجانب روما التى تحتضن بعض رؤوس جماعات الإخوان الليبية، بينما يذهب إسلاميو بلجيكا لما هو أبعد من ذلك، بعد سعي الحزب الاسلامي فى بلجيكا (مقر الاتحاد الاوروبي) أحد متصدري الساحة السياسية البلجيكية، لترشيح مندوبين عنه في انتخابات هيئات السلطة المحلية التى كانت مقررة فى تشرين الأول الماضي، بعد أن قرر الحزب ترشيح أعضائه على 28 بلدية مرة واحدة في بلجيكا، ثم نرى اليوم فى اسبانيا يتخذ الإسلاميون قراراً عليه العديد من علامات الاستفهام فى توقيته، خاصة وأنّ العلاقة بين المملكة المغربية وجارتها الشمالية المملكة الاسبانية حساسة جداً، لا تتحمل أي أحداث ثقيلة بهذا المستوى، في ظل تورط عشرات المغاربة، من الجحيل الأول والثاني المهاجر، بتنفيذ أعمال إرهابية في الأعوام الأخيرة، سواء في اسبانيا أو في دول أوروبا الأخرى.

المشادات بين مدريد والرباط بأخر عامين متتابعة، حيثُ تم احتجاز زورق العاهل المغربي بالمياة الاقليمية الاسبانية في آب 2014 لساعات، عندما أوقفت دورية للحرس المدني الإسباني (خفر السواحل) يختاً على متنه الملك محمد السادس في مياه مدينة سبتة التابعة إداريا لإسبانيا وطلبت منه أوراقه الشخصية!.

أيّ مذهبٍ إسلامي سيسيطرُ على أوروبا؟

 هنا نتساءلُ: كيف سيكون شكل القارة العجوز فى المستقبل القريب؟ كيف سيكون توجّه ومذهب المسلمين بأوروبا وكيف ستكون أوروبا بهم؟

هل أصبحت حقاً هوية الشعوب والأمم الأوروبية بمهب الريح؟ بعد أن اتخذت هذه الشعوب والحكومات من المال وسيلة وهدفاً، حتى غلب المنهج الرأسمالي على كل شيء، وصارت العلمانية أسلوب تفكير وفلسفة دين مقابل اضمحلال وتلاشي المسيحية…

سبقَ أن حذّرت المخابرات الألمانية: الإخوان المسلمون أخطر على ألمانيا من داعش والقاعدة، تقرير مفاجئ. لكنّ الإخوان يواصلون عملهم بدعم من دولهم وعلى رأسها تركيا…

كنائسُ أوروبا تتحوّلُ رويداً لمتاحف ومكتبات أو لمساجد كما جرى في ألمانيا، والملحدون هم الغالبون في العديد من الدول. الملامح الأوروبية الشقراء بدأت تتحوّل إلى الملامح الإفريقية السمراء أو الشرق أوسطية، فى ظل كم هائل من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون أوروبا.

كيف سيكون شكل الإسلام وشكل أوروبا نفسها فى ظل حشد الإسلاميين لصفوفهم لبدءِ التحرك الجماعي، في ظل تأثر قسم واسع من مسلمي أوروبا، بما في ذلك الذين ولدوا وعاشوا في المجتمع الأوروبي المتحضر، لكنهم يحملون “الفكر الداعشي الإرهابي” فكراً وقولاً وعملاً؟


هنا يطرحُ سؤال نفسه: ما السر فى ذلك التوقيت الذي قرر فيه “تنظيمُ الإخوان المسلمين” في المغرب العربي اختراقه للمجتمع الاسباني ومؤسساته علناً؟
هل لرحيل رئيس الوزراء الأسبق ماريانو راخوي وقدوم بيدرو سانشيز “الملحد” (الذي رفض تأدية اليمين على كتاب الإنجيل، مطالباً بإبعاد الصليب خلال مراسم التنصيب)! خلفاً لراخوي بعد تدخل نادي بيلدربيرج، الذي كانت أولى إنذارته لراخوي بالرحيل فى 2012، هي سبب فتح شهيتهم للتوغل فى الساحة السياسية لأعرق ممالك أوروبا؟ ربما تلقى حزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم بالمغرب) ضوء أخضر من القصر الملكي بالرباط للعب دور سياسي في اسبانيا والتغلغل بها، في ظل تخوف اسبانيا الدائم من أي صعود للتيارات الأصولية، خاصة بعد أن نشرت السلطات معطيات تفيد بتلقي حزب “بوديموس” (ممثل اليسار المتشدد باسبانيا) دعماً من إيران، فلدى اسبانيا حساسية خاصة تجاه أي تنظيم اسلامي بحكم تاريخها الأندلسي، وبحكم جغرافيتها ومحاذاتها لشمال إفريقيا وبلاد المغرب العربي.

مفكّرون وساسة اسبان يتسألون: هل ستدخل اسبانيا نفق لندن الإسلامي، أم أن اسبانيا ليست كبريطانيا في اداواتها الاستعمارية، ولا في قدرة تحملها على التعامل مع تلك التيارات، وستقطع الطريق مبكراً على أي محاولة من قبل تيار الإسلام السياسي للتغلل بأعرق ممالك أوروبا. فادي عيد وهيب. باحث ومحلل سياسي بشئون الشرق الأوسط. مصر إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.