هل تسير الأديان نحو الانقراض؟ بحثٌ لمركز فيريل للدراسات ـ برلين الجزء الأول

الكاتب: د. جميل م. شاهينالكاتبة والباحثة: سارة عيسى. 

بحث لمركز فيريل للدراسات في برلين. 24.11.2016





بحث لمركز فيريل للدراسات في برلين، نتناول فيه تاريخ الأديان ونشأتها، ومصيرها والمخطط لها، مع إحصائيات خاصّة أجراها المركز في عدة دول عربية، ولقاءات مع شبان وشابات عرب… البحث من عدة أجزاء. 

مقدمة:

منذ ظهر الإنسان على وجه الكرة الأرضية، وهو يبحثُ عن تلك القوة التي يمكنه الاعتماد عليها كي تساندهُ في صراعه مع أعدائه، وتفسّر له الظواهر الطبيعية التي تحدث من حوله، أو يعزو لهذه القوة ما يصيبهُ من ضرر أو يأتيه من خير، فاخترع إلههُ وعبدَه وترنم بصفاته واقتدى بتعاليمه، التي هو بنفسه وضعها، فكان الإيمان بهذا الإله يتشكل من إيحاء البيئة المحيطة بشكل أساسي، ومن معتقداتها وأفكارها، مما يأكله ويشربه ويواجهه، فالخوف من المجهول القادم، يدعو للإيمان بشيء روحي داخلي لا يعرف مصدره، وقد يكون إيماناً بذات الإنسان نفسه، فتتطور داخله الفكرة رويداً رويداً ليتشكل إله من صنعه، يعبده ويقدم له الأضاحي وبالمقابل يقويه على مخاوفه ويدعمه معنوياً، ولكن عندما يفشل هذا الإله في تفسير ذلك، كان الإنسانُ يستبدلهُ بإله آخر يراه أقوى، أو يجمع بين عدة آلهة متخصصة بمجال معين، تكون تشاركية أو منفصلة، إلى أن جاءت ديانات التوحيد، فجمعت هذه الآلهة بإله واحد.

يعود أول تلك الاعتقادات الدينية إلى العصر الحجري الأول، أي قبل 300 ألف عام، وكان البدء في إفريقيا من خلال اللقى الأثرية التي وجدها علماء الآثار في مقابر العصر الحجري الأوسط، وكان التفسير الأقرب هو: “أصل الأديان كان تفسيرات أسطورية أو خرافية لأحداث طبيعية”. كانت هذه الأديان عشوائية حتى قبل 10 آلاف عام، فبدأ أول ظهور للديانة المنظمة في سوريا القديمة وحوض النيل، ثم جاء اختراع الكتابة على يد السومريين قبل 5000 عام، ليقدم لنا نصوصاً دينية وتراتيل تقدم أثناء القيام بتعبد الآلهة.

    • النفس البشرية بحاجة ماسة لشيء يدعمها ولو كان خيالاً أو صورة من صنعها؟. قطعاً تحتاج النفس والروح والجسد لمصدر للقوة والحكمة والسمو، تتكئ عليه في ضعفها وحيرتها وضياعها. لم يكن للإله وجود منذ بدء الخليقة، ولو أدركوا حقيقته منذ البدء، لما صنعوا التماثيل وعبدوا الطبيعة والحيوان والأرض قبل كل شيء. نرى في مركز فيريل للدراسات أن الإنسان في البدء كان أقوى من الآن، فالإله بالنسبة له لم يكن شيئاً محسوساً أو حتى مُتَخيّلاً، إنما كانت النفس مصدر القوة والعظمة والتسلط على الأرض. لكن مع بدء اعتماده على وجود إله مهما اختلف شكله ولونه، بدأ ضعفه بالظهور بالإضافة لاتكاله الكبير عليه وعلى تحقيق طموحاته وأهدافه، حتى وصلنا اليوم لمرحلة الإيمان بالقدر أكثر من الله، وأصبحنا “قدَرييّن” ننسبُ ضعفنا على مواجهة الظروف الصعبة، فنُسلّم بها، ونقول: “هذا ما كتبهُ الله”. دون أية محاولة لمواجهة الظروف والتغلّب عليها أو تغييرها، يبقى الفرق بين شخص و آخر هنا هو اعتبار الله متحكماً بكافة تفاصيل حياته، هو الذي يقدم الخير والشر، هو الذي يمنحه السعادة أو الحزن، والبَونُ شاسع جداً بين الإنسان الذي يعتبر الله مصدر الحكمة لعقله، العقل المُفكّر المتوازن الذي يساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة، وبين إنسان يُعطّل عقله ويعتبر نفسه دُمية بيد الله، إنه الفرق بين الإنسان الذي تسكنهُ روح الله وبين الإنسان الذي تسكنهُ روح الشيطان. إنه الفرق بين مَن يلعبُ برقعة الشطرنج، بحكمة من الله وروح حية مباركة نفخها فيه وعقل ميّزهُ به عن باقي الكائنات. وبين مَن يعتبرُ نفسهُ قطعة من شطرنج بيد الله.
    • ديانات العالم:
    • في العالم حالياً ديانات واعتقادات ومذاهب لا تعد ولاتحصى، منها الديانات الطبيعية وتشمل: الشلمانية والوثنية، الأساترو، الويكا، السُمّم، الطوطمية. من الديانات أيضاً، الشرقية: وتشمل الهندوسية، الشيفية، البهاتكية، الفيشنوية، والبوذية بالإضافة للديانات الفارسية القديمة، الكونفوشيوسية والجينية والشنتوية. وهناك أساطير الميثولوجيا القديمة: ميثولوجيا بلاد الرافدين، الفينيقية، مصر القديمة، الإغريقية، الفترسية، اليابانية، الصينية، الهندية، الكلتية أو السلتية، الرومانية، الجرمانية، والاسكندنافية. بالإضافة لليهودية بتفرعاتها الكثيرة والمسيحية بكنائسها المتعددة، والإسلامية بمذاهبها الباقية والمنقرضة، نذكر منها على سبيل المعرفة وتوسيع الآفاق، معتزلة، خوارج، أزارقة نجدات، بيهسية، عجاردة، ثعالبة، صفرية، قاديانية. تعد الديانات السيخية والزرادشتية والبهائية، من الديانات التوحيدية أيضاً. أما عن ديانات اليد اليسارية فتكون: عبادة الجن، ووسام المعبد الشمسي وعبادة الشيطان، والتنين الأحمر، وثيليما.
    • على الضفة المقابلة للأديان نشأت مذاهب اللادين في الإلحاد واللاعتقاد واللاأدرية، ينتسب إليها الذين يؤمنون بالفلسفة المنطقية، أو لديهم اعتقاد جاهل يسفّه الأديان ويحط من قدرها وقيمتها، أما عن صاحب الفلسفة المنطقية الناتجة عن تعمق في الأديان وكتبها المقدسة أكثر من قراءاته في علوم الاجتماع والتاريخ والفلسفة، بحيث يمتلك البراهين المقنعة لتخليه عن الدين دون الحط من قدرها والتسفيه بشأنها والتحقير بأنبيائها، فهو شأن المؤمنين، تماماً كشأن اللادينيين في اعتقاداتهم وإلحادهم.
    • أول ديانة توحيدية:
    • من خلال مراجعاتنا لتاريخ الأديان ومعلومات متاحف الآثار في ألمانيا، يمكننا القول في مركز فيريل للدراسات: “الزرادشتية هي أول ديانة توحيدية في العالم”. والتي نُسبت إلى مؤسسها زرادشت Zarathustra، وهو فيلسوف عاش في إيران وتنقل بين جنوب القوقاز وبلاد فارس والعراق، ناشراً تعاليمهُ التي مازال لها أتباع حتى الآن في إيران والعراق والهند والباكستان، وقد ظهرت ديانة التوحيد حوالي 1560 قبل الميلاد، أي قبل أكثر من 3500 عام، بسّط زرادشت التشاركية الإلهية الثنائية التي كانت سائدة قبلهُ: “سبتامينو” إله الخير، وأنكرامينو”: إله الشرّ، فجمعها بإله واحد هو “أهورا مزدا” أي الحكمة المُنيرة، لهذا كان النور أهم رموز دينه والتي ترمز له الشمس، وليس عبادتها أو عبادة النار كما يُشاع عن الزرادشتية، فهم يعتبرون النار والماء أدوات من طقوس الطهارة الروحية. بدون شكّ؛ تأثرت الديانات التوحيدية التي جاءت لاحقاً بالزرادشتية، وكان اليهود أولهم وقد تعلموها بعد سبي بابل، لكن بالمقابل؛ تأثرت الديانة الزرادشتية بالفلسفة الدينية البابلية والسومرية التي سبقتها،

%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%af%d8%b4%d8%aa

  • اعتقادات الزرادشتية:
  1. يَعتقد الزرادشتيون بوجود إله الخير هو “أهورا مزدا”، وكما قلنا هو إله النور، وبوجود مصدر للشر الدائم هو “أهرمان” أي القوى الخبيثة الشريرة “إله الظلام”.
  2. تؤمن الزرادشتية بأن الله واحد، وهم يعبدونه وحده، وأهرمان ليس إله، لهذا لا يعبدونه، كما أشاع عنهم أعداؤهم، بل يتحاشونه لأنه مصدر للوساوس الشريرة. وحسب ترنيمات Avesta وهو الكتاب المقدس للزرادشتية: “أدركُ أنك أنتَ وحدَكَ الإله الواحد الأحد الأوحد، الخيّرُ القدوس الحق المنير العادل المُعطي الأكبر المُخلّص الحكيم…”.
  3. الروح في الزرادشتية موجودة دائماً والجسد هو الفاني، هذه الروح بعد الموت تبقى في منطقة بين الجنة والنار بانتظار “يوم الحساب”، كما يؤمنون بالصراط المستقيم وميزان الأعمال.
  4. الله الواحد له ملائكة ومساعدين وعددهم ستة اسمهم “أميشا سبنتاس” أي المخلدون المقدسون، كما يؤمنون بوجود :الملائكة الحرّاس لكل رجل وامرأة وطفل، تحميهم وترشدهم إلى الخير وعمل الفضيلة، وهناك سبعة شياطين تدعى “ديو”، توسوس بارتكاب الآثام والمعاصي، وتحوم حول الإنسان،
  5. يؤمن الزرادشتيون بالحوريات، وهنّ مُضيفات يستقبلن الذين عملوا خيراً في الحياة، وفي وصفهنّ: “عذراوات غانيات حسناوات بيضاوات البشرة، منيرات الوجوه، يمارس معهن الرجال الزرادشتيون الجنس ومع ولدانهن المخلّدين. والحوريات هي أجر الذين استشهدوا في المعارك ضدّ الأعداء، وكلمة حور في اللغة الفارسية القديمة تعني: “المرأة البيضاء” وتُلفظ حُنور بضم الحاء، وقد أخذت عن الآرامية.
  6. يؤمن الزرادشتيون بالفضائل السبع: الحكمة، العفة، الإخلاص، الكرم، الشجاعة، العمل والأمانة. وتأتي من سبتامينو أو القوة المقدسة، وهي الإدراك أو الأنا العليا بمفهوم علم النفس.  بينما تأتي الرذائل السبع وهي: الخيانة، الجبن، البخل، الظلم، إزهاق الأرواح، النفاق، والخداع، وتأتي من أنكرة مينوا أو القوة الخبيثة، وهي عدم الإدراك. يحتدم الصراع بين القوتين داخل كل إنسان، حتى تنتصر قوة الخير، فيصل إلى قمة الصفاء.
  • أخذت الديانة الزرادشتية معتقداتها عن الحضارة السومرية ثم البابلية، وقد شاهدنا على لوح سومري في جزيرة المتاحف ببرلين Berliner Museumsinsel، ترجمة لقصة الأنوناكي وهي الكائنات الفضائية التي هبطت على الأرض من كوكب نبيرو، الزرادشتيون استبدلوا الاسم بالكوكب “بيرو” وهو بداية الصيام عندهم. ثم أخذوا الـ 400 ألف سنة التي استوطن فيها الأنوناكي على الأرض، فاعتبروا السنة بألف، وكل سنة بمثقال ذرّة.”. لتأتي في اللوح السومري ذكر وادي النمور وهو جنّة عدن، وقصّة آدم وحوّاء اللذين وضعا ماءهما في جرّتين وانتظرا تسعة أشهر… بعد الزرادشتين تأثّرت كافة الديانات، دون استثناء، بقصة السومريين كالطوفان والجنة والنار…
  • الكاتب: د. جميل م. شاهين.
  • الكاتبة والباحثة: سارة عيسى.
  • بحث لمركز فيريل للدراسات في برلين. 24.11.2016
  • نلقاكم في الجزء الثاني.