هل قرأت واشنطن الفاتحة على روح أردوغان؟ د. جميل م. شاهين





فجأة، وبعد أن تأكد أنه مطرود ومكروهٌ أوروبياً، استنتج الرئيس التركي بعد 11 عاماً من اجتماعات حكوماته في بروكسل، التالي: “تركيا لا يُناسبها الانضمام للاتحاد الأوروبي، وهي لن تقوم بالإصلاحات التي يريدونها، وسوف نتجهُ نحو الجناح الأقوى، إنها روسيا والصين ضمن منظمة شنغهاي.”.  هذا ما قالهُ أردوغان لصحيفة حرييت التركية اليوم الأحد.

  • استطاع أردوغان خلال سنوات حكمه الطويلة أن ينجو من محاولات اغتيال وسقوط في الانتخابات، وانقلاب عسكري دبرته المخابرات الأميركية في منتصف تموز 2016 حسب معلوماتنا المؤكدة في مركز فيريل. وكان للمخابرات الروسية الدور الأول بإنقاذه من الانقلاب الأخير، بإعلامها رئيس جهاز استخباراته هاكان، بذلك الانقلاب قبل ساعات من بدئه. لكن إلى متى سيبقى الحظ محالفاً لديكتاتور تركيا؟
  • إلى متى سيبقى الحظ يسير مع أردوغان؟ وقد ازداد أعداؤه لتدخل ألمانيا، الدولة الأخطر أوروبياً، ضمن صف طويل يتجاوز الـ 40 دولة التي تكن أشد العداء لدولة قامت على الاحتلال والمجازر والسطو؟ تصريح أردوغان عن فكرة انضمامه لمنظمة شنغهاي ومناقشته الرئيس الروسي والكازاخستاني نور سلطان نزارباييف، قد يكون للاستهلاك الإعلامي، وتهديد للناتو أن يراجعوا سياستهم تجاهه، لكن في اللحظة التي يقرر فيها السلطان العثماني الانضمام فعلياً للشرق، ستكون نهايته المؤكدة… يعلم حكام أنقرة أنهم في سباق مع الزمن لتحسين وضع بلدهم أمنياً وسياسياً، قبل استلام الرئيس الأميركي ترامب للسلطة، وإن كنا نرى في مركز فيريل أن الموقف الأميركي من تركيا لن يتغير كثيراً، أي لن يحمل ترامب العصا علناً ضد تركيا، لكن ستستمر السياسة المهادنة لتركيا، كي لا يخسرها الناتو إلى الأبد، كعضو قوي يؤمّن حدودهُ الجنوبية الشرقية. ولكن ماذا لو فكرت تركيا بالانسحاب من حلف الناتو، وهذا أمر مستبعد؟
  • المستنقع السوري هو الفخ: تتفقُ واشنطن ودمشق في أنّ التدخل التركي العسكري هو فخ ابتلعهُ الأتراك الذين ربما أدركوا ذلك، فلم يتجاوزوا حدوداً معينة، حتى الرقة تراجعوا عن معركتها، وواصلوا دعمهم للجماعات المسلحة التي تقف بجانبهم وتتلقى الأوامر من أنقرة مباشرة. ضمن الفخ السوري يكمن الفخ الكردي، وهنا تتفق أنقرة ودمشق وطهران وبغداد على منع الأكراد من الانفصال بدويلة “مُغتصَبة”، تكون نواة للتوسع على المبدأ الصهيوني، وهو ما يدعمهُ الناتو، وهنا خلاف آخر لتركيا مع الغرب، الذي يريد أن يرى دولة كردية تُعطي لإسرائيل الحق بالوجود، وتكون أقوى حليف لتل أبيب. ما تريدهُ واشنطن حالياً هو فيدرالية كردية على الأراضي السورية، وهذا ما تعارضهُ أنقرة بشدة. الآن، حصل الأكراد على أسلحة حديثة من واشنطن، والمطلوب قتال جيش أردوغان قبل داعش.
  • خيبات الأمل المتبادلة بين نظام أردوغان والغرب: للمرة الأولى تعترف وسائل الإعلام الغربية بأن أردوغان يدعم المجموعات المسلحة الإرهابية التي تقاتل الجيش السوري! هذا ما ورد في الصحافة الألمانية اليوم الأحد: “يدعم النظام التركي المجموعات المسلحة، التي ينضوي بعضها تحت راية تنظيم القاعدة الإرهابي في سوريا.” بدأ الغرب يستعمل عبارة “نظام أردوغان”!. وبات اتهامه بالديكتاتورية علني. بالمقابل اعترف أردوغان بخيبة أمله من سياسة واشنطن في الصراع السوري وأزمة اللاجئين، وعدم اتخاذ الولايات المتحدة لخطوات جدية لحل الأزمة السورية، واعترف بأن علاقات البلدين متوترة بسبب عدم تسليم “فتح الله غولن” المتهم بتدبير انقلاب 15 تموز.
  • أردوغان في أسوأ وضع له: مهما فعل أردوغان فرأسهُ مطلوب، هو منبوذٌ من الجميع، فإن هادنتهُ موسكو، فهي تفعلُ ذلك كي تسحب عدواً من حلف الناتو، وتعلم تماماً أن تركيا دولة لا تؤتمن بغضّ النظر عمن يحكمها. حتى دمشق، لم تعد تعنيها المصالحة مع تركيا كثيراً، فهي تجلس مبتسمة من ورطة السلطان العثماني الذي أرسل برسائل “لتلطيف الأجواء” مع القيادة السورية، لم تلقَ رداً ايجابياً، فدمشق تتركهُ كي يُطهى أكثر، ويعلن استسلامه.

إن بقي أردوغان في الحلف الأميركي ورضخ لمطالب الناتو، وعاد ليكون كلب الناتو الوفي، يؤمر فيطيع، فسيجد الأكراد في حضنه بعد أيام، ويخسر موسكو وطهران وبكين، ويعود لتحمل تبعات عدائه للروس اقتصادياً وعسكرياً، ويستمر بخسارة مسلحيه الذين دربهم وزرع بنفسه الأمل بإقامة منطقة آمنة على حدوده الجنوبية، بينما الطيران السوري والروسي وصواريخ كاليبر تحصدهم. أما إن أدار ظهرهُ لواشنطن، فسوف تبدأ الأمور بعقوبات اقتصادية غير علنية، وحرب مفتوحة مع الأكراد، ويشتعل الداخل التركي، ويرى رؤوس مجموعاته المسلحة في سوريا تُحصد تباعاً لأن واشنطن ستتعاون مع موسكو وتسرب الأسماء والمواقع لطيرانها، ثم يأتيه في النهاية قنّاص يحصد رأسهُ… في الحالين: أينعَ رأس أردوغان، فمن هو حاصدهُ؟

الكاتب د. جميل م. شاهين 20.11.2016

مركز فيريل للدراسات ـ برلين