هل ستقرأ إيطاليا الفاتحة على الاتحاد الأوروبي؟ الدكتور جميل م. شاهين

هل ستقرأ إيطاليا الفاتحة على الاتحاد الأوروبي؟ الدكتور جميل م. شاهين. 07.09.2022. Firil Center For Studies هي حربٌ سياسية واقتصادية ثم عسكرية بامتياز. ضحاياها بدأت بالرؤوس الحامية ومازالت تحصد المزيد. متى ستنتهي هذه الحرب؟ وهل بدأت الحرب العسكرية كي تنتهي؟ الشارع الأوروبي تحرّك؛ مظاهرات في بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والتشيك، والسبب واحد؛ ارتفاع الأسعار والتضخم بسبب الحرب في أوكرانيا وتواصل دعم أوكرانيا على حساب الشعوب الأوروبية. المظاهرات ارتفعت وتيرتها لتصل لرفع صور فلاديمير بوتين ومعها العلم الروسي!

ضحايا فلاديمير بوتين

ماريو دراغي Mario Draghi رئيس وزراء إيطاليا أحد الرؤوس التي تسبب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالإطاحة بها. اقتصادي ومصرفي وأول إيطالي يحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. أستاذ محاضر في 5 جامعات والمدير التنفيذي للبنك الدولي. الخبير بضبط سعر الصرف واستقرار العملة. علاقات قوية بواشنطن ولندن وتل أبيب تحديداً. كل هذا لم ينفعهُ، سُحبت منه الثقة في 21 تموز 2022 بعد انفضاض أحزاب الإئتلاف الحكومي عنه بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية أولاً، فإيطاليا التي كانت تدفعُ 40 مليار دولار لاستيراد الطاقة من عدة دول بينها روسيا، عليها أن تدفعَ 100 مليار مع ارتفاع الأسعار وفرض عقوبات على موسكو، وكما نقول دائماً في مركز فيريل للدراسات (مَنْ يُعاقبُ مَنْ؟). خبرة دراغي لم تستطع تجنّب العجز الكبير، وعلى الشعب الإيطالي انتظار انتخابات برلمانية مبكرة في 25 أيلول الحالي.

حلفاء فلاديمير بوتين قادمون في إيطاليا

مازال الوقت مبكراً على القول أنّ المعارضة الإيطالية انتصرت، لكنّ استطلاعات الرأي تؤكد فوز الإئتلاف الثلاثي، فهل ستتمكن ألمانيا وفرنسا من إحداث اختراق صاعق يقلب الطاولة؟ حتى الآن برلين وباريس بحاجة لمَنْ يمسك بيدهما قبيل خريف الغضب الذي بدأ في مدينة “لايبزغ” الأحد الماضي، فكيف لضعيف أن يُساعد ضعيفاً؟

الائتلاف الثلاثي (أحباب بوتين) ويُسمّون “يمين الوسط المحافظ” هم: 

حزب “فورتسا إيطاليا” اليميني بزعامة سيلفيو برلوسكوني، وبرلسكوني معروف بأنه صديقٌ مقرّب جداً من بوتين، والعلاقة بينهما تتجاوز العلاقات السياسية والاقتصادية.

بوتين وبرلسكوني أكثر من أصدقاء سياسة. فيريل

الثاني هو حزب “الرابطة القومي”، حزب يميني متطرف يترأسهُ ماتيو سالفيني، ماتيو هذا يرتدي قميصاً عليه صورة فلاديمير بوتين. نعم والصورة واضحة. سالفيني أيضاً مُغرمٌ بدونالد ترامب، وسبق ووعد بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إن وصل إلى الكرسي. اتهم عام 2018 بتلقي أموال خارجية من موسكو خاصة، لكن نتائج التحقيقات كانت لصالحه بعدم وجود إثبات.

Matteo Salvini. Firil 
في الساحة الحمراء والصورة تتكلم

أما الحزب الثالث فهو “إخوة إيطاليا”، حزب فاشي متجدد رغم أنّ زعماءهُ ينفون ذلك. تتزعمهُ أخطر امرأة في إيطاليا؛ Giorgia Meloni  جورجيا وحسب التقديرات، هي الأكثر حظّاً بأن تكون رئيسة الوزراء القادمة، وسبق أن تولّت منصب وزيرة الشباب 2007 في حكومة سيلفيو برلسكوني صديق بوتين، لكنها ليست متحمسة كثيراً لبوتين رغم أنها ضد العقوبات على روسيا لأنها تضرّ بالاقتصاد الإيطالي.

وعود اليمين الإيطالي؟

من الوعود الانتخابية لليمين الإيطالي: خفض الضرائب وزيادة الرواتب. أمر عادي. إجراءات صارمة ضد الهجرة غير الشرعية. هنا يبدأ الكلام الخطير.

من أخطر ما سيفعلهُ اليمين إن فاز هو؛ مراجعة اتفاقيات الاتحاد الأوروبي وهو ما قالته جورجيا ميلوني: (لا نرى جدوى كبيرة في بقائنا ضمن نظام الاتحاد الأوروبي الحالي… نواصل معركتنا من أجل أن تكون إيطاليا في قلب أوروبا). هذا الكلام تمهيد للانسحاب من الاتحاد تحت شعار “إيطاليا أولاً”.

حسب مؤسسة Catania-Institut لاستطلاعات الرأي؛ مجلس النواب الإيطالي يضم 400 مقعداً، مجلس الشيوخ 200 مقعداً، إئتلاف اليمين قد يشغل 245 و 127 مقعداً منها على التوالي. بالمقابل سيكون لإئتلاف الحزب الديمقراطي 107 و51 مقعداً.  

ماذا يعني استلام اليمين الإيطالي الحكم؟

زيارة ماريو دراغي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز لكييف في حزيران 2022، ذهبت نتائجها مع الريح. والحديث عن حلف قوي يضم ألمانيا وفرنسا وإيطاليا في وجه روسيا، بات موضع شكّ.

في حال حصول اليمين الإيطالي على ثلثي المقاعد، وهذا احتمال ضعيف لكنه وارد، سيقوم بإجراء تغييرات جذرية ووضع دستور جديد للبلاد. هذا ما تطمحُ له Giorgia Meloni  وحزب “إخوة إيطاليا”. الدستور الجديد سيكون على مقاس إيطاليا وليس الاتحاد الأوروبي، وسيكون لمنصب رئيس الجمهورية صلاحيات أوسع.

في حال فوز اليمين، سيكون أصدقاء فلاديمير بوتين وصلوا إلى الحكم، وهي خسارة كبيرة للاتحاد الأوروبي الذي سيكون الخروج منه أحد أولويات هذا اليمين. خروج ثالث اقتصاد يعني رصاصة رحمة على هذا الاتحاد.

في حال فوز اليمين؛ الناتو سيخسر داعماً قوياً لأوكرانيا ضد روسيا وستصبحُ العقوبات مكان نقاش. فحرق فواتير الكهرباء والغاز في نابولي من قِبل المتظاهرين، وتحرّك الشارع الأوروبي لن يمرّ هكذا ببساطة.

هناك أيضاً ملف الهجرة واللجوء، الذي سيعملُ اليمين على سنّ قوانين صارمة تؤدي لترحيل لاجئين نحو ليبيا وغيرها، ودعم طرابلس مادياً لإيقاف عبور الآلاف حسب المقترحات.

في حال فوز اليمين؛ سنسمعُ خطاباً قوياً وتنديداً بالهجوم الروسي على أوكرانيا، لكنه للاستهلاك الإعلامي فقط. وسيكون همّ الحكومة الجديدة الخروج من المستنقع قبل الشتاء. ما نتوقعهُ في مركز فيريل للدراسات هو فوز اليمين ضمن إئتلاف اليمين بنسبة بين 46 حتى 50%، هذا إن لم تتحرّك ألمانيا وفرنسا “إسعافياً” لنجدة إيطاليا وحلفائها. وصول هذا اليمين يعني الكثير من الأخبار السيئة للغرب والناتو وسياسة الديموقراطيين الأميركيين في “خلط الشعوب”، لكنها بالوقت نفسه تحقق أهداف روسيا والولايات المتحدة والصين في إنهيار الاتحاد الأوروبي. فهل ستقرأ إيطاليا الفاتحة على الاتحاد الأوروبي؟ الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 07.09.2022.