وداعــاً للجــوء في ألمانيــا…

 

د. جميل م. شاهين ـ برلين 20.11.2015

 

عندما سألتني المذيعة المخضرمة هيام الحموي ماذا أتوقع بالنسبة للجوء في ألمانيا؟ أجبتُ: “ستنتهي حُمى اللجوء قبيل عيد الميلاد”. يبدو أن توقعاتي كانت مؤجلة شهراً، فالأحداث جاءتْ أسـرع من كافة التوقعات، والورطـة التي غطستْ فيها ميركل جاء مَنْ ينقـذها منها في ســتاد هانوفــر قبل مباراة كرة القدم… عسى أن تُنهيَ حياتها السياسية بحفظ مـاء الوجه.

مـا بنيتُ توقعاتي إلا على حقائق عرفتها شخصياً، وتصريحاتٍ لكبار المسؤولين الألمان والأوروبيين قيل أنهـا زلةُ لسـان، وهــل يزلّ لســانُ الألمــان؟!

ممـا سـمعتهُ تحت الهـواء، أو نُشـر على وسـائل الإعـلام، قبل أحداث باريس ومفخخـة هانوفر المُفترضة:

“اللاجئـون أرقـامٌ وكـود لم يأتِ أكلـهُ، المخطـط فشِـل، وزيـادة عليـه جاؤونا بأجنداتهم الشـيطانية تارةً والتسـولية تارةً أخرى، فمـا حاجتنـا للقـردة وحديقـة برلين تعـجُّ بهـم.”

أقـوى رجل في ألمانيا، وزير المالية وولف غانغ شويبله، قال: “تدفق اللاجئين إلى ألمانيـا أشـبهُ بالإنهيار الثلجي.”

وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير: “يجب الحدّ من عملية لمّ الشـمل للاجئين السوريين.” واصفاً ما سيقوم به بـ “سياسة الكبـح”. قالها مرتين خلال أسبوعين، فهل يزلّ اللسان مرتين؟

الوزيران من حزب ميركل الديمقراطي المسيحي، أي يُعبران عن سياسة ميركـل القادمة، شاءت هي أم أبتْ، كيف لا وولاية بايرن الأغنى والأقوى وقفت بجانبهمـا.

محطة إن تي في الألمانية الشهيرة، بتاريخ 10 تشرين الثاني، كتبت تحت عنوان عريض: ” Flüchtlinge müssen zurück“، أي يجب إعادة اللاجئين. كان المتوقع أن ما تقصدهُ المحطة هم لاجئو دول تعتبر آمنة، لكن المفاجئ هو آخر كلمة: Balkan, Afrika, Pakistan, Afghanistan – und nun auch Syrien، لاجئو البلقان، الأفارقة، الباكستان، أفغانستان، وقريبــاً السـوريين… كشفت المحطة أنّ التعامل ببصمة دبلن وإعادة اللاجئين إلى الدول الأخرى جارٍ العمل به منذ آب 2015، أي أن تصريحات الوزراء الألمان جاءت بعد اعتماد القرار، وهي ليست نوبة أدرينالين مفاجئة.

كان هذا قبل مفخخـة هانوفر، بعدهــا، تغيّرت الأمور نحو الأسـوأ…

بعيداً عن ألمانيا، لنذهب للولايات المتحدة، التي لن تقبل 34 ولاية فيها لاجئاً سورياً على أراضيها، بينما المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية بن كارسون، يصفُ اللاجئين السوريين بـ “الكِـلاب المسعورة”. حتى في الهندوراس وقبل قليل، تم إلقـاء القبض على خمسة سوريين بجوازات سفر مزورة حاولوا الدخول إلى الولايات المتحدة.

 

قرار الحدّ من لمّ الشـمل للسوريين صدر وانتهى، وحقيقتـه ليست الحدّ بل عرقلة لمّ الشمل.

قرار تأجيل النظر بقضايا لجـوء السوريين شهوراً صدر وانتهى، وأقربُ موعد لمحاكمـة مَنْ قدِم حديثاً لديار ميركل هـو آب 2016، أي سيبقى هذا التعيس ينتظر ربما أكثر من سنة قرار المحكمة بمنحهِ الإقامة “المؤقتـة” أو لا. المماطلـة بالإجراءات وخيبات الأمـل من الجنـة الألمانية التي صوّرها لهم تُجار البشر، ونظرة الشكّ التي تملأ عيون الأوروبيين، كلّ هـذا دفع بعض اللاجئين لإنهـاء قضية لجوئهم والعودة إلى سوريا، وقد علمتُ بأنّ 7 شبان سوريين عادوا إلى الوطن من مقاطعة براندن بورغ في أوائل شهر تشرين الحالي.

لا يمكننـا أن نلوم الدول الأوروبية على طرد اللاجئين السوريين، فابن إدلب الإرهابي أحمد وليد المحمّد الذي أنقذته السلطات اليونانية “الكافرة” من الموت، جاء إلى باريـس كي ينشر الموت، وكلّ لاجئ سـوري صار بنظرهم أحمد المحمّد.

كافـة االإقامـات الممنوحـة الآن مؤقتـة، سواء كانت سـنة أو ثلاث سـنوات، وهي من الدرجـة الثانية، أي تزول بزوال السبب، وإعـادة اللاجئ إلى سـوريا فور استتباب الأمن، واستتبابُ الأمن لا يعني عودة الوطن إلى ما قبل آذار 2011، فإذا كانت العراق بنظر الألمان آمنـة، فماذا عن سـوريا بعد شهور والـتوبولوف 160 تدك جحور الجرذان دكّــاً؟ الذين حصلوا على إقامـات قبل تاريخ 6 تشرين الثاني والأصح قبل آب 2015، ليسوا في مأمن، فلا يغرنهم طيب العيـش لأنهم ما زالوا في “الرقراق”.

هذا الاضطراب الظاهري في القرارات الألمانية هو دليل خبثٍ وليس بساطة، فعندما تسألُ المذيعة وزير الداخلية إن كان قرار إلغاء بصمة دبلن قد تم التراجع عنه، يجيب بمغمغة أنه تتم دراسته. الواقع يقول العكس، فتأجيل البتّ بقضايا اللجوء وبعد أن كان يحتاج أياماً، أصبح شهوراً والآن نتحدث عن سـنة.

حصـار اللاجئين السوريين الشبان ابتدأ، وكاميرات المراقبة في مراكز اللجوء ترصدهم حتى في دورات المياه، وساذجٌ مَنْ لا يرى العيون تلاحقهُ. لهذا بدأ البحث عن جنّـة موعودة أخرى، لكن إلى أين المسـير؟ أوروبـا ستغلق حدودها قريباً بالأسياج الشائكة، بصمة دبلن عـادت، أمام اللاجئين الذين رفض طلب لجوئهم حلان؛ إمـا ديـار إحتسـاء يـورين البعيـر سـاخناً، أو العودة إلى سوريا. والتوقـعُ القـادم هـو “الهجــرة المُعاكسـة”

نسـبة منح اللاجئ السوري الإقامة 98% تبخرت، وانخفضت في تشرين الأول إلى 69% حسب ما أكده لي مدير مكتب الإحصاء بمركز لجوء برلين، وستنخفض أكثر مع بداية عام 2016، وأضاف: “جاءنا قرار بتخصيص 5 مراكز لجوء رئيسية لترحيل 50 ألف لاجئ ألباني من ألمانيا.” عندما سألتهُ هل يمكن أن يشمل هذا القرار السوريين أيضاً، ابتسم وقال: “ربما.”.

شـهر عسـل اللاجئيـن السـوريين انتهى، والاتصال من العواصم الأوروبيـة بالمخابرات السورية باتَ يحتاج للحجز المُسـبق، والسؤال الأول: “هل اللاجئ فـلان ابن فلان، مُعارِض؟”.

د. جميل م. شاهين 20.11.2015