الآن بدأت الحـرب في ســوريا…

 

د. جميل م. شاهين 17.11.2015

 

أطلق البعض على أحداث باريس يوم الجمعة الماضية؛ 11 سبتمبر أوروبـا لأهميتها، لكن الحقيقـة أنّ إسـقاط الطائرة الروسـية في سـيناء هـوَ الأهم، وهو التفويض الشـرعي للجيش الروسي أمام باقي الشعوب والدول، ويماثـل التفويض للولايات المتحدة بعد أحداث مبنى التجارة العالمي، وما حدا أحسن من حدا، مع الفارق الأخلاقي بين الجيشين.

أحداث باريس صبّتْ، حتى الآن، في مصلحتنـا ومصلحة الروس، وشــقّتْ الصف الغربي وإن ظاهرياً. ففي حين ترفض الولايات المتحدة التنسيق أو المشاركة في الضربات الجوية لداعش، ويفشـل مؤتمر أنطاليا ومعه حلفٌ تقوده روسيا بالتنسيق والتناوب مع الولايات المتحدة، نرى فرنسـا وتحت ضغط الرأي العام الداخلي، وتراجع ثقتها باللحمسـات الأميركية لداعش، تنسّـق عسـكرياً مع الروس.

قبل باريس، تخابرت برليـن مع الروس طالبة التعاون والأصح “معلوماتٍ من دمشـق”، وسط نظراتِ عدم استحسان من البيت الأبيض، لِمَ لا وألمانيا محشـوة بآلاف من اللاجئين السوريين وغير السوريين الذين قاتلوا في صفوف الإرهابيين، وهم الآن طُلقـاء في شـوارع هامبورغ ودوسلدورف وميونيخ.

مصر وجدتْ نفسـها مسـؤولة وبطريقة ما عن تفجير الطائرة الروسـية، بالتقصير الأمني أو بتخاذل أحد أفراد أمن المطار، لهذا ســتتعاون مع موسـكو إلى أبعد الحدود.

أوروبـا قالتها بشـكل غير مباشر: “ســحبنا يدنـا من ســوريا”، ورقص الباليه ابتدأ في العواصم الأوروبية على أنغام ريمسكي كورساكوف، وسـيتمّ افتتاحُ عيـد الفصـح وفق التقويم الروسـي بسـيمفونية شــهرزاد. لهذا لم يجد الأميركان أذنابـاً أفضل من الأتراك وعربـان الخليج، فباشـروا مع الأيردوغان عملية إغلاق للحدود مع ســـوريا، أي خنــق الإرهابيين بالمفهوم الحرفي، أمّـا الهدف الأبعـد فهـو خطير…

الهدف الأخطـر هو الخمسون مستشاراً أمريكياً عسكرياً لتدريب المعارضة السورية المسلحة، وهي عملية تغطيـة لتعاون أمريكي تركي بريطاني فرنسي، واسـتخدام قطعـان الإنفصاليين والبيشمركا لدخول سـوريا، فرنسـا ربما تنسحب من هذا التحالف إن وجدت ضالتها في الأسطول الروسي. الخطة أن يتم القضـاءُ على داعش، وتحلّ محلها عصابـات البيشمركا ومرتزقـة الإنفصاليين، فالحرب على سـوريا بعد التدخـل الروسي قد تنتهي مـع أواخر صيف 2016، وهذا ما لا يُرضي واشـنطن وأتباعها، الذين خططوا لصراع يمتد حتى منتصف العقــد المقبل تمهيداً للكنتونـات المُقـرّرة، وعلى موسـكو أن تجلس متفرجة بعد أن كانت لها اليـد الطولى بمسـح داعش.

موســكو لن تتفـرج، لهـذا كان الـردّ “البوتينــيّ” الصاعق؛ سـيلاحق الإرهابيين وداعميهـم داخـل و”خــارج” ســوريا، وسـوف يُعيــدهم إلى الله. يَــد الـ FSB طويلـة وتصل إلى قصر آل سـلول والخريفـَـة العثماني، وعندما يَرصدُ الروس 50 مليون دولار لمن يُدلي بمعلومات عمن فجّـر الطائرة، لا يقصدون ذلك المُستخدَم الذي وضع القنبلة. يريدون الرأس حتى وإن كان في الدوحة أو الرياض أو أنقرة. حُفـداء فيليكس زيرزينسكي الذين وصلـوا لسرّ القنبلة الذرية في قلب مانهاتن، ناشرين “الرّعب الأحمر” في الولايات المتحدة، لن يصعبَ عليهم شَــاربو اليــورين.

 

لا تجرحـوا الدبّ الروسـي، وقـد جُــرِح. انتهـى الإسـتعراض الروسـي واليـوم ابتـدأ الجَـد.

 

عندمـا تُرسلُ روسيا الطائرات الحربية العملاقة  Tupolew Tu-95 و Tupolew Tu-160، والتي تطير لمسافة 15 ألف كلم، ويمكن لها أن تحمل 40 طـنّـاً من القنابل والصواريخ النووية قصيرة المدى، هذا هو القيصـر. عندما تقصف روسـيا من قزوين وغواصات المتوسط وطائرات المدى البعيـد بيوم واحد، في ثلاث محافظـات تحتلها داعش وغيرهـا من المعارضة السورية، وعلى الحدود مع تركيـا، هذا هـو القيصـر.

 

القـادم لا يُمكـن لأحـد أن يتنبـأ بهِ، هـل ســـتُحسمُ الأمور سـريعاً دون تطـوراتٍ خطيرة، دون غبــاء تركي، واسـتعباط ســعوصهيوني؟ أم قد يحدثُ ما هـو أبعـد بكثيــر من القضـاء على داعش؟ كل شـيء وارد، عندهــا لن يكـون هنـاك مكـان آمـن…

الشـيء الوحيـد الذي يمكننـي التنبـؤ بــه هــو عجـــزٌ قــادم في حــور العِيـــن…

 

اليــوم 17.11.2015 انتهــتْ حَـــربٌ على ســوريا، وابتـدأت حَـــربٌ في ســوريا. د.جميل م. شاهين