مـاذا يا أمّـة اقرأ؟  د. جميل م. شاهين مركز فيريل للدراسات ـ برلين  

 

أول كلمة نزلت في القرآن الكريم هي “اقرأ”، فهل امتثلت أمّة اقرأ لتعاليم ربها؟ وأيّ كتبٍ قرأتْ؟  

أشاركُ سنوياً بمعرض كتاب فرانكفورت، هو أكبر تظاهرة دولية ثقافية للكتاب والأدب، المعرض عمره 500 عام وهو الأهم في العالم، يضم ست قاعات ضخمة تمتد على مساحة 172000 متر مربع. يتواجد فيه 7500 عارض من 114 دولة، ينشر 120 ألف طبعة جديدة سنوياً. يزور المعرض خلال خمسة أيام 300 ألف زائر.

كل سنة أبحث في معرض فرانكفورت عن أجنحة الكتاب العربي فأجدها كالعادة، في الطابق السفلي… أتجول بينها؛ أجنحة فقيرة قلباً وقالباً بالنسبة لجناج الدول غير الخليجية، أما جناح السعودية مثلاً، فذو ديكور فخم ولوحات عرض زجاجية ضخمة، في كل واحدة كتاب برّاق أوحد، الكتاب الديني هو المسيطر، يليه كتاب يتحدث عن عظماء الأمة من رؤوساء وملوك، وانجازاتهم الخارقة، وبجانبه كتاب عن فن الطبخ. أما عن زوار هذه الأجنحة العربية، فكأننا في ساعة منع التجول…

في كانون الأول 2015 كنتُ في معرض الكتاب في بيروت، يوماً ما كانت بيروت منارة للثقافة والعلوم، أما ما شاهدته هذه المرة، فيستحق الرثاء يا بيروت.

عن مركز فيريل للدراسات ـ برلين، أقدّم لكم تقريراً عن الوضع الثقافي في الدول العربية:

ـ الدول العربية مجتمعة من أقل دول العالم قراءة واقتناءً للكتب، كمثال على ذلك: عدد الكتب المطبوعة في إسبانيا سنوياً، رغم ضائقتها الاقتصادية، يساوي ما طبعه العرب منذ عهد الخليفة المأمون الذي قُتل عام 813م، وحتى يومنا هذا، أي قرابة 100 ألف كتاب جديد. أي أن العرب وعبر تاريخهم الطويل، لا يهتمون بالثقافة أو بالمطالعة، وهذا ليس بجديد عليهم.

ـ ما تستهلكه دار نشر فرنسية واحدة من الورق هي «غاليمار»، يفوق ما تستهلكه مطابعُ الدول العربية مجتمعة من المحيط إلى الخليج في صناعة الكتب.

ـ تطبع بلجيكا من الكتب سنوياً، والتي تعداد سكانها 9 ملايين، أكثر مما يطبعه 350 مليون عربي.  

ـ بعد أخذ عدد السكان بعين الاعتبار، تـُصدِر إسرائيل 32 ضعف ما تصدره الدول العربية مجتمعة من الكتاب سنوياً.

ـ يمثل سوق الكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 30 مليار دولار، وحوالي 10 مليارات دولار في اليابان و9 مليارات دولار في بريطانيا، وتبلغ مبيعات الكتب إجمالًا في كل أنحاء العالم 88   مليار دولار. بينما مداولات سوق الكتاب العربي بيعًا وشراء لايتجاوز 400 مليون دولار أمريكي سنويًا فقـط. أي أن الولايات المتحدة تنفق 75 مرة ما تنفقه الدول العربية على الكتاب.

ـ بلغت مطبوعات الكتب في بريطانيا 208 آلاف عنوان جديد، أما الولايات المتحدة الأمريكية  فقد طبعت 179 ألف عنوان جديد لعام 2011، وفي ألمانيا 110 آلاف عنوان جديد.

أمّــا مطبوعات الدول العربية من العناوين الجديدة: عـُمان 7 عناوين جديدة. الأردن 478 ومصر 1671، أفضــل الدول العربية هي السـعودية بدون مجاملة، فقد أصدرت 3900 كتابًا  جديدًا، لكن 70% منها كتب دينية، 10% عن انجازات الأسرة الحاكمة.

ـ إسرائيل لوحدها أصدرت عام 2005 مثلا، 4000 عنوان جديد، 2% فقط كتب دينية. طبعا لا مجال للمقارنة بين عدد سكان اسرئيل وسكان بلاد العرب.

ـ أكثر الشعوب العربية ثقافة بالترتيب: لبنان، سوريا، فلسطين، مصر العراق.

ـ  عدد الكتب المخصصة للطفل العربي 400 كتاب في العام، مقابل 13260 كتابًا في السنة للطفل الأمريكي و3838 للطفل البريطاني و2118 للطفل الفرنسي و1485 للطفل الروسي.

نصيب الطفل الأمريكي هو 33 ضعف نصيب الطفل العربي من الكتاب.

ـ كل 20 عربياً يقرؤون كتاباً واحداً في السنة، بينما كل بريطاني يقرأ 7 كتب (أي 140 ضعفًا) والأمريكي 11 كتاباً والألماني 13 كتاباً أي يقرأ الألماني 260 ضعف ما يقرأه العربي!

ـ عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب في الدول العربية يتراوح بين1000-5000 نسخة مقابل ما متوسطه 95 ألف نسخة في ألمانيا.

ـ بقي أن تعرفوا أن المأساة ليست فقط بعدد الكتب بل بنوعية الكتب المطبوعة في البلدان العربية، يأتي الكتـاب الديني في المرتبة الأولى، يليه الكتاب المنزلي /الطبخ والنفخ والديكور./. أما الكتب الثقافية؛ فتشكل أقل من 1%.

السؤال الآن: هذا واقع العرب المعرفي والثقافي منذ عهد الخليفة المأمون حتى يومنا الحالي، فما هي الثقافة والحضارة التي نشرها العرب بعد احتلالهم للبلدان الأخرى؟

د. جميل م. شاهين