كتلة هوائية باردة متمركز جنوب البحر الأسود مرافقة لمنخفض جوي يتحرّكُ شرقاً ببطء، مع اندفاع المنخفض الهندي من الجنوب نحو الشمال مترافقاً بتيارات حارّة. هي وضعية مثالية لحدوث حالة عدم استقرار جوي تؤدي لأمطار غزيرة تبقى محلية مفاجئة. كلّ هذا طبيعي ويحدث سنوياً في الاعتدالين بمنطقة الشرق الأوسط ونادراً في فصل الصيف الجاف، هذه الحالة تتكرر يومياً في دول العالم وبكميات أمطار وخسائر بشرية ومادية، هي أضعاف ما تساقط في اللاذقية ولبنان. لكن بجميع الأحوال؛ يبقى السؤال: هل ما حدث بتاريخ 25 حزيران 2022 على الساحل السوري كان طبيعياً؟
إعصار مداري في شرقي المتوسط!
كتب الدكتور رياض قره فلاح، أستاذ علم المناخ في جامعة تشرين، وننقل ما كتبهُ حرفياً: (ما حدث فجر السبت (25 /حزيران/2022) وتبعاً لمقياس (سفير- سمبسون للأعاصير ) لا يمكن تسميته إلا إعصارا من الدرجة الأولى والذي تتراوح سرعة الرياح فيه ما بين 74 و95 ميل/ساعة أو 119–153 كم/سا. وقد يؤدي إلى تناثر وتحطم الأبنية المتنقلة والضعيفة، أو إصابة أشخاص أو حيوانات، أو سقوط أعمدة كهرباء، وإلى انقطاع التيار الكهربائي لفترة قصيرة. واقتلاع أشجار صغيرة من جذورها.
حدث كل هذا مع أن سوريا ليست بلد أعاصير أو عواصف مدارية التي تصل سرعتها القصوى حتى 118 كم سا. ستكشف الأيام أو السنوات القادمة عن الكثير من غرائب الطقس التي حدثت في عدة أماكن من سوريا دون مبرر علمي منطقي معروف وفي غير أوقاتها.).
كلام الدكتور رياض قره فلاح صحيح ومختصر، وله خبرة واسعة في المناخ ونُكنُّ له كل احترام. بحثنا في مركز فيريل للدراسات عن الأسباب العلمية لحدوث هكذا إعصار ولم نجد سوى احتمالين لا ثالث لهما.
تفسير سبب نشوء إعصار مداري شرقي المتوسط
دعونا نتعرف أولاً على بعض المعلومات البسيطة كي نستطيع تبيّن وتحليل ما حدث دون القفز للنتائج فوراً.
سُجلت سرعة رياح في اللاذقية 127 كم/سا حسب مركز فيريل للدراسات
تنشأ الرياح نتيجة إختلاف قيم الضغط الجوي بين منطقتين، نتيجة التسخين الشمسي للأرض والمياه، وذلك بانتقال الكتل الهوائيّة أفقياً وبحركة متسارعة من مناطق الضغط المرتفع إلى المنخفض، وتكون حركتها مع عقارب الساعة في نصف الكرة الأرضي الشّمالي في الضغط المرتفع، ومعاكسة في الضغط المنخفض. في حالات عدم الاستقرار الجوي بمنطقة الشرق الأوسط، من النادر جداً أن تتجاوز سرعة الرياح 90 كم/سا في الهبات. وسرعة الرياح في اللاذقية تجاوزت هذا الرقم بكثير… هذه واحدة.
علمياً، من المستحيل نشوء إعصار إستوائي في البحر الأبيض المتوسط
من شروط نشوء الإعصار المداري أو الإستوائي Tropical Cyclone وجود مساحة مائية كبيرة دون يابسة بما في ذلك الجزر الصغيرة، لهذا يحتاج لمحيطات وليس بحاراً، لأنّ قطر الإعصار يبدأ من 200 كم ليتجاوز أحياناً 1000 كم، وهذه المساحات المائية غير متوفرة في البحر الأبيض المتوسط. لهذا وعند تسمية الأعاصير تُنسب للمحيطات، فـ Hurricane ينشأ في المحيط الأطلسي. typhoon ينشأ غرب المحيط الهادئ وصولاً إلى المحيط الهندي. و Cyclone في المحيط الهندي. ودائماً قرب خط الاستواء، ولا تنشأ الأعاصير فوق خط المدارين، فكيف نشأ إعصار في البحر الأبيض المتوسط عند خط عرض 37؟!
بالنسبة لاستخدام تعبير Medicanes ميديكان، فهو حديث العهد وغير مُعتمد من قِبل خبراء المناخ، لكنه بدأ يتكرر منذ الثمانينات فاستخدم في الخريف لوصف حالة معينة محدودة في البحر الأبيض المتوسط تمزج بين الإعصار والعاصفة.
يحدثُ عندما يتدفق هواء بارد من خطوط العرض المعتدلة نحو خط الاستواء ويتشكل الحد الأدنى للقطع في الطبقات العليا من الهواء، وهي حالة استثنائية تحدث خارج المناطق المدارية عندما تكون مياه المتوسط دافئة. الكتلة الهوائية القريبة من سطح البحر تكون رطبة بسبب التبخر ، تتكثف وتشكل دوامة من السحب أثناء الحمل الحراري الأعظمي أي بعد الظهر، وبصورة مشابهة للمناطق المدارية إلى حد ما، تتشكل معها عين للدوامة تختفي فيها الغيوم فتشبه شكلاً، ونقول شكلاً فقط الإعصار، لكنها ليست إعصاراً، طالما أن سرعة الرياح لا تتجاوز 120 كم/سا. بتاريخ 27 تشرين الأول 2016 أطلق الاسم على دوامة جنوب جزيرة صقلية Medican TRIXI كانت قيمة الضغط الجوي فيها 1010 ميلي بار رافقتها رياح 119 كم/سا وأمطار غزيرة. وهاهو يتكرر الآن في شرقي المتوسط فوق اللاذقية تحديداً!
الاحتمال الأول هو التغيّر المناخي
السبب الأول: التغيّر المناخي وهو التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، نتيجة الأنشطة البشرية وحرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز التي تؤدي لانبعاث الغازات الدفيئة وحبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة. التطرف المناخي يتطور بشكل كارثي والأيام قادمة.
التغيّر المناخي بدأ يسيطر على كامل الكرة الأرضية نتيجة ارتفاع حرارة الأرض Global warming وما حدث هو البداية فقط، وصورة مصغرة عمّا يحدث في مناطق أخرى من العالم. وسوف ننشر خلال يومين عن هذا الخطر القادم. لهذا؛ فاحتمال حدوث هكذا أعاصير أمر وارد وعلى الحكومات التحضير والحذر.
الاحتمال الثاني هو التلاعب بالمناخ
وهو موضوع تحدثنا عنه مراراً في بحث واسع بعنوان: “هارب بين موسكو وواشنطن”. هل يمكن أن يكون ما جرى من صنع البشر؟ برنامج التحكم بالمناخ وفي أكثر الدول تطوراً، مازال قاصراً عن “خلق” منخفض جوي أو إعصار من نقطة الصفر، لكن يمكن وبسهولة زيادة فاعلية الطقس أو إخمادها لكن في منطقة محدودة جغرافياً.
هل حدث هذا في اللاذقية؟ لا نملكُ معلومات مؤكدة في مركز فيريل للدراسات عن ذلك، وحتى إن امتلكنا لا يمكننا نشرها، رغم أننا نؤكد وللمرة الأولى أنّ فيضانات دمشق بتاريخ 26 نيسان 2018 كانت مُفتعلة… وجولات “الطائرة الغريبة” فوق جبل الشيخ تشهد…
هناك خلايا ضغط منخفض مع حالة عدم استقرار جوية، أي بيئة مناسبة تماماً لزيادة الفاعلية، هنا يمكن لبرامج التحكم بالمناخ أن تفعل فعلها المُخرّب. فهل كان ذلك “معركة طقسية” فوق حميميم؟ نتمنى لكم الخير والسلامة دائماً، ونكتفي بهذا القدر من المعلومات. مركز فيريل للدراسات. 26.06.2022.