الناتو العربي الإسرائيلي. زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات

الناتو الصهيو عربي. 01.07.2022 إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات Firil Center For Studies FCFS. Dr. Jameel M. Shaheen & Zaid M. Hashem.

منذ بدء الخليقة ومنطقة الشرق الأوسط كانت ومازالت مسرحاً لصدام وصراع طويل بين الممالك والإمبراطوريات الناشئة في هذه البقعة من الكرة الأرضية. في القرن الماضي تحولت لصراع بين الدول الأوروبية ثم وقعت تحت سيطرة الولايات المتحدة بشكل عام، لتعود في العقود الأخيرة لحلبة قتال بين الغرب بقيادة واشنطن وإيران وروسيا والصين. أمّا دول الشرق الأوسط العربية منها خاصة، فقد رُكنت على الهامش، وباتت شعوبها وقوداً لحرب لا نهاية لها، بينما زعماؤها “تُبّعٌ” لا أكثر.

ثروات الشرق الأوسط وبالٌ على شعوبه

ثروات باطنية هائلة، وأماكن مقدسة. مياه وأرض زراعية وشمس ساطعة، كانت وبالاً على الشعوب وليست مصدر  رخاء سوى للأقلية من “التُبّع”. مئات الملايين تُعاني من الفقر والجوع والمرض بينما حُكامها يُعانون من الثراء والتُخمة وإزعاجات “الساونا” في بنوك سويسرا.

رزحتْ دول الخليج العربي، وبعد اكتشاف البترول والغاز فيها، تحتَ الاحتلال الأميركي والبريطاني وبشكل مباشر دون مواربة، فنفّذت أوامر وأجندات أميركية بمعاداة التيار العروبي بزعامة جمال عبد الناصر، ومواجهة الاتحاد السوفيتي وتمدده في الدول العربية وأفغانستان، ثم دعمت تدمير الدول ذات النظام الجمهوري بما سُمي بالربيع العربي، ليأتي دورها الأخير بمواجهة إيران وضمان أمن الكيان الصهيوني.

تدمير العراق وسوريا

ارتكبت الأنظمة القومية العروبية أخطاء كثيرة دون شك، تمّ استغلالها لإسقاط تلك الدول بسهولة أكبر. فأسقط العراق وتم تدميرهُ وجلب عصابات من اللصوص لتحكمه. كذلك اليمن وليبيا وتونس ولبنان. حاولوا مع مصر والجزائر، لكن الأولى انصاعت والثانية مازالت تقاوم. في سوريا قاموا بتدميرها وتجزئتها بين عدة دول لإشغالها بصراع مرّ عليه 11 عاماً، لكن متى سينتهي؟

إذاً؛ المخطط كان واضحاً، وهو  إسقاطُ الأنظمة القومية واستبدالها بتنظيم الإخوان المسلمين. نجحوا في تونس ومصر في البداية، لتكون ثورة مضادة لوصول الإخوان لكرسي الحكم وإزاحتهم. دُمّرت الجيوش القومية مقابل إدخال فكر الإخوان فيما تبقى منها، لنصل لدول فاشلة بدرجات مختلفة.

تحجيم دور الإخوان المسلمين وليس التخلّص منهم

عندما نذكرُ الإخوان المسلمين في مركز فيريل للدراسات لا نحصرُ ذلك بالتنظيم فقط، بل بفكر وطريقة الإخوان المسلمين على اختلاف مسمياتهم. هذا الفكر والطريقة تمّ تحجيمها في بعض الدول العربية دون إزالتها من المشهد حيث تُستَغلُ من الطرفين كفزاعة كلما احتاج الأمر.

تركيا الراعي الرسمي للإخوان وقطر الممول وبريطانيا القيادة، مازالت موجودة، وإن تراجعت هذه الدول في دعم “فكر الإخوان” قليلاً لصالح دول الخليج ومصر وتونس، فهذا لا يعني أنّ عودة نشاطهم باتت من الماضي. هي عملية توزيع أدوار، فدول تشنّ حملة ضدهم بما يُشبهُ ثورة مضادة، كما فعلت السعودية والإمارات لمساعدة مصر وضد قطر، لكن بالمحصلة الجميع يعمل لخدمة واشنطن وتل أبيب ومعهما لندن.

تحويل العدو من تل أبيب إلى طهران، طائفياً ثم قومياً

الحديث عن فشل المخططات الإمبريالية وسحق المتآمرين والتغني بالانتصارات… هذه الطريقة الخشبية البالية القديمة مازالت مستخدمة من قِبَل المعسكر المعادي للغرب، رغم أنّ الشعوب لم تعد بهذه السذاجة.

إذا كان تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن، واحتلالها وتجزئتها وقتل وتشريد عشرات الملايين، وتنصيب حكومات فاشلة هدفها سرقة الوطن، ليس نجاحاً للغرب، فكيف يكون النجاح؟ ألم ينجح الغرب بتحويل كيان، محتل قتلَ وشرّد بدوره الملايين، إلى صديق وحليف وزعيم، وإيران إلى العدو الأول؟ ألم تنجح وسائل الإعلام بزرع “الطائفية” ونكرر هنا “الطائفية” شعبياً بالدرجة الأولى بين الطرفين؟ إنه نجاح دون شكّ. طبعاً طهران ليست ملاكاً طاهراً، فلها أجندتها ومخططاتها، كي لا يُظنّ أننا ندافع عنها.

تغلغلت طهران في العديد من الدول وتدخلت في شؤونها الداخلية، من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين واليمن. دعمت حركات مقاومة بصيغتها الدينية لا القومية، وعرفت كيف تستغلُ الأوضاع لتقوية دورها كدولة إقليمية قوية. نجحت في أماكن وفشلت في أخرى. بعدها، دخلت الدول الخليجية ومصر وشريحة واسعة من الشعوبِ العربية مرحلة مواجهة إيران، بعد إطلاق العنان للطائفية في الحرب العراقية الإيرانية، وهذا كان تمهيد للحرب الطائفية في العراق واليمن وسوريا.

عندما تدخلت إيران في سوريا مع بداية الحرب، ازداد المظهر الطائفي ومعه ردة الفعل في الجانب الآخر، لهذا كان للتدخل الروسي دور إيجابي في تحويل الحرب الطائفية إلى مواجهة مع الغرب.

حلف الناتو العربي الإسرائيلي على الطاولة

والسعودية بدأت مشوار التطبيع مع تل أبيب

سبق وتحدثنا في مركز فيريل للدراسات ومنذ تشرين الثاني 2018 عن تشكيل ناتو عربي قد تُضافُ له إسرائيل، حيث كان الأمل معقوداً من يومها على الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يقصف إيران، وبالتالي ففكرة الناتو هذا ليست وليدة لحظة “رومانسية” بين العرب وإسرائيل، ومؤسسها هو ترامب.

ستسعى الولايات المتحدة ومن خلال زيارة رئيسها الحالي جو بايدن لوضع الخطوط النهائية لهذا الحلف، سواء تم التفاهم على الملف النووي أم لا، والغاية الأخرى هي التطبيع بين الدولة الأهم، السعودية وإسرائيل والذي سيجرّ ويُعطي الذريعة لكافة الدول المترددة والتي تُطبّعُ في السرّ.

الرياض بدأت خطوات التطبيع دون شكّ، فالاجتماعات الأمنية والعسكرية بين مسؤولين كبار فيها في شرم الشيخ أو واشنطن مع نظرائهم الإسرائيليين لم تكن للصلاة بالتأكيد.

المطلوب من هذا التعاون الأمني “الدفاعي” أن تكون دول الخليج “كبش الفداء” وخط المواجهة الأول، فيما لو قامت واشنطن أو تل أبيب بقصف طهران، وستكون لدى الأنظمة الدفاعية الجوية الإسرائيلية المنتشرة في الخليج العربي، الفرصة والوقت الكافي للتصدي للصواريخ الإيرانية، بينما ستكون الفترة الزمنية أقصر بكثير لدى تلك الدول.

واجتمع العرب أخيراً، للحفاظ على أمن إسرائيل

نعم، أخيراً اجتمع العرب على كلمة سواء وهي “الحفاظ على أمن إسرائيل”، وتقاطروا زرافات ووحدانا للتبارك بالدين الإبراهيمي الجديد. التطبيع سيتعزز أكثر في مصر والأردن، وسيكون لهما دور “الخبير المُجرّب” في هذا الحلف.  ملك الأردن عبد الله الثاني والذي شارك ومازال في الحرب على سوريا سواء بدعم المسلحين عسكرياً عبر جهاز مخابراته خاصة في درعا بالتعاون مع الموساد، أو برعايته لغرفة الموك في قلب عمّان، كانَ حذّر سابقاً من الهلال الشيعي.

ملك الأردن هو سكرتير وعرّاب الحلف الصهيوعربي

في حديثه بتاريخ 25 حزيران 2022 لمحطة الـ CNBC استخدم الملك الأردني تعبير حلف ولم يقل تحالف، والبون شاسع، وهذا يعني قيادة وأعضاء وبنود مُلزمة ومعاهدة دفاع مشترك والتزامات مالية وعسكرية، والدول الموقّعة لديها عدو مشترك واحد على الأقل.

تحركات عبد الله الثاني في الفترة الأخيرة فقط كانت ملفتة وتُرشّحه بقوة ليكون سكرتير هذا الحلف. فبعد استقباله لأول مرة في تاريخ الأردن لرئيس الكيان إسحاق هرتسوغ في قصر الحسينية غرب عمّان، في نهاية آذار، طار إلى واشنطن في 10 أيار الماضي، وطار إلى أبو ظبي، وعقد اجتماعاً ثلاثياً مع السيسي وبن زايد ثم بولي العهد السعودي، هذه النشاطات تؤهلهُ ليكون سكرتير هذا الحلف.

حلف عربي أم خيانة؟

لا يمكن إيجاد مبرر لانخراط الدول العربية في هكذا حلف بما في ذلك التهديد الإيراني. هنا نطرح في مركز فيريل السؤال التالي:

إذا قام الجيش السوري بعملية عسكرية ما ضد الجيش الإسرائيلي في الجولان المُحتل، مع مَنْ ستقف الدول العربية المنخرطة في حلف الشرق الأوسط؟

لن يُجيبَ مسؤول عربي على هذا السؤال بوضوح وصدق، وسيتم اتهام إيران بوقوفها وراء أي عمل عسكري ضد تل أبيب. نعتقدُ أنّ الانخراط في هذا الحلف حسب ما نُشر عنه وما صرح به كبار الزعماء هو خيانة وغباء بنفس الوقت، لماذا؟

الخيانة أمر مفروغٌ منه، وهل يوجد وصفٌ آخر لدول تتحالف مع كيان احتل أرضاً وشرد شعباً ورغم ذلك ستدافع عن هذا المُحتل ضد شعوبها أولاً.

هل الاشتراك في الحلف ذكاءٌ أم غباءٌ عربي؟

النقطة الأولى

من مبررات قيام هذا الحلف هو  التعاون مع إسرائيل ضد عدوان إيراني محتمل، هذا بحد ذاته عبودية وغباء. كيف؟

احتمال أن تشن إيران حرباً ضد إسرائيل أمرٌ مستبعد ولن تفعلها، بل ستستمر بحرب الوكالة. الاحتمال الآخر وهو أعلى نسبةً؛ أن توجّه إسرائيل ضربات صاروخية بمشاركة الولايات المتحدة لمواقع معينة في إيران لتدمير قدرتها العسكرية ومشروعها النووي. هكذا ضربات لا يمكن أن تتم إلا عبر ومن أراضي دول الخليج، لهذا ستعتبر طهران تلك الدول مشاركة بالحرب ويحق لها الرد.

أنْ يتم تدمير وشل القدرات الصاروخية الإيرانية منذ الضربة الأولى صعب جداً، لهذا ستكون لدى الجيش الإيراني الفرصة للردّ، والأقرب هي دول الخليج، والصاروخ الذي عليه أن يقطع مسافة 1300 كم كي يصل إلى تل أبيب، وتكون فرصة اعتراضه كبيرة، يحتاج لقطع مسافة 250 إلى 300 كم فقط كي يصل دبي أو أبو ظبي أو المنامة أو الدمام، وفرصة اعتراضه أقل بكثير.  

أكثر منظومات الدفاع الجوي تطوراً لم تحقق نسبة نجاح كاملة، وعلى سبيل المثال، ودعونا نفترض أنّ هذه النسبة صحيحة، فشركة Rafael Advanced Defense Systems الإسرائيلية تقول أنّ نسبة نجاح صواريخها في اعتراض الصواريخ المعادية تصل إلى 90%، ماذا عن الـ10% الباقية؟ ماذا لو أطلقت إيران 100 صاروخ باليستي باتجاه دولة خليجية وأصاب 10 صواريخ أهدافهم فقط؟ إذاً، دول الخليج ستكون خط دفاعي أول ليس عن نفسها بل عن إسرائيل، وستتلقى الضربة الأولى من الصواريخ الإيرانية، هل هذا ذكاء؟

هذا في أفضل الحالات، لكن ماذا عن حقيقة أنّ نسبة النجاح لا تتعدى 75%؟ ماذا لو قصف الحوثيون بنفس الوقت السعودية والإمارات؟ وهل سيبقى حزب الله متفرجاً؟

النقطة الثانية

من أهداف هذا الحلف قطع الطريق على روسيا من التمدد نحو منطقة النفوذ الأمريكي وحصر النفوذ الروسي في سوريا، والبداية كانت بإجراء مصالحة خليجية مصريةمع قطر ثم مصالحة إماراتية سعودية مع تركيا، وبهذا سيتم استخدام دول التطبيع في مواجهة إيران وروسيا في الشرق الأوسط، ضمن حدود سيرسمها الأمريكي، مع السماح بوجود هامش للتعامل مع طهران وموسكو لا يضر بمصالح واشنطن وتل أبيب.

في حالة حدوث مواجهة عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة، ماذا سيكون موقف دول الحلف الجديد؟

النقطة الثالثة

 من الملفات التي سيناقشها جو بايدن في زيارته للسعودية مصنع الصواريخ الباليستية الذي تقيمه بالاشتراك مع الصين. والذي نشرت عنه وسائل الإعلام الأميركية بتاريخ 23 كانون الأول 2021 صوراً جوية، ويقع بالقرب من مدينة “الدوادمي” غربي الرياض بحوالي 200 كم. واشنطن غير راضية عن هذا التعاون نهائياً ولو كان ضد طهران. هذا جانب.

الجانب الآخر؛ اعتبر حلف الناتو في اجتماعه الأخير في مدريد بتاريخ 28 حزيران 2022 الصين “شبه عدو”: (إنّ طموحات الصين المعلنة وسياساتها القسرية تتحديان مصالحنا وأمننا وقيمنا. وإننا نُدينُ الشراكة الإستراتيجية بين بكين وموسكو ضد النظام الدولي).

أي أنّ الصين في تقييم الولايات المتحدة ليس أفضل من روسيا بكثير، واحتمالات الاشتباك معها عسكرياً، ليست بعيدة إن تطورت الأمور نحو الأسوأ، ليبقى نفس السؤال السابق وبزيادة أكبر: ما هو موقف الحلف والسعودية تحديداً من التعاون مع الصين والشراكة الاقتصادية والعسكرية؟

الحلف العربي الصهيوني برأي مركز فيريل للدراسات

المطلوب من الدول التي ستنخرط في هذا الحلف أن تحمي إسرائيل أولاً ومصالح الولايات المتحدة ثانياً، ثم تحمي نفسها إن استطاعت. المطلوب التطبيع مع تل أبيب واعتبارها شريكاً وحليفاً ضد عدو واحد. المطلوب صهر المجتمعات ضمن دين جديد سبق وتحدثنا عنه. المطلوب تمويل هذا الحلف من خزائن الخليج بداعي حمايته. والمطلوب أخيراً أن تكون دول الخليج ساحة حرب وشعبها وجيشها وقوداً إن اشتعلت النيران.

المقابل؛ عدم المساس بالعروش والكراسي مع بعض المساعدات الاقتصادية للمحتاجين في مصر والأردن. هذا على فرض أنّ الاقتصاد في الولايات المتحدة في وضع ممتاز. المقابل؛ إتمام عملية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير بموافقة تل أبيب. المقابل؛ أنظمة دفاع جوي حديثة. بعيداً عن الأخلاق والأخوة والعروبة والكرامة؛ هل كفتا المطلوب والمقابل متساويتان؟ إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 01 تموز 2022. الدكتور جميل م. شاهين. زيد م. هاشم.

اقرأ أيضاً: