آيس كريم إدلبي في سوتشي غداً

إدلب؛ آيس كريم إدلبي في سوتشي غداً. 28.09.2021. الأستاذ زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين.


احتلت تركيا مناطق ومدن من شمال سوريا على مرحلتين وقسمين؛ الأول كان شمال غرب البلاد، ريف اللاذقية وحماة وإدلب وريف حلب، لحماية الإرهابيين من جيش الإخوان المسلمين والتنظيمات التكفيرية والإرهابيين القادمين من عدة دول أهمهم الأيغور.
والقسم الثاني يتعلق بالملف الكردي وهذا تحدثنا عنه في المقالة السابقة، راجعوا على الرابط.

الخارطة العسكرية للشمال الغربي من سوريا

تتحدثُ وسائل إعلام عن أرقام كبيرة من الجيش التركي المتواجد في الشمال السوري، تصلُ أحياناً لعشرات الآلاف، وتدخلُ ضمن التهويل أكثر منه حقيقة. ما نراهُ في مركز فيريل للدراسات أنّ عدد أفراد الجيش التركي لم يتجاوز عشرة آلاف يتوزعون على عشرات النقاط والقواعد العسكرية، أكثر من 70 نقطة، مع مرابطة أعداد أخرى على الجانب التركي للحدود.
هناك سببان يجعلان تركيا لا تستقدم هذه الأعداد الكبيرة من جيشها، الأول هو حجم النفقات العسكرية التي تُرهق الخزينة في ظروف اقتصادية صعبة تمر بها أنقرة، والثاني وجود عشرات الآلاف من الإرهابيين المنضوين تحت لوائها، وهم رديفٌ قوي يتم تعزيزهُ عند الحاجة بتدخل الجيش التركي.

العتاد العسكري التركي يضم ما يزيد عن 7500 آلية عسكرية بما في ذلك ما زودت به الإرهابيين. منها مدفعيات تي آي 155 ويافوز، وراجمات صواريخ ورادارات. دبابات ألتاي وليوبارد2، عربات مصفحة هجومية كيربي. أنظمة تشويش وحرب إلكترونية. بالإضافة للعربات الطبية والإسعافية والمؤنة والنقل.
أنشأ الاحتلال التركي نقاطاً عسكرية من البيتون المسلح على طول الطريق الدولي حلب اللاذقية من قرية الترمبة في الريف الجنوبي الشرقي لإدلب إلى قرية عين الحور التابعة لمحافظة اللاذقية، مع النقاط الموجودة في ريف حلب وإدلب والرقة والحسكة
.


الأهداف التركية الواضحة


مَنْ يتجول في المناطق التي تحتلها تركيا يُدرك أنّ الجيش التركي دخل سوريا ليستوطن فيها، ولا شيء مؤقت… ما أنشأتهُ أنقرة هو درعٌ فولاذي حول إدلب خاصة لتحقيق عدة غايات يسعى إليها كلّ احتلال.
التتريك ثم ضم هذه المناطق إلى لواء اسكندرون المحتل، بشكل مشابه لشمال قبرص بعد توطين الإرهابيين الذين حصلوا على الجنسية التركية حديثاً، وهذا بحثناه أكثر من مرة.


بهذا الدرع الفولاذي، خلقت منطقة عازلة تحت وصايتها عبارة عن محمية عسكرية باحتلال مباشر، تحتوي على عشرات الآلاف من الإرهابيين المرتزقة من أصقاع الأرض.
من خلال الترويج لعودة اللاجئين السوريين لهذه المحمية وتنميتها، تحصلُ تركيا على دعم مادي وسياسي أوروبي.
خسرت تركيا السيطرة على طريق دمشق حلب، لهذا بات عليها الاحتفاظ وبقوة بالسيطرة على طريق حلب اللاذقية كورقة ضغط اقتصادي وسياسي.

دعم تركيا لجبهة النصرة الإرهابية وباقي التنظيمات المماثلة، وجعلها تأتمر بأمر المخابرات التركية، تضمنُ الحاجة إليها في أية تعاملات مع هذه المنظمات من قبل الولايات المتحدة وروسيا.


التوتر التركي الأميركي على أشده


في آخر زيارة لأردوغان إلى الولايات المتحدة، للمشاركة في اجتماعات الدورة السادسة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة، قوبل بجفاء من قبل القيادة الأمريكية. خوف أردوغان كان واضحاً قبل أن تطأ قدماه أرض نيويورك، فقد شحن سيارتين مصفحتين من موكبه الخاص إلى مطار جون كيندي،
من نوع
بطائرة شحن عسكرية تركية. Mercedes S600 Guard

ليخرج غاضباً مرتبكاً في المؤتمر الصحفي الذي عقدهُ الخميس 23 أيلول الحالي، وقبله خطابه في الأمم المتحدة: (المسار الحالي للعلاقات الأميركية التركية لا يُنبئُ بالخير… تُدخلُ واشنطن تدخل كميات كبيرة من السلاح إلى الإرهابيين وهذا لن نسكت عليه).
كما قال أن الأزمة السورية يجب أن لاتستمر لعشر سنوات قادمة دون حل، وأضاف أنّ تركيا لن تستطيع استقبال مزيد من اللاجئين وأن الجيش السوري يشكل خطر على الأمن القومي التركي في جنوب البلاد!

اجتماع 29 أيلول الأهم بين بوتين وأردوغان


دون شك، وضع أردوغان هو الأضعف منذ تسلمه السلطة في تركيا، علاقاته بالناتو في أسوأ أيامها. واشنطن غير راضية عنه وكذلك الأوروبيون. صفقة طائات إف خمسة وثلاثون ألغيت. دعم الإدراة الديموقراطية بزعامة جو بايدن للأكراد ازدادت. الاقتصاد التركي ومعه الليرة التركية في أدنى مستوى لها. فهل سيستغلُ بوتين هذا الضعف أم يستمرُ في “دلاله” لتركيا؟
ماطل أردوغان في تطبيق اتفاق سوتشي، فمن المفروض أن يكون طريق حلب اللاذقية منزوع السلاح على عمق عشرة كم على الجانبين. وأن يُفكك جبهة النصرة ويفصل المسلحين التابعين لتنظيم القاعدة عن غيرهم من باقي التنظيمات. وأن يراقب وقف إطلاق النار ويوقف الهجمات الإرهابية ضد الجيش السوري
.

هل تخلّت واشنطن عن أردوغان في إدلب؟


من الواضح أنّ واشنطن تخلّت عن أردوغان في إدلب، تماماً كما حدث عندما استعاد الجيش السوري طريق حلب دمشق.
السياسة الأميركية الجديدة ترتكزُ حالياً على تخفيف أعباء الحروب الخارجية وسحب جيوشها المنتشرة حول العالم، مع الإبقاء على نقاط وقواعد أساسية، وإدارة الدّفة من بعيد.


الوضع ينطبقُ على سوريا، لكنها قبل أن تنسحب يجب أن تضمن وجود عملاء لها في العملية السياسية القادمة بمشاركة الانفصاليين والإئتلاف ومنصات الرياض والقاهرة، وفق القرار ٢٢٥٤ وهذا ما لا تعارضه موسكو ولا دمشق، لكن ضمن شروط جديدة، فظروف الميدان تغيرت والمنتصر هو من يحصل على النصيب الأكبر. على فرض وجود منتصر طبعاً…


واشنطن تفضل نفوذاً أكبر لروسيا في سوريا على حساب الحضور الإيراني وهذا ما تريدهُ الدول العربية والأوروبية وإسرائيل على مبدأ الرمد أفضل من العمى. كما تحاول وضع “قفل مؤقت” للملف الكردي بتوافق بين قسد ودمشق ضمن شروط حل بوساطة روسية

بإهمالهِ وإهانته، تدفع واشنطن وأوروبا بأردوغان إلى حضن بوتين أكثر، لأنها تريد ترحيل القاعدة وأتباعها إلى أفغانستان، لمواجهة الصين وخلق حرب أهلية لا تنتهي هناك، ومنع قدوم المزيد من اللاجئين وبينهم آلاف الإرهابيين إلى أراضي الاتحاد الأوروبي. وهذا مطلبٌ روسي أيضاً بترحيل الإرهابيين إلى أفغانستان وتركهم يتصارعون هناك إلى ما لانهاية بعيداً عن مصالح موسكو في المنطقة.


أوروبا باتت تستعجلُ الحل السياسي في سوريا لضمان إعادة اللاجئين السوريين إما إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري أو إلى المناطق الآمنة التي تحتلها تركيا أو قسد.


فرصة ذهبية لروسيا وسوريا


العواصم العالمية الرئيسية سلّمت روسيا مفاتيح الحل في سوريا واعترفت بمصالحها هناك. إذاً؛ ظروف مواتية لروسيا هذه الفترة… يمكن لموسكو الضغط بقوة على أنقرة لتنفيذ بنود اتفاق سوتشي الميدانية وتفكيك النصرة بالتوافق مع واشنطن. كما ستستغلُ إقفال ملفات الصراع الأميركي “المؤقت” في الشرق الأوسط، لتثبيت نفوذها أكثر في سوريا. بالمقابل؛ تركيا تريد أيّ حلّ يزيحُ كابوس إنشاء دويلة عند حدودها الجنوبية تكون نواة توسّع مستقبلي، النفوذ الروسي يُلبي المطلب التركي والسوري بآن واحد.
رفع العقوبات عن سوريا بدأ دون شك لكن بوتيرة بطيئة، أوله كان الانفتاح العربي اقتصادياً والذي سيتوسعُ، وعلى موسكو استغلال فرصة انشغال واشنطن بحربها مع الصين لتعميق علاقاتها بالدول الخليجية خاصة، كونها تُرحّبُ بالوجود الروسي أكثر من الإيراني أو التركي.


التعامل مع روسيا بخصوص مناطق شمال وشمال غرب سوريا لتشكيل وعودة مؤسسات الدولة السورية، أسهل على تركيا من التعامل مع الانفصاليين المدعومين من الولايات المتحدة. لهذا نتوقعُ في مركز فيريل للدراسات أن يكون حلّ الخلاف السوري التركي على جدول اجتماع الغد.
تصريحات وزير خارجية أردوغان عن وجود تواصل أمني بخصوص ملفات الإرهاب واللاجئين، لم تأتِ من فراغ رغم نفي دمشق. والمرحلة القادمة ستؤكد ذلك.
نعم، أمام موسكو مرحلة ذهبية لاستغلال حالة “الصلح الجماعي” أو على الأقل التهدئة الحالية في الشرق الأوسط ليشمل دمشق مما سيقوي الموقف السوري تجاه تركيا ويضعف النفوذ الإيراني، فتزيدُ من نفوذها وتعزز مصالحها.

ختاماً


واشنطن تراقب ولا تُمانع، وهي ليست عاجزة عن خلط الأوراق بأية لحظة، وما يحدث هو بضوء أميركي أخضر ووفاق أميركي روسي. إنسحاب القوات الأجنبية من سوريا سيتم خطوة بخطوة، والوجود التركي سيكون ضمن اتفاقية أضنة “المُعدلة” ليصل لعمق ثلاثين كم، وهو ضروري لإشغال الداخل التركي المشتعل بمعارك خارجية محدودة بين فترة وأخرى.


المصالح التركية والسورية تلتقي في منع تمدد الانفصاليين وتحجيمهم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بفتح خطوط اقتصادية مع دول الخليج تمر بعيداً عن الشمال الشرقي السوري، فتحرم الانفصاليين هؤلاء من أية منفعة.


هل سينجح أردوغان بتحويل إدلب إلى “قطاع غزة” جديد؟ أم سيفشل. لاشك أنه حقق بعض النجاحات في سوريا واقتطاع مدن ومناطق بات أمراً واقعاً، جرابلس تشهد لمَنْ لا يريدُ أن يُصدّق.
أن تعود الأمور في سوريا عشر سنوات إلى الوراء أمر صعبٌ والحلول القادمة ستكون (الحلول الأقل سوءاً). وأيّ حديث عن انتصارات ساحقة وهزيمة الأعداء المُذلة هو تسويقٌ إعلامي لا أكثر، فالواقع يتكلم وأرواح الشهداء تصرخُ من تحت الركام.


تركيا ستطلبُ المزيد من الصواريخ الروسية، في خطوة تحدِّ واضحة للناتو وواشنطن، بينما بوتين ينتظرُ أردوغان وبيدهِ “قرنُ” آيس كريم بنكهات مختلفة، دعونا نرى ماذا سيُطعمهُ غداً… زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 28.09.2021. الدكتور جميل م. شاهين.