الجيش الأميركي لأول مرة في سوريا. د. جميل م. شاهين.

الجيش الأميركي لأول مرة في سوريا

والسعودية تُموّل العمليات العسكرية، فمَن سيمول صناعة الصناديق الخشبية؟!!




هي المرة الأولى التي تطأ فيها أقدام جنود الجيش الأميركي الأراضي السورية وبشكل علني، وقد سبق وتحدثنا عن وجود 2200 عنصر من القوات الأميركية في مناطق الجزيرة السورية وريف حلب، لكن واشنطن كانت تنكر ذلك. البارحة أعلنت هذه القوات أنّ جنوداً من الوحدة 11 لمشاة البحرية، نشرت بطارية هاوتزرز للمدفعية من عيار 155 ملم، في مواقع متقدمة، والهدف المزعوم هو دعم الهجوم على مدينة الرقة، وقتال داعش.

في الأسبوع الماضي أعلن البنتاغون نشر جنود أميركيين في محيط مدينة منبج، ودبابات وعربات مصفحة ترفع العلم الأميركي، والزعم هنا أنها لمنع الاحتكاك بين الجيش التركي وأتباعه من الإرهابيين، وبين ميليشيات قسد الانفصالية التي تدعمها واشنطن.

نشر الجيش الأميركي تطور خطير

لا يمكن لعاقل أن يُصدّقَ واشنطن، فنشر هذه القوات له أبعاد خطيرة، فهي تدعم ميليشيات انفصالية تحتل أراضٍ سورية، وتطمحُ لإقامة كيان عنصري، تُكرّسُ فيه واشنطن وجودها الدائم في سوريا عبر قواعد عسكرية أميركية يتم بناؤها. كما يأتي هذا التدخل الأميركي أيضاً حسب معلومات مركز فيريل للدراسات، تلبية لطلب مجرم الحرب John McCain والعضو الجمهوري تاجر السلاح  Lindsey Graham، وتلبية لمجمّع MIK  للصناعات العسكرية، حيثُ تكفّلت “الشقيقة” السعودية بتغطية نفقات هذا التدخل العسكري، بكل ترحاب!. ومتابعة لمعلوماتنا فإن عدد القوات الأميركية في سوريا ارتفع إلى 2600 جندي أميركي، وأكثر من 80 عربة مصفحة ودبابة، و15 مدفعية. المفروض أن تدخل القوات الأميركية مدينة منبج، لكن تحذيراً روسياً مباشراً جرى عبر اتصال بين الكرملين والبيت الأبيض، ورد فيه: “إنّ دخول الجيش الأميركي مدينة منبج سيضعهُ على خط تماس مع الجيش الروسي، واحتمال صدام عسكري أمر وارد، وهذا أمر خطير جداً…”. لهذا بقيت قوات واشنطن بعيدة إلى الشمال من المدينة.

كان الطلب الروسي أن تُسلّم ميليشيات قسد، الجيشَ السوري 20 قرية في منطقة الباب ومنبج، وتم الاتفاق على ذلك بعد اجتماع ثلاثي لقادة الأركان من روسيا وتركيا والولايات المتحدة في أنطاليا بتركيا.

هل ستكون الرقة برلين 1945؟

في الحرب العالمية الثانية جرى السباق على احتلال برلين، والواصل الأول إليها سيكون هو المنتصر، وفعلاً دخل الجيش الأحمر برلين في 2 أيار 1945، لكن الولايات المتحدة وحلفاؤها زحفوا من الغرب وتمّ تقاسم برلين وألمانيا بين المعسكرين الشرقي والغربي، وبدأت الحرب الباردة… فهل سيكون هذا مصير الرقة؟

حتى اللحظة؛ الجيش التركي وأتباعهُ ممنوعان أميركياً من المشاركة في الهجوم على الرقة، خاصة وأن أنقرة تعتبرُ ميليشيات قسد إرهابية… من الشمال هناك ميليشيات قسد والقوات الأميركية، ومن الجنوب والغرب يزحفُ الجيش السوري بقوة، ومن خلفه الروس والحلفاء،  وشتان بين الفريقين، فريق يريد طرد إرهابيين إلى أماكن أخرى واحتلال مدينة، وفريقٌ يريد قتل الإرهابيين وتحرير مدينته من الإرهابيين.

بالتأكيد ليس هناك توافق أميركي روسي حقيقي، إنما هي تفاهمات مرحلية شبه يومية، وهو ما جرى عام 1945 تماماً حول برلين. فوزير الدفاع الأميركي قالها علناً في بروكسل خلال اجتماع حلف الناتو في 15 شباط 2017: “الولايات المتحدة ليست مستعدة للتعاون عسكرياً مع روسيا ضد داعش”.!

خطط الهجوم على الرقة

  • الخطة التركية: تتضمن هجوماً من الشمال اعتباراً من تل أبيض، أو من منطقة جرابلس، بقيادة الجيش التركي وأتباعه من مسلحي “درع الفرات” مع قوات “سعودية”، علم مركز فيريل للدراسات بوصول بضعة مئات من مشاة الجيش السعودية لقاعدة أنجرليك قبل أيام. الخطة تمّ التحفظ عليها أميركياً لأنها تتضمن احتكاكاً عسكرياً مع ميلشيات كردية، كما أنها ستُحجّمُ دور الانفصاليين. تحفظت أيضاً روسيا على الخطة، بينما جاء الرفض من دمشق وطهران، فعلّقت حتى إشعار آخر.
  • خطة قسد: تتضمن الخطة دعماً جوياً وبرياً من الجيش الأميركي، لميليشيات قسد، وحصار المدينة من كافة الجهات، مع ترك منفذ جنوبي لهروب مقاتلي داعش باتجاه دير الزور، وباتجاه الجيش السوري لإشغاله عن الرقة. وهي عملية دعم حقيقية لداعش لاحتلال دير الزور، وهو ما أوردناه قبل أيام. /راجع الرابط/. الخطة هذه فشلت… والسبب بعد قليل.
  • تحرير تدمر يلوح في الأفق، لكن… ماذا عن دير الزور والرقة؟! خاصّ بمركز فيريل للدراسات. د. جميل م. شاهين

  • خطة واشنطن: تتضمن مشاركة ميليشيات قسد بشكل رئيسي، مع عدد محدود من مسلحي “درع الفرات” بإشراف وضمانة الجيش التركي، والجميع تحت قيادة أميركية.

هذه الخطط تمّ تقديمها للبيت الأبيض والبنتاغون، في كانون الثاني الماضي، والجميع استبعد مشاركة صاحب الأرض الجيش السوري، لأنهم توقعوا بأنه سيكون مشغولاً لشهور قادمة طويلة بمعارك ريف حلب الشرقي… وخابت توقعاتهم.

الجيش السوري يُفشِل كافة الخطط

طبعا علمت القيادة السورية بهذه الخطط، صمتت وكان ردّها على الأرض؛ وهو تحرير ريف حلب الشرقي وصولاً إلى شواطئ الفرات وبحيرة الأسد، وبهذا أفشلت خطة تركية عبر جرابلس، فقطعت الطريق عليها وعلى أتباعها، وبقي أمام أنقرة خطة تل أبيض، وهذه شبه مستحيلة، وإن حصلت فهي لصالح الجيش السوري.

وصول الجيش السوري لشواطئ الفرات الغربية ثم الجنوبية، وتحرير الخفسة وتل حافر الهام جداً، أفشل وسيفشل خطة قسد، وتحرير تدمر والبادية السورية وصولاً إلى دير الزور، سيجعل خبث قسد يعود وبالاً عليها…

تحرير الرقة عملية أكثر تعقيداً من تحرير حلب، من ناحية التوازنات الإقليمية والعسكرية، لكنها عسكرياً كمعركة، أقل صعوبة على الجيش السوري وحلفاؤه الأكثر خبرة من كافة الجيوش والميليشيات المتواجدة على الأرض. أمّا ميليشيات قسد، التي تتباهى بأنها تضم 30 ألف مقاتل “صنديد”، حتى إن قامت لوحدها بالهجوم على الرقة وبدعم أميركي، فهذا أمر لصالح الجيش السوري، وسنكشفهُ في وقته.  

المعركة ليست سهلة، وداعش لن يُسلّم معقله الأخير ببساطة. والجيش الأميركي الذي وطئ تراب سوريا وأتباعه من انفصاليين وخونة وعربان وعثمانيين، عليهم أن يعودوا لتاريخ 23 تشرين الأول 1983، وفي بيروت تحديداً وليسأل دونالد ترامب عِظام رونالد ريغن عما جرى يومها… عسى أن يفهم ويُفهِم… ولن يفهم إلا عندما يرى صناديق خشبية تحملها طائرات أميركية، والوجهة… واشنطن…

الكاتب: الدكتور جميل م. شاهين 09.03.2017

مركز فيريل للدراسات ـ برلين