العَلَم السوري للمسلمين والمسيحيين. بقلم المهندس باسل قس نصر الله

العَلَم السوري للمسلمين والمسيحيين. بقلم المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي سوريا

كانت العشرات من الجثامين المُسجاة داخل توابيتها والمتراصفة جنباً الى جنب يلفّها العلم السوري. إنّها مرحلة وداع الأحبّة بحزن، بينما تُعطّرُ الأجواءَ رائحةُ الفخر والاعتزاز، التي تفوحُ من عيون ذوي الشهداء.

أسماء الشهداء تنوعت بين محمد وجورج وعلي وانترانيك وسلمان وغيرها، كما تنوعت أيضاً مظاهر أهالي الشهداء بين من يلبس طقماً ومن يلبس دشداشة أو مشلح وعباءة أو سروالاً من الجينز، وتباينت لهجاتهم بين ابن الجزيرة السورية والدير والساحل والدمشقي وابن حوران وجبل العرب والحلبي والحموي والحمصي… لكن ما يجمع تلك التوابيت هو شيء واحد، واحدٌ فقط…

العلم السوري الذي يلفهم جميعاً.

إنهُ رايةٌ واحدة بنفس الألوان ونفس الأشكال. رايةٌ طالما وقفنا لها صغاراً خلال تأدية تحية العلم في المدرسة، وللأسف كنا لا نعطيها حق قدرها، لأننا لم نفهم الوطن.

لفّ العلم السوري كافة التوابيت، مسيحيين ومسلمين على اختلاف فئاتهم وتقسيماتهم التي أعطت ألواناً متعددة في حقل زهور واسع اسمهُ… سوريا.

اليوم تأكدتُ أن نسبتنا العددية لا تهم…

اليوم عرفتُ أنني سأكون أنا المسيحي بخير عندما يكون أخي المسلم بخير…

اليوم فقط فهمت لماذا يُدفن الشهيد ملفوفاً بعلم بلده؛ عندما سينهال التراب عليه سيصبح كحبة الحنطة في الأرض، ويُنبت هذا السوري الشهيد آلافاً من الشهداء والمواطنين الذين سيلوّنون الوطن بأكثر من الألوان المعروفة، ولن يقولوا نحن ننتمي الى المسيحية أو إلى الإسلام أو إلى غيرها.

عندما كنتُ طفلاً لم أفهم ذلك، وكنتُ أعتقد أنه من باب العرفان بالجميل لفّهم بعلم الوطن. اليوم أدركتُ أنه فعلاً “الدين لله والوطن للجميع” والشهداء عندما يذوبون في الأرض فإنهم يوحدون الله…

عندما أطلق ملك سوريا فيصل الأول (بعد الاستقلال عن تركيا وقبل الاستعمار الفرنسي بين تشرين الاول 1918 وتموز 1920) من حلب كلمته المشهورة “الدين لله والوطن للجميع”، كان ربع سكان حلب من المسيحيين، واليوم ينتابني الحزن العميق عندما أصبحنا لا نشكل هذه النسبة، بل نبتعد كثيراً عنها، ولكنني أصبحت مؤمناً أنّ السوريين فقط هم مسلمون ومسيحيّون بآن واحد. وحدت دماء شهادئنا الذين ارتفعوا إلى سماء الخلود خلال هذه الأزمة، والمغلفة بالعلم السوري، كافة الطوائف والمذاهب والملل.

نعم، شهداؤنا دافعوا عن سوريا، التي طالما دافعت عن المستضعفين.

اليوم شهداؤنا يعلِّموننا أنهم توحَّدوا في التربة، وأنه علينا أن نتوحد فوق الأرض.

علينا أن نختار لمستقبلنا الكفاءة بمعزل عن الطائفة والولاء والانتماء، و “مَن لا يستطيع أن يدافع عن الوطن بكفاءة، يجب أن يذهب” وهي من كلمات الرئيس حافظ الأسد خلال استقباله الزعيم السوفياتي ليونيد بريجينيف عام 1974.

أخيراً بعد هذه العُجالة من الأفكار، نحن الذين تحمّلنا ما أصاب سوريا وأصابنا. مُنعت عنّا الكهرباء والماء والطعام لسنوات، شبابنا هاجروا، طلاب جامعاتنا ناموا في المساجد والحدائق العامة بعد أن تقطّت بهم السبل للوصول إلى بيوتهم، عانينا من ضيق ذات اليد أمام وحش الغلاء، تحمّلنا القذائف والتفجيرات، وأصبحنا كلنا خبراء عسكريين نعرف نوع القذيفة وأسماء القنابل من الفيل إلى البرميل إلى أنواع الرشاشات والدوشكا وحتى عيارها.

في ثمانينات القرن الماضي سمعتُ، وفي إذاعة الكتائب اللبنانية، أنه “لولا سوريا، لكنّا كَفَرنا بالعرب والعروبة والعربان”. بعد هذا فإننا والله كدنا أن نكفرَ بالعرب والعروبة والعربان اللهم اشهد أني بلغت. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي سوريا