القوتان المتضادتان (الإلحاد والأرثوذكسية) الكاتبة والباحثة: سارة عيسى. بحثٌ لمركز فيريل للدراسات ـ برلين. 05.12.2016

عدد القراءات 361590 بوادر الانشقاق في الكنيسة الأرثوذكسية، حيث قررت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إنهاء مشاركتها في الهيئات التابعة لبطريركية القسطنطينية المسكونية.  السبب؛ قيام الأخيرة بمنح صفة كنيسة محلية مستقلة للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية كييف، وهي عبارة عن كنيسة منشقة من الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو. طبعاً الغرب وراء انشقاق كييف وبالتالي محاولة شق الأرثوذكسيين.

هو العداء الأزلي بين الإلحاد، الذي تسعى إليه كواليس أوروبا والولايات المتحدة، وبين الأرثوذكسيين. إلى التفاصيل.

الجزء الثالث

تابعوا الأجزاء السابقة.





نناقش في هذا الجزء علاقة الإلحاد بالماسونية، والماسونية كما نؤكد دائماً هي تعبير مجازي أحياناً أكثر منها منظمة قائمة بذاتها، نرجو الانتباه. ونلفتُ الانتباه إلى أننا لا نتهمُ الملحدين كأفراد بعلاقتهم بالماسونية، بل سنوضحُ كيف استغلت الماسونية الإلحاد لصالحها، حيث مما لا نشك فيه أنّ هدف الماسونية الأساسي هو تأسيسُ “حكومة عالمية مُسيطرة، أساسها النظام المالي ودينها الإلحاد“.

سيرة حياة كارل ماركس كانت مُخزية

بتتبعنا لتاريخ كارل هنريك ماركس، وجدنا أنّهُ تاريخ مليء بالتناقضات وعلامات الاستفهام الكبيرة. وُلِدَ كارل من عائلة يهودية في الحي اليهودي بمدينة Trier الألمانية، جدّهُ الحاخام اليهودي (مردخاي) من اللاويين. بدأ حياته بالتهرّب من الخدمة الالزامية في بلده الأصلي ألمانيا بادعائه المرض، ثم قام بإثارة القلاقل والمشاجرات في جامعة بون ضد أعضاء جماعة بروسيا الطلابية، فنُفي كارل ماركس من ألمانيا، ثم من فرنسا بسبب أفكاره وتطرفه، ليستقر في بريطانيا. أمّا زواجه من جيني فون فيست فالين، البارونة ابنة الارستقراطي البروسي لودفيغ، فقد كان يُناقضُ كل أفكاره حول الشيوعية، وهو الذي يدّعي أنه المدافع الأول عن الطبقة الكادحة، فكيفَ يتزوج من ابنة ارستقراطي! استخدم أسماءً وهمية عند استئجار الشقق السكنية حتى في بريطانيا، التي وصلها فقيراً، لكن عندما توفي كانت ثروته 5 مليون دولار قبل 131 عاماً! وهو أبو الفقراء.

ملاحظات حول الإلحاد كمُلازم دائم للشيوعية

لم تنتشر الشيوعية في أوروبا، والأصح مُنِعَ نشرها لصالح تيار النازية المناقض لها، لكنها طُبّقت مع النظرية الإلحادية بقوة في روسيا ودول أوروبا الشرقية الأرثوذكسية، وكان أشدّ الفاعلين بالثورة البلشفية هم يهود روسيا، الذين أصبحوا أعضاء في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بعد 1917. كان عدد اليهود في الاتحاد السوفيتي يشكل 1 إلى 2% من عدد السكان الأصلي، بينما كان عددهم في هذه اللجنة، 10 أضعاف نسبتهم كمواطنين يهود في الاتحاد السوفيتي. وقد نشرت صحيفة هآريتس الإسرائيلية عن لينين: “اسمهُ فلاديمير ألتيش بوليانوف، يهودي الأصل من اليهود الوافدين على روسيا القيصرية، والدته ماريا الكسندر، ألمانية يهودية.”. وكلنا يعرف دور لينين في كشف وعد بلفور بطريقة ذكية، وذلك لصالح تأسيس دولة إسرائيل وليس ضدها، لتكون الشيوعية الإلحادية /الاتحاد السوفيتي/، أول دولة تعترف بإسرائيل كدولة دينية، وهي التي لا تؤمن بالدين أصلاً، اعترفت حتى قبل الولايات المتحدة، بينما كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل!

حرب الشيوعية الإلحادية الدموية على الكنيسة الأرثوذكسية

كان الإلحاد المتشدد مركز إيديلوجية الحزب الشيوعي السوفييتي، وكان الملحدون هم المواطنون المفضّلون على أصحاب الأديان، ورغم أنّ الدستور الشيوعي ينصّ على حرية الاعتقاد، إلا أنّ الحرب على الدّين ابتدأها لينين بشكل صريح بالحرب فقط على الكنيسة الأرثوذكسية، بالمرسوم الذي أصدره في كانون الثاني 1918 والقاضي بفصل الكنيسة عن الدولة، وحرمان هذه الكنيسة من مكانتها كجهة اعتبارية، ومنعها من التملك وتعليم الدين في المدارس العامة والخاصّة. ولم يقم لينين وأتباعهُ بمحاربة الإسلام أو اليهودية! عارضت الكنيسة إجراءات الاستيلاء على ممتلكاتها من الأراضي والعقارات والذهب والأموال، فاعتقل بطريرك روسيا عام 1922 وتعرّض للتعذيب.

حاولت الدولة الشيوعية عمل انشقاق ضمن الكنيسة، فدعمت حركة  Renovationists، وقررت اللجنة المركزية الشيوعية توزيع ممتلكات الكنيسة، ليأتي يفغيني توتشكوف Yevgeny Tuchkov، رئيس مكتب محاربة الأديان في الشرطة السرية السوفيتية ОГПУ (OGPU)، فاعتقل عشرات المطارنة والأساقفة وأعدمهم رمياً بالرصاص، وبلغ عددهم 78 مطراناً وأسقفاً، بدعوى رفضهم تسليم ممتلكات الكنيسة للدولة! بينما جاءت الدراسات الحالية لتشير إلى إعدام 1343 أسقفاً ومطراناً خلال سنوات الثورة الشيوعية الإلحادية الخمس الأولى فقط! ثم تتابعت التدابير القانونية والأمنية الدموية التي تم تصميمها لعرقلة الأنشطة الدينية، بالإضافة للدعاية المناهضة للدين، ومناهج التعليم، لمحو المسيحيةَ الأرثوذكسية بشكل نهائي، وأغلقت الكنائس وحولتها بعضها لمبان حكومية، فتناقص عددها من 29584 إلى 491 كنيسة فقط في كافة أرجاء الاتحاد السوفيتي!.




بعد تأسيس حلف الملحدين المتشددين LMG بإشراف Yemelyan Yaroslvsky، واسمهُ الحقيقي Minei Izrailevich Gubelman، /لاحظوا اسمه/، وهو يهودي متطرف وعضو لجنة السوفيت الأعلى المكون من عشرة أعضاء، فبلغت الحملة ذروتها تحت إشرافهِ الشخصي على محاربة الأرثوذكسية، فأصبح الذهاب إلى الكنيسة “جريمة”، واعتقال أي شخص يؤمن بالمسيحية يتم وببساطة بتهمة “التجسس”.

ثم جاء جوزيف ستالين فأعلنها صراحة عبر “الخطط الخمسية للإلحاد“، وكلف تحالف LMG القضاء تماماً على الدّين في الاتحاد السوفيتي. هذا العنف الدموي ضدّ الكنيسة امتد ليشمل كافة دول حلف وارسو الشيوعية ومعظمها دولٌ أرثوذكسية. كذلك حاربت الإلحادية الشيوعية، ولكن بشكل غير دموي، الصوفيةَ الإسلامية والجناح الإسلامي المعتدل، بينما تغاضت عن الإسلام المتطرف كما في القوقاز. وهكذا نرى:

“يتمّ نشرُ الإلحاد أو الدّين بالسيف، عندما تعتمدهُ الدولة منهجاً لها”.

بعد تأسيس النازية في ألمانيا من خلال أفكار برفيسور العلوم الجيوسياسية في جامعة فرانكفورت “كارل ريتر”، المناقضة لأفكار الشيوعية الإلحادية، جعلت الماسونيةُ هاتين القوتين تتحاربان، فتمّ القضاء على النازية أولاً، ثم على الشيوعية لاحقاً. تمهيداً لتأسيس النظام العالمي الجديد.

السؤال المهم:

“لماذا لم تهاجم الإلحادية العالمية الدين اليهودي؟”.

والسؤال الأهم:

“استطاعت الإلحادية الشيوعية دخول أكبر دولة أرثوذكسية في العالم، والقيام بثورة قلبت نظام الحكم رأساً على عقب، فلماذا لم تستطع دخول الدول الإسلامية المتطرفة الصغيرة، مقارنة بروسيا القيصيرية المترامية الأطراف، كالسعودية وباكستان وتركيا، ودول الخليج؟!”.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومعه نظرية الإلحاد، عادت الأرثوذكسية إلى قلب الكرملين، وهذا ما أزعج الماسونيين، وجعل جهود عشرات الأعوام تذهبُ هباءً، لهذا نرى أحد أسباب الهجوم على روسيا حالياً، وعلى شخص فلاديمير بوتين تحديداً. بوتين الذي افتتح أكبر مسجد للمسلمين في موسكو، وتحالف مع الرئيس قاديروف المتصوف في الشيشان، وحارب الإسلام المتطرف، لكنّ بوتين أعاد للأرثوذكسيين جزءاً مما سلبه الشيوعيون الملحدون.

الأمر نفسهُ ينطبق على الصين الشيوعية في محاربة الدّين، كونها أكبر بلد مُلحد في العالم، لكنها حاربت كافة الأديان دون استثناء.

بالمقابل؛ كُبِحَ الإلحاد في الولايات المتحدة ومُنِعَ انتشاره منذ تأسيسها، فنسبة التديّن فيها هي الأعلى في البلدان المتطورة، علماً أنّ حرية الاعتقاد مسموح بها، ويلقى الإلحاد ترويجاً إعلامياً كبيراً في العقود الأخيرة، لكنّ انتشاره يبقى محدوداً، بينما أكثر انتشاراً في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة اعتباراً من القرن السابع عشر، رغم وجود الكثير من الأحزاب المسيحية التي تلعبُ دوراً كبيراً في العملية السياسية في كافة الدول الأوروبية، ووجود الفاتيكان وكنيسته ذات القدسية الكبيرة لدى الكاثوليك في العالم من الناحية الروحية.




الإلحاد في الدول العربية

كما ذكرنا؛ لا يعتبر الإلحاد ديناً، فلا قوانين ولا شرائع تحكم الملحدين، وهناك محاولات كثيرة لجمعهم في منظمات شبه دولية. رغم عدم الاعتراف الرسمي بذلك، فقد بدأ الإلحاد بالانتشار بين الشباب العربي لعدة أسباب، نذكر منها:

  1. حالة الضياع التي يعيشها معظم الشباب في البلدان العربية، نتيجة عدم الاستقرار الأمني والحروب الداخلية، والديكتاتورية السياسية والأمنية والدينية، فضاعت معها آماله وطموحاته، وعاش الشباب في فراغ وبطالة.

  2. التشدد والراديكالية الدينية الإسلامية، التي فرضت عليهم بالقوة الواجبات الدينية، سواء بشكل مباشر عبر رجال الدين والأهل وهيئات الأمر بالمعروف، أو غير مباشر عبر آلاف القنوات الدينية الفضائية، بحيث أصبح الدّين وحدهُ يحتل معظم حياة الشاب ولا شيء غيرهُ، وكل ما يواجهه في حياته اليومية، يجب أن يُفسّر ويُردّ لآيات أو أحاديثَ دينية، حتى وإن كان هذا الأمر متعلّق بالتكنولوجيا أو علم الفضاء. مما أصاب العقل العربي الشاب بالتصحر الفكري والعقلي، فأصبحت كل قواه العقلية مشلولة. هنا أخذ بعض الشباب يثور على هذه الاحتكارية، ويبحث عن مخرج من هذا التصحر.

  3. الانفتاح على الأديان والثقافات العالمية، نتيجة التطور الهائل وتمكّن الشباب العربي من الوصول إلى معلوماتٍ كانت ممنوعة عليهم سابقاً، فأخذ البعض يبحث عن أصول الأديان، ويقارن بين قديمها وحديثها، ويستنتج. فرأى بعضهم أن الأديان أخذت من بعضها بطريقة واضحة أو خفية، وأن هذا يعني أنّ الدين من صنع الإنسان وليس من الله كما أخبرهم أسلافهم.

  4. تأثير تيارات فكرية ملحدة على الشباب العربي، فقد انتشرت ظاهرة الإلحاد بشكل كبير لدى المقيمين منهم في البلدان الغربية، نتيجة حرية الاعتقاد وتأثرهم بأفكار الغربيين من الشباب خاصّة. ويمكننا القول ببساطة:

  5. “هناك شيء أسميناه في مركز فيريل للدراسات “موضة الإلحاد“، فيرى الشاب العربي نفسهُ أكثر حضارة ورقياً، أو موديرن، عندما يدّعي أنه لا يؤمن بالله أو بأي دين. وهي نوع من التقليد الأعمى للغرب.”. الدكتور جميل م. شاهين. الكاتبة والباحثة: سارة عيسى. بحثٌ لمركز فيريل للدراسات ـ برلين. الجزء الثالث

هل تسير الأديان نحو الانقراض؟ بحثٌ لمركز فيريل للدراسات ـ برلين الجزء الأول

وَرَثة الإلحاد. بحثٌ لمركز فيريل للدراسات ـ برلين