مشروع جو بايدن في سوريا. الجزء الأول. زيد م. هاشم

مشروع جو بايدن في سوريا. الجزء الأول. زيد م. هاشم. إدراة التحرير. مركز فيريل للدراسات. Firil Center For Studies

يتصارع الديموقراطيّون والجمهوريون على منصب رئيس الولايات المتحدة أو على الأغلبية في مجلس الشيوخ والنواب، كما يختلفان في طريقة قيادتهم للدولة العظمى وسياساتهم الداخلية والخارجية إلى حدّ ما. يحتكران الحكم والسلطة بشكل متناوب دون وجود حزب ثالث منافس، لكن عندما يتعلّق الأمر بالأمن القومي أو الحدّ من هيمنة واشنطن على العالم، يتفقان دون تردد.

لهذا فالقرارات الرئيسية لا تقوم بناءً على السياسة الداخلية للحزب الحاكم، ولا يمكن القول أنّ الديموقراطيين أو الجمهوريين هم الذين يحكمون، إنما الذي يحكم هي مصالح الذين أوصلوا الرئيس إلى البيت الأبيض، فنرى قراراتٍ لرئيس جمهوري تتماشى مع أهداف الديموقراطيين والعكس صحيح.

جو بايدن والأكراد

يعتبر جو بايدن الأكراد أدواتٍ ومعبراً مهماً لتمرير سياسته في الشرق الأوسط، ويتفقُ بذلك مع ترامب الجمهوري لكنه يمضي أبعد منه في العمل على تحقيق طموحاتهم… فخلال السنوات الماضية أبدى تعاطفهُ وتأييده للقوى السياسية الكردية، خاصة العراقية، بل كان أكثر أعضاء الحزب الديموقراطي، عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، تعاطفاً وتأييداً لهم ثم عندما أصبحَ نائباً لأوباما.

كانون الأول 2002، زار السيناتور الديمقراطي جون بايدن برفقة زميله السيناتور الجمهوري عن ولاية نبراسكا تشاك هيغل شمال العراق، ووجه كلمة للأكراد في منطقة أربيل العراقية قائلاً: (الجبال ليست صديقكم الوحيد) متعهداً بتقديم دعم واشنطن الكامل لهم.

عام 2006 نشرت صحيفة نيويورك تايمز لبايدن مقالة إفتتاحية بعنوان “استراتيجية الخروج” اقترح فيها حكماً لا مركزياً في العراق، قال حرفياً: (إن فكرة الحكم اللامركزي في العراق تشبه نظيرتها في البوسنة، ضمن عراق موحد من خلال اللامركزية، وهذا سيمنحُ كل مجموعة دينية عرقية من الأكراد والعرب السنّة والعرب الشيعة، المجال لإدارة شؤونهم، في حين تتولّى الحكومة المركزية إدارة المصالح المشتركة).

بتاريخ 7 كانون الأول 2006، عارضَ بايدن توصيات صادرة عن “مجموعة دراسة العراق” المُشكلة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري والتي تنصّ على حكومة مركزية في العراق، نتائج أعمال بايدن تظهر الآن في العراق بتطوّر فكرة اللامركزية إلى حكم ذاتي وما يشبه كنتونات متعددة الولاءات، وما سيتلوهُ هو التقسيم، فهل سيُطبّقُ هذا في سوريا؟.

ارتبطَ بعلاقة قوية مع مسعود بارزاني وحكومة الإقليم، فاستضافه وأوباما في البيت الأبيض عام 2015. وخلال رحلة بايدن إلى سويسرا كنائب للرئيس، أشار إليه بارزاني بأنه “صديق للأمة الكردستانية”، حيثُ التقيا في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي 17 كانون الثاني 2017 وتناقشا حول مصير الأكراد شمال العراق وسوريا.

ستسعى إدارة جو بايدن لحكم لا مركزي في سوريا وإنشاء كيان إنفصالي، يشابه شمال العراق

مؤشرات التصعيد الأمريكي شرقي الفرات

ضمن الأسئلة الواردة لمركز فيريل للدراسات كان عن أسباب نشاط داعش الأخير وتحركاتها ضد الجيش السوري. لا يمكن فصل ذلك عن تحركات الجيش الأميركي والميليشيات الإنفصالية التابعة للمحتل، وهما المتهمان الرئيسيان بذلك حتى قبل داعش. فبالإضافة لمسرحية فرار العشرات من سجون ومخيمات اعتقال للميليشيات الإنفصالية خاصة سجن الحسكة المركزي، في أيار ثم تموز ثم أيلول 2020، سمحت بعودة عشرات العائلات من مخيم الهول شرقي الحسكة ومعهم 112 إرهابياً من داعش أطلقت سراحهم ضمن شروط… ما هي هذه الشروط؟

يترافقُ تحرّك داعش هذا مع نشر الولايات المتحدة مؤخراً أسلحة عسكرية متطورة في شرقي الفرات، منها 3 أنظمة رادار في مناطق عين العرب وتل بيدر وصرين، قبلها نشرت 13 نظام رادار ثابت ومتحرك لمراقبة واستكشاف أية تحركات عسكرية عندما انسحبت بعض قواتها، وأكدنا يومها أنه انسحابٌ في المكان ليس أكثر.

كانون الأول 2020 أي منذ أقل من شهر، أدخلت واشنطن من العراق إلى شرقي سوريا 60 عربة قتال من نوعM2/M3 Bradley ، ومعها صواريخ متوسطة المدى. وصواريخ مضادة للدروع والدبابات ومضادات دفاع جوي منها صواريخ Spike من إنتاج مؤسسة رافائيل للأنظمة القتالية الإسرائيلية، وصواريخ مضادة للطائرات من نوع  FIM-92 Stingerأرض جو مضاد للطائرات. زودت بها قواتها وجيش الإنفصاليين.

الأهداف الأميركية القادمة شرقي سوريا

الهدف المباشر للاحتلال الأميركي لشرقي سوريا هو تمريرُ مشروعٍ سياسي يُحققُ مصالح واشنطن وتل أبيب بآن واحد، من خلال حكم ذاتي أو لامركزي. أما الهدف الأبعد فهو انفصال هذا الجزء عن سوريا بشكل كامل مستقبلاً ليتحد مع شمال العراق، لهذا قلنا منذ سنوات ونكرر؛ أيّ تغيير في نظام الحكم المركزي إلى فيدرالي أو حكم ذاتي يعني التقسيم.

دعم الإنفصاليين بمختلف مسمياتهم، عسكرياً اقتصادياً وسياسياً هو ما جرى ويجري. وقد اقتربوا من تشكيل جيش انفصالي مسلح كامل مدعوم من واشنطن وتل أبيب.

الدعم الإقتصادي لتلك المناطق من قِبَل واشنطن، والذي أيضاً قلنا عنه في مركز فيريل للدراسات سيحدثُ لأهداف أبعد وهي خلقُ فارق معيشي بين الأجزاء التي يسيطر عليها الجيش السوري والتي يحتلها الإنفصاليون، الدعم يأتي عبر بيع البترول والغاز المنهوب والمحاصيل الزراعية إلى دول أخرى بما في ذلك تركيا وإسرائيل وبأسعار منافسة. يُصرفُ جزء من هذه الأموال في الخدمات العامة وتأمين المواد الأساسية بسعر أخفض من باقي المناطق، هنا يكتسبُ الإنفصاليون تعاطفَ السوريين هناك حتى الذين يرفضون أي انفصال، لتتم المقارنة دائماً بين وضع مَن يرزحُ تحت الاحتلال بمن يعيش في المحافظات الأخرى تحت سيطرة الدولة السورية.

مشروع جو بايدن في سوريا

التقى مركز فيريل للدراسات في جولة له بمحافظة الحسكة بعدد من السوريين وسألهم عن الموضوع فكانت معظم الإجابات تتمحور حول: (لسنا مع أيّ انفصال ولا نستسيغ وحدات حماية الشعب أو قسد أو الأسايش، لكننا نريدُ أن نعيش ونُطعم أولادنا). آخرون قارنوا بين الأسعار وتوفر المواد هنا وهناك، وهذا ما أراد الانفصاليون الوصول إليه.

إذاً؛ تُخطط واشنطن أن تُصبح منطقة شرق الفرات قاعدة دائمة للناتو بشكل مشابه لشمال العراق.

بعد الاغتيالات والتصفيات التي طالت شيوخ عشائر يُعارضون التواجد الأميركي وأتباعهُ، عادت واشنطن لإجراء لقاءات مع زعماء العشائر المنتمين لصفوف المعارضة السورية خاصة في محافظة دير الزور، بما في ذلك التابعين لأردوغان، وتعملُ بشكل دؤوب لتحقيق نوع من المصالحة مع الأكراد، وتسليمهم مناصب قيادية ضمن الجيش الانفصالي لمنع أية مواجهة بين الطرفين، وهو إجراء لمحاولة إختراق التحالف بين سوريا وإيران وروسيا.

تعمل واشنطن بشكل ناشط على توزيع الأدوار والمناصب بين العشائر وميليشيات قسد لتخفيف التوتر ومنع الصدام بينهما، وكسب تأييدهم في الخطوة السياسية القادمة

من جانب آخر، تسعى لحل الخلاف بين المجلس الوطني الكردي وقسد، ومع المعارضة السورية التابعة لتركيا، لتشكيل كتلة كردية سياسية وعسكرية مسيطرة على شرق الفرات ومدعومة غربياً لتكون ذات حضور مؤثر في مستقبل الحل السياسي السوري، وقد أشرنا لذلك سابقاً، فمنذ عدة سنوات يسعى المجلس الوطني الكردي التابع للبرزاني والمقرب من تركيا، لتبديد الخلاف التركي الأميركي وتقديم التطمينات لأنقرة.

إن نجحت واشنطن في خطوتها هذه، ستصبحُ معظمُ القوى والأحزاب الكردية تحت سيطرتها، وهذه أحد أهداف بايدن وإدراته القادمة. وهكذا يكتملُ مشروعها شرق الفرات عسكريا واقتصاديا واجتماعيا وخدميا ومعيشيا، ويتم زجّ الأكراد ضمن العملية السياسية من خلال مشروع حكم ذاتي أو حكم لا مركزي بترتيب خاص أو فيدرالية.

إن حصل هذا، سيتم قطعُ أوصال سوريا، ليس هذا فقط، ستُقطعُ الحدود العراقية السورية في الشرق ومنطقة التنف، وهو ما سيؤثر على العراق أيضاً. وستكون سيطرة دمشق على تلك المناطق شكلية حتى لو انتهت الحرب، ويتوسع الفارق المعيشي بنهب خيرات الجزيرة السورية وبترول وغاز دير الزور.  التأثير سيصل إلى طهران حيث ستكون تلك المناطق بؤرة ونقطة بدء ضدها.

ستقوم إدارة بايدن بتحريك الملف الكيماوي وملفات جرائم الحرب في سوريا كلما احتاجت للضغط على دمشق، مع عقوبات بين مدّ وجزر.

قد لا يكون بايدن ووريثته كامالا هاريس هجوميان في تعاملهما كترامب، لكنهما أكثر خبثاً ونسخة مطوّرة عن أوباما وهيلاري كلينتون. سيستخدم داعش والانفصاليين وجيش الإخوان المسلمين التابع لتركيا، لتعميق نفوذه شرقي سوريا. سيزيد الحصار ويُشدد العقوبات، ويُعيد فتح ملف السلاح الكيماوي وجرائم الحرب كلما احتاج. سيُهادن أردوغان ويُطمئنه كلما ثار، وكذلك سيفعل مع إيران سيعود للاتفاق النووي معها.

من المعروف أنّ الذي صنعَ المنظمات الإر… الإسلا… هم الديموقراطيون، وهم أهم داعمي تنظيم الإخوان. لهذا سيدعم بايدن هؤلاء في سوريا ومعهم التيار الديني بالعلن والخفاء.

السؤال الأهم؛ ما الذي يمكن أن تفعلهُ سوريا وروسيا وايران وتركيا للردّ على المخطط الأمريكي في شرق الفرات؟ لا يمكن البحث في ذلك هنا كي لا نُطيلَ عليكم… معذرةً. زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. د. جميل م. شاهين. 13.01.2021