تحرير الغوطة جاء لإحباط هجوم إرهابيّ كبير على دمشق زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات

 

دخلت الأزمة السورية واحدة من أهم لحظاتها، بعد قرابة الثماني سنوات من الحرب الطاحنة التي تخوضها سوريا بدعم من حلفائها، ضد الإرهاب التكفيري الوهابي المدعوم إقليميا وعالمياً، بحربِ وكالة وكسر عظم لم يشهد لها مثيل من قبل.

حققت القيادة السياسية الوطنية والعسكرية والأمنية في سوريا، إنجازاتٍ كبيرة نوعية في الميدان الحربي تجلى في تنظيف وسط وغرب سوريا مع البادية من إرهاب داعش والقاعدة والحر، وتم فتح منفىً داخلي للجماعات الإرهابية في إدلب وجعلها سجناً كبيراً لهم.

مؤخراً؛ حرّر الجيش العربي السوري أغلب ريف حلب الجنوبي وريف إدلب الشرقي حتى مطار أبو الظهور، وهنا توقفت العملية العسكرية مؤقتاً، بناءاً على أتفاق الأستانا بين سوريا وتركيا بضمان روسيا وإيران. بعدها تم تحرير الجيب الداعشي بسرعة كبيرة هناك.

أهمية تحرير الغوطة الشرقية

فيما بعد، توجهت حشود عسكرية ضخمة للجيش السوري  نحو جبهة الغوطة الشرقية الحيوية والهامة للأسباب التالية:

  1. ملاصقتها الجغرافية لدمشق، وهذه تُشكلُ خطراً كبيراً، وبؤرة استنزاف عسكري وأمني بخاصرة العاصمة.
  2. الغوطة الشرقية وكر يختبئ فيه آلاف المسلحين التكفيريين وأهم التنظيمات الإجرامية المسلحة، ويقدر مركز فيريل وجود بين 20 و25 ألف مسلح، بينهم 8000 مسلح بتدريب جيد.
  3. يمتد عمق هذه الجبهة اللوجستي الميداني إلى الصحراء الشامية شرقاً، باتجاه التنف إلى حدود العراق وجنوبا عبر البادية إلى حدود الأردن عبر السويداء ودرعا.
  4. إرهابيو الغوطة الشرقية هم المسؤولون عن قتل آلاف المدنيين في دمشق، بقصفهم بالهاون أو بتفخيخ السيارات. سبق ونشرنا في مركز فيريل أنّ عدد الضحايا المدنيين في دمشق نتيجة تلك القذائف هو 11 ألف شهيد.

السبب المباشر لتحرّك الجيش السوري هو وحسب معلومات مؤكدة لمركز فيريل للدراسات، لإحباط هجوم عسكري كبير تُخطط له واشنطن ولندن والرياض وعمّان، باستقدام عدة آلاف من الإرهابيين من قاعدة التنف، وقد قدرهم مركز فيريل سابقاً بـ 3500 إرهابي مدربين بشكل جيد على يد المخابرات العسكرية الأميركية والأردنية والبريطانية، بكامل عتادهم الثقيل وتحت حماية طيران تحالف واشنطن، ليندمجوا مع إرهابيي الغوطة… ويشنوا هجوماً كبيراً على دمشق، تماماً كما جرى في القريتين في أيلول 2017، وبنفس الطريقة لكن بأعداد مضاعفة، وقد اتهمت موسكو يومها واشنطن بأنها هي التي خططت وساعدت على ذلك الهجوم، ولهذا نرى انخراط روسيا في عملية تحرير الغوطة.

 

لما ورد فإنّ إغلاق هذه الجبهة الاستراتيجية يعتبر بمثابة توجيه ضربة قاسمة للعدو الأساسي، وهو السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة وقطر وتركيا، وإنهاء مخططاته بتحقيق خرق أو تشكيل خطر على دمشق ووسط سوريا.

لماذا تحركت القيادة السورية بسرعة فائقة لحسم بؤر داعش والغوطة؟

أجبنا على قسم من هذا السؤال، باقي الإجابة ستدلُ على توجه قادم كبير ومهم لدمشق وحلفائها استراتيجياً، فاستعادة الغوطة الشرقية له دلائل عدة أبعد من مجرد بقعة جغرافية مساحتها 100 كلم مربع:




  • سحب ورقة هامة من يد واشنطن التي تريد دائماً إعادة الأمور لعام 2012 بشكل أو بآخر، ولم يبقَ لها سوى إرهابيي الغوطة الشرقية حتى تقوم بتغير ما بالوسط السوري. قامت واشنطن بتهريب وسحب داعش من البادية ودير الزور وشرق حمص وجماعة عبدو وما يسمى أسود الشرقية وجمعهم بالقرب من قاعدتها في التنف، وتأمين حماية عسكرية لهم، والهدف: ربط التنف بالغوطة الشرقية والجنوبية، وتوفير دعم مباشر لم يكن متواجداً من قبل كون الوجود العسكري الأميركي بات أمراً ميدانياً واضحاً. التصريحات الروسية الأخيرة واضحة، والتي حذرت من محاولة العبث بأمن سوريا وتقسيمها، ووجهت بناءً عليه موسكو تحذيراً لواشنطن.

 

  • إحباط سعي قوات الاحتلال الأمريكي لربط بؤرة داعش في دير الزور بعصابات قسد، عبر فتح ثغرة من البوكمال لوصلها بالتنف وثم الغوطة الشرقية، أي دمج داعش بقسد وإرهابيي أسود الشرقية وصولاً إلى فصائل حوران حتى تسيطر على البادية وتقطع طريق دمشق مع بغداد وطهران. لذلك سعتْ واشنطن لإنشاء قوة من عشرات آلاف المقاتلين في الجزيرة، لمسك الحدود مع العراق واجتياح البوكمال لتنفيذ المخطط، كما أن البادية وحوض الفرات ومنطقة الجزيرة تحتوي على آبار النفط والغاز، وهناك معلومات عن كميات هائلة غير مستخرجة. إضافة لضرب مشروع أنابيب الغاز والبترول من إيران والعراق إلى المتوسط عبر سوريا.

 

  • تحاول الإدارة الأمريكية تثبيت وضعها في العراق والاستفراد به، وذلك بخلق حالة جديدة فيه، وستعمل لاحقاً على تصنيف الحشد الشعبي إرهابياً. كيف؟ تؤسس واشنطن لعملية سياسية بواقع جديد تكون قيادة العراق على إثرها “كوكتيل” موالية للسعودية وتركيا وقطر والأردن ومصر، ضد إيران… وستدخل من خلال عامل جديد هو شيعة العراق، حيث بات قسم كبير منهم ضد إيران أمثال التيار الصدري والصرخي والشخصيات التابعة لعلاوي، إضافة للتجمعات القبلية والعشائرية والشعبية التي ضاقت ذرعاً بممارسات أحزاب السلطة الفاسدة في المنطقة الخضراء، التي لم تبقِ ولم تذر من خيرات العراق شيئاً، وحولته لبلد فاشل أمنياً وعسكرياً واقتصاديا، لهذا كله… ستعمل واشنطن على تحريك الإرهاب من غرب العراق وشماله ليكون ذراعاً لها وممثلاً سياسيا بشكل رسمي مقابل الحشد والأحزاب التي يمثلها، بالمحصلة؛ يستمرُ الصراع وسفك الدماء طائفياً في العراق الذي يؤثر على محيطه بقوة، بما في ذلك سوريا… فواشنطن تريد للحرب الطائفية المذهبية الاستمرار لأنها تعود عليها بفوائد كبيرة ضرب هذا المشروع الشيطاني يبدأ من الغوطة الشرقية، فيفقدُ أحد أقدامه من توأم بغداد… دمشق، وينقطعُ ارتباطهُ عبرَ الصحراء الفاصلة بين سوريا والعراق…

التحرك السريع والمفاجئ نحو غوطة دمشق، حرق أهم ورقة لواشنطن وأتباعها من عربان الخليج قرب دمشق، وبات تجفيف بؤر التكفير التابعة لها حاجة ملحة.

 

أين تركيا مما يجري؟

تركيا تم تحييدها نوعاً ما وإشغالها بلعبة الأكراد، بالإضافة لتعاون اقتصادي وعسكري مع روسيا، لأن نظام أردوغان بات يعتبر شبه متمرد على واشنطن وفاشل في الملف السوري، وسيُعاقب كما حصل مع نظام شاه إيران ومبارك وغيرهم من عملاء الولايات المتحدة. روسيا وسوريا تستغلان هذا الوضع قبل أن تحدث مستجدات تغير الحسابات، وهو ما تحدثنا عنه في مركز فيريل حول الفخ الكردي لواشنطن وتركيا إن كنتم تذكرون.

الغوطة ستُحسمُ سواء عسكرياً أو من خلال تسوية يتم نقل الإرهابيين نحو “سجن إدلب الكبير”.  أغلب إرهابيي إدلب موالون لتركيا التي ستقاتل بهم الأكراد والنصرة، لتعوّم هؤلاء على أنهم معارضة معتدلة وتحاول زجهم بالعملية السياسية مستقبلا، وهذا سيكون مدار عمل جديد للقيادة السورية في وقته، تحدثنا عنه سابقاً. لكن السؤال الهام هنا: (إرهابيو الغوطة بعضهم موالٍ للسعودية فكيف سيقبلون الذهاب إلى المنفى التركي؟)… هم أمام خيارين لا ثالث لهما: الموت في الغوطة أو الموت في إدلب وعلى نفسها جنت براقش… زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 20.02.2018