حلب أمّ الصناعات في الشرق الأوسط. مركز فيريل للدراسات

عدد القراءات 45098حلب أم الصناعة السورية بدون شكّ، وأعرقُ مدينة عربية تاريخياً وصناعياً أيضاً. صناعات مميزة؛ تقليدية وحديثة تواكبُ العصر. أطماع الأتراك لم تتوقف في السيطرة عليها، لكنهم فشلوا بسبب غيرة أهلها، وقدرتهم على التميّز والمنافسة، فلجأ أعداؤها إلى تدميرها وسرقتها…

مع اشتداد الحرب، اضطر معظم الصناعيين إلى إغلاق معاملهم خوفا من الإرهاب المحلي والخارجي، بعضهم غادر البلاد إلى الخارج متأملا العودة عندما يعود الأمان، وبعضهم الآخر نقل مصنعه إلى محافظة أخرى.

اليوم عاد الأمان إلى حلب إلى حد كبير ، بعد طرد الإرهابيين والمرتزقة نحو إدلب أو تركيا، وبدأ الصناعيون بمحاولة إعادتها كمدينة لها مكانتها الصناعية أكثر من اي شيء آخر، ليمسكوا بسوق النسيج كما في السابق، رغم العقبات التي تقف في وجه محاولات المدن الصناعية للنهوض، وراح الكثير من الصناعيين يرممون مصانعهم بشكل ذاتي ومن أموالهم الخاصة.

يمكننا القول بأنّ العقبة الأكبر في وجه الصناعيين وهي المرسوم 172، قد تذللت، وهو الذي يُعطي الحق باستيراد الأقمشة على اعتبارها مدخلا إنتاج ومواد أولية تساعد في الصناعة، حيثُ اعترضوا على هذا المرسوم لأنه سمح باستيراد ما يصنعونه.

حلب تُصنّع ودمشق تستورد

لن نكشف سراً في مركز فيريل إن قلنا حقيقة يعرفها كثيرون، وهي خلافٌ بين غرفة صناعة دمشق من جهة وغرفة صناعة حلب من جهة أخرى! صناعيو دمشق يعشقون الاستيراد من منشأ تجاري بحت، لهذا  أيدوا المرسوم، وعادوا لاستيراد الأقمشة والنسيج المُصنّع خارج سوريا، وهو ما أضرّ بصناعيي حلب. في النهاية؛ بدأت عجلة الإنتاج بالدوران في حلب، وانتصر أهل الصناعة على أهل التجارة، لكن إلى متى؟.




صناعيو ورجال أعمال حلب خارج سوريا

بعيداً عن أرقام وزارة الصناعة، المبالغ فيها، حول عدد الصناعيين الذين عادوا إلى حلب، والذين وجدنا أن بعضهم ليسوا أكثر من حرفيين صغار، اعتبرتهم وزارة الصناعة “عمالقة” الصناعة!… التقى مركز فيريل بعدد من رجال أعمال وصناعيين من حلب، يقيمون خارج سوريا، سألناهم لماذا لا يعودون إلى وطنهم؟ البعض تذرع بالوضع الأمني، آخرون يحضّرون أنفسهم للعودة، قسم استقر في البلد الجديد ولا ينوي العودة نهائياً. من الأسباب الأخرى لرفضهم العودة هي البيئة الاستثمارية غير الملائمة في سوريا، والقوانين “المُجحفة” حسب رأيهم.

كلمة حق نقولها: في حلب رجال أعمال وصناعيّون لهم كل الاحترام، وطنيّون يرفعون راية سوريا، ولا يتخلّون عنها مهما كانت الظروف.

بالمقابل هناك رجال أعمال من حلب… نتمنى ألا يعودوا إليها نهائياً. هذا ما شاهدناه هنا في ألمانيا، إليكم التفاصيل:

التقينا برجل أعمال وصناعي من حلب، نُسميه هنا أبو أحمد، غادر سوريا عام 2012 إلى تركيا، ونقل جزءاً كبيرا من ممتلكاته وطبعاً أمواله إلى البنوك التركية، وأنشأ أكثر من معمل فيها. أبو أحمد كان في زيارة إلى ألمانيا لدراسة الوضع وإمكانية فتح معمل فيها، سأله مركز فيريل عما وجدهُ؟

أجاب: (ظروف الاستثمار صعبةٌ جداً، والضرائب مرتفعة).

مركز فيريل: وهل ظروف الاستثمار في ألمانيا أسوأ مما كانت عليه في سوريا قبل 2011؟

أبو أحمد: (بشكل عام الظروف الاستثمارية في ألمانيا أفضل، لكننا في سوريا لم نكن ندفع ضرائب)

مركز فيريل: تقصد الضرائب في سوريا أقل من ألمانيا؟

أبو أحمد: (طبعاً أقل. كنا نُعطي مسؤول الضرائب في وزارة المالية هدية، فتصبح ضرائبنا 10% من القيمة الأصلية).

مركز فيريل: بالمحصلة كنتم تقريباً لا تدفعون شيئاً؟

ابتسم أبو أحمد وصمت.

أي أنّه كان يدفع أقل من 1% ضرائب! أمثالُ أبو أحمد، الأفضل ألا يعودوا إلى حلب، فليبقوا في تركيا، وعلى الدولة محاربة فساد وزارة المالية، وأن تُصادر ممتلكات هؤلاء، لأنّ جريمة التهرّب من الضرائب، هي جريمة أخلاقية قبل كل شيء.

أبو أحمد هذا مقيم مع معامِله في تركيا، وهو من عُشاق أردوغان، ويدفعُ الضرائب للخزينة التركية بـ “الشبشب”.

كيف تحمي سوريا صناعتها وصناعيّيها؟

 

  1. مُنح المستثمرين أراضٍ بتسهيلات كبيرة لإقامة منشآتهم الصناعية.

  2. تمويل الدولة الصناعيين بالمواد الأولية وخطوط الإنتاج بنسبة 5% على الأقل.

  3. منعُ استيراد أية مادة تُصنّعُ محلياً وتكفي السوق المحلية، مع تحسين نوعية الانتاج لتصبح منافسة للمواد المستوردة. وعدم تكرار ما جرى سابقاً، كاستيراد الأثاث والملبوسات من “الحبيبة” تركيا وضرب صناعة “الموبيليا” والنسيج في سوريا!!

  4. تشجيع الصناعيين المتضررين جزئياً أو كلياً على العودة إلى العمل، بترميم المنشآت وشراء آلات من خلال هيئة دعم الإنتاج المحلي والصادرات.

  5. تمويل المشاريع الصناعية سواء بالمواد الأولية وخطوط الإنتاج، أو بالقروض… ويمكن أن تدخل الدولة شريكاً في المشاريع الكبيرة.

  6. إلغاء الرسوم الإضافية على فاتورة الكهرباء الصناعية الشهرية التي تبلغ بحدود 20%، وكذلك تخفيض سعر الفيول كمادة أولية، على الأقل في المرحلة الحالية الناشئة.

  7. فرض الضرائب بدون اجحاف، والتخلص من الفساد بين موظفي وزارة المالية، ومحاسبة المتهربين من الضرائب. الدولة الحقيقية تُعطي ولها الحق أن تأخذ حقها… مركز فيريل للدراسات.