رحلة أردوغان ليلة الانقلاب. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات ـ برلين Firil Center For Studies FCFS Berlin

عدد القراءات 909724 تاريخ النشر 18 تموز 2016. كثيرٌ من المحللين لم يتوقعوا انقلاباً عسكرياً في تركيا، لكننا تحدثنا في مركز فيريل للدراسات ببرلين عن هذا الاحتمال، آخرها ما نشرناه 

أكبر حرب للمخابرات في القرن تدور في سوريا. مركز فيريل للدراسات ـ برلين FIRIL CENTER FOR STUDIES FCFS – BERLIN GERMANY  

خفايا

أدخل بموضوع الانقلاب العسكري مباشرة ودون مقدمات، مستعرضاً ذلك بنقاط عشر:

  1. الانقلاب العسكري الذي حدث في تركيا، هو انقلاب داخلي التخطيط والتنفيذ ولم تتدخل به بشكل مباشر أيّة أجهزة استخبارات عالمية، لكن المخابرات التالية كانت على علم بشكل ما بوجود حركة احتجاجية متنامية في الجيش التركي: المخابرات الألمانية، الفرنسية، الروسية، البريطانية والأميركية والإسرائيلية. وكنا نشرنا في مركز فيريل للدراسات https://firil.de/?p=1773 بعنوان “تركيا نحو الهاويةhttps://firil.de/?p=538 حيث حذرت الخارجية الألمانية رعاياها من الاقتراب من الثكنات العسكرية، منذ آب 2015، بحجة احتمال تعرضها لهجمات إرهابية! وقد اكتفت مخابرات الدول السابقة بالمراقبة دون تدخل، باستثناء المخابرات المركزية الأميركية التي تدخلت فعلياً منذ اللحظات الأولى للانقلاب، والمخابرات العسكرية الروسية التي اعترضت اتصالات بين ضباط في الجيش التركي يتحدثون عن انقلاب على أردوغان، وأبلغت نظيرتها التركية قبيل حدوثه، وهو ما يُعتبرُ إنقاذاً له، حيث ورد في الاتصال “اعتقال أو قتل أردوغان في منتجع Marmaris”.

  2. رحلة أردوغان استمرت أكثر من سبع ساعات: فور سماعه نبأ الانقلاب، أقلعت طائرة أردوغان من مطار دالامان الدولي شمالي مدينة Marmaris حيث كان يقضي إجازته، متجهة إلى أنقرة.

بعد مغادرته بدقائق، قصفت مروحية الفندق الذي كان يقيم فيه أردوغان في مدينة Marmaris. قبل هبوط طائرة أردوغان في أنقرة، جاءته الأخبار المزعجة: “نجح الانقلاب بسرعة كبيرة، وسيطر الانقلابيون على كل شيء تقريباً، وهم بانتظارك في أنقرة لاعتقالك، ننصحك بمغادرة البلاد.”. ثم جاءه التحذير المباشر من قائد الانقلاب: “يمكننا اجبار طائرتك على الهبوط أو قصفها، سوف نحافظ عليك وعلى عائلتك شرط مغادرتك البلاد فوراً.”.

بعد أن تأكدت الدول المحيطة من نجاح الانقلاب، باتت تتهرّبُ من قبول أردوغان كلاجئ كونه شخص غير مرغوب فيه. فاتجه شرقاً، طالباً اللجوء إلى إيران، فرفضت، مرّ بالقرب من الأجواء الأذربيجانية، فأغلقت أجواءها بوجهه. بعد دخوله الأجواء البلغارية، تقدم بطلب لجوء إلى ألمانيا، فرفضت أيضاً حسب صحيفة فوكس نيوز، فاتجه جنوباً في محاولة يائسة مع اليونانيين، فخاب أمله.

في هذه الأثناء، دخلت دبابات الانقلابيين شوارع أنقرة واستنبول، وأغلق جسرا البوسفور والسلطان محمد الفاتح الرئيسيين. وأنزلت المروحيات عناصر من الجيش سيطروا على مبنى التلفزيون ومطار أتاتورك الدولي ومبنى البرلمان والقصر الرئاسي، منتظرين أردوغان. وهللت مئات الملايين في العالم للتخلص من أردوغان، بما في ذلك آلاف الأتراك الذين ساروا بجانب الدبابات، يحيّون الانقلابيين رافعين رايات قومية تركية أتاتوركية. بالمقابل بكت مئات الملايين أردوغان، السلطان الأعظم خليفة المسلمين وسليل العثمانيين. وبين المهللين والنائحين، كانت طائرة الخليفة حائرة في الأجواء الدولية تستجدي اللجوء، بينما تلهو واشنطن بمصير الجميع.  

  1. في محاولة أخيرة من أردوغان طلب اللجوء من موسكو، فوافقت… لكنّه اتصل بالرئيس الأميركي أوباما، فطلب منه الأخير الهبوط في قاعدة أنجرليك ريثما تتم السيطرة على الانقلابيين، والشرط: “تنفيذ أوامر واشنطن حرفياً.”. وعُقدت الصفقة… هنا وحسب الطلب الأميركي، سجّل أردوغان على السكايب دقائق، مطالباً أنصاره بالنزول للشوارع للقضاء على الانقلابيين، مستخدماً المدنيين كدروع حتى لو حصلت مجازر فستحسب ضد الانقلابيين، وهذا التصرف كافٍ لإدانة أردوغان وإظهار مدى حماقة مناصريه “سياسة القطيع”.   

  2. جرت اتصالات بين المخابرات المركزية الأميركية وقيادة الانقلابيين، طالبتهم فيها بالتراجع حفاظاً على الجيش التركي وإلا. رفض الانقلابيون طلب واشنطن، فتدخلت الطائرات الحربية الأميركية والتركية، وجرت اشتباكات جوية، أسقطتْ خلالها طائرتا إف 16 و28 مروحية للانقلابيين ودُمرت 14 دبابة. واشتبك الجيش مع قوات الجندرما والمخابرات العسكرية التركية، وأيضا حصلت مناوشات بين مؤيدي ومعارضي أردوغان داخل الجيش نفسه في عدة وحدات عسكرية.

  3. عندما نزل أنصار أردوغان إلى الشوارع وقاموا بارتكاب الفظائع بحق الجنود الانقلابيين، وقطعوا رأس جندي تركي ورموا جثته في البوسفور، إهانة الجيش التركي هذه لم تحصل من قبل، ترافق ذلك مع تغطية إعلامية من القنوات الغربية التي تحدثت مُبكراً عن فشل الانقلاب وعودة السيطرة ليد أردوغان، الذي كان ما يزال مختبئاً في قاعدة أنجرليك، كل هذا بالإضافة للخوف من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، وأخذ التهديد الأميركي مأخذ الجد، بدأ الانقلابيون يتراجعون. بعد تأمين مطار أتاتورك، طار إليه أردوغان ودخلهُ دخول الفاتحين، لكن تحت حراب الولايات المتحدة الخفية.

  4. أرقام ونتائج. حسب مركز فيريل للدراسات: الانقلاب كان مدروساً ومحكماً، ولا صحة للقول بأنه انقلاب مراهقين أو أنّ أردوغان وراءه، لأنه عملية معقدة خطيرة لا يمكن له أن يتحكم بنتائجها، كما أنّ “فتح الله غولن” أضعف من أن يقوم بهذا العمل، فعدد الوحدات العسكرية التي شاركت في الانقلاب هو 34 وحدة عسكرية شملت تركيا من شرقها لغربها، وبالتحديد الجيش الثاني والثالث والخامس /ثلاثة جيوش/. وشارك فيه أكثر من 18 ألف جندي وضابط، وحسب اعتراف الحكومة التركية بعد ساعات من الانقلاب بأنّ: “46 ضابطاً كبيراً شاركوا في الانقلاب، وأنّ قائدي القوات الجوية والبرية هما من نفذا الانقلاب، كان محرم كوسا المستشار القانوني لرئيس الأركان هو المخطط. بينما أدار المدعي العسكري العام التركي خط سير الانقلابيين”… فهل هذا مجرد تمرد صغير كما قال رئيس وزراء تركيا؟!

عدد المعتقلين، حسب المعلومات الخاصة التي حصل عليها مركز فيريل للدراسات في برلين، على خلفية محاولة الانقلاب العسكري في تركيا بلغ 11670 ضابطاً وجنديا وموظفاً وديبلوماسياً تركياً، أي ما يعادل فرقة عسكرية كاملة. عدد القتلى 2156 قتيلاً من الجانبين وآلاف الجرحى، بالإضافة لاختفاء 27 ضابطاً من مناصري أردوغان. شملت الاعتقالات: قائد قاعدة ولاية دين زلي، العقيد علي يازيسي مستشار أردوغان العسكري، قائد الجيش الثالث إردال أوزتورك، كبير القضاة ألب أرسلان التان، قائد الجيش الثاني آدم حدوتي، القائد السابق للقوات الجوية آكن أوزتورك، ميكائيل غللو الملحق العسكري التركي في الكويت. فصل 2745 قاضياً من عملهم.

  1. الانقلابيون قوميون أتراك، يرفضون سياسة أسلمة البلاد التي ينتهجها أردوغان وسياسته مع الأكراد، ويريدون عودة تركيا إلى علمانيتها الأتاتوركية، عارضوا التدخل التركي في سوريا ودعم النصرة وداعش، هذا ليس معناه أنهم مؤيدون للدولة السورية، يعارضون أيضاً منح السوريين الجنسية التركية، ويرفضون الانصياع لأوامر واشنطن. لهذا وقفت الولايات المتحدة بجانب أردوغان.

  2. الجيش التركي بعد محاولة الانقلاب، في أضعف أيامه والانقسامات الحادة تطال أفراده وقادته. والأمور لم تهدأ بعد في تركيا، فهل سنشهد انقلاباً جديداً؟

  3. ليس من مصلحة أوروبا وروسيا والولايات المتحدة وإيران دخول تركيا في حرب أهلية، لهذا وقفوا ضد الانقلاب. الناتو سيخسر ثاني أكبر جيش بين دوله، كما أن تقسيم تركيا سيعود بالضرر على إيران سياسياً واقتصادياً كذلك روسيا، أما تحذير واشنطن لأنقرة من أن تلميحات تركيا بتورط أمريكي في محاولة الانقلاب، ستلحق ضرراً بالعلاقات بين البلدين، هو للتغطية على الدور الأميركي. فالولايات المتحدة بإمكانها سحب الكرسي من تحت أردوغان متى شاءت، لكنّ دوره لم ينتهِ بعد. ما زال في جدول مهمات أردوغان الكثير ليفعلهُ خاصة في سوريا.

  4. السياسة القادمة لأردوغان حسب مركز فيريل للدراسات:

  • إعادة عقوبة الإعدام، أي أنّ حلمه بدخول الاتحاد الأوروبي بات أبعد من حلم.

  • تطهير الجيش وزرع قادة مؤيدين له ذوي ميول إسلامية، وبالتالي زيادة عدد أعدائه، واضطراره لبناء سجون جديدة.

  • بسط سيطرته أكثر والانفراد في الحكم والديكتاتورية، وزيادة قوة حزب العدالة والتنمية.

  • تنفيذ أوامر واشنطن حسب الصفقة التي عقدها عقب اتصاله بأوباما، والتي لا يمكن لأحد معرفتها، سوى التخمين، ونحن لا نُخمّن، رغم حصولنا على بعض المعلومات التي سننشرها في حينه. لكن المعروف أنّ أردوغان لا يفي بوعده ويخون أقرب الناس إليه، لهذا قد يتمرد على واشنطن، نقول هذا بناءً على تحليلنا لشخصيته، عندها لن يفيدهُ بضعة آلاف خرجوا مكبرين وارتموا أمام الدبابات في استنبول، وستكون مسألة التخلص منه على طاولة الكبار. التخلص منه كشخص… فالبديل موجود في ولاية بنسلفانيا الأميركية.

  • فشل الانقلاب أو نجاحه لن يكون له تأثير كبير على مجريات الحرب في سوريا، خاصة وأنّ سياسة الانقلابيين لم تكن واضحة بخصوص التدخل في سوريا، وإن كانوا ضدّ دعم الجماعات المسلحة. أما نتائج ما حصل على سياسة أردوغان تجاه سوريا فستظهر لاحقاً…

  • باختصار نقول نحن في مركز فيريل للدراسات: “أردوغان خسر كل شيء، وإن عاد إلى السلطة، فسيكون متأرجحاً بالطاعة بين موسكو وواشنطن.”… مركز فيريل للدراسات ـ برلين Firil Center For Studies FCFS Berlin الدكتور جميل م. شاهين. 18.07.2016.