روسيا اللاعب الأخطر في الشرق الأوسط، خسرت كافة الدول، وربحت سوريا

 

إدارة التحرير مركز فيريل للدراسات. زيد م. هاشم. تكبدت روسيا، منذُ سقوط الاتحاد السوفيتي حتى بدء الحرب على سوريا، خسائرَ فادحة في ثقلها ونفوذها الدولي، وتحولت من دولة عظمى لمجرد دولة كبيرة هدفها الأول الحفاظ على وحدة أراضيها، بوجه محاولات الناتو تقسيمها.

خسرت روسيا، وريثة الاتحاد السوفيتي نفوذها في شرقي أوروبا بالكامل؛ بولندا ورومانيا والمجر والتشيك وبلغاريا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وقبلها العراق وأفغانستان، ودول شرق آسيا، ثم صربيا ومصر وليبيا والسودان واليمن وعدة دول في أمريكا الوسطى والجنوبية، وأوكرانيــا… وأخيراً كانت سوريا، فهل كانت سـوريا نقطــة الفصــل في تواصل الخسائر الروسية؟

بالمقابل امتدت أذرع الأخطبوط الأميركي ليصل إلى الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، فيقيم فيها قواعد عسكرية قرغيزستان وأوزبكستان وجورجيا، ليصبح الناتو على حدود روسيا من جنوباً وغرباً وشرقاً، هو حصار بمعنى الكلمة، فكيف انتفض الدبّ الروسي؟

عملية دفاع وترميم روسية باهرة

البداية كانت بحسم ملف الشيشان، هذا الجرح النازف في قلب روسيا ودول القوقاز، والذي قامت السعودية وتركيا بتغذيته بمساعدة واشنطن. اعتمدت روسيا على القوة الداخلية بقيادة قاديروف الإسلامي التوجه، الذي شكل قوة ثائرة على الفكر الوهابي مدعوماً من موسكو، فشلّ المخطط الأميركي الوهابي.

حاولت الدولة القزم جورجيا مقارعة روسيا، فقامت الأخيرة بدعم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا بعملية عسكرية خاطفة، لتعلنا استقلالهما عن جورجيا التي شرعت أبوابها لواشنطن ببناء قاعدة في العاصمة تبليسي.

تفرغت موسكو لبناء اقتصادها المريض، باستثمارات هائلة في مجال البترول والغاز، ليصل انتاجها إلى 10 ملايين برميل يومياً، ساهم المردود المادي ببناء الاقتصاد الروسي، وتحوّل من النظام الاشتراكي إلى نظام مشترك رأس مالي، وبدأت عملية القضاء على الفساد مع التوجه لبناء القدرة العسكرية الروسية والترسانة الحديثة، وتعزيز الصناعة الحربية. أعاد الروس هيكلة جيشهم وبناءه بطريقة حديثة، تعتمد على تعزيز القوة الجوية والسلاح الصاروخي الدفاعي والهجومي، مع القوة البحرية من الطرادات والمدمرات والغواصات.




خسرت روسيا دولاً كثيرة لكنها ربحت سوريا

ابتدأت الفوضى في الدول العربية بعد عشرين عاماً من سقوط الاتحاد السوفيتي، وتساقطت الدول والأنظمة المستهدفة بهذا المشروع الغربي كحجارة الدومينو إلى أن ارتطمت بالقلعة السورية.

قاتل الجيش العربي السوري في الميدان لوحده على مدار سنتين تقريباً بدعم عسكري روسي بسيط، ودعم ديبلوماسي قوي، أجهض محاولات الغرب بضرب سوريا عسكرياً.

بعد تعاظم حملة الغرب ومعهم دول الخليج وتركيا، بدفع مئات الآلاف من الإرهابيين نحو سوريا، لتحقيق ما عجزوا عنه في تشكيل تحالف دولي خارج مجلس الأمن كما حصل في العراق، خوفاً على الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكية في المنطقة، والخوف أيضاً من تدخل محتمل روسي إيراني في حرب مباشرة.

هنا بدأ الانتعاش الروسي بتدخلها العسكري المباشر في أيلول 2015، وراح نفوذ موسكو العالمي يستعيد عافيتهُ بسرعة بفضل سوريا أولاً… وتمكنت من الوقوف بوجه الناتو وبقوة. فلو أنّ ما خطط له الغرب نجح بإسقاط الدولة السورية، ما هو مصير روسيا الآن؟ ما هو مصير إيران؟ سؤال يجب أن يجيب عليه المسؤولون في موسكو وطهران، الذين يتباهون بين الحين والآخر بأنه لولاهم لما صمدت سوريا!! حسناً ولولا صمود سوريا لأصبحت روسيا وإيران دولتان محاصرتان تماماً ببحر من الناتو وأذنابه من دول الخليج وتركيا ومعظم الدول العربية وملايين الإرهابيين.

لولا صمود سوريا لأصبحت روسيا وإيران دولتان محاصرتان تماماً ببحر من الناتو وأذنابه من دول الخليج وتركيا ومعظم الدول العربية وملايين الإرهابيين. 

روسيا لا تتحالفُ مع الضعفاء وهي الرابح الأكبر مما يجري في سوريا

لو كان لدى الروس شك بقدرة سوريا على الصمود، لما غامرت بإرسال أحدث أسلحتها وخيرة ضباطها، وواجهت أعتى قوة في العالم على الأرض. فروسيا عبر التاريخ، لا تتحالف ولا تثقُ بالضعفاء، وموقفها من العراق وليبيا وأوكرانيا وصربيا، أمثلة حاضرة، فلم تتدخل وتدافع بشكل مباشر، بل تركتها للغرب يلتهمها، لأنها لم تكن تثق بقدرة قياداتها وجيوشهم على الثبات والالتزام بالعهود.

في سوريا الوضعُ مختلفٌ تماماً، لروسيا مصالح حيوية واقتصادية واستراتيجية وعسكرية، والسياسة السورية ثابتة منذ عقود، لهذا نقول من مركز فيريل بكل ثقة: (روسيا على استعداد للذهاب لأبعد من صدام عسكري عابر مع الناتو للحفاظ على سوريا).  وما حصل يُثبتُ ذلك، بعد عشرات المرات من الأخبار المتفائلة التي بثتها وسائل إعلام معادية، عن تغيير روسيا لموقفها من القيادة السورية.

مع سطوع النجم الروسي بسبب الحرب على سوريا، بدأت الدول التي كانت تعادي التدخل الروسي بالزحف نحو موسكو، وطلب الرضى في السعودية ومصر وتركيا والمغرب، كما عادت لتمتين علاقاتها مع الجزائر البلد الثابت بسياسته أيضاً تجاه الروس.

صفقات الأسلحة الروسية للسعودية وتركيا حبر على ورق

كثيرون ثاروا وانزعجوا لأنّ روسيا وقعت عقد بيع صواريخ إس 400 مع السعودية وتركيا، ولم تزوّد بها الجيش السوري… وكأنّ الصفقة تمت والصواريخ أصبحت تحمي سماء الرياض وأنقرة. هي حسب معلومات مركز فيريل ليست أكثر من حبر على ورق، ومكسب معنوي ضد الناتو وتحرّش بواشنطن، وإن تمت الصفقة بعد سنوات!! إن تمت، ستكون الصواريخ قد أصبحت غير متطورة، وستبقى أسرارها العسكرية بيد الروس، الروس وحدهم، فإن كنتم تظنون أنّ القيادة الروسية “ساذجة” كي تُعطي تركيا والسعودية أسرار هكذا أسلحة، فأنتم مخطئون… روسيا لا تثقُ بعدوها الأزلي العثماني أو الوهابي، وتعلم أنّ السرّ العسكري الذي يصلُ لهؤلاء لن يبيت عندهم قبل أن يصل إلى البنتاغون.

السياسة الروسية، سياسة التأني والحذر وتحاشي التصادم المباشر، تحافظ موسكو على خطوط مصالحها، ولا تتجاوز مصالح واشنطن في الخليج والعراق ومصر واليمن وتركيا وشمال أفريقيا. تهمها سوريا والجزائر وإيران، دول لها وزنها وثقلها.

نعم أصبحت روسيا لاعباً أساسياً وخطيراً في الشرق الأوسط والعالم، تلجأ إليها حتى الدول المعادية لحل أزماتها، تركيا لجأت لموسكو بعد كمين الشمال السوري الذي أوقعتها به سوريا، والمتعلق بالملف الكردي وتجميع الإرهابيين في إدلب، وفشل أردوغان في مشاريعه العثمانية في الدول العربي، كما أن أوراقه احترقت مع دول الناتو، لهذا ارتمى “السلطان النائم” على أعتاب الساحة الحمراء.

السعودية تريد حلاً تخرج فيه من مستنقع اليمن، وروسيا هي الوسيط الوحيد مع إيران والحوثيين، لهذا صفقة أسلحة ودفع مليارات للخزينة الروسية، وبدون الحصول على أسلحة، المهم أن تتخلصَ من فضيحتها في اليمن وفي سوريا. كذلك زحفت الرياض على ركابها إلى الكرملين، لتحقيق توازن سياسي واقتصادي في علاقة خصومها قطر وتركيا مع روسيا على حساب السعودية.

الأخطار القادمة على روسيا

التقارب التركي السعودي مع روسيا، قد يكون بعضهُ بتوجيه أميركي لتحقيق أهدافٍ بعيدة، لهذا هناك مجموعة أخطار يمكن أن تتعرض لها روسيا في سوريا وفي أرضها:

  • زرع الأفاعي التركية السعودية في قلب موسكو، وتطمينها بأنها الرابحة، مع ربط الاقتصاد الروسي بصفقات كبيرة مع دول عميلة لواشنطن يسهل عليها توجيه ضربة قوية لاحقاً لروسيا.
  • تعزيز الحضور التركي في دول آسيا الوسطى لصالح أمريكا، كتركمنستان وطاجكستان وأوزبكستان والقوقاز، ونقل الإرهابيين إليها، تمهيداً لنشرهم على نطاق أوسع باتجاه روسيا والصين.
  • التحضير لصدام عسكري بسبب الملف الكردي في شمال سوريا والعراق، فالسعودية والإمارات ومصر تدعم انفصال الأكراد وتشكيلهم دويلة، بينما تركيا تعارض ذلك، لكن عند حصول صدام عسكري متوقع بين الانفصاليين والجيش السوري، ستوضع واشنطن وموسكو على المحك، وقد تنجرّ المنطقة لحرب أوسع، فهل ستلتزم الولايات المتحدة بالدفاع عن الأكراد؟ لا نعتقد، الذي تريده واشنطن هو فوضى عارمة، وليذهب الأكراد إلى الجحيم.
  • جرّ تركيا إلى مستنقع إدلب، تتشاركُ واشنطن وموسكو ببعض أهداف السماح للجيش التركي دخول محافظة إدلب، ولكن لكلّ أهدافهُ الأخرى… موسكو تريد استغلال النفوذ التركي على الإرهابيين هناك، تركيا تريد أن يكون لها التأثير الأكبر في الشمال الغربي السوري، وتخطط بوضوح لسلخ أجزاء أخرى من سوريا، وأيضاً منع الأكراد من تشكيل أية دويلة أو حتى فيدرالية. إدارة التحرير مركز فيريل للدراسات. زيد م. هاشم. 13.10.2017