
سيناريوهات إنهيار الولايات المتحدة الأميركية، بحثٌ من مركز فيريل للدراسات، الدكتور جميل م. شاهين، مدير المركز. 02.11.2025. لن يكون بحثنا هذا سارّاً للمغرمين بالولايات المتحدة الأميركية، أو لعشّاق الليبرالية الذين يعتبرونها إلهاً لا يُقاوَم ولا يموت، لكنه الواقع الذي تحدثنا عنه سابقاً وفي بحث واسع أعددناهُ منذ عام 2014، ونشرناهُ بتاريخ 20.07.2016، يتحدّثُ عمّا يجري حالياً ولاحقاً. إلى التفاصيل.
Will our generation be a witness of the collapse of the American empire
الولايات المتحدة تعيشُ على التبرعات
نبدأُ بآخر مستجدات الوضع العالمي المتأزم، فبينما تحشدُ واشنطن أساطيلها لغزو فنزويلا وقصف إيران ومحاربة روسيا والصين، واتفاقيات هدنة في غزة وفلسطين والعُربان يُهرولون لتقديم فروض العبادة لترامب “المُترنح، مشاكل مع كندا وأوروبا والناتو، ومع البرازيل وتشيلي وكولومبيا. واجتماعات “فاشلة” مع الرئيس الصيني في بوسان في كوريا الجنوبية، وعجز أميركي عن مواجهة خصومها الكبار. وسطَ هذه المعمعة الغبية، تظهرُ حقيقةٌ صادمةٌ لعبيد الدولار؛ الولايات المتحدة تعيشُ على التبرعات.
الولايات المتحدة تعيشُ على التبرعات، نعم هذا حرفياً ما يحصل الآن، رُغمَ أنه بكل تأكيد، وهذا ما تنبأنا به منذ 11 عاماً؛ دخلت الولايات المتحدة الأميركية مرحلة الإنهيار، نقول “دخلتْ” لهذا يُمكنُ إنقاذها حتى اللحظة، لكن مع كلّ سلوك متهوّر من الإدارة الحالية، تسقط لَبِنةٌ من الهرم الأميركي، وللأسف سنصلُ سريعاً للحل الوحيد وهو: إنقاذ الولايات المتحدة بحرب كبيرة تقتلُ الملايين كي تبقى. وليس بالعملة الرقمية فقط، كيفَ هذا؟
الإغلاق الحكومي مستمر
دخلَ الإغلاق الحكومي الأميركي الحالي شهرهُ الثاني بقوة، دون وضوح بقرب نهايته. هذا الإغلاق وإن كانت لهُ سوابق مماثلة زمنياً، لكنه الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، كونهُ بدأ بفضائح اقتصادية تتم تغطيتها بأحداث وصرعات أميركية.
فضائح رواتب الجيش الأميركي
من هذه الفضائح نوردُ ثلاثة فضائح فقط: الأول من البرتغال؛ حكومة جزر الأزور Azores. وهي جزر برتغالية بحكم ذاتيّ تقعُ في المحيط الأطلسي، وفي بيان رسمي ألقاهُ أرتور ليما، رئيس الوزراء المحلي، خاطب فيه حكومة البرتغال: (لم يحصل العُمال في القاعدة العسكرية الأميركية لاجيس Lajes، جزيرة تيرسيرا، على رواتبهم ولا أية تعديلات أو حوافز وُعدوا بها. إنه أمرٌ غير مسبوق وغير مقبول، لهذا ندعو الحكومة البرتغالية للتدخّل لدى الولايات المتحدة، لضمان حصول العمال على رواتبهم بشكل صحيح، وتطبيق تعديلات الرواتب المتبقية على وجه السرعة).
معلومات مركز فيريل تقول: رغم أنه الإغلاق الحكومي رقم 21، لكنها المرة الأولى التي يتأخر دفعُ الرواتب للجيش الأميركي، بل لا توجد أرصدة بنكية لهذه الرواتب أصلاً!!المثال الثاني على فضائح رواتب الجيش الأميركي من ألمانيا؛ قررتْ الحكومة الألمانية بعد انتقادٍ حادّ من نقابة العمال VER.DI، Vereinte Dienstleistungsgewerkschaft، طال إدارة الرئيس دونالد ترامب، وانتهاكها القانون العمالي بعدم حصول العمال على رواتبهم لكن أين؟ في القواعد العسكرية الأميركية في ألمانيا، نعم يا سادة؛ هناك 11 ألف موظف أميركي يعملون في هذه القواعد لم يحصلوا على رواتبهم، والحكومة الألمانية “المستقلة” حسب وزارة المالية وعلى لسان Dennis Rohde، ستدفعُ رواتب تشرين الأول 2025 للأميركيين، مبدئياً إن كنتم تسألون عن المبلغ، إنه 43 مليون يورو فقط! والسبب هو الإغلاق الحكومي.
المثال الثالث: عجز الولايات المتحدة عن دفع رواتب الجيش الأميركي، من وزارة الحرب الأميركية.
قبلتْ الوزارة (تبرعاً مجهولاً) بقيمة 130 مليون دولار لتغطية جزء من رواتب جنود الجيش الأميركي. ولم يكشف البيت الأبيض والمسؤولون العسكريون عن هوية المتبرع، أو ما إذا كانت “الهبة” قد خضعت للتدقيق اللازم. أعلنَ ذلك دونالد ترامب نفسهُ يوم الخميس 23.10.2025 قائلاً: (عرضَ صديقٌ المال بدافع الوطنية)!.

مع استمرار الإغلاق الحكومي، حوّل مسؤولو وزارة الحرب الأميركية أموال الأبحاث، إلى رواتب منتصف الشهر لعدم وجود التغطية اللازمة لها، عِلماً أنّ رواتب نهاية الشهر غير مؤكدة حتى اللحظة. المتحدث باسم البنتاغون، Sean Parnell أكد ذلك، رافضاً الإجابة عن المزيد من الايضاحات حول موضوع المتبرع “الوطني” هذا، واضعا قائمة بأرقام الحسابات البنكية للجيش للتبرع، نعم للتبرع!!.
معلومة سريعة هنا: تبلغ رواتب الجيش الأميركي الشهرية وحسب مركز فيريل؛ 8 مليار دولار دون حروب، أي أنّ قيمة التبرع لا تُساوي أجرة يوم واحد لهذا الجيش. ولأهمية الموضوع سيجتمع الكونغرس قبل 30 تشرين الأول 2025، لدراسة كيفية التغلّب على مشكلة رواتب الجيش الأميركي!
تكلفة الإغلاق الحكومي اليومية
Government Shutdown Cost Per Day
تُشيرُ التقديرات الأولية إلى مليار دولار يومياً، هذه المعلومة من مكتب الميزانية في الكونجرس (CBO)، وهي تقديرات غير دقيقة لأنها تستندُ لتكاليف إغلاق 2018، لهذا تتحدثُ الأرقام الأكثر دقة عن 1,3 مليار دولار يومياً، بحساب بسيط هناك 48 مليار دولار “تكلفة مبدئية” حتى الآن. بينما تأخذنا مؤسسة S&P Global Ratings العالمية نحو واقع أكثر رُعباً؛ يجب إضافة غرامات التأخير وتأجيل المشاريع والخطط وربما إلغاؤها، مع ارتفاع متزايد في نسبة التضخم سيؤدي حتماً لارتفاع الأسعار. فتزداد المخاطر مع اقتراب أيام الذروة السنوية، أي فترة أعياد الميلاد ورأس السنة. وهنا ستتضاعفُ الخسائر.
موسم ذروة السفر والسياحة بدأ، أي موسم جني الأرباح والضرائب الحكومية، هنا وبسبب الإغلاق الحكومي كلّ شيء تبخّرَ! مع ارتفاع الأسعار وهذه معلومات تقرير صادر عن المؤسسة السابقة؛ هناك 132 مليون أسرة أميركية. تسبّبَ الإغلاق الحكومي الذي بدأ بتاريخ 01.10.2025، بارتفاع تدريجي للأسعار مما زاد الأعباء على الأسر الأميركية. واعتباراً من 20.10.2025 بدأ تأجيلُ مواعيد المحاكمات المدنية، مع حجبِ البيانات والنشرات الاقتصادية لمكتب إحصاءات العمل، ومكتب التحليل الاقتصادي والتعداد السكاني خلال فترة الانقطاع.
من جانبٍ آخر؛ اتخذَ القضاءُ الأميركي قراراً بتسريح آلاف الموظفين، وكذلك فعلت إدارة الطيران الفيدرالية، شملَ التسريح قطاعاتٍ أخرى، حسب وكالة رويترز. ليصلَ عدد الموظفين الذين استُغني عنهم إلى 800 ألف موظف، وبالتالي تضاعف العبء على الأسر الأميركية التي ذكرناها قبلَ سطور. يكفي أن نعرف أنّ سوق البورصة SEC “الثري”، استغنى عن خدمة 84% من موظفيه!
في آخر تقرير لدائرة الطيران الفيدرالي FAA؛ بعد الاستغناء عن خدمة 63 ألف موظف في المطارات الأميركية: (نُعاني من العجز في عدد المراقبين الجويين، لهذا تمّ تأجيل وإلغاء 8589 رحلة جوية خلال الفترة الحالية. شملت الرحلات معظم مطارات الولايات التحدة). حتى أنّ نائب الرئيس الأميركي، James David Vance، وفي رسالة “استعطاف” للديموقراطيين، عقب اجتماعه برؤوساء أهم شركات طيران أميركية: (هناك كارثة قادمة ستطالُ النقل الجوي الأميركي إذا استمر الإغلاق الحكومي).
بالطبع؛ هناك خدمات أساسية لم تُغلق، مثل الطوارئ والإسعاف، وكذلك خدمة البريد الأمريكية (USPS) كونها بتمويل ذاتي. بالإضافة للحدائق الوطنية، مفتوحة بشكل عام لكن مع أقل من 20% من الموظفين. طبعاً دائرة الضرائب وتحصيل الرسوم الجمركية، تعمل وأبوابها مفتوحة.
سيكونُ الإغلاق الحكومي كارثياً إن استمر حتى 2026
حالياً، وأثناء إعداد هذا البحث في مركز فيريل، لا توجد مفاوضات مُجدية لإنهاء هذا الإغلاق، فالميزانية المؤقتة التي أُقرّت في آذار 2025، انتهت بعد مضي 6 أشهر، لهذا بينما تقتربُ فترة الإغلاق الحكومي من تحطيم الرقم السابق وهو 35 يوماً، قد ندخلُ فترةَ إجازات الأعياد، لنُصبحَ في كانون الأول، وربما نستقبلُ العام الجديد بإغلاقٍ هو الأطول في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية؟ فكم سيكون هذا كارثيّاً على الولايات المتحدة والعالم؟
تجميد الميزانية الأميركية يعني أنّ الحياة مُعطّلة في 50 ولاية أميركية على الأقل. الأخطر هو “الجوع” الذي يطال 41 مليون أميركي، لا تستغربوا الرقم؛ بحلول الأول من تشرين الثاني 2025 أصبحَ لدينا 41 مليون أميركي جائع، والسبب توقّف برنامج المساعدات الإجتماعية، المُسمى اختصاراً SNAP، الخبر ليس من مركز فيريل بل من الغارديان البريطانية؛ مسؤولية ما يجري يتحملها الفريقان الديموقراطي والجمهوري، فترامب سبقَ واتخذَ قراراً “تقشفيّاً” بحذفِ 187 مليار دولار من هذا البرنامج، أي هناك مشكلة أصلاً بدون إغلاق، مع انقطاع مساعدة أصحاب الدخل المحدود وكبار السن والمعاقين، وحسب تقديرات مكتب الموازنة العامة في الكونغرس الأميركي، ستبدأُ الكارثة خلال أيام! فعلياً بدأت، ولن تقتصر الكارثة على المساعدات الإجتماعية فقط بل تشملُ الصناعة والزراعة، حيث قررت عدة وزاراتٍ استخدام الأرصدة الاحتياطية، ماذا لو نفذتْ هذه الأرصدة واستمر الإغلاق؟
الإغلاق الحكومي المتكرر خاصّةً الحالي؛ يدقُّ مسماراً كبيراً في نعش الانهيار الأميركي. مركز فيريل للدراسات
الولايات المتحدة الأميركية حتى نهاية 2028
حتّى نشرات الأحوال الجوية وتوقعات الطقس، بات التنبّؤ بها أصعب من التنبؤ بمستقبل الولايات المتحدة الأميركية، فمعَ مجيء دونالد ترامب “النرجسي الواضح”، رغم أنّ كثيرين يعتبرونه “رجل المفاجآت”! ترامب بقراراته “الارتجالية” التي تنصبُّ بمعظمها حول “شخصيته العبقرية”، رفعَ احتمال إنهيار الولايات المتحدة أيضاً خلال السنوات القادمة، رُغمَ أنّ هكذا احتمال كان لفترة قريبة صعباً جداً وشبه مستحيل، واليوم باتَ أقل صعوبة، نقول هنا أقل صعوبة، أي ما زالَ بالإمكان إنقاذ الولايات المتحدة.
اغتيال الرئيس الأميركي. شركاتُ السلاح
إذا أخذنا بطريقة علوم Actuarial science، الذي تعتمدهُ شركات التأمين على الحياة، فاحتمال وفاة دونالد ترامب قبلَ عام 2029 أقل من 10%، والقصد هنا وفاة طبيعية. فهل يُقتل أم يموتُ ترامب ميتة طبيعية؟! لكن كما قلنا منذ توليه الكرسي؛ دونالد ترامب جاء لإشعال الحروب وليس للسلام. وعندما يعملُ بشكل حقيقي لإنهاء الحروب، لن يبقى على الكرسي 24 ساعة. أولُ مَنْ سيتخلّصُ من “صانع السلام” اللاهث وراء جائزة نوبل، هي شركات السلاح الأميركية والعالمية. كيف ولماذا؟
تضاعفتْ تجارةُ السلاح بعد إغلاق كورونا، مع اشتعال ساحات الحروب في أوكرانيا، ثم الهند وباكستان، والسودان وسوريا وليبيا والشرق الآسيوي، وحالياً الكاريبي، ودائماً هناك أصابعُ أميركية في تلك الساحات، السؤال هنا: هل تقبل شركات السلاح العملاقة بزعيم يُنهي تجارتها؟
أكبرُ مُصدّر للسلاح في العالم وبنسبة تتجاوز 40%، هي الولايات المتحدة، ثم الصين وفرنسا وروسيا وألمانيا. بينما تحتلُّ أوكرانيا والسعودية المراكز الأولى بالاستيراد!
مع انتهاء “ظاهرة كورونا” وصلَ الإنفاقُ العسكري الأميركي إلى 916 مليار دولار عام 2023، ليوقّعَ “رجلُ السلام” دونالد ترامب ميزانية حرب وصلت إلى 1,01 ترليون دولار، زاعماً أنها أعلى ميزانية بتاريخ بلادهِ الذي يجهلهُ أيضاً، فميزانية العام 2026 أقل من عادية بعد الأخذ بعين الاعتبار نسبة التضخم، وتراجع قيمة الدولار. لا يدري الجاهل أنّ أعلى ميزانية حرب كانت خلال الحرب العالمية الثانية، وتحديداً ميزانية 1944، بإنفاقٍ قدرهُ 5,74 ترليون دولار، أي أكثر من خمسة أضعاف الإنفاق الحالي، حيث شكّلَ وقتها 41% من الناتج المحلي الإجمالي. هكذا تُحسبُ نسبة الإنفاق العسكري.
رغمَ الأرقام السابقة، يبقى إنفاقُ الولايات المتحدة مرتفعاً جداً، ولا يدل على أيّ نهج نحو الهدوء، وهذا ينعكسُ سلباً على مستقبلها، بينما قصصُ ترامب عن السلام وإيقاف الحروب، للاستهلاك لا أكثر، فهلْ يستطيعُ ترامب مواجهة شركات السلاح الأميركية تحديداً؟ شركة Lockheed Martin مثلاً، لديها واردات سنوية 71 مليار دولار ، ويعمل فيها 110 آلاف موظف. ماذا عن عقود البنتاغون مع شركة RTX للسلاح بقيمة 50 مليار دولار؟ شركة General Dynamics أو Boeing Company، هذه شركاتٌ عملاقة لا يستطيعُ رؤوساء العالم مجتمعين مواجهتها.
حياةُ دونالد ترامب بيد صانعي الحروب، وبهذا الشرط جاؤوا به، وإلّا
حرب أهلية أميركية 2026
ما هي احتمالات حدوث حرب أهلية أميركية جديدة؟ سؤال طُرِحَ مراتٍ ثم نُسيَ، ليعود مع استلام الجمهوريين الحكم ثانية. أثناء فترة الحرب الباردة ونتيجة تنامي قوة عدو الولايات المتحدة الأول آنذاك، وأقصد هنا الاتحاد السوفيتي، تراجعت نسبة نشوب حرب أهلية رُغم وجود الكثير من الأسباب، ليُسيطر سببٌ أقوى لاتحاد الأميركيين وهو العدو الخارجي القوي!
اليوم ومع اقتراب عام 2026، سيطر انقسامٌ عميق على الولايات “الحمراء والزرقاء”، واحتدم الصراع الأيديولوجي بين الطرفين، فعادَ شبحُ الحرب الأهلية الأمريكية 1861، ليظهرَ من جديد، لهذا لا حلّ سوى إيجاد عدوّ خارجي قوي، أقوى من الاتحاد السوفيتي، فهل تكفي الصين أم روسيا؟ المأساة ألا تكفي إلا بوقوع الحرب فعلياً.
الجمهوريون حاليّاً يمينيون متشددون، والديمقراطيون يساريون متشددون أيضاً ، وهنا الخطورة. ما حذرنا ونُحذر منه في مركز فيريل هو؛ باتَ اليسارُ مُتشدداً بصورة مماثلة لليمين! بل أكثر تشدّداً. بالمقابل؛ تتعرّضُ الولايات الديموقراطية الزرقاء، أي التابعة للحزب الديموقراطي، لحصار الحكومة الفيدرالية الجمهورية الحمراء، والتوتر على أشدّهِ، بينما الشعب الأميركي الأكثر حملاً للسلاح، أي كلّ شيء جاهز لبدء حربٍ أهلية. ومما يُزيدُ هذا الاحتمال أنّ الرئيس الأميركي هو القائد الأعلى للجيش، فهل سيلتزمُ الجيش الأمريكي بأوامر سيّد البيت الأبيض، ويستخدم القوة ضدّ مظاهرات أوسع قادمة؟
دونالد ترامب وإدارتهُ في سعي دؤوب، لسحب سيطرة الديموقراطيين على عدة ولاياتٍ أميركية. بالقوة غالباً وباللين أحياناً، مستخدمين قواتٍ عسكرية بينها ICE، وهي جيشٌ داخلي يُقاربُ تعدادهُ 21 ألفاً، يختصّ بحراسة الحدود ومنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين، لكنه جيش غير كافٍ، عدداً وعتاداً، كما نرى في مركز فيريل، لاستباب الأمن فيما لو خرجت الأمور عن السيطرة.
بلغة الأرقام، وحسب مركز فيريل: بين أيدي الشعب الأميركي 405 مليون قطعة سلاح، أي يمتلكُ كلّ شخص أميركي، طفل ورضيع وشاب وعجوز، 1,28 قطعة سلاح! وبالتالي (يحتلُ المواطن الأميركي المرتبة الأولى بملكية السلاح في العالم). ونصف الأسلحة الفردية موجودة بيد الشعب الأميركي، وهذا ليس فخر أو مرتبة شرف، بل خطورة دائمة نرى بعض تجلياتها بالجرائم اليومية. ماذا لو استُخدمَ هذا السلاح لأسباب سياسية ومعيشية؟ ماذا لو بدأت الفوضى العارمة في واشنطن مثلاً؟ رغم أنّ المحللين يعتبرون احتمال نشوب حربٍ أهلية أميركية دون 10%، لكنني أرفعُ هذه النسبة لأكثر من 15%.
اقتصاد ودولار الولايات المتحدة في أخطر أوقاتهما
لن نأخذَ رأي خبراء الاقتصاد في الصين أو روسيا، إنما نتّكلُ على بيانات وزارة الخزانة الأمريكية USDT، التي ورد فيها (ارتفعَ دَينُ الولايات المتحدة الأميركية خلال 365 يوماً، 2,18 ترليون دولار ليتجاوز 38 ترليون دولار)! تخيلوا أيها الأكارم أنّ هذا الدّين كان في منتصف آب الماضي 37 ترليون، بينما تقديرات “خبراء” الاقتصاد “العباقرة” في اللجنة الاقتصادية للكونغرس الأميركي، قالت: (لن يتجاوز دَين الولايات المتحدة حاجز 38 ترليون دولار قبل نهاية شباط 2026)! كذبَ الخبراء ولم يصدقوا، فالحاجز كُسِرَ قبل موعدهِ بـ4 أشهر. أي أننا دخلنا التصاعد “خارج السيطرة”، والتسارع أصبحَ بعيداً عن التوقعات، وحجم الدّين الأميركي تجاوز 130% حجم الناتج القومي.
هذه معلومة خاصة لكم من مركز فيريل؛ تدفعُ الولايات المتحدة الأميركية مبلغاً خيالياً لقيمة الفوائد على الدَّين العام سنوياً، هل تعلمون كم هو؟ 1,4 ترليون دولار! وهذا قُبيل حلول عام 2026، أي قابلٌ للزيادة وليس للنقصان، حتى لو استولى ترامب على ذهب وبترول فنزويلاً كاملاً ومعهُ بترول نيجيريا وذهب تشاد والنيجر. كي نعرفَ حجم الفائدة السنوية، فيكفي أن نعرف أنها تعادل ميزانية تركيا وأكثر من ميزانية السعودية! أي لن تستطيعَ دولُ الخليج مجتمعةً مساعدة الولايات المتحدة، كما يتخيّل البعض.
حذّرَ خبراء الاقتصاد العالميون، من إنهيار ليس ببعيد لأقوى اقتصاد في العالم. كذلك أوردت كبريات المجلات والصحف الاقتصادية والبنوك الرئيسية والجامعات، بينها الأشهر The Economist، والبنك الأقوى JPMorgan، على لسان مديره James L. Dimon، أيضاً أقدم كلية اقتصاد في العالم Wharton School في جامعة بنسلفانيا، شملتْ التحذيرات: قطاعَ الاقتراض. العقارات. إفلاس الشركات. الإئتمان الخاص، موجة تضخّمٍ عالمية وأميركية مع بداية عام 2026. ونورد هنا حرفياً ماورد: (تسيرُ الأسواق المالية الأميركية فوق أرض رملية رخوة، مع تفاؤل زائف، ويكفي ظهور صرصور جديد واحد ليعيد الخوف إلى Wall Street)، وما أكثر الصراصير في نيويورك.
من قلبِ نيويورك هذا التقرير الخطير
من عاصمة الاقتصاد العالمي والأميركي، نيويورك ومن أهم شارع مال Wall Street نقرأُ عليكم أيتها السيدات والسادة الأفاضل التالي، وهو مُترجم عن تقرير عام 2024 الصادر عن NYSE. New York Stock Exchange:
(قفزتْ عوائد السندات الأميركية المؤجلة لعشر سنوات بنسبة 5,2%، وهي نسبة كبيرة لكنها سامة)! كيف هذا؛ نسبة زيادة كبيرة لكنها سامّة؟! يُكمل التقرير: (لدينا عجزٌ مالي سنوي لعام 2024 قدرهُ 1,8 ترليون دولار، تُضافُ إليه مصروفات خدمات 515 مليار دولار، وهذا ليس الأسوأ) ما هو الأسوأ إذاً؟ (الأسوأ هو تراجع ثقة المستثمرين في قدرة الولايات المتحدة على سداد ديونها على المدى الطويل، وبالتالي تراجع أسعار السندات الأميركية طويلة الأجل. أمّا الأخطر فهو تقليص البنوك المركزية الأجنبية في الصين واليابان وغيرها، حيازاتها على سندات الخزانة الأميركية بسبب مخاوف جيوسياسية ومالية).
صحيحٌ أنّ عوائد السندات ارتفعت عام 2024، بسبب أسعار الفائدة المرتفعة، لكن سعر هذه السندات انخفضَ مُسبباً خسائر كبيرة للمستثمرين، ومع تصحيح أسعار الفائدة، وهذا ما حذرنا منه في مركز فيريل بأنها لعبة خطيرة، هنا ومع خفض سعر الفائدة، بدأ المستثمرون الكبار بالتخلص من هذه السندات، لتلاشي الثقة بالدولة والاقتصاد الذي كان يوماً، ملاذاً آمناً. وكمعلومة إضافية؛ كانت الصين تمتلكُ عام 2014 سنداتِ الخزانية الأميركية بقيمة 1,16 ترليون دولار، باعت، والأصح تخلّصت من 400 مليار دولار منها خلال 12 شهراً الماضية، وهذا ما تفعلهُ دول الخليج أيضاً، واليابان وكوريا الجنوبية، إنه القفزُ من السفينة التي تغرق.
كيف ستنهار الولايات المتحدة الأميركية؟
لا نؤمنُ بوجود سيناريو واحد مُحدّد لانهيار الولايات المتحدة. حسب مركز فيريل للدراسات اجتمعت ومازالت، عدةُ أسباب جعلت مستقبلَ الاتحاد الفيدرالي الأميركي غامضاً، وإمكانية تحوّل هذه الإمبراطورية الكبيرة إلى دولة قوية، مسألة وقت لا أكثر، ضمن سيناريوهات تتشاركُ فيها الأسبابُ السابقة مجتمعةً.
يتقاسمُ الجمهوريّون والديموقراطيّون مناصفةً المسؤولية عن هذا الانهيار، بينما توجّهُ طريقة إدارة دونالد ترامب “الفاشلة” رصاصةَ الرحمة، لكن هناك طريقة أخيرة سيتبعها الحكّام الحقيقيّون للولايات المتحدة قبل الإنخراط بحرب عالمية، وهي الاستغناء عن الدولار نهائياً، كيف ولماذا؟ هذا بحثٌ واسع أيضاً سنتطرقُ له لاحقاً في مركز فيريل، لكن تذكروا أنّ أول مَنْ سيستغني عن الدولار الورقي هي واشنطن!
هذا التخبّط ومحاولة التظاهر بجبروت راعي الأبقار، دليلُ ضعف لا قوة، أرادَ رامبو احتلال كندا وبنما وغريندلاند، خاض ويخوضُ حرباً تجارية ضدّ العالم، لكنه يلحسُ قرارتِهِ دائماً ضد الأقوياء. فرّضَ على أتباعهِ الأوروبيين شروطه التعجيزية، السياسة والاقتصادية، باعهم الغاز بخمسة أضعاف الغاز الروسي! ورضخوا كالنعاج. قصفَ إيران واليمن وقبلها سوريا، وفشلَ في تحقيق أهدافهِ. ظنّ أنّه سيخدع الجميع بصفقاتٍ “الترليونات” مع السعودية والإمارات، ليظهر كذبهُ خلال أيام فقط. يريدُ جائزة نوبل للسلام وبيدهِ لهيبُ الحروب، ويسعى لدخول الجنّة لأنه “قديس”!. البارحة يريد غزو فنزويلا ويُهدد كولومبيا، واليوم عينهُ على نيجيريا ومالي والنيجر!! وغداً سيلجأ لأكذوبة جديدة عسى أن تبقى الكاميرات موجهة إلى شخصه “النرجسي”. هذه ليست براعة سياسية وبراغماتية وشطارة ولا حتى تجارة، هي عكس ذلك تماماً.
لن يكون إنهيار الولايات المتحدة دفعة واحدة، إلا في حالة حرب عالمية كبيرة، بل سيكون ويجب أن يكون “إنهياراً تدريجياً”، لتجنيب العالم مصائب اقتصادية ومعيشية، وضمان عدم وصول الأسلحة الأميركية الخطيرة إلى أيادٍ أكثر قذارة.
فعلياً وعلى أرض الواقع؛ بدأ إنهيار الولايات المتحدة لكن بشكل تدريجي. لا يعودُ الفضلُ في كونِ هذا الإنهيار تدريجيّاً إلى الأميركيين، بل إلى أعدائهم الكبار، وأولهم الصين ودول أخرى خزّنت على مدى عقودٍ طويلة، مليارات الدولارات “الورقية” كعملة صعبة، ومعها خزّنت بقيمة أعلى “سندات الخزينة الأميركية”، ونكرر هنا بعض ما ورد في الفقرة السابقة، كمثال وبالأرقام: الصين أكبرُ مالكٍ لتلك السندات، القيمة الحالية وأثناء إعداد هذا البحث في مركز فيريل في تشرين الأول 2025، هي 695 مليار دولار فقط، فلو انهارت الولايات المتحدة فجأة، سينهارُ معها الأخضر، وبالتالي ستُصيبُ الكارثةُ الصينَ وكافة الدول التي تدورُ في الفلك الدولاري. لهذا نرى أنّ عمليات “اللسع الصيني” غير قاتلة عن قصد، ريثما تتخلّص من مخزونها الأخضر، وبعدها ستكون الضربة القاضية.
باءت خطط دونالد ترامب بالفشل، وكانت قبلَ شهور لخفض الإنفاق، وأهمها ترشيدٌ يصل حدّ قطع المساعدات الدولية، وبموافقة الديموقراطيين. لم يجنِ هذا التقشف سوى بضعة ملايين لا تكفي لدفع رواتب جيشهِ شهراً واحداً، فكيف سيُحارب هذا “المارد الورقي” جيوشاً ودولاً عملاقة؟
ختاماً؛ الولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأكثر تطوراً في مجال التكنولوجيا، وصاحبة أقوى اقتصاد وأعظم جيش، الدولة التي سجّلت 70% من اختراعات القرن العشرين، دخلت النفق المظلم، وقد لا تخرج منه إلا دولاً مشتتة، ومع الدولار الرقمي وفوقه الذكاء الصناعي. لكن يبقى السيناريو الأسوأ أن تظنّ واشنطن ويظنُّ أتباعها أنهم قادرون على “الإنعاش”، والعودة كما كانت عام 1990، فيسعون لتحقيق ذلك على حساب مئات الملايين من الأرواح. مع إشارةٍ أخيرة إلى أنّ البديل عن الولايات المتحدة الأميركية، لن يكون أقلَّ سوءاً منها. الدكتور جميل م. شاهين. 03.11.2025. مركز فيريل للدراسات.