لا تُحاربوا الروس. بحث من مركز فيريل للدراسات. الجزء الأول

لا تُحاربوا الروس. بحث من مركز فيريل للدراسات. الجزء الأول 08.11.2022. المهندس باسل علي الخطيب. زيد م. هاشم. الدكتور جميل م. شاهين.

نطرحُ في هذا البحث أسئلةً تدور  حول ما جرى ويجري في أوكرانيا على كافة الصعد؛ العسكرية والسياسية والاقتصادية، مع إجاباتٍ عنها حسب رؤية مركز فيريل للدراسات. الحرب الفعلية لم تبدأ حتى تنتهي وما يجري هو تدريبات على حرب كبيرة يتمّ تأجيلها لكنها في النهاية ستقع. حربٌ لن تقتصرَ على ساحة معيّنة أو بين دولتين. الاصطفاف النهائي لم يحصل بعد، ومازال أمام الفرقاء متسعٌ من الوقت للتفاوض وتوقيع معاهدات واتفاقيات ثم نقضها مع قدوم حزب حاكم جديد ومعه رئيس جديد أيضاً.

هل تجاوزَ دلال أوكرانيا دلال إسرائيل!

لم تحظَ دولة بمساعدات عسكرية أميركية كما حظيت أوكرانيا. حتى الكيان الصهيوني لم يصل لهذه المرتبة، فقيمة تلك المساعدات العسكرية فقط وصلت اليوم إلى 18,6 مليار دولار ، بالإضافة لمساعدات من الدول الأخرى، فهل هذا كافٍ لتحقيق النصر على روسيا؟

أول حزمة مساعدات أميركية وصلت الكيان الصهيوني كانت عام 1949، ومن يومها حتى شباط 2022 كانت حصّة تل أبيب 55% من جميع المساعدات الأميركية لباقي دول العالم، لتصل إلى 260 مليار دولاراً حسب تقديرات مركز فيريل للدراسات خلال 73 عاماً بمتوسط سنوي 3,5 مليار دولار.

حجم المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، سيصل مع شباط 2023 إلى 25 مليار دولار، وهو ما يعادل أكثر من 7 أضعاف ما تقدمهُ واشنطن لإسرائيل سنوياً، عِلماً أنّ تل أبيب خاضت عدة حروب ضد سوريا ومصر ولبنان وهي في وضع حرب دائم وعدوان مستمر ضدّ الجيش السوري والمقاومة في فلسطين.

الدلال الذي حظيت به أوكرانيا لم تحظّ به دولة أخرى، كيف؟ بالتدقيق وجدنا في مركز فيريل أنّ واشنطن وإدارة جو بايدن تحديداً، عندما تتحدث عن قيمة مساعدة ما، تُعطي رقم التكلفة وليس سعر بيعها تجارياً، والسبب عدم شحن الشعب الأميركي أكثر ضد أوكرانيا وضد الحزب الديموقراطي الحاكم، وهو يرى المليارات تتدفق على غيره. لهذا فقيمة المساعدات تصلُ لضعف الرقم الرسمي.

هل تُحارب روسيا أوكرانيا أم الناتو؟

نشر البنتاغون بعض التفاصيل عن كمية ونوعية الأسلحة المُقدمة لكييف حتى أيلول الماضي؛ منها 1400 نظام ستينجر المضاد للطائرات، 32000 نظام مضاد للدبابات، 8500 نظام جافلين المضاد للمدرعات، 1420 طائرة مسيرة من نوع Aero Vironment Switchblade ونوع Phoenix Ghost وهذه الأخيرة هي الأحدث في الترسانة الأميركية ولم تُزوّد بها واشنطن بعد أية دولة حول العالم. تُضافُ لهذه الأسلحة ما ورد من الدول الأوروبية.

كي نعلم مدى الإنخراط الأميركي في الحرب بأوكرانيا، ننقل لكم معلومات خاصّة بمركز فيريل للدراسات كمثال عمّا جرى في إحدى ساحات المعارك. بتاريخ 12 نيسان 2022 وصلت كييف 119 طائرة مسيرة من النوعين السابقين، استخدمت مباشرة من قِبَل خبراء عسكريين أميركيين ضد الجيش الروسي الذي يُحاصر ماريوبول جنوب أوكرانيا. تتذكرون ذلك الحصار وكم احتاج من وقت وتحدثت وسائل الإعلام الغربية عن بطولات المُحاصرين. لا نستغربُ في مركز فيريل لماذا لا تكشفُ السلطات الروسية عن بعض الحقائق التي وصلتنا وتمتلكُ أضعافها دون شك، ربما كي لا تجد نفسها أمام وضع قتالي مباشر مع الجيش الأميركي وعليها التصريح بذلك علناً، وبالتالي توسّع الحرب إلى ما لانهاية.

باقي معلوماتنا تقول: دعكم من بروباغندا طائرات البيرقدار ، التي فقدت أهميتها بعد تمكّن الروس من إسقاط العشرات منها ونضوب المخازن. الدور الأبرز هو للمسيرات الأميركية وفي حصار ماريوبول والتقدم الأخير في شمال شرق أوكرانيا خير مثال. طائرات “شبح العنقاء” حسب ترجمتها للعربية، والتي تجاوز ما حصل عليه الجيش الأوكراني 700 طائرة حسب المُعلن، في الأيام الأولى كانت مشاركة الأميركيين أساسية، بعدها استطاع الأوكران التدرب على استخدامها.

قسم كبير منها طائرات انتحارية صغيرة الحجم تُحمل في حقيبة على الكتف، تعمل ليلاً بالأشعة تحت الحمراء، تقترب من الهدف وتنفجر مباشرة قبل أن تصطدم به. يمكنها التحليق 6 ساعات متواصلة. هذه الطائرات استطاعت تكبيد الروس خسائر كبيرة وإيقاف زحفهم، وفي الشمال استطاعت اختراق الخطوط وتدمير مئات المدرعات والدبابات وهنا حصل التقدّم الأوكراني.

روسيا اليوم تُحارب الناتو بنفس الأسلوب عبر المسيرات الانتحارية، وبنفس أسلوب الجيش الأميركي؛ الأرض المحروقة. تدمير كل شيء فلماذا تُحافظ على مبانٍ عامة طالما سيتم استخدامها عسكرياً. هذا مافعلته الولايات المتحدة في كافة حروبها الأخيرة؛ قصف وتدمير المدن عدة أيام قبل دخولها.

هل سيأتي كسرُ القيود بعد الجوع والبرد وغلاء الأسعار ؟

لاشك أنّ الحرب تُدمّر كافة الدول التي تُشارك فيها، وقد قلناها منذ البداية؛ أول المتضررين هي أوكرانيا ثم أوروبا بعدها روسيا والولايات المتحدة. لهذا لا رابح في أية حرب.

أحد الطرق التي بات يتبعها الروس علناً هي حرب الغذاء والطاقة والصبر، وكي لا نتجنّى على موسكو؛ كييف تُقدّم المبررات مجاناً للصواريخ الروسية كي تقصف كلّ ما يتحرّك، وآخرها الهجوم بالمسيرات على الأسطول الروسي في البحر الأسود وميناء القرم الأول، الهجوم هذا قدّم مُبرّراً لانسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب وجعل أسعار القمح ترتفع هنا في برلين 7% خلال ساعات فقط، حتى الشعير لن يجدهُ أصحاب العقوبات. صحيح أنّ روسيا عادت للاتفاقية لكنها ستستخدمُ أية ذريعة لإيقافها ومنع الحبوب عن الغرب.

بلغة الأرقام؛ العقوبات الأوروبية في مجال الطاقة ضد روسيا بدأت فاتورتها التقديرية بـ400 مليار يورو، يوم كان هناك عملة اسمها يورو… اليوم سيدفع الاتحاد الأوروبي 157 مليار دولار ثمن الغاز المسال للولايات المتحدة والنرويج سنوياً، عوضاً عن الغاز الروسي الذي كانت فاتورته وسطياً لا تتجاوز ثلث هذا الرقم وبضعف الكميات.

الحال هذه لا يمكن أن يستمرَ فيها الاتحاد الأوروبي هذا الشتاء وبودار الاستسلام بدأت تلوح، ومعها بوادر كسر قيود العبودية الأميركية بزيارة أولاف شولتز للصين قبل يومين. والمزيد قادم بما في ذلك المفاوضات مع موسكو قبل أول سقوط للثلوج في أوروبا.

خزانات ألمانيا ممتلئة 95%، هل هذا كاف؟

استطاعت عدة دول أوروبية ملء خزاناتها الاستراتيجية من الغاز الروسي بطريقة ملتوية، وذلك عبر شراء الغاز عن طريق الصين، كونها تفرض عقوبات على موسكو… المهم امتلأت تلك الخزانات، فهل هذا مُطمئن وكافٍ لشتاء بارد؟

ما لا يعرفهُ البعض أنّ الخزانات الاسترتيجية مملوكة لشركات خاصّة وجزء بسيط للدولة لا يتجاوز 10%، وكمثال؛ شركة Trading Hub Europe تُسيطر على سوق الغاز  الألمانية، اضطرت الحكومة لمنحها 15 مليار يورو لتخزين المزيد من الطاقة، ومنها 60 تيراوات ساعي. وهو ما يعادل ربع ما تخزنه الدولة الألمانية.

تناقلت وسائل الإعلام الغربية نقلاً عن مسؤولين أوروبيين كبار أنّ المخزون الاستراتيجي بات يكفي 3 أشهر على الأقل، في إشارة لاستغنائهم عن الطاقة الروسية، وهذا خداع للشعب قبل روسيا، لماذا؟ سنأخذ الولايات المتحدة صاحبة أكبر مخزون استراتيجي في العالم. القدرة القصوى للتخزين هي 635 مليون برميل. الاستهلاك اليومي 18 مليون برميل، أي يكفي هذا المخزون نظرياً 35 يوماً فقط. لكن؛ لا يمكن أن سحب أكثر من 4,5 مليون برميل يومياً كحد أقصى، لهذا في حالة تكرار سيناريو 1973 لا يمكن استخدام مصادر الطاقة “البترول” إلا بنسبة 25% أي للمراكز الحيوية الهامة؛ المشافي ومصانع السلاح والجيش والأمن، وفي هذه الحالة سينقطع البترول عن الشعب الأميركي دون شكّ، عندها فقط سيكفي لعدة أشهر، فهل تستطيعُ الشعوب الغربية الحياة أربعة أشهر دون طاقة؟

مَنْ صاحبُ المصلحة بإطالة الحرب؟


ليست الإجابة على هذا السؤال بهذه السهولة لأنها تتعلّقُ بتطورات الصراع وليس بالأهداف المعلنة وحسب، والأمر نسبي متغيّر حسب ظروف المعارك وسيرها وما يرافقها من أحداث هامة مصيرية. ففي البداية كان من مصلحة أوروبا أن تطول الحرب لاستنزاف روسيا، الآن انقلبت الصورة؛ فإطالة الحرب أصبحت استنزافاً لخزينة الاتحاد الأوروبي المالية والعسكرية والشعبية.
اليوم ونحن في بداية تشرين الثاني 2022، من مصلحة روسيا وإلى حدّ ما الولايات المتحدة أن تطول هذه الحرب لكن لكلّ أسبابه. موسكو تنتظر الشتاء لتحقيق النصر على الناتو قبل أوكرانيا، وواشنطن تنتظرُ هزيمة الروس بأية وسيلة حتى لو كانت عبر المخلوقات الفضائية.

تسعى الإدارة الأميركية الحالية لإطالة أمد الحرب قدر الامكان، بدءاً من منع زيلينسكي من إكمال التفاوض في الأيام الأولى للحرب وحتى تاريخه. مروراً بتقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية للأوكرانيين ليستمروا بالقتال حتى آخر جندي، وانتهاءً بنشر القاذفات الاستراتيجية والقنابل النووية عند حدود روسيا. ولكن ماذا عن نتائج الانتخابات النصفية الأميركية؟ الأخبار تشير اليوم 08.11.2022 إلى تفاوض أميركي مع روسيا وما خفيَ أعظم.

من مصلحة دول الخليج العربي، التي بدأت تتنفس الصعداء بتخفيف الضغط الأميركي عليها وبدء ظهور استقلالية القرار السعودي تحديداً، ومزيد من الأرباح بسبب ارتفاع أسعار البترول والغاز.

ليس من مصلحة معظم دول العالم، خاصة الفقيرة منها، أن تطول هذه الحرب أكثر، فالمجاعة باتت تدقُّ الأبواب.

هل كانت أوكرانيا فخاً نصبتهُ الولايات المتحدة لروسيا؟

لا تُحاربوا الروس. بحث من مركز فيريل للدراسات. الجزء الأول 08.11.2022. الدكتور جميل م. شاهين. الجزء الثاني يأتيكم بعد يومين. مع تحياتنا.