لا تُحاربوا الروس. بحث من مركز فيريل للدراسات. الجزء الثاني

لا تُحاربوا الروس. بحث من مركز فيريل للدراسات. الجزء الثاني 01.12.2022. المهندس باسل علي الخطيب. زيد م. هاشم. الدكتور جميل م. شاهين.

طرحنا في الجزء الأول من هذا البحث أسئلةً حول ما جرى ويجري في أوكرانيا على كافة الصعد؛ العسكرية والسياسية والاقتصادية، مع إجاباتٍ عنها حسب رؤية مركز فيريل للدراسات. وذكرنا أنّ الحرب الفعلية لم تبدأ حتى تنتهي، وما يجري هو تدريبات على حرب كبيرة يتمّ تأجيلها لكنها في النهاية ستقع، وكلّ يوم قتال يمر يؤكدُ أنّ الأهداف لاتنحصرُ في السيطرة على أوكرانيا إنّما هي مرحلة فقط قبل حربٍ لن تقتصرَ على ساحة معيّنة أو دولتين. الاصطفاف النهائي لم يحصل بعد، ومازال أمام الفرقاء متسعٌ من الوقت للتفاوض وتوقيع معاهدات واتفاقيات ثم نقضها، مع قدوم حزب حاكم جديد ومعه رئيس جديد أيضاً. نطرحُ اليوم المزيد من الأسئلة مع الإجابة عليها حسب رأينا وخبرتنا.

هل كانت أوكرانيا فخاً نصبتهُ الولايات المتحدة لروسيا؟


نجحت الولايات المتحدة بإشغال روسيا في عدة ملفات على مدى ثلاثة عقود منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. أوكرانيا أحد تلك الملفات التي وقفت حجرة عثرة أمام التوسع الجيوسياسي الروسي. نعم؛ ما نراه في مركز فيريل أنّ الحرب في أوكرانيا كانت فخّاً نصبته واشنطن ليس لموسكو وحسب، بل لمعظم الدول بما في ذلك الصين وحتى حلفائها الأوروبيين، لهذا نُسمّي هذه الحرب بالنسبة لروسيا “حرب الإجبار وليس الاختيار” أي روسيا اضطرت لهذه الحرب عندما صار أمنها القومي في خطر، وكييف ستشكل هذا الخطر الوجودي فيما إذا انخرطت في حلف الناتو، لهذا كان لابد من الجراحة الشاملة.

روسيا اضطرت لخوض هذه الحرب وعليها أن تنتصر، بينما المطلوب أميركياً أن تنتصر أوكرانيا، ماذا لو انتصرت روسيا؟ ستكون كارثة لأوروبا والناتو والولايات المتحدة. كارثة لليسار العالمي بالمعنى المجازي. فيريل للدراسات.

هل إطالة الحرب تفيدُ الولايات المتحدة؟


منذ 24 شباط 2022 وحتى تاريخه؛ تُحاول الولايات المتحدة إطالة الحرب بانتظار هزيمة الجيش الروسي أو استنزافه واستنزاف الاتحاد الأوروبي، فهل يصبّ هذا بمصلحتها؟

مبدئياً؛ نعم صبّ ويصبُّ هذا في مصلحة الولايات المتحدة فهي الأقل تأثراً من كافة النواحي بعواقب الحرب والعقوبات المفروضة على روسيا، رغم ارتفاع الأسعار فهي بحال اقتصادية أقل سوءاً من كافة حلفائها الغربيين، ولكن على المدى الطويل قد ينقلبُ الأمر ضدها.

تأثرت اقتصاديات كافة دول العالم سلباً بالحرب، بينما حتى اللحظة يبدو الاقتصاد الأميركي الأقل تأثراً رغم نسبة تضخم قياسية، في حين استطاعت سحب رؤوس الأموال من حلفائها برفع نسبة الفائدة في البنك الفيدرالي الأميركي. إضعافُ أوروبا هدف أميركي آخر وهنا يأتينا السؤال: ماذا لو استفاق هؤلاء الحلفاء الأوروبيّون وعاملوا واشنطن بالمثل؟ ومَنْ قال أنّ الأوروبيين لا يعرفون أنهم “أغنام” تُساق للذبح، وهل تستطيعُ الأغنام الاعتراض؟

إطالة الحرب تعني المزيد من الدعم الأوروبي والأميركي، إلى متى؟ المظاهرات والإضرابات بدأت تُحرجُ الساسة الأوروبيين مترافقة مع نسب تضخم مرتفعة وشتاءٍ بدأ ولم يعد على الأبواب.

الجمهوريون لم ينجحوا كأغلبية في مجلس الشيوخ، فقط في مجلس النواب، لكنهم رغم ذلك يمكنهم تعطيل قرارات الديموقراطيين ورئيسهم جو بايدن، وهنا نقول تعطيل ثم تحويل هذه القرارات نحو العدو الأهم بنظرهم وهو التنين.

أمر آخر، إطالة الحرب تعني احتمال توسعها لتصلَ إلى مواجهة مباشرة مع بعض دول الناتو “المتحمسة”، وشاهدنا محاولة إشعال الحرب مع الناتو بعد سقوط صاروخ “أوكراني” في بولندا، كما أُخرِجَ المشهد سلمياً وتمّ تأنيب زيلينسكي لأنه أراد إشعال النيران أكثر. الغريب هنا أنّ أضعف الدول عسكرياً هي صاحبة الصوت الأعلى والتهديد الأشد. فليتوانيا التي تمتلك 2700 جندي مقاتل فقط، هددت روسيا! حتى الآن، لا تريدُ الولايات المتحدة أية مواجهة مباشرة مع روسيا وستتغاضى عن الحوادث البسيطة.

ما مدى أهمية الحرب في أوكرانيا للطرفين؟

حتى 25 حزيران 1994 تاريخ انسحاب آخر جندي “سوفيتي” من ألمانيا الشرقية بعد توحيد الدولة وانهيار الاتحاد السوفيتي، كانت برلين “الشرقية” تدافعُ عن أسوار موسكو من جهة الغرب. بعدها تولّت كييف تلك المهمة.

عقبَ احتجاجات 21 تشرين الثاني 2013 والانقلاب على السلطة الحاكمة بمساعدة الولايات المتحدة. بدأ التحرّك الروسي للدفاع عن أسوار موسكو باسترجاع شبه جزيرة القرم في العام التالي. اليوم؛ لن تتراجع روسيا أكثر ولن تنكمش في الكرملين، لهذا لن تسمح لأيّة دولة المساس بأسوار موسكو وستمضي حتى النهاية.

بالمقابل؛ نرى في مركز فيريل للدراسات أنّ هذه الحرب مصيرية أيضاً للولايات المتحدة وقد نختلف مع كثيرين في ذلك. واشنطن تتقصّد التظاهر بأهمية متوسطة أو عدم أهمية انتصار روسيا، والتركيز أكثر على الحرب مع الصين. ما نراهُ هو أنّ نتائج الحرب في أوكرانيا مصيرية لروسيا وللولايات المتحدة وللصين أيضاً، وهي حربٌ بين الشرق والغرب وبين اليمين واليسار، والمنتصر سيسيطر والخاسر سينكفئ ويجلس في الزاوية. وهنا تتجلى حساسية وخطورة هذا الصراع.

اليمين الأوروبي بدأ يصعد قبل شباط 2022، لكن هذا الصعود تسارعَ أكثر وأطاحَ بعدة زعماء من اليسار، آخرها ما حصل في إيطاليا.

زعماء أوروبا أمام أوامر الولايات المتحدة؛ ضعفاء أم أغبياء؟

أوروبا في أضعف أيامها وتفككها منذ توقيع اتفاقية Maastricht Treaty في 07 شباط 1992، وتبعيتها للولايات المتحدة باتت أوضح وإذعانها وصل إلى مرحلة الإذلال هذه الفترة. حاول العديد من زعمائها صرنا نلمسُ قرارات وإجراءات حكومية أوروبية ونسمعُ تصريحات وزراء، هي نسخة طبق الأصل عن قرارات وتصريحات وزراء دول ما يُسمى مجازاً “العالم الثالث”. قراراتٌ تهدمُ الاقتصاد وتسحبُ “اللقمة” من فم المواطن الأوروبي كي يشتروا بها رصاصة لبندقية جندي أوكراني. هنا امتزجَ الهوان والتبعية الأوروبية بالعجز السياسي، نتائجُ هذا العجز نراها اليوم ولن ننتظرها حتى ينتهي الشتاء وشوارع أوروبا تتكلم.

الكذب وصل إلى النشرات الجوية!

في أيلول الماضي كنا نُجري بحثاً في مركز فيريل للدراسات عن صيف 2022 وشتاء 2023 وتوقعات الأرصاد الجوية ومراكز التنبؤ العالمية، لكننا لم نقتنع نهائياً بما وردنا أو حصلنا عليه من تلك المراكز لسببين الأول هو التناقض الكبير بين النموذج الأميركي والأوروبي لتوقعات الطقس، والسبب الثاني هو تناقض التصريحات مع خرائط الطقس، فالنموذجين اتفقا بأمر واحد هو “شتاء عالمي دافئ أكثر من السنوات الماضية” وهذا أمرٌ مشكوك فيه تماماً.

مع بداية تشرين الثاني 2022 وبصورة مُبكّرة، تساقطت ثلوج كثيفة استثنائية في الولايات المتحدة منطقة البحيرات العظمى، ويسود الآن طقس بارد بحدراة دون المعدل، وهذه أول أكاذيب نشرات الطقس والتوقعات البعيدة، بالإضافة لأكاذيب أخرى آخرها ما يجري حالياً هنا في أوروبا، حيثُ تُشير نماذج الطقس الأوروبية إلى موجة باردة ثلجية قادمة من وسط وشمال روسيا بتغذية قطبية، ستسيطر على وسط وشمال أوروبا بدءاً من 8 كانون الأول الحالي، على النقيض تماماً؛ النماذج الأميركية تُطمئنُ المواطن الأوروبي بأن الطقس سيكون دافئاً ولا ثلوج في الطريق على المدى المنظور على الأقل. أيام قليلة وتنكشف الحقيقة.

مَنْ توقّعَ أن تستمر الحربُ في أوكرانيا شهوراً؟

بدون شك الجواب: لا أحد. حتى المخابرات الأميركية توقعت سقوطَ كييف خلال أيام، وأن يسيطر الجيش الروسي على أوكرانيا خلال شهر على أبعد تقدير. هذا ما نشرته شبكة (CNN)  بناءً على مصدرين مطلعين على أحدث المعلومات الاستخباراتية الأمريكية التي أفاد بها مسؤولون أمام الكونغرس الأميركي، الإفادة جاءت يوم الخميس بعد بدء الهجوم الروسي بساعات فقط، وبثته الشبكة يوم الجمعة 25 شباط 2022، أي ثاني أيام الحرب. حسب الشبكة الأميركية ننقل لكم حرفياً: (يعتقد مسؤولو المخابرات الأميركية والغربية أنّ العاصمة كييف ستقع تحت السيطرة الروسية في غضون يوم إلى 4 أيام. وقال مسؤولون أمريكيون للمشرعين في الكونغرس، مساء البارحة الخميس 24 شباط، إنّ القوات الروسية “وصلت إلى مسافة 20 ميلاً” حوالي 32 كيلومتراً من العاصمة كييف. نعتقدُ أنّ روسيا ستواجه مقاومة من القوات الأوكرانية “أشد مما توقعنا”).

كانت الخطة الروسية تتضمن ظاهرياً على الأقل؛ الوصول إلى قلب كييف والإطاحة بالحكومة وتنصيب حكومة صديقة لروسيا، أي حتى الروس توقعوا أن تنتهي الحرب خلال أيام. ما جرى قلبَ كافة التوقعات؛ الجيش الأوكراني أبدى مقاومة شرسة غير متوقعة، كونه يدافع عن أرضه وتمّ تسليحه بشكل جيد من الغرب قبل وأثناء الحرب. هنا غيّرت موسكو من خططها بعد فشل مخابراتي أولاً في تقييم قوة الأوكران وتوقعات ردة فعل الناتو. فبدأ مسلسل تغييرات في القيادات العسكرية مازال مستمراً، وخسائر بشرية وعسكرية أكبر من كافة التوقعات لثاني أقوى جيش في العالم.  

حالياً؛ ينقسمُ الغرب بين دول تسعى لإيقاف الحرب والجلوس لطاولة المفاوضات، بعد أن فقدت تلك الدول الأمل بإسقاط روسيا وعلى رأسها بوتين، وأخرى مازالت مصرّة على القتال ليسَ حتى آخر عسكري أوكراني، بل آخر مواطن أوكراني. بين هنا وهناك يدفعُ الشعب دائماً فاتورة الزعماء وتجار الحرب ومعامل السلاح والطاقة والطمع الذي لا ينتهي.لا تُحاربوا الروس. بحث من مركز فيريل للدراسات. الجزء الثاني 01.12.2022. الدكتور جميل م. شاهين. زيد م. هاشم. المهندس باسل علي الخطيب.

أمازلنا على مسافة قريبة من حرب عالمية نووية؟ نلقاكم بخير دائماً. فيريل للدراسات.