وسقطت “أم أربعة وأربعين” وصمدت “الخسّة”. سالم المرزوقي. تونس

الرؤوس الحامية تتساقط. سالم المرزوقي. تونس. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات 21.10.2022. بعد تأجيجه لنار الحرب في أوكرانيا ووعيده بسقوط موسكو وزعيمها، سقط رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون. سقط جونسون الذي كان يعشق شرب الشاي الإنكليزي على مائدة الممثل الأوكراني زيلينسكي، وهما يدفعان بالنازية الأوكرانية لمواجهة الروس تحت راية حلف شمال الأطلسي.

هل زرعت المخابرات الروسية مليارديراً في قلب لندن؟

لم يتكلّفُ جهاز الـ K.G.B  الروسي الكثير من العناء لكشف ماضي الفوضوي جونسون، الذي ربما قدّم معلومات هامة دون أن يدري فكان جاسوساً بالمجان.

القصة تجاهلها الإعلام الغربي لكننا نقدمها باختصار من مركز فيريل للدراسات؛ قصةٌ تربط بوريس جونسون مع يفغيني ليبيديف نجل الملياردير الروسي ألكسندر ليبيديف، صداقةُ كأس وسهرات حمراء منذ سنوات طويلة وقبل أن يُصبحَ رئيساً لبلدية لندن عام 2008.  

ألكسندر  ليبيديف، من مواليد 16 كانون الأول 1959، اقتصادي ورجل أعمال وعضو مجلس الدوما سابقاً. عمِلَ في المخابرات السوفيتية، المديرية الرئيسية الأولى، ثم في فرع المخابرات الخارجية ويسمى بالروسية Слу́жба вне́шней разве́дки عدة سنوات، وكان ضمن 13 ألف جاسوس خارجي منتشرين حول العالم. استمر بعمله بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، قبلَ أن يترك روسيا إلى بريطانيا حاملاً المليارات ويشتري صحيفة الإندبندنت “المُفلسة” عام 2012 بعد انهيارها بسبب الديون، ويُصبحَ فجأة “معارضاً” لبوتين…

حسب تقرير المخابرات البريطانية والذي نشر ت عنه EDITORI LATERZA الإيطالية عام 2021 بقلم GIANLUCA PAOLUCCI المؤسسة عام 1901 في مدينة باري؛ عَمِلَ ألكسندر ليبيديف في الـ

KGB  كجاسوس في السفارة السوفيتية في لندن عام 1988، ثم توسّعت نشاطاته الإقتصادية بالإشتراك مع Andrey Kostin، وهو أيضاً موظف في السفارة حتى عام 1990. بعدها انتقل إلى FSB الجهاز الجديد الذي خلف المخابرات السوفيتية حتى عام 1992 حيث قدّم استقالته.

هنا تدخل المخابرات الإيطالية على الخط بتقرير قدمتهُ إلى لجنة الرقابة البرلمانية (Copasir): (إنّ استقالة ليبيديف من FSB وهمية لأنّهُ شارك فيما بعد عدة مرات في اجتماعات KGB السنوية). أمرٌ آخر؛ من أين جاء ألكسندر برؤوس الأموال تلك وهو الشيوعي الموظف في السفارة السوفيتية بلندن؟ يُضيف التقرير الإيطالي: (يبدو أنّ ليبيديف وكيل يقوم بتشغيل أموال روسيا في قلب لندن).  

هل كان جونسون يتجسس لصالح المخابرات الروسية دون أن يدري؟

نيسان 2018، بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني آنذاك، يُشارك في حفلة بقصر  ألكسندر ليبيديف في إيطاليا، ويُمضي ليلة حمراء. استدعي بعدها من قِبل البرلمان البريطاني للإجابة على عدة أسئلة منها: لماذا سافر لوحده دون مرافقة أمنية؟ لماذا لم يلتزم بوريس جونسون بالتوصيات الأمنية للجنة المخابرات البريطانية MI6 والصادرة منذ عام 2013 حول تحديد العلاقة مع ألكسندر ليبيديف؟

الفضيحة الأكبر كانت عندما وافق بوريس جونسون على منح “يفغيني ألكسندر ليبيديف” صفة لورد، وتعيينه عضواً في مجلس اللوردات البريطاني مدى الحياة في الغرفة العليا للبرلمان البريطاني عام 2020. متجاوزاً أيضاً تقرير المخابرات البريطانية MI6 عن رفض هكذا تعيين.

دافعَ جونسون عن نفسه بالقول أنّ ليبيديف يُعارضُ احتلال روسيا لأوكرانيا وينشرُ ذلك على صفحات صحيفته The Evening Standard المجانية وقوله: (أنا فخورٌ  بكوني مواطن بريطاني ولستُ خطراً على أمن هذا البلد الذي أحبه… صحيح أنّ والدي عمل في الماضي البعيد في جهاز الاستخبارات السوفياتية لكنه لم يعد كذلك الآن).  

سقطَ بوريس جونسون المهووس بالحرب بعد المداراة على علاقته بالجاسوس الروسي ونجله، ونُسب سبب استقالته الأول لما سُمي فضيحة الحفلات في مقر الرئاسة أثناء الإغلاق العام بسبب وباء كورونا، لتخلفهُ مَنْ هي أسوأ منه؛ ليز تراس.

 وسقطت “أم أربعة وأربعين” وصمدت “الخسّة”


وصلت “الصهيونية” كما قالت عن نفسها، ليز تراس إلى كرسي رئاسة الوزراء البريطانية بريش طاووس أبيض، متوعدة روسيا بالإنهيار والخسارة المذلة، وبتحسين الوضع الاقتصادي لبريطانيا وهي خريجة أكسفورد في السياسة والاقتصاد.

قبلَ أن يسخنَ الكرسي أسفل ليز تراس وتذبلَ “الخسّة”، رُكّبت لتراس أجنحة فطارت مُسجلة رقماً قياسياً كأسرع رئيسة وزراء بريطانية في الاستقالة بواقع “أربع وأربعين يوماً” لهذا استحقت لقب “أم أربع وأربعين”.  وبعد أن قدّمت أسوأ برنامج إصلاح اقتصادي لم يأتِ به وزراء اقتصاد أكثر الدول فساداً وتخلفاً، قبل أن تتراجع عنه دون جدوى.

نقابات بريطانيا طالبتها بالتراجع والاعتذار عن مشروع حزب المحافظين الاقتصادي، الذي يمنح الأغنياء تخفيضاً ضريبياً على حساب باقي طبقات الشعب، فيُساوي بين الفقير والغني. فمَنْ سيأتي بعدها؟ هل يُعقل أن يعود بوريس جونسون ثانية؟!

سقوط الأبراج ودمار أوروبا

الروؤس الحامية العاشقة للحروب والدمار في أوروبا والأطلسي تتساقط، لكنّ ما بقي منها حتى اليوم يكفي لإِذكاء نيران تلك الحروب أكثر وأكثر، فهل سينجحون؟

مرشحون كُثر للسقوط بينهم الفرنسي مانويل ماكرون والمستشار الألماني الأسوأ والأكذب والأضعف في تاريخها أولاف شولتز وحمّال الحطب الأكبر “جو بايدن” في الانتخابات النصفية مبدئياً.

 
رغم كل ما يحدث يطلع علينا الإعلام الغربي وعدة فضائيات عربية، يتحدّثون عن تأثير العقوبات على روسيا وقرب انهيار اقتصادها تمهيداً لانهيارها وتفككها، وكأننا نعيشُ في كوكب آخر، ولا نرى ما يحدث في الشارع الأوروبي.

يتحدثون عن إسقاط فلاديمير بوتين ويُروّجون لانتصارات رامبو الأميركي، بينما الذين يسقطون هم زعماء الغرب، فكيف نصدّقُ رواياتهم؟

برلسكوني الفائز بانتخابات إيطاليا يستقبل 20 زجاجة فودكا من فلاديمير بوتين بمناسبة عيد ميلاده، ويعيد لسيد الكرملين هدية أثمن من الويسكي والنبيذ الإيطالي المُعتّق، والأنباء الواردة لمركز فيريل من روما تتحدث عن اتصالات سرية مع موسكو، بينما اللافتات في المظاهرات هناك تدعو للخروج من حلف الناتو، مع رفع أعلام روسيا في معظم مظاهرات أوروبا، وعلينا أن نُصدّقَ أنّ العقوبات ضدها ناجحة وليست قمةً في غباء زعماء أوروبا.


هل انقلبَ السحر على الساحر  وسنرى استدراج دول كبيرة للدخول في البريكس كالسعودية؟ ثم يبدأ تفكيك حلف الناتو كما يجري حالياً هدم النظام العالمي ذي القطب الواحد؟  العالم أمام تغييرات جذرية تتعاظم تدريجياً حتى يصل اليوم الذي يُصبحَ فيه الدولار  عملة عادية فيقتل النمر الأمريكي، ويقتل معهُ كُلَّ مَنْ والاه واتبع خطاه ومشى ممشاه. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات، الدكتور جميل م. شاهين. 21.10.2022