هل سيكون ثمنُ الصلح مع سوريا حياة أردوغان؟ الأستاذ زيد م. هاشم

هل سيكون ثمنُ الصلح مع سوريا حياة أردوغان؟ إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 27.08.2022.

اختلفنا أم اتفقنا معه؛ استطاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النجاة عدة مراتٍ من شبكات صيد نصبها له أعداؤه، وخرج أيضاً مراتٍ من عنق زجاجة الاقتصاد والسياسة التي حوصر فيها، فهل سينجحُ هذه المرة أيضاً؟ أردوغان يفعلُ أيّ شيء للبقاء وحزبه على كرسي الحكم، حتى لو كانت النتيجة… حياته.

نهاية أردوغان واحدة من أربع

قبل ثلاثة أعوام تنبأ الكاتب والباحث الأميركي Michael Rubin، باقتراب نهاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. الكاتب خبير في الشرق الأوسط وأستاذ جامعي، شغل منصب مستشار عسكري في وزارة الدفاع الأمريكية. حالياً عضو في مؤسسة American Enterprise Institute  مؤلف ومحرر في مجلة Middle East Quarterly  تربطهُ علاقات وطيدة بتل أبيب حيثُ يُدرّسُ التاريخ في الجامعة العبرية في القدس وجامعة ييل، وأيضاً… في ثلاث جامعات شمال العراق. هذه النهايات لن تكون إلا واحدة من: القتل أو المنفى أو السجن أو الإعدام حسب الكاتب، يمكنكم مراجعة المقالة على موقع مركز فيريل للدراسات.

مرت ثلاث سنوات على “التهديد الأميركي” ومازال أردوغان على كرسيه، فهل سيجدد إقامته أم ستكون نهايته قبل زيارته لدمشق طالباً السلام وليس للصلاة في المسجد الأموي كما هدد وتوعّد؟

لماذا تسعى واشنطن للتخلص من أردوغان؟

الدور المنوط بتركيا دور تخريبي في المنطقة، وأقصوصة “صفر مشاكل مع دول الجوار ” التي قالها رئيس الوزراء التركي السابق ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، تقضي على هذا الدور وعلى مَنْ يقوم به. رجب طيب أردوغان بقي “محبوب” الغرب حتى تموز 2016. بعدها انقلبوا عليه لأنه أعلنَ عصيانه وسعيه لبناء مجده الشخصي والعثماني على حساب المهمة المُكلّف بها.

سياسة صفر مشاكل فشلت فشلاً ذريعاً، وتحولت إلى 100% مشاكل مع كافة دول الجوار دون استثناء، بل تجاوزها أردوغان إلى مشاكل مع الدول ما بعد بعد الجوار؛ السعودية ومصر والإمارات.

اليوم أدرك حزب العدالة والتنمية أنّ تركيا ليست دولة عظمى ولن تكون، وعليه مصالحة الجميع إن أراد أن يستمر في الحكم بينما الانتخابات على الأبواب. سياسة المصالحة هذه لا تُعجبُ واشنطن ولندن، وهذا واحد من أسباب عديدة تدعو للتخلّص من أردوغان.

فشل أردوغان في دور عرّاب الربيع العربي، حوّله برأيّهم من غزال رشيق إلى خنزير متوحش!

تتعامل واشنطن مع كافة حلفائها على أنهم كلاب صيد. على هذا الأساس كان المطلوب من تركيا أن تكون أداة تابعة لها، وبشكل أوضح “كلب صيد” وهذا تعبير تركي استخدم في الخمسينات كما ورد لوصفِ تركيا عقب أزمة صواريخ كوبا. نصّبَ الغربُ رجب طيب أردوغان عرّاباً  لمشروع الربيع العربي والفوضى الخلاقة، الذي يهدف لإنشاء الشرق الأوسط الجديد المبني على تقسيم الدول عرقياً وطائفياً وقومياً، لضمان استمرار الحروب والفوضى.

بدأ يتراجع عن لعب هذا الدور القذر لعدة أسباب؛ عندما أحسّ أردوغان أنّ وظيفته الصيد دون أن يُسمح له بتذوق ما اصطاده. أصرّ ليس على التذوق فقط، بل على كونه نداً لباقي زعماء الناتو وحصته في الطرائد يجب أن تكون الأكبر. تراجعَ أيضاً بعد فشله في عدة مهمات بشكل تام أو جزئي، بدءاً من سوريا ومصر وانتهاءً في تونس. نجح إلى حدّ ما في ليبيا. ليأتي تموز 2016، ويتأكد من درجة أهميته بالنسبة للغرب.

خلال سنة واحدة فقط؛ نشرت الصحافة الغربية 30 كاريكاتيراً ساخراً تناول أردوغان، وُصِفَ بأمير الإرهابيين ومنتهك حقوق الإنسان وقامع الصحافة والإعلام وداعم داعش، بل تم تشبيهه بأقذر الحيوانات! القناة السابعة الإسرائيلية، نشرت كاريكاتيراً يُصور أردوغان “خنزيراً” متوحشاً!

نموذج من صورة أردوغان في الصحافة الألمانية

إنقلاب تموز 2016 نقطة التحوّل الكبير. الارتماء في الحضن الروسي

كانت محاولة الانقلاب في 16 تموز لعام 2016، نقطة فاصلة ليس في تاريخ أردوغان وحسب بل في تاريخ تركيا. إنقلاب عسكري تلاه انقلاب تام نحو الحضن الروسي الأدفأ والأكثر أماناً.

وقف فلاديمير بوتين ضد الإنقلاب، وموسكو هي التي أنقذت رجب طيب أردوغان من الموت، راجعوا البحث الذي نشرناه عن الموضوع قبل 6 سنوات.  أقلعت طائرة أردوغان من مطار دالامان الدولي شمالي مدينة Marmaris  حيث كان يقضي إجازته، متجهة إلى أنقرة. بعد مغادرته بدقائق، قصفت مروحية الفندق الذي كان يقيم فيه. هناك مَنْ اتصل به وأخبره بضرورة مغادرته فوراً.

حلّقت طائرة أردوغان 7 ساعات أثناء سيطرة الاتقلابيين على الوضع مؤقتاً، طلب خلال هذه الساعات اللجوء السياسي في إيران  ثم أذربيجان واليونان وبلغاريا وحتى ألمانيا، جميعهم رفضوا، الدولة الوحيدة التي وافقت على طلبه كانت روسيا.

عقب الإنقلاب انقلبت العلاقة بين موسكو وأنقرة، وكما ذكرنا في بحثنا الذي نشرناه بعد 24 ساعة على الإنقلاب؛ كان للمخابرات الروسية دوراً أساسياً في إنقاذ أردوغان. المؤرخ العسكري الروسي ألكسندر شيريكوراد وفي مقال بتاريخ 29 تموز 2016 نشرته جريدة “Nezavisimaya”  الروسية قال:

(الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي دعموا العسكريين المتورطين في محاولة الانقلاب في تركيا. تقيمُ المخابرات الروسية قواعد تنصت حول تركيا وهذا ما تعرفهُ قاعدة إنجيرليك. لم تكن تلك المخابرات على علم مسبق بالانقلاب، لكن قبلَ حدوثه بثلاثة أيام، تحركت سفينة عسكرية روسية وعبرت مضيق البوسفور  نحو بحر إيجه، على مقربة من مكان إقامة أردوغان أثناء عطلته. كما أنّ اقتراب غواصتين من الأسطول الروسي في البحر الأسود نحو البوسفور  بالتزامن مع أحداث انقلاب 15 تموز لم يكن محض صدفة).

حديث المؤرخ الروسي أكده الكاتب التركي الشهير فولكان أوزدمير، ونشرتهُ صحيفة زمان التركية الموالية لأردوغان بتاريخ 8.04.2018 قائلاً: (التهديدات المتصاعدة من الغرب تزيد من تقرب العلاقات بين تركيا وروسيا كما حدث في عهد لينين وأتاتورك).

أول زيارة قام بها أردوغان بعد الانقلاب بثلاثة أسابيع فقط، كانت لروسيا، وهذا دليل على صحة ما ورد. فقمة 09.08.2016 في بطرسبورغ قلبت العلاقات بين البلدين، لتتحول إلى علاقات ومصالح اقتصادية وعسكرية وتعاون مخابراتي بما في ذلك الملف السوري.

استغلَ بوتين الإنقلاب لتصفية حلفاء الناتو في الجيش ومؤسسات الدولة التركية الأمنية والحيوية، وحسب المعلومات؛ أعطت موسكو  لأنقرة أسماء ضباط على علاقة بواشنطن ضمن صفوف الجيش والمخابرات التركية.  

دافع روسيا وراء ما فعلته لحماية أردوغان، هو سحب تركيا نحو الحياد على الأقل، فأوراق أنقرة القوية كثيرة ويمكنها خلق مشاكل كثيرة لموسكو هي بغنىً عنها، لهذا حياد تركيا أقل الشرور، وربما في جعبة الروس ما هو أكثر من ذلك. ملف أوكرانيا والدور المنوط بتركيا، أحد أطواق النجاة الروسية لأردوغان من محنته الاقتصادية والسياسية، وبنفس الوقت قد يكون أحد الحبال التي ستضغط عليه. التقارب الروسي التركي أحد أهم أسباب التخلص من أردوغان.

تطبيع العلاقات مع سوريا خط أميركي أحمر

المؤكد أنّ أيّ تطبيع أو إعادة للعلاقات التركية مع سوريا هو خط أحمر أميركي بريطاني إسرائيلي. وهذا ما أكدته الخارجية الأميركية قبل قليل وأثناء كتابة هذه المقالة.

نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتل، والكلام للخارجية الأميركية بتاريخ 26 آب 2022:

(الولايات المتحدة الأميركية ضد تطبيع تركيا ودول أخرى علاقاتها مع النظام السوري .ندعو الحكومات إلى التفكير ملياً في الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري على مدى السنوات الـ 10 الماضية، الولايات المتحدة لا تهدف إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، ولا ندعم الدول الأخرى لتطبيع العلاقات، ولن نرفع العقوبات عن سوريا، لا يمكن أن نرى أيّ تقدم نحو حل سياسي مع وجود الأسد).

هو تهديد صريح لتركيا ولأردوغان، بالعودة عن تصريحاته بعودة العلاقات مع سوريا، وتغيير أيضاً في الخطاب الأميركي في عهد الديموقراطيين، فإدارة دونالد ترامب الجمهوري طرحت “استراتيجية جديدة حول سوريا” أولها بقاء الرئيس السوري بشار الاسد في الحكم، و الموافقة على “المناطق الآمنة” التي طرحتها روسيا، والتعاون مع موسكو بتسيير دوريات في بعض المناطق السورية. هذه الاستراتيجية طرحها مستشار ترامبJared Kushner  ومستشار الامن القومي السابق  Michael Flynn.

إدارة جو بايدن انقلبت تماماً، وراحت تجري اتصالات مع زعماء المجموعات الإرهابية في إدلب وبعض المناطق الأخرى، لتحريك الملف الأمني ضد الجيش السوري والروسي، وإن اضطرت ضد الجيش التركي المحتل.

علاقات تركيا بإيران لا تبعث على الإطمئنان

التقارب التركي الإيراني أيضاً لا يروق لواشنطن. فالمصالح الاقتصادية بين البلدين، ساعدتهما على تمرير صفقات كبيرة بعيداً عن عيون العقوبات المفروضة على إيران. كما أنّ تحالفهما ضدّ الأكراد الانفصاليين، يُعطل مشاريع التقسيم وإنشاء كنتونات متصارعة في المنطقة.

أمر بعيد وقريب بنفس الوقت… ماذا لو قررت الولايات المتحدة وإسرائيل قصف إيران؟ هل ستوافق تركيا على فتح قواعد الناتو للطيران الحربي؟ بوجود أردوغان وسفن التجسس الروسية، سيكون الاحتمال ضعيفاً جداً.

هل سيغامر أردوغان ويُقابل الأسد؟

من خلال التصريحات والتحركات الأميركية ستكون خطوات أردوغان نحو دمشق خطيرة. أنقرة جسّت نبضَ واشنطن من خلال تصريحات إعلامية نقلتها وسائل إعلام تركية وإيرانية. تصريح زعيم حزب الوطن دوغو بيرينجيك: (زيارة سوريا مازالت مطروحة، وستكون في أيلول القادم، نقوم بإعداد وفد بينه رجال دولة وشخصيات مهمة لا تنتمي لحزب الوطن، وسيتم تحديد موعد الزيارة بحسب برنامج الرئيس السوري بشارالأسد).

تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 16.08.2022 هو الذي أشعل الفتيل: (إنّ المصالحة بين النظام والمعارضة هي أمر ضروري لتحقيق استقرار وسلام دائمين في سوريا). لتتوالى بعدها التصريحات والانتقادات والتهديدات وتتحرك واشنطن في سوريا.


بالعودة لخطوة حزب الوطن؛ ورغم أنّ الحزب صغير، لكنه مُقرّبٌ من موسكو وضد بقاء بلده عضواً في الناتو. لكنه حزب جريء وله حظوة عند أردوغان وتنسيق مع حزب العدالة والتنمية، وزيارته لدمشق ليست مستقلة. سبق وزار وفد من هذا الحزب سوريا وقابل الرئيس بشار الأسد قبل 7 سنوات، لهذا لن تكون خطوته جديدة، لكن له تاريخٌ في إصلاح علاقات تركيا السيئة، وهذا ما قام به دوغو بيرينجيك رئيس الحزب، بإصلاح العلاقات مع روسيا عقب إسقاط السوخوي في 24 تشرين الثاني 2015.


بعد رمي وسائل إعلام إيرانية للخبر التالي: (بجهود روسية؛ لقاء محتمل بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد في قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) التي ستعقد في سمرقند في أوزبكستان بين 15 و16 من أيلول القادم). ردّ مولود جاويش أوغلو نافياً الخبر.

دعونا ننتظر زيارة حزب الوطن التركي ونتائجها لسوريا، قبل توقّع أيّ لقاء آخر، فأردوغان متقلّب حسب مصالحه، وما قاله اليوم قد يقول عكسه غداً. عودة العلاقات مع تركيا لن تكون بين ليلة وأخرى، المشوار طويل وهناك ترتيبات وتعقيداتٌ كثيرة بالإضافة لتهديدات أميركية. المطلوب أميركياً؛ إطالة الحرب في سوريا، ومَنْ يعملُ على إخماد نيرانها، بغضّ النظر عن غاياته، حسابه عسير، فهل سيغامر أردوغان؟ العالم يشتعل، ندعو أن يكون برداً وسلاماً على صانعي السلام العادل. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. 27.08.2022

https://firil.de/?

s=%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9+%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86#google_vignette

https://firil.de/?s=%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9+%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86#google_vignette