لعبة واشنطن القذرة

لا يمكنُ لدولة تابعة للولايات المتحدة أن تقوم بتصرفٍ ما إلا بإذن واشنطن، بما في ذلك دول الخليج العربي والدول العربية التابعة الأخرى. لهذا ما يحدثُ في الخليج العربي ضد قطر، جاء بأمر وعقب زيارة ترامب مباشرة، والمؤكد أن مخططاً ما وراءَ هذه الضوضاء الإعلامية، بل الخلاعـة الإعلاميـة…

فجأة اكتشفَ السيسي كل شيء، وبعد تحرير حلب، أنّ مصر في خطر، والإرهاب قادم إليها! ثم اكتشفَ أنّ الإدارة الأميركية الجديدة تقاتل الإرهاب، فأشاد بها، وأخيراً اكتشف أنّ قطر تدعم الإرهاب… يا للعبقرية.

الاكتشافات العبقرية تلك طالت عُربان الخليج أيضاً؛ بعد أكثر من ست سنوات، جهابذة آل سعود ونهيان وخليفة، يقولون: (قطر وراء دعم الإرهاب وتأسيس ودعم جبهة النصرة في سوريا)!. وكلّ إرهاب العالم مصدرهُ الدوحة، أما الدعم بعشرات المليارات للمنظمات الإرهابية، وإرسال عشرات آلاف الإرهابيين الذين غزوا العالم من أفغانستان إلى الشيشان إلى 11 أيلول 2001 إلى ليبيا وتونس واليمن وسوريا، والذين يحملون جنسيات سعودية وإماراتية ومصرية وكويتية… هؤلاء أيضاً جاؤوا من حضن حمد وبعدهُ تميم!! والمذهب الوهابي الإرهابي انتاج موزة، والسعودية بلد السلام وأغصان الزيتون والرقص على الجليد…

السعودية بلد السلام والديموقراطية وأغصان الزيتون والرقص على الجليد…

لا يمكن لحاكم عربي تابع أن يدخل غرفة نومه إلا بإذن من البيت الأبيض، ولا يمكن لدولة خليجية أن تُعادي الأخرى أو تهدد باحتلالها إلا بموافقة واشنطن، وكل ما يحدثُ بين قطر وأعدائها الفجائيين مسرحية مُبتذلة، من قطع العلاقات الديبلوماسية إلى منع الطيران والمرور والعبور والاتهامات بالإرهاب…

القواعد الأميركية العسكرية والأسلحة والعتاد الموجود في هذه الدول، يكفي لمسحها عن الوجود إن تلفظ زعماؤها بكلمة دون إذن. أهميتهم الوحيدة، وكما قال عنهم ترامب؛ بسبب وجود البترول والغاز، أي إذا حذفنا كلمة بترول من أمام تلك الدول فهي لا تساوي شيئاً، ورغم ذلك يتحدثون عن الكرامة!

ترامب رمى كلمةً وتركَ البعير يتصارعون.

تصريح ترامب بأن اجتماع السعودية بدأ يُثمر في مكافحة الإرهاب، واضح القصد، ما أراده حصل والأبقار تُحلبُ وتدرّ على الخزينة الأميركية لتغطي جزءاً من عجزها، وإذا كان الإعلام قد تفاجأ بمبلغ 480 مليار دولار ثمناً لبيع قطر، فهذا غير صحيح…

دول الخليج العربي لا تساوي بنساً في تسعيرة واشنطن، وكل أموالها محجوزة في البنوك الأميركية، ولا تستطيعُ دويلة منها سحب رصيد يتجاوز حدوداً معينة، ويُقدر مركز فيريل حجم السيولة وسندات الدين العاجلة والمؤجلة التي تخصّ الحكومة السعودية في الولايات المتحدة بحوالي 720 مليار دولار، ومثل هذا المبلغ للقطاع الخاص والأمراء، أي تحتجزُ واشنطن 1500 مليار دولار للسعودية!!

الأمر نفسهُ ولكن بكميات أقل لباقي الدويلات الخليجية بما في ذلك قطر، والقول أنّ الدوحة لم تدفع الفاتورة، غير صحيح؛ هذه الدول دفعت الفواتير و”الخاوة” منذ لحظة تأسيسها على يد بريطانيا ثم تحوّل الرصيد إلى العم سام.

مجموع ما يختزنهُ العربان في الخزائن الأميركية وحسب فيريل، يصل إلى 3200 مليار دولار أميركي، فهل يستطيعُ أمير عربيٌّ أن ينقل رصيدهُ إلى بنك صيني مثلاً؟

قطر وباقي الدول، كموقع وغاز وبترول مهمة لواشنطن، سواء كان يحكمها فلان أو علتان، والدوحة تحديداً فيها أضخم قاعدة أمريكية تضم القيادة الوسطى للقوات الأمريكية، التي تُديرُ ملفات المنطقة كاملة، إضافة لوجود مراكز التجسس للمخابرات العسكرية الأمريكية، وأكبر مخزن للسلاح بالإضافة لـ 70000 ألف جندي أمريكي، فهل ستتجرأ الرياض على غزوها أو التخطيط لانقلاب إن لم تأمرها واشنطن وتحدّد التابعَ الجديد الذي سيجلس مكان تميم؟

هل يمكن لغاقل أن يُصدّقَ أن قطر تتجرأ وتُعارِضُ واشنطن؟ مَنْ هيَ قطر ومَنْ هي السعودية في حسابات الكبار؟ 

هي لعبة قذرة من ألعاب واشنطن، وعلى الأتباع أن يُشاركوا بها دون ابداء الرأي، وكل ما يمكنهم فعلهُ هو القول “موافق” ثم يعودون للنوم.  القصد الأول هو إيران، التي ستتقرب منها قطر وتركيا كما ذكرنا سابقاً، لإعادة تسويق  تنظيم الإخوان المسلمين الجديد، القصد الثاني هو مصر ثم الجزائر، التي يجب أن تدخل بفوضى إرهاب أكبر، فتشتعل المنطقة بين الجميع بخلافات شبه عسكرية، وتُستنزفُ الطاقات والخزائن بشراء أسلحةٍ لا تُستخدم سوى ضد المدنيين، وتعوم المنطقة بفوضى أكبر، فنصبحُ لا نعرفُ مَنْ مع مَن ومَنْ ضد مَنْ وهذا هو الحال.

هل تُدرِكُ طهران ما يُخطط لها؟ بالتأكيد. لكن هل تضمنُ أن اللعب مع قطر وتركيا ومعهم الإخوان المسلمين، لن يكونَ له نتائج سلبية عليها وعلى العراق وسوريا؟ هل ستقوم طهران بالتسويق أيضاً لحكم إسلامي أقوى منه في العراق، ثم تحاول فرض ذلك على الحكومة السورية القادمة؟ لن نخفي شيئاً ونتحدثُ بصراحة مهما كانت الجهة التي نقصدها…

المؤكد أن مشاركة الإخوان المسلمين في الحكم بسوريا خط أحمر، سواء جاء الطلبُ من طهران أو من موسكو، ولن يخفى على القيادة السورية أنّ مصدر هذه اللعبة القذرة هو واشنطن.

نعم وبكل دقة، في الحكومة السورية إخوان مسلمون برداء “حربــاء”، منهم وزراء ومسؤولون كبار، لكنهم لم يصلوا لمرحلة العلن، واشنطن تريد دسّ الجماعات الإسلامية بأيّ شكل في الحكومة السورية بشكل علني غير مخفي، أي أن تظهر الحرباء إلى الشاشات وتقول أنا هنا.

الخلافُ هذا بين العُربان، كالخلاف بين الغانيات على الولاء للقوّاد الأكبر، فلا تنخدعوا به.

 يسرّنا أن نرى في رمضان مسلسلاً كوميدياً تدور أحداثهُ بين عُربان الخليج، لكن شرط أن تبقى هذه الأحداث هناك، دون امتداداتٍ سرطانية نحو بلادنا، وهذا غير ممكن، لهذا علينا أن نراقب وبحذر ما يجري بين ممالك الرمال، ومنع وصول المزيد من النيران إلى سوريا، ويكفي ما دفعنا من دماء، فهل سنكررُ نفسَ الخطأ بوضع الأفعى في حجرنا؟! الذي نعرفهُ أنّ النورس السوري هو الأقدر على اصطياد السرطان… فكرة: زيد م. هاشم. تحرير مركز فيريل للدراسات 06.06.2017 

النورس السوري هو الأقدر على اصطياد السرطان