لماذا ركعَ أردوغان للقيصر؟

  • حادثة اسقاط الطائرة الروسية بصاروخ المقاتلة التركية في تشرين 2015، كان له نتائج سريعة عرفها العالم كله، شملت إجراءات روسيا العقابية ضد تركيا لإسقاطها الطائرة، تجميد العلاقات الديبلوماسية، إلغاء الرحلات والسياحة إلى تركيا، عقوبات اقتصادية قاسية، إذ تكبد قطاعا الزراعة والسياحة خسائر هي الأسوأ خلال 30 عاما، فتكدست الخضراوات والفواكه التركية لتتعفن في مخازنها، وتباع بأبخس الأثمان بعد أن أغلقت روسيا باب الاستيراد. وخوت المنتجعات التركية بعد أن كان السياح الروس من أكثر روادها، وأعلنت الفنادق الفاخرة عن حسومات غير مسبوقة لاستجرار السياح، كما تأثرت عائدات المشاريع الصغيرة والحرف التي تبيع الصناعات التركية التقليدية، وطالبت بإجراءات حكومية وتأجيل مواعيد سداد القروض. عائدات السياحة تراجعت 25% لهذا العام، وانخفضت نسبة السياح الروس بمقدار 80% والألمان 35% والانكليز 24%. وفق  Headlines 24 .
  • ما لم يتم نشره والحديث عنه كثيراً هو أنّ حادث اسقاط الطائرة الروسية، كان دافعاً قوياً كي نراجع التاريخ ونعوم بين حروفه ونغطس عميقاً بحثاً عن خفاياه. الحادث كان ذو حدين، الحد السلبي هو ما فعله وقاله إيردوغان بعيد إسقاط الطائرة، أما الايجابي منه فهو لفت نظر الناس (البلابل منهم) من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحقائق تاريخية، كانت سيوف العثمانية قد طمست قدسية دمائها على ترابها، وسلبتها عيشها وحريتها وحقوقها وأرضها. بدأت تتكشف حقائق وزوايا خفية كانت الأبواب موصدة عليها. إنها أرمينيا، التي طالما كانت روسيا حليفة وصديقة لها، إذ عرضت تقريراً مفصلاً يبين وجه التاريخ الحقيقي ويهدد تركيا بانتزاع ثلث أراضيها التي تقوم على مقاطعات أرمنية انتزعت من أراض الامبراطورية الأرمنية، التي امتدت من بحر قزوين شمالاً وشملت منطقة القوقاز بالكامل وشرق تركيا، بالإضافة لسوريا ولبنان، حتى البحر المتوسط جنوباً. أسسها، أرتاكسيان الأول، عام 190 ق.م حتى عام 378 م.
  • وكالة سبوتنيك الحكومية الروسية نشرت خبراً تحليليلاً أكدت فيه أن ثلث أراضي تركيا تقوم على معاهدة “موسكو- كارس”، التي تصدق روسيا عليها كل 25 عاما، وقعت الاتفاقية في مدينة كارس في 13 تشرين الثاني 1921، من قبل الجمعية الوطنية الكبرى التركية وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا، وصدقت في يريفان 11 تشرين الأول 1922 حصلت بموجبها أنقرة على مدينة كارص الأرمينية وأردهان وجبل آرارات. كانت تنص على أن تحصل تركيا على هذه الأراضي مقابل إنهاء المجازر التي تقوم بها ضد الأرمن.
  • أول معاهدة وقعتها روسيا والامبراطورية العثمانية كانت معاهدة “سان ستيفانو” في آذار 1878م، وجاءت لإيقاف الحرب الروسية العثمانية التي ارتكب فيها العثمانيون المجازر في مدن بيازيد، الشكرد ودياديت. جوهر هذه المعاهدة هو ذكر روسيا لأرمينيا بالاسم ككيان مستقل، فظهّرت القضية الأرمنية للوجود بكامل أوجاعها وطموحاتها. انسحبت من الأراضي الأرمينية، وضمنت عدم تدخل الأكراد والشراكسة بها. كما وعدت روسيا أرمن الامبراطورية بحياة كريمة كحياة أرمن روسيا وتبنت تنفيذ الاصلاحات. لكن هذه المعاهدة لم تكن لصالح الامبراطورية العثمانية حفيدة الغرب في الشرق، لأنها زعزعت مكانتها في عيونهم، لذلك مارست بريطانيا ضغوطاً على روسيا لتوقيع معاهدة برلين في تموز 1878 لتحل محل معاهدة سان ستيفانو، التي سحبت بموجبها من روسيا حق الإشراف على الاصلاحات، لتضعها تحت إشراف الدول الكبرى. دعموا بشكل غير مسبوق الامبراطورية العثمانية لاستكمال تنفيذ مخططها التصفوي تجاه الأرمن، الذي ظهر في مجازر عام 1894- 1896 وراح ضحيتها 300 الف أرمني. ثم وقعت الاتفاقية التركية شباط 1914، وأعطت الدول الكبرى حق الإشراف على الإصلاحات بالاضافة لتقسيم المقاطعات الأرمنية لوحدتين إداريتين.
  • جاءت الحرب العالمية الأولى لتشكّل أكبر غطاء لتركيا لتنفيذ سياسة الإبادة الجماعية، فاستولت عام 1915 على أراض في أضنة تابعة لمواطنين أرمن، هي ديكران أفندي وكالينه، كارينه خاتون، التي أصبحت لاحقاً قاعدة أنجرليك، وشملت مبان سكنية وأرض بمساحة 496 هكتار، فيما بعد، تقدمت عائلات ديكران وكالينه في الولايات المتحدة بدعوى للمحكمة الاتحادية في ولاية كاليفورنيا ضد الحكومة التركية، مطالبة بتعويض يبلغ 100 مليون دولار. تملك هذه العائلات أوراقاً ثبوتية وسجلات عقارية، تؤكد أنّ القاعدة جزء من ممتلكات آبائهم. الذي حصل في المحكمة، أنه تم الاستيلاء على هذه الممتلكات قبل تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، لهذا تكون قرارات الدولة العثمانية غير ملزمة للجمهورية التركية. كما أنّ المحكمة في كاليفورنيا لم تستطع الالتزام بالدعوى، كون المُدّعى عليه مؤسسة أجنبية، بالإضافة الى الاتفاقية الموقعة بين تركيا وأميركا تمنع هكذا دعاوى. كانت حجة الحكومة التركية ان الوثائق التي المُقدمة غير كافية كما أن القضية منتهية بسبب التقادم.
  • بعد الحرب، تنازلت روسيا لتركيا عن الأراضي التي احتلتها الى جانب باطوم وأولتي وأردهان وكارس، بموجب معاهدة بريست ليتوفيسك آذار 1918، وتراجع حليف كان يؤيد القضية الأرمنية، أثار موقف روسيا الأرمن، فاستماتوا بالدفاع عن أرضهم ضد الجيش التركي، وأعلنوا الاستقلال في 28 أيار 1918، اعترفت به تركيا في معاهدة باطوم، وهدنة مودروس، وشاركت الجمهورية المستقلة بوفدها في مؤتمر السلام المنعقد في باريس، وتوصلوا إلى توقيع معاهدة سلام مع تركيا في مدينة سيفر آب 1920، رسمت الحدود بينهما، ونصت على تحكيم رؤساء الولايات المتحدة في أي خلاف، والاعتراف رسمياً بالمجازر الأرمنية، وتعهدت تركيا بتسليم المسؤولين ومحاكمتهم.
  • بعد سقوط الامبراطورية الروسية نالت كل من أذربيجان وأرمينيا وجورجيا استقلالها عام 1918، لكن لأرتساخ (كاراباخ) تحديداً وضع سيادي قائم، لأن أكثر من 96% من سكانها أرمن. إلا أن أذربيجان بشعبها التتري التركي قامت بارتكاب المجازر ابتداء من 1918 حتى 1920، وقتلت حوالي 30 ألف أرمني في مارس 1920، وجرى تهجير عشرات الآلاف من شوشي عاصمة كاراباخ قديماً.
  • نلفت النظر لحقيقة تاريخية؛ أنه في عام 1918، احتلت القوات التركية برئاسة نوري باشا، مدينة باكو في 15 أيلول 1918 وقاموا بإعادة تنظيم المنطقة تحت مسمى أذربيجان، الذي استعمل للقسم الشمالي لإيران بالإضافة لأجزاء بسيطة من آران وشيرفان، لقد ارتكب جوزيف ستالين خطأ لا يتوقعهُ قراء مركز فيريل للدراسات، بأن اخترع تاريخاً وحضارةً وشعباً جديداً. وأجبر الاتحاد السوفييتي على التعامل معه. بينما اختلط الأمر على الجهات الإقليمية المحيطة. هو من “أهدى” أرتساخ (كاراباخ) وناختشيفان الى أذربيجان الجمهورية التترية بحكم ذاتي. أي أن أذربيجان قد أخذت اسمها فقط بدون حدودها قبل 98 عام.
  • قدم الأرمن للاتحاد السوفييتي تضحيات ودعماً كبيراً أثناء الهجمات النازية عام 1941. فوعد ستالين المساهم برسم معالم منطقة القوقاز، البطريرك الأرمني بتأمين وحدة الأرمن وعودتهم، من خلال إرجاع أرمينيا التركية الى السوفييتية. كانت نتيجة الوعود والعهود أن أُعلن في آذار 1945 إلغاء معاهدة الصداقة التركية السوفييتية، وذكّرت أرمينيا الدول الكبرى بالتزاماتها، والتضحيات الكبيرة التي قدمتها للحلفاء خاصة روسيا بقيادة ستالين، الذي طالب في اجتماعات بوتسدام ويالطا بضم ولاية كارس وأردهان إلى الاتحاد السوفييتي، الذي أجبر على التنازل عنها عام 1910، لكن تشرشل رفض الاقتراح واعتبره والولايات المتحدة، شأناً تركياً. أعلن الاتحاد السوفييتي عام 1949 عدم وجود أي مطالب له في تركيا، بالرغم من حركة النزوح الشديدة نحو أرمينيا السوفييتية، من الشرق الأوسط وأوروبا والبلقان.
  • بضغطٍ من جوزيف ستالين على المكتب القوقازي للحزب الشيوعي الروسي الذي كان يخطط لإنشاء اقليم حكم ذاتي في كافة مناطق أرتساخ الجبلية، سلّم أرتساخ إلى أذربيجان في 5تموز 1921، وتحولت إلى مقاطعة بعد أن أصبح جزء من أراضيها فقط تحت الحكم الذاتي. لم يكن للمكتب أي سلطة في اتخاذ قرارات إقليمية كهذه، سيما في ظل نزاعات، كما لم تكن بعد قد توضحت معالم الجمهوريات السوفييتة، لكن أرمينيا وأذربيجان كانتا مستقلتين قانونياً.
  • قام الجيش التركي بقيادة مصطفى كمال بمهاجمة أرمينيا بعد شهر واحد من توقيع الاتفاقية الأخيرة، بدعم من الدول الغربية، فسقطت أرمينيا بتاريخ 2 كانون الأول 1920 وجلست الدول التي اعترفت باستقلالها بين المتفرجين. نتيجة للإنتصارات التركية المتلاحقة، وُقعت معاهدة سلام جديدة في لوزان، حصل بها الأتراك على 1/3 الجزء الروسي وأرمينيا التركية وماتبقى أصبح جمهورية سوفييتية. وكأن معاهدة سيفر لم توقع. وأصبحت جميع جمهوريات القوقاز تحت سلطة الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي شجع أذربيجان على ممارسة بطشها.
  • استمرت أذربيجان بممارسة أساليبها التطهيرية العرقية ضد الحجر والبشر، واعترف الرئيس الأذري السابق أنه بذل قصارى جهده لتغيير ديموغرافية ارتساخ وانخفضت نسبة الأرمن نتيجة المجازر والهجرات الى 94,4% ولم تتجاوز 78% عام 1989. لم يسمح شعب أرتساخ الأرمني بممارسات الأذريين التطبيعية، وطالبوا مراراً باستقلالهم وضمهم لأرمينيا رغم ما كانوا يتعرضون له نتيجة ذلك من مجازر وقمع. فقامت الحركة الشعبية لضم أرتساخ لأرمينيا، بتوسيع نطاقها والمطالبة بالتحرير وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير. أصدر البرلمان المحلي في أرتساخ قراراً يطالب به السوفييت بضم الاقليم الى أرمينيا، فقامت القيامة ولم تقعد، وتفشت موجة من التطهير العرقي وشهدت مدينة سومغاييت مجزرة مروعة، انتقلت الأحداث الى باكو وكيروفاباد ومدن اخرى، مات المئات من الأرمن وهاجز حوالي 500 ألف إلى أرمينيا وروسيا، والجمهوريات السوفييتية الأخرى.
  • استقلت أذربيجان في 30 آب 1991 عن الاتحاد السوفييتي، وبادرت أرتساخ بإجراءات مماثلة بإعلان استقلالها، وجرى استفتاء صوّت فيه السكان ب 99 % لصالح الاستقلال بوجود مراقبين دوليين. حدث ذلك نتيجة قانون أقره الاتحاد السوفييتي، يُعطي الحق للكيانات المستقلة والمجموعات العرقية المدمجة في الجمهوريات، أن تقرر وضعها في حال الإنفصال عن الاتحاد. بعد انهياره تشكل كيان دولتين على أراضي الجمهورية الأذرية، جمهورية أرتساخ وجمهورية أذربيجان. خلال السنوات اللاحقة تم التشديد من قبل جميع الدول بما فيها الأوروبية على أن الاقليم نال استقلاله في أيلول عام 1991 وينبغي في المقابل ان ينال حقه في تقرير المصير.
  • عداء الشعب الأذري للأرمن تاريخي، فقد بنوا دولتهم على أنهار دماء الأرمن، عداء علني مستفحل عند الأذريين يجاهرون به في جميع وسائل الإعلام، كما أن قمع الصحفيين والكتاب الأرمن هناك على قدم وساق، فيُتهمون بأنهم جواسيس أرمينيا. حرقت مؤلفات الكاتب الأذري إيليسلي حامل لواء القضية الأرمنية، الذي أرّخ المجازر التي حدثت في باكو وسومغاييت، فتعرض للملاحقة والتهديد وغادر البلاد.
  • عمل الأذريون على تشويه التاريخ وزلزلته، من خلال تدمير جميع الآثار الأرمنية القديمة رغم هندستها المعمارية الرائعة وكنائسها الكثيرة، والتي لا تضع مجالاً للشك بان أرمينيا هي صاحبة الأرض، وخاصة ما حدث في ناخيتشيفان، فدمرت صلبان ومقابر تعود للقرنين التاسع والسادس عشر، لصبغ الأرض وتبيان أنها أذرية صافية، لكن المجلس الدولي السادس عشر للجمعية العامة للمتاحف والاثار أدان هذا التخريب. أيضاً من خلال اتباع سياسات قذرة منذ قديم الزمان منها: سياسة الكافيار، لجعل العالم يقتنع بأن مساحتها يجب أن تشمل المساحة الحالية وأرتساخ وزانكيزور حتى يريفان عاصمة أرمينيا. كما تدعي ان الآثار المسيحية الموجودة هي للشعب الأغواني، متناسين أنّ الآثار الأغوانية قريبة جداً من الأرمنية ولا علاقة للشعب التتري التركي بها.
  • في مقال للباحث الأرمني هايكارام نهابيديان، جمع فيه العديد من المراجع الأجنبية التي كتبت على يد من راقبوا منطقة القوقاز، من مستشرقين وباحثين في التاريخ ومؤرخين، تقول جميعها أنه لم يكن هناك مايسمى بدولة أذربيجان ولا حتى أجزاء منها.
  • قبل 86 عام فقط لم تكتب الموسوعة البريطانية أي شيء عن الدولة الخيالية هذه. كما ذكرت ان أدرباغان تألفت من أرمن وأتراك وأكراد وإيرانيين ولم يؤتَ على ذكر أي صفة للشعب الأذري. وهي منطقة حدودية شرقي بلاد الطاليش، وبحسب هذه الموسوعة التي لا تتعاطف مع أرمينيا، أو تقف ضد أذربيحان، نرى أنه لاوجود لأذربيجان أو أذريين. أما الموسوعة الروسية بروك هاوس وإيفرون، فتذكر أنها المنطقة الواقعة شمال غرب إيران ويفصل بينها وبين أرمينيا الروسية نهر آراكس، وتكون قد أكدت بان أرتساخ وناختشيفان هي قسم من أرمينيا.
  • تقول الموسوعة الاسلامية The Encyclopedia of Islam: A dictionary of the Geography, ethnography and biography of the Muhammadan peoples 1913-1930 ،التي صدرت عام 1913، وأعيدت طباعتها عام 1960. في الطبعة الأولى يختص اسم أذربيجان بصورة استثنائية المنطقة المسماة أدرباداغان الإيرانية ولم يكن لكلمة أذربيجان أي وجود في منطقة القوقاز. وحسب الموسوعة يحدها من الشمال منطقة القوقاز، أي لم تكن متواجدة هناك إطلاقاً. تذكر الموسوعة أن كانتساك التي تشمل منطقة اليزابيتبول ومدينة أوردوبات هي قسم من أرمينيا الروسية. ثم تشكلت أذربيجان كمنطقة من مناطق إيران. أصبحت عام 1960 جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي.
  • أحد الأوراق التي رماها قيصر روسيا في وجه أردوغان كانت ورقة أرمينيا، وأنّ ثلث أراضي تركيا تقوم على معاهدة “موسكو- كارس”، التي تصدق؟ روسيا عليها كل 25 عاما، ومع اعتراف العالم بمجازر الأتراك بحق الأرمن، وعدم تجديد اتفاقية موسكو كارس، سيكون أمام تركيا خيار أوحد “التعويض عن تلك المجازر وإعادة الحق لأصحابه.” أي أنها ستبقى مَدينة لأرمينيا بعشرات المليارات من الدولارات وبأرض آرارات وما حولها إلى الأبد. ويبقى التهديد سكّيناً فوق رقبة أردوغان ومَنْ سيخلفه.
  • هذا البحث إهداء لكل سوري أرمني يحمل لواء القضية الأرمنية، لينتزع حقوقها من أنياب الوحوش.

بقلم الكاتبة والباحثة: سَارة عيسَى.

بحث لمركز فيريل للدراسات ـ برلين، ألمانيا.