مستجدات الصراع من الحسكة إلى إدلب وطرابلس. زيد م. هاشم.

مستجدات الصراع من الحسكة إلى إدلب وطرابلس. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. ألمانيا. الدكتور جميل م. شاهين. 25.06.2020.

بدأ يتوضحُ الترابط بين الملفين السوري والليبي، خاصّة وأنّ اللاعبين الأساسيين هم أنفسهم، فما يجري في ليبيا ينعكس سلباً أو إيجاباً على سوريا والعكس صحيح.

بدون تبرير مُقنع، أُلغيت زيارة الوفد الروسي المؤلف من وزير الخارجية ووزير الدفاع إلى أنقرة الأحد 14 حزيران 2020. يبدو أنّ السبب الحقيقي وراء ذلك هو رفض تركيا اقتراح روسيا وقف إطلاق النار في ليبيا، خاصّة وأنّ حكومة السرّاج تحقق تقدماً ميدانياً. وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، تدارك الأمر: (ننسّقُ مع روسيا في مسعى للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في ليبيا).

بين ليبيا وسوريا

واشنطن البعيدة إلى حد ما عن الملف الليبي، تتأرجح بين؛ دعم السرّاج وأردوغان هناك، والدافع منع أي تقارب تركي روسي في ليبيا لأنه سينعكس على سوريا، وبين الدعوة للتهدئة. وكما ذكرنا مراراً في مركز فيريل للدراسات: (تقومُ إحدى ركائز سياسة واشنطن على إطالة مدة الحروب والأزمات في كلّ مكان). زيارة وفد من القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا لمدينة زوارة غربي ليبيا الإثنين 22 حزيران 2020، تؤكد أنّ واشنطن قررت الإنخراط في الملف الليبي عسكرياً أيضاً. الإجتماع جرى في المطار وكان عسكرياً. شارك فيه رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج قائد جيش حكومة الوفاق الإخوانية ومعه قادة عسكريون ووزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا، مع  قائد “أفريكوم” والسفير الأمريكي. الترجيحات أنّ واشنطن تخطط لإعادة تمركز أفريكوم في طرابلس… بنفس الوقت؛ بدأت الولايات المتحدة بتطبيق قانون قيصر على سوريا وحلفائها مع تصعيد سياسي في الجزيرة السورية، والإعلان عن توافق الأحزاب الإنفصالية، أي لوّحت بالعصا لأنقرة من جهة، بينما رفعت أمام أردوغان “الجزرة” في طرابلس…

ملف إدلب

يتأخر الحلّ في إدلب، وهذا يصبّ في صالح تركيا والولايات المتحدة. التتريك يمضي بوتيرة متسارعة مع بدء التعامل بالليرة التركية هناك، بحجة ضعف الليرة السورية. راجعوا ما نشرناه على الرابط. حاول الروس معالجة ملف جبهة النصرة وباقي المنظمات الإرهابية المرتبطة بها، ولم ينجحوا. بالمقابل أنقرة تماطل فلِمَ العجلة وكل شيء يسير حسب ما تريد وإن كانت المساحة المطلوب ضمّها لتركيا في المستقبل لا تساوي 20% من المساحة التي بنى عليها أردوغان آماله في بداية الحرب على سوريا. على الأرض لا تبدو تركيا في وارد الإنسحاب من الأجزاء التي تحتلها، فقد زجّت بآلاف من جنودها وعتادها، وجيش الإخوان المسلمين الذي جهزته ودعمته بات عقبة جديدة تُضاف لجبهة النصرة.

حلّ تنظيم جبهة النصرة طال إنتظارهُ ولم تقم أنقرة بأي تحرّك جدّي، باستثناء نقل بضعة مئات من إرهابيي النصرة إلى ليبيا. لكنه سيبقى الخَيار الوحيد أمام أنقرة، هو محاولة دمج بعض عناصر النصرة وباقي المنظمات الإرهابية في جيش الإخوان المسلمين التابع لها.

ملف الجزيرة السورية المُحتلة

إعلامياً؛ نجحت واشنطن وباريس في ترتيب لقاءٍ ضمّ عدة أحزاب إنفصالية كردية، فأصدر الإنفصاليون بياناً كان أقرب لعملية “جسّ نبض” دمشق وموسكو رغم أنّ الجسّ سيطرقُ باب أنقرة… سنوضح الأمر في سياق حديثنا. قرر المجتمعون، دققوا بالتعابير:

(الكُرد قومية ذات وحدة جغرافية سياسية متكاملة… سوريا دولة ذات سيادة، يكون نظام حكمها اتحادي فيدرالي يضمن حقوق جميع المكونات… الإقرار الدستوري بالحقوق القومية المشروعة، وفق العهود والمواثيق الدولية… تشكيل مرجعية كردية تمثل جميع الأحزاب والتيارات السياسية وممثلي المجتمع الكردي في سوريا…).

النقاط السابقة ليست جديدة وكنّا نشرناها منذ سنوات نقلاً عن الأحزاب الكردية هنا في برلين… الجديد هو تبني فرنسا والولايات المتحدة لتلك النقاط عبر المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، ويليام روباك، الذي كان نشيطاً خلال الفترة السابقة فكان يجتمع لوحده أو معهُ وفد فرنسي، بالإنفصاليين من  زعماء حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي والتحالف الوطني الكردي وأحزاب الإدارة الذاتية والحزب التقدمي الكردي، يشاركهم مظلوم عبادي زعيم قسد. يوم الأحد 26 نيسان الماضي، اجتمعَ مع ثمانية من زعامات الأحزاب السياسية الكردية!

أين تمت معظمُ الإجتماعات من 5 حتى 8 حزيران الحالي؟ في قاعدة الرميلان… ماذا حصل مساء الأحد 21 حزيران 2020  في الرميلان كما نشرنا على صفحة مركز فيريل للدراسات على الفيس بوك؟ من المقرر أن تبدأ الجولة الثانية خلال أيّام في نفس القاعدة العسكرية الأميركية في الرميلان…

ماذا عن تركيا؟

هذه الاجتماعات والقرارات لا تصبّ في مصلحة تركيا، لهذا قال مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية: (لن تسمح تركيا بدمج إرهابيي قسد مع المكونات الكردية الأخرى، لتعويم قسد وشرعنتها، خاصّة وأنّ مكونات كردية رئيسة ترفض هذا التوجه العرقي الانفصالي، وتتبنى هذا الرفض كافة القوى المعارضة للأسد أو القريبة من تركيا وذات التوجه الإسلامي)… التوجّه الإسلامي بعبارة أخرى؛ الإخوان المسلمون. بجميع الأحوال، المعارضة التركية لما تقوم به واشنطن تصبّ في مصلحة سوريا وتغذيتها ليست صعبة… التحرّك العسكري التركي شمال العراق يأخذ بعين الإعتبار هذه المخططات الإنفصالية، لهذا يزيد جيش أردوغان من ضرب حزب العمال الكردستاني بينما يتفرّجُ عليهم “إخوتهم” من البيشمركا، أصدقاء تركيا، شمال العراق.

 ماذا عن روسيا وإيران؟

الهدف مما يجري هو تشكيل قوة سياسية عسكرية كردية منظمة، تُقدَّم للمجتمع الدولي ليعترف بها ولتُفرَضَ على سوريا حتى ضمن الدستور… بتعبير أدق (تقسيم سوريا) مستقبلاً.  

المجلس الوطني الكردي وذراعه العسكري البيشمركا، أصدقاء تركيا كما ذكرنا، ودخوله بمفاوضات تصالح مع جماعة أوجلان سيُخفّفُ من حدة علاقات الأخير معها. لا مشكلة لروسيا مع الأوجلانيين الشيوعيين أصلاً، والذين كانوا خارج المعادلة معظم الوقت، حيث أخرجتهم وحدات حماية الشعب من الحسكة نحو شمال العراق في بداية الأحداث، وهو مقبول أيضاً لدى دمشق كمعارضة سياسية…

حزب الاتحاد الديموقراطي PYD  الذي تأسس 2003، كفرع لحزب العمال الكردستاني PKK في الحسكة بزعامة صالح مسلّم، وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب YPG. استُنسخت منه قسد خاصة من وحدات حماية الشعب، وحسب البتاغون: يُشكل الأكراد أقل من 40% من قسد! التصريح صدر في آذار 2017. قسد لا تعتبرها موسكو عدواً ولا حليفاً وهي مرفوضة من قبل تركيا، لهذا يبدو الحلّ الأمثل هو حلّ قسد مع جبهة النصرة…

قضية حكم ذاتي أو تعديل الدستور السوري لتصبح سوريا دولة فيدرالية، لا تلقى معارضة جدّية من إيران وروسيا، ما يهم الدولتين هو مصالحهما أولاً ثم المحافظة على علاقات جيدة مع تركيا ولو على حساب سوريا… هذه هي المعادلة دون رتوش…

تحرّك المسار السياسي

أيّ تحريك فعلي للمسار السياسي في سوريا سيخفف الأزمة الإقتصادية… قد نرى عودة قريبة للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن في جلسته 7588، المعقودة في 18 كانون الأول 2015 والمتضمن باختصار:


(الالتزام بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وبمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئها… إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطاتٍ تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية،لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني 2015…). تفعيل هذا القرار يعني إنسحاب جميع الجيوش الأجنبية، ومنع أي تقسيم، ولكن ماذا عن الدستور الجديد؟.

بدون رتوش أيضاً وبحيادية: (موافقة موسكو أو طهران على دستور سوري جديد يتضمن فيدرالية أو حكم ذاتي في الجزيرة السورية وغيرها، أو حتى الضغط على دمشق للموافقة، سيجعل تلك الدولتين في صف واشنطن). كما كررنا مراتٍ: سوريا جمهورية مركزية الحكم. لا توجد خصوصية لأي مكوّن فيها، الجميع سوريّون أولاً وثانياً. إنّ فتح الباب أمام هكذا خصوصية يعني عدم القدرة على إغلاقه، فهناك قوميات عديدة هي صاحبة الأرض أو على الأقل؛ وجودها في سوريا أقدم، فهل ستُعطى تلك القوميات خصوصية أيضاً وهي الأحق، فنحصل في النهاية على كنتونات وليس دولة؟

رأي مركز فيريل للدراسات

ما تقوم به الولايات المتحدة في الجزيرة السورية المُحتلة، يترافقُ مع تطبيق قانون قيصر للضغط على سوريا أولاً، ثم روسيا وإيران، لتقديم تنازلات في ملفات أخرى، والتراجع عن هذا القانون لن يكون مفاجئاً رغم أنه لم يترافق بزيادة كبيرة في الأزمة الإقتصادية المتفاقمة أصلاً، كما كان يُروّج له.

في هذه الفترة يظهر الصديق والحليف الحقيقي وليس صاحبُ الشعارات الحماسية فقط، على موسكو تقديم ما في جعبتها في إدلب وشرق الفرات وليبيا للمساومة مع أنقرة وواشنطن. اتفاق سوتشي مع تركيا مازال ناقص التطبيق، واستمرار مماطلة أنقرة يُلزمُ روسيا أن تتحرّك عسكرياً وتؤمن التغطية للجيش السوري لسحق جبهة النصرة وتحرير كامل إدلب، وهذا يجب أن يكون قبل نهاية هذا الصيف…  

عندما تأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978 كان حركة ماركسية لينينية أي بدعم من الاتحاد السوفيتي، ومازال قريباً من موسكو… دعمها لهذا الحزب وخليفتهُ في سوريا، سيزيد تفرّدهُ بالسلطة هناك ضد عدوّهِ التقليدي “المجلس الوطني الكردي في سوريا” الذي يضمّ 14 حزباً، والتابع لمسعود برازاني مباشرةً، ويمكن بهذا سحب البساط من تحت الأميركان الذين يميلون للبرزاني أكثر.

إذاً؛ على موسكو أن تتحرك مع الجيش السوري في إدلب والمقاومة الشعبية في الحسكة، فمصالحها باتت في خطر.

رغم الضجة الإعلامية التي رافقت إعلان إجتماعات الأحزاب الإنفصالية برعاية أميركية، لا نرى في سلوك الولايات المتحدة في الجزيرة السورية جدية في دعم دويلة للإنفصاليين، هي ورقة ضغط تلوّحُ بها، إن انتهت فترة صلاحيتها، سترميها كما فعلت في مناطق أخرى، أي؛ إن حصلت الولايات المتحدة على ما يكفلُ أمن إسرائيل، ستنسحب دون سابق إنذار لتترك الإنفصاليين في مهبّ الريح. خاصة وأنّ واشنطن تُدركُ أن دويلة في تلك المنطقة أمرٌ مستحيل جغرافياً وديموغرافياً وإقتصادياً.

التواجد الإيراني في سوريا بات غير مرغوب فيه من قبل الجميع بما في ذلك روسيا، وهو ما تتفقُ عليه مع واشنطن وتل أبيب ومعظم الدول العربية، لكن لكلّ أسبابه. قد ترضى روسيا بتواجد شكلي لإيران، شرط ألا يُعرقل مخططاتها ويُسيء لعلاقاتها الاقتصادية خاصة مع دول الخليج.   

بالمقابل؛ إيران لن تخرج من سوريا إلا إذا ضمنت مصالح اقتصادية وسياسية تتعلق بالمرحلة القادمة، مع قرب دخول مرحلة الحل السياسي والتي تخشى طهران أن يتم على حساب مصالحها ودون مقابل. لهذا تسعى للتوافق مع واشنطن في العراق وسوريا ضمن صفقة تشمل الملفين، وقد ينضمّ إليهما الملف الليبي واليمني أيضاً.

إيران تدعم حكومة السرّاج الإخوانية في ليبيا، وبهذا تتفق إلى حدّ ما مع التوجّه الأميركي، وتكون مع تركيا وقطر في خندق واحد ضد أعداء حكومة السرّاج… وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قال في مؤتمر صحفي مشترك بأنقرة مع نظيره التركي في 15 حزيران الحالي: (ندعم الحكومة الشرعية في ليبيا، وهي قادرة على إنهاء الحرب الدائرة. لدينا وجهات مشتركة مع الجانب التركي بشان سبل إنهاء الأزمة في ليبيا واليمن).

الممثل الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا جيمس جيفري: (لاتُطالبُ الولايات المتحدة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، أو انسحاب القوات الروسية من سوريا). هي مساومة أميركية مع روسيا، لهذا قد تتنازل روسيا في ليبيا مقابل سوريا، وبذلك تورّط تركيا هناك مع؛ مصر والإمارات وفرنسا وإيطاليا والسعودية وحتى اليونان، بينما تقفُ في صفّ أنقرة؛ بريطانيا وإيران وقطر وإلى حدّ ما الولايات المتحدة. هو شرخٌ يزداد ضمن حلف الناتو وأتباعه.

تفعيل المقاومة الشعبية في الجزيرة السورية المُحتلة يحتاج لحاضنة سعبية، هذه الحاضنة خجولة حالياً. لكنها تزداد بعد قرارات قسد ومن يسير في ركبها، إقصاء المكوّن العربي هناك، إدارياً وعسكرياً. وهو تقرير صدر عن البنتاغون بتاريخ 31 آذار 2020. لهذا سارع وليم روباك للقاء مجلس دير الزور المدني التابع للإدارة الذاتية في الحسكة.

ما يحدثُ الآن هو شعور السوريين العرب في الرقة والحسكة ودير الزور، أنهم مواطنون درجة ثانية في “الإدارة الذاتية” التي لم تصبح رسمية بعد. فماذا سيحصل إن اعترف المجتمع الدولي بهذه الإدارة؟ الصراع سيبدأ في أية لحظة وسيكون دامياً، وكلما ازداد الضيق الإقتصادي اقترب الصراع، فسرقة خيرات الجزيرة الزراعية والمائية والباطنية أمام أعين الشعب الجائع، سيجعلهم يثورون بعنف أكبر… أول الهاربين سيكون الجندي الأميركي، والخاسر الأكبر هم الإنفصاليون الأكراد. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. زيد م. هاشم. 25 حزيران 2020.