من العراق إلى سوريا إلى لبنان. زيد م. هاشم

من العراق إلى سوريا إلى لبنان. زيد م. هاشم إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 17.08.2021. Firil Center For Studies. Dr. Jameel M. Shaheen

دعونا نبدأ بالعراق الذي تمّ تدميرهُ ليتحوّلَ من أقوى اقتصاد وجيش في الشرق الأوسط إلى دولة فاشلة تتدخّلُ فيها كافة الدول دون استثناء ويعيثُ فيه الفساد.

العراق؛ ساحة حرب لا تنتهي

يمتلكُ العراقُ ثاني احتياطي للبترول عربياً بعد السعودية والخامس عالمياً بواقع 142 ملياراً و500 ألف برميل، والعاشر بالغاز، والثاني باحتياطي الفوسفات بالإضافة للذهب والحديد وغيرها من الثروات الباطنية. مع مساحات زراعية واسعة ومياه “كانت” وفيرة قبل أن تقطعها تركيا وإيران بإنشاء السدود. موقع جغرافي يتحكّم بطريق الصين إلى أوروبا المزمع إنشاؤه، وأرض أعظم حضاراتٍ عرفها التاريخ.

كلّ هذاوشعبهُ يُعاني منذ سنوات طويلةعلى يد حكوماتٍ لا تُقيمُ وزناً سوى لأرصدتها في البنوك الأجنبية، وتُنفّذُ ما يُملى عليها من الشرق والغرب، حتى باتَ العراق ساحة حرب بالوكالة بين طهران وواشنطن بشكل خاصّ. احتلت الولايات المتحدة العراق ودمرتهُ وفرضت عليه حُكّاماً جاؤوا معها على ظهور الدبابات. دقَّ ناقوس الخطر في طهران وشعرت بالخطر القريب من حدودها الغربية، فعقدت تحالفاً غير مُعلن وتدخلت بقوة لتسيطر على القرار السياسي من خلال الأحزاب الإسلامية والفصائل العسكرية الموالية لها. عاد ناقوس الخطر يدقُّ في واشنطن والرياض هذه المرة، التدخلُ الإيراني يضرّ بمصالح الولايات المتحدة ودول الخليج وأوروبا، فحوّلوا جميعهم العراق إلى ساحة حرب استراتيجية كبرى وليذهب البلد والشعب إلى الجحيم، الأهم مصالح “الأشقاء” والأصدقاء…

إنه العرّاب جو بايدن

 جو بايدن، الذي تفاءلَ به هواةُ السياسة، هو  عرّاب مشروع الربيع العربي وصاحب نظرية أقلمة العراق، والأصح “تقسيم العراق”. من أهم نتائج المرحلة الأولى لما سُمّي “الربيع العربي” هو تدمير الدول ذات الحكم الجمهوري. سوريا وليبيا وتونس واليمن ولبنان، وفي المراحل القادمة مصر والجزائر.

المرحلة الثانية وهو ماذكرناه في بحث الربيع الثاني بمركز فيريل للدراسات وحذّرنا منه، هي تقسيم هذه الدول تحت عنوان “حكم لا مركزي أو فيدرالية”.

لا حاجة لواشنطن أن تقومَ بغزو  الجمهوريات العربية، فحُكّامها يقومون بالمهمة على أفضل وجه. أحزابٌ دينية بغطاء سياسي وميليشياتُ نهبٍ وقتل وخطاب ديني طائفي ورجال دين منافقون ومسؤولون فاسدون وتجار حربٍ يسرقون اللقمة من فم الجائع، هل هناك أفضلُ من هكذا “عصابة” تخدمُ واشنطن؟

نجحت واشنطن في الشرق الأوسط

هناك شيء اسمه “تصدير الثورة الإيرانية” وإن لم تعترف به طهران. إيران كغيرها من الدول لا تحكمها الملائكة وتعملُ لتحقيق مصالحها أولاً ومصلحتها هنا أن تُعزّزَ كل فصيل عسكري أو حزب سياسي يُدينُ لها بالولاء ضمن الإطار الديني والخطوط المرسومة.

في الطرف الآخر، وهو السعودية خاصّة؛ تمّ تعزيز كافة الفصائل العسكرية التكفيرية والأحزاب السياسية الدينية، لينحرفَ القتال ومعه فوهة البندقية من الغرب إلى الشرق، ويتحوّلَ العدو من تل أبيب إلى طهران.

ما يحدثُ في معظم الدول التي مرّ عليها الربيع العربي بجزئه الأول هو “حربٌ أهلية” وقتل وتخريب وانهيار الاقتصاد وانتشار الفقر والجوع ومعهما الفساد. بعض الدول يعاني من “حربٌ طائفية” بين السنّة والشيعة بشكل خاصّ. بعد كلّ هذا الدمار والقتل، هل يمكن القول أنّ الولايات المتحدة فشلت في مخططاتها؟

تركزت القوات الأمريكية في قواعد رئيسية في أربيل والأنبار، وفي سوريا بمحافظة الحسكة ودير الزور والتنف. هذا التركّز  يؤكد أنّ الهدف منه هو قطع الحدود العراقية السورية، وستليه مرحلةُ تحريك الشارع في عدة مناطق منها الجنوب العراقي ودرعا والسويداء وريف دمشق. الأسباب  موجودة وهو الحالة المعيشية المتردية والفساد الذي وصل إلى كافة أجهزة الدولة.

من جهة ثانية؛ تعمل واشنطن على إعادة إعمار  الموصل والأنبار وصلاح الدين حيث المكون السني والذي بات بأغلبية كبيرة مؤيدة للاحتلال بسبب العداء المذهبي وأخطاء الحكومة تجاه هذه المناطق وتهميش الدور السياسي السني بالقرارات المهمة. كلّ هذا ولّد حقداً وكرهاً مضاعفاً تجاه إيران. تدخلُ الولايات المتحدة من خلال هذه الفجوة المتنامية بين مكونات الشعب العراقي وحالة العداء مع كلّ مَنْ يوالي طهران ويتمّ تحميلهُ  سبب الفساد وعدم حل المشاكل الاقتصادية والخدمية.

تقسيم العراق باتَ جاهزاً

المحافظات السنية وهي الأنبار والموصل صلاح الدين، باتت مهيأة لتشكيل إقليم آخر. بنى تحتية وخدمية بوقت قياسي في الأنبار بحملة لم يشهد لها مثيل منذ عهد الملكية، مع قوة عسكرية بمسمى حشد عشائري من قبائل السنة تقوم بمهام أمنية مع القوات العراقية لحماية هذه المحافظات. الحشد العشائري هواه أمريكي وبنفس الوقت قريب من الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة وغيرها من القوات العراقية المخترقة أمريكيا. سيُعزز هذا التعاون لتقليص نفوذ الحشد الشعبي في المحافظات السنية، ويُستغل ضعف إيران الاقتصادي لتقوم واشنطن بإنشاء قوة اقتصادية عربية من الخليج ومصر والأردن للاستثمار في العراق اقتصادياً، لكسب مكونات الشعب العراقي ضد طهران…

تنجح واشنطن وتفشل أيضاً. لكن إذا كان قتلُ مئات الآلاف وتدمير الأوطان ونهب خيراتها وتحويلها إلى دول فاشلة هو فشل المشروع الأميركي، فكيف يكون نجاحهُ؟!

مشروع الشام الجديد

النموذج الحالي هو “مشروع الشام الجديد” بين مصر والأردن والعراق وفق توصيات صندوق النقد الدولي في آذار 2014، أي هو ليس “اختراعاً” عربياً، يقوم على تصدير النفط العراقي لمصر عن طريق الأردن مقابل توريد الغاز المصري للعراق. وذلك لقطع حاجة العراق للغاز الإيراني الذي يشغّل محطات الكهرباء العراقية. كذلك هناك مشروع ربط الشبكة الكهربائية العراقية بالمنظومة الخليجية وبهذا تكون هناك سيطرة عربية على كهرباء العراق وبالتالي على المشاريع الاقتصادية وكسب ود الشعب العراقي الذي يعاني من موضوع الكهرباء الذي صرف عليه عشرات مليارات الدولارات دخلت حسابات السمؤولين في بنوك الغرب.

توصيات والأصح أوامر البنك الدولي تنصّ على انضمام سوريا ولبنان وما تبقى من فلسطين وتركيا إلى هذا لمشروع.  انضمام سوريا يعني كسر عزلتها الاقتصادية على الأقل، وسنرى ترحيباً أميركياً روسياً بذلك، مقابل تحرّك إيراني معارض لأنه سيُضعفُ نفوذها كثيراً خاصة إذا انضم لبنان أيضاً.

تلاحظون أنّ الدعم الاقتصادي الروسي لسوريا شبه معدوم، هي عملية ضغط لإظهار أنّ الاقتصاد هو باب الخروج من الأزمة السورية، شرط أن تبقى مصالح موسكو محفوظة، وهذا وغيرهُ من التفاهمات تتم بين روسيا والولايات المتحدة فقط، أي تقاسم الحصص.  

كما يجري في العراق نرى مثيلهُ في سوريا؛ في المناطق التي تحتلها الولايات المتحدة لا يُعاني فيها السوريون من ضائقة معيشية كما في المناطق المُحررة والواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية. حتى الآن هناك بعض المشاريع وإن كانت خجولة مع تحسينات في الخدمات ورواتب “القطاع الخاص”، كما أنّ وصول “التحويلات” من المغتربين السوريين والتي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنوياً، أمر أيسر وأسهل ولا يمر بتعقيدات الحكومة السورية. كلّ هذا بدأ يخلقُ شعوراً ورأياً بأن أقلمة الجزيرة السورية ودير الزور والرقة مبدئياً، هو أفضل من العودة إلى حكم مركزي في دمشق. كلّ هذا نوهنا له منذ سنوات ولللأسف حصل وسيحصل… راجعوا البحث.

ختاماً؛ القادم على سوريا والعراق ولبنان

هي عملية تقليص النفوذ الإيراني تمهيداً للقضاء عليه، و تغذية مشاريع سياسية انفصالية من الأنبار إلى الموصل والحسكة والرقة ودير الزور  وإدلب، و… لبنان. لبنان؛ وهل يمكن تقسيمه أكثر؟ وهذا خطوة فقط ضمن الحرب الأكبر مع الصين وروسيا. أي تمرير الوقت في صراع طويل، لهذا أكدنا وما نزال في مركز فيريل للدراسات؛ أزمات وحروب الشرق الأوسط لن تنتهي والسبب داخلي أولاً ثم خارجي، وليس كما يحلو لكثيرين تعليق المآسي على مشجب الغرب للتهرّب من المسؤولية.

منذ فترة ليست قصيرة والنّاس تضربُ المثل بالتقدم العمراني والخدمات في شمال العراق، وهل للعامة سوى الذي تعيشهُ أو تراه وتسمعهُ. في العراق يتحدثون عن الأمان والحياة الأفضل والرواتب الأعلى شمالاً… في سوريا؛ عشرات الآلاف يعملون في مدن شمال العراق بينما كثرَ الحديث عن حياة المواطن السوري الأفضل في مناطق خارج السيطرة وهو المطلوب أميركياً.

في لبنان؛ التصعيد مستمر بوتيرة متباينة من داخل وخارج البلد، وسلاح حزب الله يعود كل فترة إلى رأس القائمة. الاقتصاد انهار وتقسيم المُقسّم يبرز من جديد.

القادم؛ الاستمرار بتحسين الحياة المعيشية في المناطق خارج سيطرة الدولة في سوريا والعراق لتكوين رأي عام بأنّ “تشكيل أقاليم” أفضل من البقاء كدولة واحدة، أي حكم لا مركزي أو فيدرالي، وكلهُ يصب في بحر التقسيم. مقابل حكومات “كسيحة” فاسدة شريكة للتجار، هي فعلياً أسوأ من داعش…

القادم؛ اتفاقيات ومؤتمرات دولية في العراق خاصة وحديث عن انسحاب أميركي في المكان. مع استهداف القواعد العسكرية واتهام إيران بذلك. ثم توسط بغداد بين السعودية وإيران لعقد نوع من الهدنة. اي حالة اللاحرب واللاسلم.

القادم؛ موجة جديدة من المظاهرات العنيفة في سوريا والعراق ولبنان تحصد الأرواح، تختلفُ وسائل الإعلام في وصفها بين ثورة شعبية وعمليات إرهابية. لكن النتيجة واحدة، نجاح واشنطن وخسارة الشعوب والدول… بينما تتغنّى وسائل الإعلام بـ “انكسار المشروع الصهيوني”، وكأن أوراح الملايين ودمار الوطن وانهيار الاقتصاد هو نصر مبين!! إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 17.08.2021.