نهايــةُ الخديعَــة الألمانيّــة… د.جميل م. شاهين

نهايـة الخديعَـة الألمانيــة… د.جميل م. شاهين 30.07.2015

 

رغمَ مساوئ اللجوء في ألمانيا وطرق الموت التي يسلكها الحالمون بالفردوس المفقود، وبعد نشري لمقالات تجاوزت الثمانية تتحدث عن ذلك، لكنني ما زلتُ أتلقى نفس الأسئلة، وأرى نفس خيبة الأمل على وجوه مَنْ لم يُصدّق.

حُمَى اللجوء اليوم في أوج تفشيها بين صفوف المغامرين، والذين يشـكو جهـاز مناعتهم من فيروس “نقص الوعي المكتسب” وفيروس “زيادة الغيـرة العمياء”: “فلانـة سافرتْ إلى ألمانيا، عند أول فيلا في الريف الألماني، تصوّرتْ وأرسلتْ صورتها إلى جارتها في الوطن. جارتها الغيورة جاءت لزوجها تريد السفر، عارضة عليه صورة الفيلا التي تكرّمت الحاجة ميركل بإعطائها للحبيبة فلانة. يقوم الزوج “المخدوع” ببيع منزله ويرمي بزوجته وأطفاله في طريق الموت… وتبدأ رحلة الآلام من بيروت برلين، فتصبح سـفينة الكوتشوك التي حُشر فيها العشرات، يختــاً سـياحياً، والسجن اليوناني، منتجعاً ســياحياً، وصفعات ورفسات الشرطة الهنغارية، تربيتٌ وتأهيل بضيوف الرحمان، وكلبجات بدري النمساوي، أساور ذهبية… فتصل الأخبار مع بهارات الخــرط المتوارث إلى الحالمين المنتظرين، لتزيد حماسهم وتنضمُّ قافلة جديدة من الرؤوس الحالمة، “لوين العزم شباب؟ على ألمانيا” ويتفشــى المرض…

هنغاريا بَنَت سـياجاً حديدياً مكهرباً على حدودها مع صربيا، والكلاب البوليسية تنتظر المغامرين. قانون ترحيل اللاجئين إلى بلدانهم الآمنة صدر ويخصّ حالياً دول البلقان، وقريباً غيرها، والأهم؛ تحرك الشارع الألماني بسبب تأثـّر الإقتصاد الألماني…

توقعات بداية عام 2015 تبخرت، وعدد اللاجئين سيتضاعف وقد يتجاوز نصف المليون، أكثر من 20% منهم سوريون، يُكلّف اللاجئ الحكومة الألمانية 1200 يورو شهرياً، تُدفع من جيوب الألمان.

أخطر كلام قيل على لسان وزير الداخلية مايتسرا: “قد ينهـار نظام اللجـوء في ألمانيا فجـأة”. مراكز اللجوء ضاقت بساكنيها، وتمّ إشغال الصالات الرياضية والقاعات العامة وبناء آلاف الخيام. وصل الأمر إلى تدخل الجيش الألماني للمساعدة، وأعلنت حالة الطوارئ المحدودة في مناطق بولاية ساكسن أنهالت.

ولاية بايرن هي الأقوى، قررت ترحيل أهل البلقان، وكانت نسبة الموافقة على طلبان لجوئهم واحد لكل مائتي طلب. ما يهمني هو السوريون؛ الموافقة على طلبات لجوئهم بدأت تتأخر، والقرار بإجبارهم على العمل صدر، وباتت تصلهم قرارات إلزامية توجهم للعمل وإلا سيقطع عنهم راتب المساعدة الإجتماعية تدريجيــاً. إذاً جلسات الأراكيل سـتنتهي.

الكـلام الآن هو التالي: “إمّا أن تدرس أو تعمل أو تعــود إلى ســـوريا”.

الشارع الألماني تحرّك في السرّ والعلن؛ مخيم هالبرشتات هوجم ليلاً في منتصف تموز، وأصيب ثلاثة سوريين بجروح، الاشتباكات في مدينة درزدن شبه دائمة بين الألمان المعارضين لوجود اللاجئين ورجال الشرطة، والمخيمات موضوعة تحت الحراسة المشددة. سكان قرية كيتليتز عارضوا قدوم 120 لاجئ لقريتهم، وهددوا بالرحيل عن القرية إن فعلتها الحكومة الألمانية.

سُجّلت في تموز الحالي 17 حادثة اعتداء على اللاجئين، كالطعن أو الضرب في مناطق مختلفة، بينما سُجّلت 204 حالة اعتــداء على مساكن اللاجئين، بالحرق أو التكسير.

في استطلاع بسيط أجريته عن رأي الشارع الألماني، وجدتُ أنّ 73% من الألمان يريدون أن تغلق الحكومة الألمانية باب اللجوء نهائياً، أبدى 34% منهم استعدادهم للمشاركة في مظاهرات ضد حكومة ميركل. معظم المتحمسين هم ممن يعملون ويدفعون الضرائب. قال روني، وهو شابٌ ثلاثيني يعمل في البناء: “كيف يمكنني أن أرى لاجئاً يحمل موبايل آي فون ويرتدي حذاء أديداز وهو متسول على أعتاب المساعدات الإجتماعية، وأنا أعمل طوال النهار كي أدفع لهذا المتسول من ضرائبي ثمن حاجياته التي لا أستطيع أن أشتري مثلها؟!”.

عندما نعرف أنه هناك طلب لجوء كل ثانية، ندرك ما الذي يحدث، وعندما نرى كيف يعيش اللاجئون في خيـام، نتأكد من صدق صور القصور التي يرسلونها لذويهم.

هذا ما يحدث في ألمانيا الآن، من أراد أن يُصدق، رحم نفسه وأولاده، ومَنْ أراد المغامرة فطريق المتوسط وإيجه وبر هنغاريا ومطار أثينا، وجيوب المهرّب الروماني والسوداني والصربي، تناديــه.

ألمانيا تمنح كل لاجئ سيارة مرسيدس، وقطعة أرض يبني عليها منزلا.

ألمانيا هي جنة الله على الأرض، والجنة هذه خصصت للسوريين دون غيرهم. صدقوا كل هذا ولا تفكروا بصحته، وصدقوا كل الأحلام الوردية المزروعة في رؤوسكم. صدقوا أن ميركل بنفسها ستستقبلكم في أحضانها الدافئة. وأنّ مكتب المساعدات الإجتماعية ليس مكتب للتسول وانكم لستم متسولين على أعتاب برلين. صدقوا أن النزهة بين تركيا وجزر اليونان ستكون على متن يخت سياحي. والطريق بين أثينا وشمال صربيا هو سيران يوم الجمعة. صدقوا أن الشرطة الهنغارية لن تدوس على رقابكم، قبل أن تشحطكم لتبصموا في مكاتب اللجوء. وأنّ الشرطة النمساوية ستدغدغكم وتلحمس على شنباتكم ولن تضع كلبجات بدري في أيديكم. صدقوا أنّ المهربين خريجو السوربون ولن يطرقوكم خازوقاً تلو الآخر لأنهم أبناء حلال. وأن اللاجئين الألبان والأفغان وغيرهم لن يسرقوا نقودكم وهواتفكم وكحل عيونكم. صدقوا أن نهاية رحلتكم تستحق منكم المغامرة. وأن مراكز اللجوء في ألمانيا آمنة ولا يعتدي عليها الألمان ولا يحرقون الخيام. صدقوا أن اللاجئين في ألمانيا محبوبون جداً، والشعب يعمل بجد ويدفع الضرائب كرمال العيون الكحيلة.

صدقوا كل القصص الخزعبلية التي يقصها عليكم السابقون، وتعالوا إلى ألمانيا.

ختامهــا: “” إلى كل مَن ابتلي بحُـمى الخديعـة الألمانيــة المعاصرة: اتـّقِ الله، خُدِعتَ، فلا تخــدع غيرك…””. د.جميل م. شاهين 30.07.2015