هل سيتم ترحيل تحرير إدلب والجزيرة السورية، إلى أجل غير مُسمَى؟ الأستاذ زيد م. هاشم

هل سيتم ترحيل تحرير إدلب والجزيرة السورية، إلى أجل غير مُسمَى؟ الأستاذ زيد م. هاشم. توقفت منذ شهور طويلة عملية تحرير الأراضي السورية من الإرهابيين. كانت التوقعات تتحدث عن عملية عسكرية شاملة في إدلب بعد حشد الجيش السوري لقواته هناك، ثم تحرير الشمال والجزيرة السورية من الانفصاليين عملاء واشنطن وتل أبيب. لكنّ كلّ شيء توقف وحافظ الوضع الميداني على ما هو عليه دون تقدّم، لتبقى معضلتان رئيسيتان: إدلب والجزيرة السورية، فإلى متى؟

مماطلة في الحل

أخذت مرحلة الدخول بالحل السياسي فترة طويلة جداً، والانتظار دائماً لمؤتمر تلوَ الآخر من أستانا “نور سلطان” لإيجاد صيغة جديدة لهذا الحل… المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف أكد البارحة في مؤتمر أستانا رقم 12، هل كنتم تتوقعون أن نصل لهذا الرقم 12؟!  قال: “ركزت المشاورات في إطار أستانا حول سوريا على إطلاق اللجنة الدستورية السورية، والعمل مستمر”.

تابع لافرينتييف: “من بين المسائل التي طرحت للنقاش في إطار أستانا دراسة الوضع في سوريا قبل كل شيء ومسائل تشكيل وإطلاق اللجنة الدستورية التي تتصدر اهتمامنا وتعتبر أولوية بالنسبة لنا، وكذلك مسائل عودة اللاجئين إلى سوريا وإعادة إعمار البلاد وتقديم المساعدة للشعب السوري في إعادة الإعمار“.

هذا الكلام سمعناهُ في معظم “الأستانات” السابقة، وكأنّ تشكيل لجنة الدستور هو أصعبُ من الوصول إلى المريخ!

لافرينتييف أضاف: “نتناقش على كافة المستويات مع جميع الوفود نظراً للوضع الصعب في محافظة إدلب، حيث تسيطر جماعة “هيئة تحرير الشام” الإرهابية على 90% من الأراض… الضربات الدقيقة ضد الإرهابيين ستستمر، والغارات الأخيرة التي استهدفت مواقع “هيئة تحرير الشام” كبدت الإرهابيين خسائر ملموسة”.

فشلٌ جديد في أستانا

اليوم الجمعة عاد ألكسندر لافرينتيف ليؤكد فشل المشاركين في الجولة الـ12 من أستانا، في الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية السورية.

البيان الختامي كان نسخة عن سابقيه: “أكدت الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، ضرورة الالتزام بوحدة أراضي سوريا وسيادتها، إضافة إلى مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة”، الجديد فقط هو: “أدانت اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل”.

بينما رفضت محاولاتِ لخلق حقائق جديدة على الأرض بذريعة مكافحة الإرهاب والتصدي لمخططات انفصالية تهدف لتقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها والأمن القومي لدول الجوار، والمقصود الانفصاليين وليس ما تفعلهُ تركيا في إدلب من عملية فصل وتتريك المناطق.

بخصوص إدلب: جددت الدول الضامنة عزمها على الالتزام بتنفيذ اتفاق استقرار إدلب، بما في ذلك تسيير الدوريات المنسقة والعمل في مركز التنسيق الثلاثي، كما أكدت مواصلة التعاون من أجل دحر “داعش” و”النصرة” وغيرهما من التنظيمات الإرهابية بشكل كامل.

دستور جديد ودمج الإرهابيين المعتدلين!

الدستور الجديد رُحّل إلى أجل غير مُسمى ومعهُ الحلّ السياسي، بينما ظهر تعبير “مسلحين معتدلين” على وسائل إعلام الدول الراعية لأستانا بقوة، وهو تعبيرٌ وجدَ طريقه لبعض وسائل إعلام سورية، “مسلح ومعتدل”! كيف يُمكنُ أن يكون شخص حمل السلاح وقاتل ضد جيش بلاده وتعامل مع الأعداء، وبنفس الوقت معتدل؟! المطلوب هو بدء دمج “المعتدلين ضمن صفوف الجيش السوري كقوات رديفة لمحاربة النصرة وبقايا داعش، ولاحقاً قسد. من ضمنهم “جيش الإخوان المسلمين” الذي سبق وتحدثنا عنه في مركز فيريل للدراسات ويضم درع الفرات وفصائل تتبعُ لأنقرة مباشرة.

هذا الدمج لصالح محور تركيا إيران ضد محور السعودية الإمارات اللتين تدعمان قسد والانفصاليين الأكراد بتوجيهات من واشنطن.

كيف يُمكن لدمشق أن تستغلَ المحورين لصالحها؟

رغم المماطلة التي تحدثنا عنها لكن يمكن لدمشق استغلال الوضع لصالحها وإن كانت العملية تحتاجُ لدهاء سياسي وميداني دقيقين، كيف؟

أولاً: القضاء على جبهة النصرة

باعتراف موسكو؛ النصرة الإرهابية تُسيطرُ على 90% من إدلب، والضربات الروسية مستمرة ضدها في مراكز تواجدها. واشنطن تمنعُ عملية للجيش السوري وحلفائه ضدها بحجة الكيماوي، حجة الكيماوي فقط ضد سوريا وليست ضد روسيا! لهذا على دمشق الوصول لاتفاق مع الجيش الروسي على عملية مشتركة متتابعة وليست كبيرة واسعة، واستغلال جماعات أنقرة التي تدّعي أنها تُحاربُ النصرة، لسحق النصرة. تبدو موسكو موافقة على تلك العملية حسب تحليل ما يصلنا من أخبار.

بالمقابل؛ على دمشق استغلال تقارب السعودية والإمارات منها، لإجهاض أية محاولة تركية لاحقة لتسويق “جيش الإخوان المسلمين” سياسياً، وهما اللتان ترفضان وتعاديان الإخوان المسلمين.

ثانياً: القضاء على قسد والانفصاليين

أدركت الولايات المتحدة الأميركية أنّ وجودها في سوريا لن يكون دائماً، لهذا وبعد تواجد جيشها في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وشمال شرق حلب والتنف، لم تقم ببناء قواعد عسكرية دائمة كما في دول الخليج والعراق، بل كانت أقرب لنقاط تمركز عسكرية. الأمر مختلفٌ قليلاً بالنسبة لقاعدة التنف التي تطمعُ مع النظام الأردني بالاحتفاظ بها طويلاً، لمراقبة الوضع في العراق وإيران وسوريا.  
 
الوجود الأميركي جاء لزيادة تعقيدات الحلّ السوري وخلط الأوراق وإطالة مدة الحرب، ومازال. لهذا كان الانفصاليون هم الأسهل والأكثر ديمومة، بعد انقراض “الجيش الحر” بسرعة كبيرة ثم داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية. تنظيم قسد الانفصالي لعب الدور الموكل إليه بشكل جيد، وقام بحصر داعش في مربع شرقي الفرات بين سوريا والعراق وحمايته حالياً، حسب الأوامر الأميركية. لهذا عندما صُنعت “قسد” كان من أهداف صناعتها، منع القضاء التام على داعش على يد الجيش السوري وحلفائه في طهران موسكو، فدور داعش لم ينتهِ بعد، وسيعود عند الحاجة، وسيكون بؤرة لتوليد الإرهابيين وإرسالهم للدول المحيطة، بما في ذلك العراق وسوريا وقطع الطريق بين الدولتين، حسب ما تراهُ واشنطن… تذكروا ذلك.

رفعت واشنطن ورقة قسد لمساومة تركيا ومنعها من الارتياح في حضن بوتين، لكن أنقرة هددت بمحاربة الأكراد وحركت جيشها بضوء أخضر من موسكو وطهران، فسقطت ورقة المساومة.

إذاً ورقة قسد ضعيفة والتعويل الأميركي عليها كان أقل من المتوقع، بمعنى “قسد قوة ضعيفة لا وزن لها إقليمياً” وانهيارها سيكون سريعاً بمجرد سحب الدعم الأميركي، أو حتى انهيار داخلي كون العرب المنخرطين فيها يشكلون نسبة مرتفعة، وانسحابهم منها أو اشتباكهم بين بعضهم أمرٌ لا يحتاج لكثير من التحضيرات…

الانفصاليون الأكراد يُدركون أنهم يسابقون الزمن، والتخلي عنهم وارد في أية لحظة، لهذا يُسارعون في عملية التكريد، على أمل الحصول على أمر واقع وحكم ذاتي، لكن التواجد الكردي مُتقطع ولا يشكلون أية أغلبية شاملة، بل نراهم أكثرية في بعض المدن والقرى المتباعدة، ولو حصل أن قرروا الانفصال فسنجد إيران تُسابقُ تركيا في التصدي لهم، بينما أكدت دمشق مراراً: “لا حكم ذاتي في الجزيرة السورية”، فإلى أين المفر؟.  

واشنطن لامست الأمر من أرض الواقع، لهذا بدأت تعيدُ حساباتها؛ فهل تبني مشروعاً كبيراً على أرضٍ رخوة؟ فصدر قرار الانسحاب “طويل الأجل” ورأينا تراكض وهلع الانفصاليين، مِن ونحو دمشق، كلما أظهرت واشنطن نيتها تركهم لمواجهة قدرهم. ثم تعود الولايات المتحدة لتناور بقصد الحصول ولو على حصة أكبر من كعكة الجزيرة السورية.

السعودية والإمارات تدعمان مادياً ومنذ سنوات المشروع الانفصالي للأكراد، لضرب تركيا. لكن عندما يزداد تقاربُ دمشق منهم ستأخذان بالحسبان المصالح القومية العربية، طبعاً ليس عشقاً بها أو بسوريا، بل لمواجهة المد الإيراني والتركي، لهذا ستختاران دمشق وليس الانفصاليين.

ختاماً

بقدر صعوبة الوضع وتعقيداته، بقدر وجود فرص بين الخيوط المتشابكة، الاستحقاقات الكبيرة قادمة. نرى في مركز فيريل للدراسات أنّ المماطلة في الحلّ السياسي في سوريا مستمرة، والبقاء على هذا الوضع يعني الاقتراب من التقسيم… فالحديث عن صلاحيات معينة لمحافظة أو حكم ذاتي هو خطوة نحو التقسيم… تركيا ماضية باقتطاع الأراضي والتتريك والانفصاليون أيضاً في عملية التكريد، وسرقة الثروات السورية. يجب تحريك الوضع الآن والسير على الحافة وقد قدمنا بعضاً من الحلول التي يمكن نشرها… ولا بدّ من تلازم الحل العسكري مع الحلّ السياسي، فالحق دائماً مع الأقوى… زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات الدكتور جميل م. شاهين.