هل شهادة أردوغان الجامعية مزوّرة؟ تحقيق مركز فيريل للدراسات

موضوع تمت إثارتهُ في الصحافة العالمية قبيل انتخابات الرئاسة الماضية في تركيا، ثم تمّ طمسه وسُجّلت الحادثة ضد مجهول… عاد الموضوع للأضواء مع بداية حزيران 2019، وتتكررت النتيجة. ثم وقفة احتجاجية في ستراسبورغ الفرنسية أمام محكمة حقوق الإسنان الأوروبية… بجميع الأحوال يبقى السؤال الصريح: هل يحمل أردوغان حقّاً شهادة جامعية مزوّرة؟

بعيداً عن سياسات الرئيس التركي الداخلية والخارجية، سنتحدث بحيادية عارضين حقائق ومعلومات مركز فيريل للدراسات، تاركين الحكم لكم. يحمل أردوغان شهادة Premier cycle وهي بالفرنسية تعني: تدريب وتوجيه متخصص يقوم به الطالب الحاصل على الشهادة الثانوية لمدة سنتين أو ثلاث، صدرت الشهادة والأصح صورة مُصدقة عنها من جامعة مرمرة، علماً أنه لا توجد نسخة أصلية لشهادته الجامعية، المفقودة أو المسروقة حسب الجامعة.

تعود إثارة موضوع شهادة أردوغان لسنوات بعيدة، لكنّ الجدل الإعلامي بدأ عام 2014 بشكل صريح.

 بتاريخ 24 أيار 2016 نشرت صحيفة “زمان” التركية المعارضة، عن تهرّب اللجنة العليا للانتخابات التركية من الخوض في الشكوى المقدمة بشأن صحة الشهادة الجامعية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

فيما بعد فتح “اتحاد كتّاب العدل” القضية من جديد، حيث حوّل كاتبة العدل، ورئيسة مكتب رقم 15 المسؤول عن توثيق الشهادات والعقود 15 بمدينة استنبول، نجلاء أكجون إلى لجنة التأديب، السبب: عدم إجراء تحقيق بشأن الشهادة المزورة المقدمة من إردوغان في انتخابات رئاسة الجمهورية في عام 2014.

كاتبة العدل “أمينة سيفين” صادقت على صحة “نسخة” من شهادة أردوغان الجامعية، دون وجود الأصل، ثم قامت بتقديمها إلى اللجنة العليا للانتخابات وهي من شروط الترشح، فتولى أردوغان منصب رئيس للجمهورية في عام 2014، بناءً على توقيع كاتبة العدل على تلك النسخة. رقم التصديق 1103 التاريخ 27 حزيران 2014.

الاتهام كان: “قامت كاتبة العدل أمينة سيفين بالتصديق والختم الرسمي على نسخة من شهادة جامعية بشكل غير قانوني، فلم يحضر المرشح الشهادة الأصلية، وحسب القانون التركي؛ يُعتبرُ هذا بحكم إصدار وثيقة رسمية مزورة واعتمادها في الدوائر الحكومية”.

أيضاً؛ ومنذ 2014 حزب “خلاص الشعب” تقدم بطلب إلى اللجنة العليا للانتخابات لإلغاء ترشيح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للانتخابات الرئاسية بدعوى “تقديمه شهادة جامعية مزورة”. النتيجة: رفضت اللجنة العليا للانتخابات وبالإجماع طلب الحزب.

حسب الدستور التركي، المادة السادسة والمادة 101 والمادة 204: “يحق الترشح لرئاسة الجمهورية لمن حصل على مؤهل جامعي لمدة أربع سنوات على الأقل… يُلغى طلب ترشح أيّ شخص يتقدّم بوثائق مزوّرة.”. علماً أن شهادة أردوغان حتى لو كانت صحيحة، مدة الدراسة الجامعية فيها 3 سنوات، أي لا يحق له الترشح.

جامعة مرمرة أنقذت أردوغان

قبيل الانتخابات الرئاسية التركية، نشر رئيس جامعة مرمرة  ظافر غول عام 2014، وهو عضو في حزب العدالة والتنمية الحاكم وصديق أردوغان، نسخة مُصدّقة عن دبلوم أردوغان صادرة عن كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في استنبول.

بتاريخ 3 حزيران 2016، وبعد اتهامات واسعة بالتزوير، عادت ونشرت جامعة مرمرة بياناً ردت فيه على تلك الاتهامات، جاء ذلك على لسان الدكتور محمد أمين أرات رئيس الجامعة (حسب الصحافة التركية) علماً أنّ رئيس الجامعة هو Zafer Gül ظافر غول حسب سجلات جامعة مرمرة! جاء في البيان:

“إنّ المعلومات المتداولة حول تزوير شهادة البكالوريوس للرئيس رجب طيب أردوغان لا تملك أيّ سند قانوني أو رسمي أو تاريخي، فقد تخرّج من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية التي كانت تعرف حينها بمدرسة أكسراي العليا للاقتصاد والعلوم التجارية. إنّ رئيس الجمهورية التركية تابع لمدة 4 سنوات تعليمه بالمدرسة، وحمل الرقم الرسمي 2443 وأتمّ دراسة 41 مادةً خلال أربع سنوات، وتخرّج في شباط 1981…”.

يتابع رئيس الجامعة: “بعد تخرّج أردوغان من مدرسة أكسراي العليا للاقتصاد والعلوم التجارية، تم دمجها عام 1982 بمدرسة بيازيت العليا للمالية والمحاسبة وسُميت كلية العلوم التجارية، فتمّ تسجيل تخرجه حينها على أنه كان من هذه الكلية”!!.

لم نسمع من قبل هنا في أوروبا أنّ طالباً تخرّج من مدرسة عليا “معهد” تمّ تحويل شهادته إلى شهادة جامعية بعد تخرجهِ بسنة ونصف!! للمعلومات رئيس جامعة مرمرة زميل أردوغان في الدراسة بالمدارس الدينية وعضو في حزب العدالة والتنمية.

حقيقة شهادة أردوغان

تحرينا حقيقة ما جرى، وعدنا لسجلات جامعة “مرمرة” فوجدنا أنه في عام 1982 تمّ تحويل المدارس الثانوية التخصصية “المعاهد” التالية: Eleri Aksaray High Trade School و Beyazıt Finance Accounting،  و Türkiye Ekonomileri Enstitüsü إلى كلية العلوم التجارية، ومدرسة Galatasaray Business Administration School إلى كلية إدارة الأعمال. كما لاحظنا في مركز فيريل للدراسات اختلافاً في المعلومات بين النسخة الإنكليزية والتركية للجامعة، فالنسخة التركية تتحاشى ذكر تاريخ التحويل بل تتحدث عن تواريخ سابقة حول مشروع لتحويل المعهد لكلية منذ 1978.

أرودغان حصل وحسب الوثيقة المقدمة “نسخة”، على الشهادة بتاريخ سابق، وباعتراف رئيس الجامعة محمد أمين آرات قال حرفياً:

“لا تملك الجامعة سوى شهادة تخرّج مؤقتة لأردوغان موقعة بتاريخ 3 نيسان 1981 من الدكتور سينان أرتان وتحمل رقم 678”. أي حصل على الشهادة “المؤقتة” قبل دمج كلية العلوم التجارية وتأسيس كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية التي يحمل شهادته باسمها. لدى السؤال عن شهادة أردوغان الأصلية كانت إجابة الجامعة: “مفقودة”…

أمرٌ هام آخر؛ وثيقة تخرّج أردوغان المؤقتة “المكررة” الممنوحة بتاريخ 27 حزيران 2014، تحمل تواقيع عميد الكلية عمر فاروق باتريل ورئيس الجامعة أورهان روكيز في نيسان 1981، عِلماً أنهما استلما منصبيهما رسمياً في حزيران 1982، شاهدوا الصورة، حيث وضع اسماهما مع ذكر الوظيفة والتوقيع وختم الجامعة على وثيقة رسمية قبل أن يستلما منصبيهما بأكثر من 14 شهراً، وهذا غير قانوني والأصح “تزوير”.

نسخة مصدقة عن شهادة الدبلوم التي يحملها أردوغان، موقعة من قبل رئيس الجامعة وعميد الكلية قبل أن يستلما منصبيهما بـ 14 شهراً. الشهادة الأصلية مفقورة أو مسروقة. مركز فيريل للدراسات

في صورة أخرى تشاهدون فيها وثيقة تخرج أردوغان من جامعة مرمرة بتاريخ 3 نيسان 1981 بتوقيع عميد الكلية سينان أرتان فقط، دون أي ختم وبرقم 440 والفترة التي أمضاها أردوغان حسب الوثيقة منذ 1980 حتى 1981.

وثيقة تخرّج أردوغان بتاريخ 3 نيسان 1981.

وثيقة أخرى أهم من الشهادة الأصلية، يعرفها طلاب وخريجو الجامعات والأساتذة هي “وثيقة كشف العلامات”، التي تُظهر علامات الطالب خلال سنوات دراسته والمواد التي درسها عملياً ونظرياً مع العلامات الحاصل عليها بالتفصيل، وهذا يحتاج لتواقيع كافة الأساتذة والمشرفين خلال 4 سنوات أو أكثر… ليس لدى أردوغان أية وثيقة أصلية أو نسخة عن كشف العلامات.

لماذا لم يترشح أردوغان لمنصب رئيس الجمهورية عام 2007؟

عبد اللطيف سينر Abdüllatif Sener، نائب أردوغان عندما كان رئيساً للوزراء منذ 2002 حتى 2007، من مؤسسي حزب العدالة والتنمية وصديق مُقرب سابق، قال في نيسان 2017 معارضاً التغييرات “الديكتاتورية” في الدستور التركي: “لا يحملُ أردوغان أية شهادة جامعية لهذا لم يستطع الترشح للرئاسة عام 2007.”.

محاولات أردوغان الحصول على شهادة جامعية باءت بالفشل عدة مرات لعدم وجود نسخة أصلية للدبلوم أو البكالوريوس الذي يدّعي أنه يحمله… فشل مراتٍ بسبب إصرار جامعة مرمرة على رفض طلبه المتكرر، إلى أن جاء عام 2011… وسيطر حزب العدالة والتنمية على جامعة مرمرة.

الخميس تاريخ 31 آذار 2011 تقدم رجب طيب أردوغان بطلب لإدارة جامعة مرمرة، من أجل الحصول على نسخة مُصدّقة من شهادة الدبلوم، والسبب الذي سجله آنذاك حسب ما وصل إليه مركز فيريل للدراسات: “سرقة النسخة الأصلية”. وكما قرأتم قبل قليل؛ جامعة مرمرة تقول أن الشهادة الأصلية مفقودة، وهناك فرق بين الفقدان والسرقة.

يوم الجمعة تاريخ 1 نيسان 2011 أي خلال 24 ساعة، وافقت جامعة مرمرة على طلب أردوغان، فتم تسجيله كخريج من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بملف رقم 4694، وشهادة بكالوريوس “مفقودة” برقم 8345، ومُنحَ وثيقة تخرج “مؤقتة” جديدة، دوّنت بتاريخ 1 تشرين الثاني 1991 موقعة من عميد الكلية.

ماذا بعد، وهل سيؤثر التزوير على أردوغان؟

بتاريخ 12 حزيران 2019، كشف الصحفي التركي Aslını görmeden  وبالوثائق أمام شاشات التلفزيون أنّ شهادة أردوغان مزوّرة. بعد ساعات اعتقل الصحفي بتهمة النيل من منصب رئاسة الجمهورية. هكذا يتم التعامل الآن مع مَن يتحدث بموضوع شهادة أردوغان المزورة.

الحقيقة أنّ الحديث عن هذه القضية في تركيا هو نوع من حرف الانتباه، وما نراه في مركز فيريل للدراسات أنّ لدى أردوغان عدة قضايا تزوير وفساد مالي وسياسي أخطر من قضية تزوير شهادة جامعية. لديه ملفات فساد كاملة ضد ابنه بلال رجب أردوغان، وصهره بيرات البيرق وزير الخزانة والمالية، هناك قضية فساد عام 2013 والحكم على 15 من المقربين منه بالسجن مدى الحياة. قضايا فساد خلال حكمه لبلدية استنبول عام 1994…

أردوغان بحاجة لحرف الانتباه عن الكثير من مشاكله الداخلية المستعصية والتي سيأتي يوم وتلف حول عنقه حبل المشنقة السياسية، لكنه حتى ذلك الحين يمضي في ديكتاتوريته مع دعم خارجي من دول كثيرة، تتظاهر بعدائها إعلامياً وتدعمه من وراء الكواليس، فسقوط حاكم تركيا يضر بمصالحها وأي اضطراب داخلي سينعكس سلباً على تلك الدول، من بريطانيا إلى الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.

عندما يجد داعمو أردوغان بديلاً عنه يقوم بمهامه، لن يبقى 24 ساعة على كرسيه. (خاص) تحقيق مركز فيريل للدراسات. برلين. 30 حزيران 2019. Firil Center For Studies FCFS Berlin

ملاحظة: يحملُ رجب طيب أردوغان 46 شهادة دكتوراه فخرية… هل صدمكم الرقم؟ نعم هذا الرقم هو ما توصلنا إليه في مركز فيريل للدراسات خلال إحصاء عدد تلك الشهادات… لدى أردوغان “عقدة” الشهادات الجامعية، وهذا قد يكون نتيجة نفسية لفشله في الحصول على شهادة جامعية حقيقية وليست فخرية لا تمتلك أية قيمة علمية أو عملية أو صفة أكاديمية، كما لا يحمل الحاصل عليها لقب دكتور.  

حصل أردوغان عليها من عدة جامعات منها: جامعة ماناس القرغيزية التركية قرغيزيا 2018، جامعة سراييفو الدولية البوسنة والهرسك 2018، جامعة استنبول تركيا 2018. جامعة الخرطوم السودان 2017، جامعة كامبالا أوغندا 2016، جامعة كوجالي تركيا 2016. جامعة العلوم الصحية سيغليك تركيا 2016. جامعة قطر 2015. الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا 2014. جامعة تركمنستان 2014. جامعة الجزائر الثانية 2013. جامعة باموكالي بولاية دينزلي تركيا 2013. جامعة القدس أبو ديس 2012. جامعة أم القرى بمكة السعودية 2011. جامعة استمبولاي استمبول 2011. الجامعة الإسلامية في غزة 2010. جامعة حلب 2009 تم سحبها منه بتاريخ 15 تموز 2013. لاحظوا أنه حصل على 3 شهادات دكتوراه بعام واحد! Firil Center For Studies FCFS Berlin. Dr. Jameel M. Shaheen