أكذوبة الهجرات السامية. المهندس نقولا فيّاض. 05.11.2019

عدد القراءات 1.031.987 أكذوبة الهجرات السامية. المهندس نقولا فيّاض. 05.11.2019 كثيراً ما نسمع تعبير سامية وساميّون وغير ساميين ومعاداة السامية. فمن أين جاءت هذه التسمية ومَن صاحبها؟

بحثٌ مختصر في التعريف بمنشأ السامية وحقيقة الهجرات المزعومة. Firil Center For Studies FCFS Berlin. Germany

 أول مرة استخدم مصطلح السامية كان سنة 1773 هنا في ألمانيا، ضمن بحث تاريخي قام به مجموعة من طلاب كلية العلوم التاريخية في جامعة GESCHICHTSWISSENSCHAFT IN GÖTTINGEN، التي تأسست عام 1737. استخدم الطلاب قصة نوح في التوراة، سفر التكوين الإصحاح العاشر، فقسموا المجموعات البشرية إلى ثلاثة أقسام بعدد أولاده، جاء اسم أولاد سام “ساميون” Semiten لوصف مجموعة عرقية تتحدث لغات قريبة من بعضها أطلقوا عليها اللغة السامية نسبة لسام بن نوح.

التوراة قسّمت الشعوب إلى ثلاث أعراق:

أبناء سام هم شعوب الشرق الأوسط

أبناء حام هم شعوب آفروآسيا كالمصريين والكوشيين

أبناء يافث يعيشون في آسيا الوسطى

تقسيم التوراة كان عشوائياً ولا يستندُ لأيّ أساس علمي.

تعبير “الساميّون” هو تعبيرٌ حديث، يعود لسنة 1781 فقط. لم تذكرهُ أية كتب دينية أو تاريخية قديمة إطلاقاً. فيريل للدراسات

استخدم تعبير “الساميون” عالم التاريخ الألماني August Ludwig von
Schlözer، عام 1781
. وأعادَ تصنيفَ جميع شعوب الشرق الأوسط كـ
“ساميين” وهم من نسل إبراهيم “أبناء سام”، فبات الساميون
يُمثلون كافة الشعوب التالية: الأمهريين، التغرينين، العرب، الهكسوس، المالطيين، المعينيين، والسبأيين،
الأموريين، العمونيين، الأكاديين، البابليين، الآشوريين، الآراميين، العبرانيين، الكنعانيين،
والموأبيين، والنبطيين، الفينيقيين، والسامريين…
حسب كتب التاريخ الألمانية
الحديثة: (هذا التصنيف عفى عنه الزمان، وهو بجميع الأحوال غير صحيح).

تلقف اللاهوتيّون اليهود تعبير (الساميين) وبنوا عليه أبحاثاً ودراسات استشراقية، تفتقت على يد المستشرق اليهودي النمساوي Moritz Steinschneider عام 1860 بتعبير “معاداة السامية” لتنحصر لاحقاً بمعاداة اليهود فقط!  

كُتبُ التاريخ العربي والكثير من “الكتب الدينية” استندتْ إلى التوراة وأخذت عنها!

إذاً تعبير “السامية” توراتي بحت وليس لهُ أية أصول
تاريخية حقيقية، زلم يُستخدم إلا حديثاً، وما بُنيَ على باطل. أمّا الحديثُ عن الهجرات السامية كما تُطرح في كتب التاريخ العربي الحديث، والتي كُتب عنها فقط في القرن التاسع عشر والعشرين فقط، فهي هجراتٌ خيالية وحكايا قبل النوم وقصص مُقتبسة من الحضارات السابقة في بلاد الرافدين.

ملاحظاتٌ رئيسية

أولاً: كيف يستطيعُ مئات الألوف من البدو الرحل، الذين ذكر التاريخ العربي “جهلهم” ومعاركهم ضد بعضهم، فأطلقَ على تلك الفترة “عصر الجاهلية”، كيف يمكن لهؤلاء “الجهلة” أن يكونوا على قلب وقيادة واحدة فيرحلون قاصدين منطقة معينة فيها حضارات ومدن وسكان وجيوش؟ ثم ينتصرون بين ليلة وضحاها على جيوشهم الكبيرة ويبنون حضارة فريدة!.

لكم أن تتخيلوا التالي:

مائة ألف شخص ما بين طفل وشيخ ورجل وإمرأة، فرّوا من القحط والجفاف والجوع، قطعوا أكثر آلاف الكيلومترات سيراً على الأقدام، ومعهم مواشيهم وأمتعتهم وسيوفهم! ثم دخلوا بالقوة دولةً متحضّرةً لديها جيش قوي متطور، ماذا سيجري لهم؟

ثانياً: حسب المؤرخين والمستشرقين؛ (أول الهجرات كانت الآكادية إلى جنوب بلاد الرافدين حيث وجدوا السومريين السكان الأصلييّن هناك، أصحاب حضارة تتفوق بكثير عن البدو الرُحّل، الأكاديّون “قبائل الجزيرة حسب زعمهم” فرضوا سيطرتهم مباشرة وبنوا حضارة أقوى وحكموا لأوّل مرّة عام 2584ق.م). إذاً البلاد التي دخلوها لم تكن خالية. السؤال للمؤرخين: (هل تعتبرون السومريين “ساميّين” أيضاً؟).


ثالثاً: يعود تاريخ الإنسان العاقل (Homo Sapiens) عِلمياً إلى 300 ألف عام، وحسب الأنثروبولوجيا Anthropology  والترجمة الحرفية (علم الإنسان)، واللقى الأثرية والإحفوريات وتحليل Mitochondrial DNA الحمض النووي للميتاكوندريا ومقارنته بالإنسان الحالي. كل هذه دلائل علمية ملموسة وليست نقلاً عن ناقل. هذا الإنسان عاش في وسط وجنوب إفريقيا ثم بدأ هجراته شمالاً منذ حوالي 200 ألف عام لتكون آخر هجراته قبل 30 ألف عام. أي استمرت 170 ألف سنة. وصلت أولى هجراته إلى مصر وشمال إفريقيا ثم إلى سوريا ومنها إلى آسيا وأوروبا والعالم. شاهدوا الخارطة.

الإنسان العاقل استوطن سوريا قبل 100 ألف عام

رابعاً: أظهرت الاكتشافات الأثرية أنّ أول مستوطنة شكّلت مجتمعاً زراعياً متكاملاً في التاريخ كانت في جرمو Jarmo، حسب المُكتشف عالم الآثار الأميركي  Robert John Braidwooمن جامعة Chicago  Oriental
Institute عام 1940، وتقع شرقي كركوك شمال العراق،
وتعود للعصر الحجري الحديث. تمّ تحديد العمر بواسطة carbon-14. عَبدَ سكان جرمو آلهة الخصب Mother Goddes الآلهة الأم، حيثُ قُدّست المرأة الحامل بتماثيل ولقى أثرية. في الفترات الأخيرة انتقلوا لعبادة إله سنذكرهُ لاحقاً. وُجدت أيضاً في المنطقة آثار أكثر قِدماً تصل إلى 10200 سنة قبل الميلاد تمثلُ انتقال الإنسان من الصيد إلى تربية المواشي والزراعة، لكنها لم تكن مستوطنة كاملة وحدثت في العصر الحجري الجليدي.

مستوطنة جرمو استمرت حسب جامعة شيكاغو حتى
4950 قبل الميلاد، ولا يُنسبَ تأسيسها لأية قومية أو عرق أو حضارة معروفة. زرعَ سكانها القمح والشعير والبقوليات وربوا الأغنام والأبقار والخنازير والكلاب والدجاج، وكانوا يحتفلون مع بداية فصل الربيع ببدء الدفء وتفتح الأزهار وبدء مواسم الخير.

اللقى الأثرية الأخيرة أظهرت سيطرة قبائل على جرمو اتخذت من إله أسمته Ashur آشور، والذي أصبح فيما بعد رئيس الآلهة عند الآشوريين، وينسبُ بعض المؤرخين لحاكم جرمو الخامس عشر “أشبويا” بناء هيكل لعبادة هذا الإله: (أنا الملك أشبويا بنيت هذا البيت للإله آشور)، وقد اعتمدوا سنة 4750 قبل الميلاد بداية الاحتفالات برأس السنة. الثابت لدينا في مركز فيريل للدراسات أنّ الآشوريين قد بدأ ظهورهم قبل الفترة التي تحدّثت عنها كتب التاريخ المُستندة للروايات الدينية الواردة في التوراة. نحن نستندُ عند الاختلاف إلى الحقائق العلمية أولاً. إذاً الآشوريون أيضاً كانوا موجودين في بلاد الرافدين قبل بدء “الهجرات السامية المزعومة”.

عِلماً أنّ الإنسان سكن بلاد الرافدين وسوريا قبل هذا التاريخ بعشرات آلاف السنين، الآثار تدل أنّ الإنسان العاقل سكن سوريا قبل 100 ألف عام. طبعاً لا يتوافقُ هذا مع أية رواية دينية وهذا ليس حديثنا.

هذه التواريخ المُثبتة عِلمياً وبالآثار الموجودة تدحض نظرية الهجرات السامية بشكل مُطلق. والسؤال هنا:

هل هناك دليل واحد علمي على الهجرات السامية المزعومة؟

النظرية الأسوأ والأكثر غباءً وكذباً

هاجم بعضُ “الباحثين” التاريخيين نظرية “الهجرات السامية” بطريقة ظنّوا أنها ذكية، بعد اكتشاف أنّ مصدر “السامية” هو التوراة، بابتداع مصطلح (الهجرات العربية) وهي أسوأ وأغبى من النظرية الأولى، فنسبوا كل شيء. كلّ شيء للعرب!! تخيّلوا؛ باتَ حسب النظرية “الركيكة” لمؤرخ “كبير”: (نوح عربيّ وسام يتحدث اللغة العربية! وأبناء قومه من العرب موجودون قبله بآلاف السنين! آرام بن سام لم يتحدث الآرامية بل العربية وهو من العرب العاربة!).

ليس هذا فقط بل يتابعُ المؤرخ “الكبير“:

(لقد تكشّف أخيراً أن ما دُعي باللغة الإغريقية القديمة لغة الحضارة في بلاد اليونان، و باللغة الأتروسكية لغة حضارة إيطاليا إنما هي اللغة العربية القديمة…!!).

أيضاً يقول: (كافة الآثار الموجودة في بلادنا هي آثار عربية! وسام وكل بنيه و أحفاده هم فرع من العروبة ومسكنه جوف شبه جزيرة العرب.)!

آخر أكاذيب نظرية “الباحث” العبقري التاريخي التالي:

(وهكذا نرى كيف تجلت لنا وحدة هذا التراث العظيم الذي هو أقدم تراث على وجه الأرض، وحسب أي منا أن يُعمل العقل في دراسة هذا التراث معتمداً اللغة العربية التي واكبت الإنسان منذ تجمعاته الأولى إلى اليوم في تواصل تاريخي دون أي انقطاع، وبلهجتيها (الفصحى) والسريانية! وفي مدوناتها التي هي أقدم مدونات حاملة سجلاً خالداً مفتوحاً للتاريخ البشري على هذا الكوكب.).

حسب هذا “المؤرخ الجهبذ”؛ السريانية لهجة عربية!!

بناءً على (نظرية الباحث التاريخي العبقري الكاذبة)؛ يجب حذفُ وحرقُ وتدميرُ كافة النظريات والاكتشافات العالمية والتاريخية، لأنّ هذا العالِم الجليل وأمثالهُ وجدوا ما عجز عنه آلاف المؤرخين والباحثين العالميين. كافة الآثار واللغات والحضارات والشعوب عربية واللغة العربية هي أم اللغات!! السؤال الذي يعجز أصحاب هذه النظرية عن إيجاد إجابة له: (هاتِ كتاباً أو مخطوطة أو رُقم عربي قبل القرآن).  

رأي مركز فيريل للدراسات

نعتمد في بحثنا ورأينا على العلم والحيادية أولاً وأخيراً، وعلىالملموس والمُكتشف والمحسوس وليس على علم الغيب أو التعصب الأعمى لجهة أو عرق أو دين أو قومية. الكلام عن الهجرات السامية من شبه الجزيرة العربية هو محض كلام فارغ ونظريات مستشرقين أثبت العلم اليوم أنها لا تحتمل الامتحان التاريخي العلمي أبداً.
فهي لم تتركْ أيّ أثر تاريخي ولو كان لوحاً طينيا نُقش عليه رسم ما.

كافة قصص سام وحام ويافث ونوح مأخوذة من التوراة، التي لم تثبت حقيقتها، وما جاء فيها من قصص عن هروب اليهود من مصر والعبور مستمدة من قصص الميثولوجيا القديمة بالمنطقة وصولاً إلى الهند، والتي عشعشت في الذاكرة الشفوية كقصص منقولة لا أكثر. تاريخ التسمية أوردناهُ سابقاً، والمقصود به محاولة صريحة لفرض نوع من القداسة على ما دعي آنذاك بـ (لغة الكتاب المقدس) أي (اللغة العبرية) التي نزل بها كتاب التوراة، عِلماً أن التلموذ البابلي واسمه “جمارا” بالآرامية أي الدّارس، كُتب بالحرف المربع الآرامي.

مع انتشار تعبير “السامية” هبّ لاهوتيون يهود وتبنوا
هذه الفرضية الكاذبة، آخذين على عاتقهم كتابة تاريخ الشرق الأوسط القديم والتاريخ العربي والإسلامي بصورة خاصة. اليهود هم مَنْ كتبَ “التاريخ العربي” لا تتفاجؤوا، فأبرزوا ما وُصِف بالعبرانيين، مسفهين تاريخ العرب والمسلمين. ثم، وللأسف، أخذ العربُ هذه المصطلحات والتواريخ وبنوا عليها كتباً ومجلدات دُرّست وتُدرّسُ حتى الآن، دون أن يُدركوا أنهم وقعوا في الفخ.

بالمقابل؛ هبّ “مؤرخون” آخرون رافضين نصفَ ما جاء به المستشرقون، ناسبين كلّ شيء للعرب والعروبة!

في الحقيقة؛ الجانبان سواءٌ؛ في التزوير والكذب، والتاريخ بحاجة لإعادة تصحيح كبير اعتماداً على العِلم والآثار والمخطوطات واللُقى، وليس نقلاً عن ناقل. المهندس نقولا فياض. ألمانيا. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات الدكتور جميل م. شاهين. Firil Center For Studies FCFS Berlin. Germany