محطات في التسوية الكبرى بين موسكو وواشنطن في سوريا

محطات في التسوية الكبرى بين موسكو وواشنطن في سوريا

زيد م. هاشم. إدارة التحرير مركز فيريل للدراسات. لا شك أنّ الأزمة السورية، هي من أكثر الملفات تعقيداً وتشعباً، بسبب التداخل والتدخل الإقليمي والدولي، وانعكاساته على الوضع في المنطقة والعالم. لقد فرض الصمود السوري ورفض الإملاءات الغربية، واقعاً إقليمياً ودولياً غيّر وجه العالم؛ فازداد تعاظم دور طهران وموسكو كقوتين حليفتين لدمشق، وحققتا مكاسب كبيرة على كافة الصُعد، وبالمقابل كان لهما دور في دعم هذا الصمود الأسطوري، تراوح الدعم بين لوجستي وعسكري وديبلوماسي وسياسي واقتصادي، كما أنّ حضور المقاومة اللبنانية والعراقية كان قوياً وهاماً.

بعد معركة حلب غراد كما أحب تسميتها والنصر الاستراتيجي الكبير الذي تحقق فيها، والذي ساهم بقوة بتغيير مسار الحرب، انطلق الجيش العربي السوري نحو تحقيق مكسب حيوي لا يقل أهمية، في محور جبهة البادية السورية، حيث أسقط مخططاً أمريكياً خطيراً، وتم إنهاء أهم المشاريع الأمريكية بعد الانتهاء من تحرير حمص وريف دمشق الغربي وحصار وقضم مستمر للغوطة الشرقية بمراحل سابقة.

كان التعويل كبيراً في قمة العشرين لعام 2016، على احتلال حلب مرة أخرى، عن طريق هجمات كبرى شنها الإرهابيون بقيادة جبهة النصرة. يومها حدث لقاء روسي أمريكي لإيجاد تسوية تتناسب مع أوراق كل حلف آنذاك. تذكرون مشاريع الهدنة ومحاولة تثبيت جماعات تابعة لواشنطن في حلب، لكن خلال فترة وجيزة تم تعديل القوة في الميدان لصالح الحلف لبسوري وتوالت الأحداث بعدها بتحقيق انتصارات متلاحقة وإفشال هجمات الحلف الأمريكي من جوبر وريف شمال حماة ودرعا والقنيطرة، ليصل الأمر إلى حصار إرهابيي واشنطن في عمق البادية عند الحدود العراقية الأردنية، وقطع الطريق عليهم، وإفشال مخطط الجنوب في درعا والسويداء والقنيطرة.

هل تراجعت واشنطن فعلاً؟

أمام هذه المتغيرات، جاء لقاء بوتين وترامب، والواضح أنّ تسوية من نوع ما بين الطرفين حدثت، حيث نلاحظ تراجعاً في الموقف الأمريكي تجلى بالتالي:

  1. وقف واشنطن لبرنامج تسليح المعارضة السورية.
  2. إعلان البنتاغون أن سوريا لم تشن هجمات كيمياوية بعد قصف مطار الشعيرات، نفى هذا التصريح شائعات واشنطن الأخيرة.
  3. رئيس قيادة العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي، الجنرال ريموند توماس: (التواجد العسكري الروسي في سوريا شرعي، وهذا يمنح موسكو الشرعية القانونية، ويصل إلى حد القدرة على طرد القوات الأمريكية غير الشرعية في سوريا).
  4. موافقة واشنطن على طلب موسكو ضم درعا لمناطق تخفيف التوتر، فيريل. أي أنّ مخطط الهجوم للحلف الأمريكي بحجة محاربة داعش، وما تلاهُ من تصريحات من دمشق وموسكو وطهران بالرد على أي عدوان، هذا المخطط فشل.
  5. ميدانياً، وبعد لقاء بوتين ترامب، تحرك الجيش اللبناني ليدعم المقاومة في معركة عرسال، المنطقة الحيوية الهامة. في المعركة هذه يتسارع انهيار جبهة النصرة، مقابل تعاظم دورها في إدلب. الجيش اللبناني لا يتحرك إلا بقرار سياسي وضوء أخضر من واشنطن. فما هو الرابط بين انهيار النصرة في لبنان، وسيطرتها في إدلب، مقابل تقهقر أحرار الشام التركي؟

 

إعادة صياغة لجبهات القتال في سوريا

هناك عملية لإعادة صياغة وتركيب لجبهة النصرة ميدانياً، لخدمة أغراض سياسية للدول الداعمة لها، أيضاً هناك إعادة ترتيب لجبهات أخرى وفصائل قديمة حديثة.

  • القلمون؛ خط أحمر لمحور المقاومة وطريق مهم لحركة الإمداد الممتد من طهران إلى بيروت، والذي لن يتوانى محور المقاومة على استرجاعه مهما ارتفع الثمن، وهذا سيؤدي بالتأكيد لتعقيد أمريكي روسي كبير، خاصة بعد سيطرة الجيش السوري على ريف دمشق الشمالي والغربي وغرب حمص وجنوبها، وصولاً إلى الحدود العراقية. وجود المقاومة على الطرف الآخر من الحدود، جعل من جرود عرسال ورقة أمريكية محروقة، فقامت واشنطن باستخدامها للتفاوض في إدلب والجنوب السوري قبل انتهاء حرقها.
  • إدلب؛ تسليم إدلب لجبهة النصرة بإيعاز قطري تركي أمريكي، تم بشكل فاضح، مقابل سحق إرهابيي السعودية، وهذا سيؤدي حتما لوضع تنظيم النصرة كبش فداء للتسوية القادمة هناك، فخرائط سيطرة هذا التنظيم باتت واضحة، والقادم هو زجّ إدلب ضمن خطة محاربة الإرهاب الدولية، بعد فرز مناطق السيطرة والتي تمت بشكل ميداني. هنا ستكون جماعات تركيا المشاركة في الأستانا، هي الطرف المعترف به دوليا بقتال النصرة، ليتم فرضهم لاحقا بالتسوية السياسية المفترضة، وهذا آخر خيار متبقٍ لواشنطن لما يسمى بالمعارضة، أي أنّ إدلب ستكون محور تفاهم قادم بين روسيا والولايات المتحدة.
  • القنيطرة ودرعا؛ تقليص النفوذ الإيراني في الجنوب السوري، مقابل عرسال والقلمون، الملاحظ هنا استلام روسيا لمراقبة هذه المنطقة بناءاً على اتفاق الأستانا، وصدور تصريحات صهيونية بوجود قواعد ايرانية قرب دمشق ونفي إيراني، وعلى الأغلب سنشهد عودة تواجد قوات الفصل الدولية بمرحلة قادمة. يأتي هذا بعد فشل الجماعات الإرهابية بتشكيل جيش لحد في الجنوب، كما خطط الكيان الصهيوني.
  • الشمال السوري؛ الملف الكردي يتعاظم، وتوازن المصالح الأميركية بين أنقرة والأكراد صعب التحقيق. أنقرة ارتمت بحضن موسكو لخوفها من هذا الملف، حيث يتم تنسيق تدخل الجيش التركي ضد الأكراد، بما يضمن عدم تحقيق ممر كردي كامل، وهذا لمصلحة دمشق، التي تعتبر الرابح الأكبر في أيّ صراع بين الجانبين، وستكون سوريا الفيصل بهذه المسألة. عصابات قسد والمعارضة الموالية لتركيا شمالاً، باتا آخر ورقتين للنفوذ الأمريكي، وتقليص دورهما وتفريغ فاعليتهما على الأرض سيكون الحل القادم من دمشق، فتركيا مكبلة الآن وفي أضعف أوقاتها في الملف السوري.
  • الموضوع الأخطر؛ فيريل. يبقى موضوع تسويق المعارضة الإخوانية التابعة لأنقرة والدوحة، وهو المشروع الأخطر المراد تسويقه من حيث قبولها في العملية سياسية القادمة بموافقة طهران وموسكو كطريق للحل… هنا ليس أمام سوريا سوى إجهاض هذا المشروع الشيطاني، اعتماداً على الخلاف بين حلفي السعودية وقطر من جهة، وبين حسابات الميدان والقدرة على القضاء على جبهة النصرة من جهة ثانية، كحق مشروع للدولة دولياً. إضافة لاستخدام ورقة معارضة واشنطن ولندن للإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي. هنا يمكن ضربُ الإخوان بقوة وسحقهم.

 

أخيراً

تراجعت أهمية الملف السوري ضمن أجندات واشنطن، لهذا نلاحظ هدوءاً حذراً في تصريحات وتحركات البيت الأبيض، ولا مانع من تصريح “خلبي” من ترامب بسبب هدية أو تقبيل يد من ضيف له جاء من السعودية أو لبنان… ونرى في مركز فيريل أن اهتمام واشنطن توسعت مساحته، وابتعدت نظرته قليلاً عن سوريا، فهناك التنين الصيني الذي يغزو إفريقيا بهدوء، وتعاظم قوة إيران، وفنزويلا، والأخطر روسيا، فهل ستبقى الولايات المتحدة تصب جلّ اهتمامها في سوريا؟ وإلى متى… المهم أن تكون إسرائيل آمنة وليذهب الجميع إلى الجحيم بما في ذلك الانفصاليون الأكراد، وللحديث بقية. إدارة التحرير مركز فيريل للدراسات. زيد م. هاشم. 26.07.2017