إمّا أن تموت مُتكورِناً أو جائعاً!!

إمّا أن تموت مُتكورِناً أو جائعاً!! وكأنّي أسمعُ الحكومة السورية ومعها معظم المسؤولين وأثرياء الغفلة… معظم وليس بعض، تُمارس عملية الديموقراطية وتسأل مُخيّرَةً الشعب: (إنّي خيرتكَ أيها المواطن السوري الذي نجوتَ من القذائف والذبح والتفجيرات ووقفتَ مع وطنك… اختر الطريقة التي تفضّلها للموت؛ مُتكورِناً أم جائعاً؟). وتتهمون الحكومة بالديكتاتورية!!

ما هي التعابير التي يمكن استخدامها مع المسؤول الذي يُجوّع شعبه ويسرقهُ ويقهرهُ، ثم، وبوقاحة ترامب، يطلبُ منهُ الدفاع عن الوطن كي يبقى هذا الأرعن ملتصقاً بكُرسيّه سارقاً ناهباً كاذباً. إن تحدّثَ صحفي ما عن الموضوع، اتّهمَ بالخيانة والعمالة وإضعاف ووهن الشعور القومي… أنتم الخونة والعملاء الذين تُنفّذون أوامر البنك الدولي ومخططات الإخوان المسلمين للوصول لكرسي الحكم 2021…

إنتشار الوباء والحجر

وصفنا ما قامت به الحكومة السورية بعملية إغلاق الحدود والحجر بأنها خطوة إيجابية، شرط أن تُلحِقها بخطوات عملية كما فعلت معظم حكومات العالم. يبدو أن تلك الخطوة كالعادة “إعتباطية” وببغائية، والحكومة لم تضع أية خطة مدروسة. ورد في “الدستور السوري” المبادئ الإجتماعية. المادة الثانية والعشرون. البند الأول:

(تكفل الدولة كلّ مواطن وأسرته في حالات الطوارىء والمرض والعجز واليتم والشيخوخة).

الطبيعي أنّ أيّة حكومة لا تستطيعُ حماية المواطن في حالة الطوارئ، أن تستقيل وترحل، على فرض أنّ لدى المسؤولين ذرة إحساس وهم يسمعون بآذانهم عبارات “الله لا يوفقكم”. الطبيعي أنّ أية حكومة قررت الإغلاق، أن تؤمّن إحتياجات المواطن بحدودها الدنيا، وهو ما قامت به كافة الدول حول العالم:

(تعويض الأجور للعاملين الأحرار 60 إلى 70% ودفعها بشكل فوري، دفع راوتب الموظفين، التكفل بدفع كافة فواتير الماء والكهرباء وحتى الإنترنت. الأهم؛ مراقبة الأسعار ومنع أي احتكار…)

بالمقابل المطلوب من الشعب الإلتزام بالقوانين ومنع التجمعات والخروج. إلتزام الشعب السوري كان مقبولاً مقارنةً ببقية الشعوب… دعكم من الإعلام الكاذب، معظم شعوب العالم لم تلتزم بشكل جيّد بالتعليمات إلا عندما تأكدت أنّ الوباء حقيقة وليست بروباغندا، بينما هناك نسبة كبيرة مازالت تراهُ وهماً…

ما هي نتائج الحجر في سوريا؟

الذي حصل أنّ الحكومة استغلت الظرف ليس حبّاً وعشقاً بالمواطن المسحوق، بل زادت أواصر شراكتها مع التجار والمحتكرين… الأسعار ارتفعت بشكل كبير، المواد الإستهلاكية والأساسية بدأت تشح، الإحتكار والفساد تفاقم ووصل لحدّ المتاجرة ببطاقة الإستثناء من الحجر والتي تُمنح بشكل طبيعي للعاملين في المجال الطبي والأمني، فوصل سعر “المهمّة الإستثنائية” إلى 250 ألف ليرة سورية كما تأكد من ذلك مركز فيريل للدراسات في دمشق.

قُلنا حرفياً: (مُتطلبات المواطن السوري بسيطة جداً مقارنة بمواطني الدول المجاورة) وكافة حاجياته إنتاج محلّي. أي إكتفاء ذاتي حتى لو أغلقت الحدود سنوات، وعلى الدولة تشجيع ودعم الزراعة هذه الفترة خاصة الخضار والفواكه والمواد الغذائية الرئيسية التي لا يتم استيرادها. المواطن السوري لا يُريد لامبرغيني تقف على بابه ولن ينزعج إن لم يأكل هامبرغر وهو يصطاف على شواطئ ميامي… فماذا أنجزت الحكومة خلال الفترة الماضية؟

الحاجيات الرئيسية تضاعفت أسعارها تحت عيون المسؤولين وتواطئهم، فبيعَ كيلو غرام الثوم بـ5 آلاف ليرة والليمون بـ1500 ليرة وكيلو البطاطا والبندورة والبصل بـ900 ليرة… أما اللحوم فباتت من المنسيات. هذه الأسعار أعلى من نظيراتها في ألمانيا هذه الأيام مع الفارق الكبير في دخل الفرد في البلدين. أمر لا يُصدق!!

هل تعلم الحكومة أنّ المواطن السوري إن أكل مع عائلته المكونة من 4 أفراد، 2 كغ بندورة مع ربطة خبز يومياً، يحتاج لـ 54 ألف ليرة أي أعلى من راتبه!!  

حتى عام 2003، كانت دورية تموين واحدة كفيلة بإغلاق شارع من المحلات بطوله وعرضه بمجرد مرورها أو السماع بوصول (كبسة تموين). وصول دورية تموين كان يدبّ الرعبَ في نفوس التجار والباعة كما كانت تفعلهُ البيجو 405 يوماً. كان هناك فساد بالتأكيد، لكن اليوم أصبح ثلاثة أضعاف. يوماً ما فرضتْ القانون على أكبر تاجر، الآن أكبر عملٍ تقوم به دورية التموين هو إغلاق محل لبيع الخضار في حيّ شعبي أو هدم “تنور” لإمرأة بسيطة تعتاش مع عائلتها منه. أمّا المحلات الكبيرة فمهمة الدورية هي العودة بجيوب مليئة وليذهب الشعب إلى الجحيم تحت عيون الوزير صاحب القرارات “الذكية”!

قررت الحكومة الإغلاق، فظنّ المواطن أن الخطة مدروسة وحضرات المسؤولين حريصون على صحته وسيمنعُون المستغلينَ وتجار الموت من التلاعب بقوت يومه. فإذ… لا توجد أية خطة أصلاً بل (حركة ببغائية إعتباطية) الأسوأ أنّ الحكومة اصطفت بجانب “الحرامية” تساعدهم على حرقِ ما تبقى من روح لدى الشعب.

تحويل الشعب لفئران تجارب!

وكأنّ تجربة البطاقة الذكية ناجحة كي تستمرَ وتتوسع! طرحت وزارة التموين وإهلاك المستهلك نشرة أسعارها في صالات البيع الحكومية بأسعار أقل من السوق بحد أقصى 200 ليرة. ثم وسّعت المواد التي تشملها “بطاقة الغباء” ليأتيَ قرار شمل الخبز بها… العائلة حتى 3 أشخاص ربطة واحدة يومياً، عائلة مكونة من 4 إلى 7 أفراد ربطتان يومياً، أكثر من 7 تحصل على 3 ربطات. شاب أعزب من محافظة أخرى أو أرملة لا يحصل على رغيف خبز. الضيوف يجلبون معهم خبزهم.

إن نجحت الفكرة “الذكية” سيتم تعميمها على باقي المحافظات، أي سيتم التجريب في سكان دمشق أولاً، وستنجح الفكرة لأنّ 90% من قرارات حكومة خميس بيك صحيحة كما قال… مهما كذبت الحكومة حول سبب القرار فلن تجدَ مُبرراً سوى تجويع الشعب والمتاجرة بالخبز وبيعهِ لمالكي مزارع الأبقار والأغنام كعلف. ذكرنا هذا الموضوع أمام أشخاص من جنسيات غير سورية، فلم يصدقوا.

أزمة الكورونا هي رصاصة الرحمة

كما فعلت وستفعل أزمة الكورونا في دول كثيرة، ستفعلُ فعلتها في سوريا. الفارق أنّ معظم الحكومات أمنت للمواطن ألا يجوع ثم فرضت الحجر. الحكومة السورية أمنت أن المواطن السوري سيجوع ففرضت الحجر.

السؤال الذي نُسأل عنهُ في مركز فيريل للدراسات دائماً أين هي القيادة مما يجري، أين هو الرئيس مما يحدث ولماذا لا يُحاسب الفاسدين؟ على فرض أننا نملكُ الإجابة، هذا تلميحٌ والباقي لديكم؛ الفساد استشرى ووصلَ إلى كبار المسؤولين… كبار المسؤولين… والأمر لم يعد مجرد إقالة حكومة ومحاسبة وزير، الأمر يحتاج لمحاسبة مَن زكّى هذا الوزير ورشحهُ للمنصب، هذا المسؤول “الضخم” كي تتم محاسبتهُ يحتاج الأمرُ لإنقلاب كامل وأكبر من حركة تصحيحية. هؤلاء الكبار سرطان تغلغلَ في الجسد السوري، وعلاج السرطان الجراحة الواسعة وليس المسكنات… ولا بد من الجراحة الشاملة خلال أسابيع… أسابيع فقط.

أخيراً: هل ستنفلتُ الأمور في سوريا؟

كم من مرة ومنذ سنتين ونحنُ نُحذّرُ ونُحذّرُ من خطة واضحة تقوم بها الحكومات المتعاقبة وليس حكومة خميس فقط، لتوسيع الشرخ بين القيادة والشعب تمهيداً لإنتخابات 2021، بحيث يصل المواطن السوري لعدم الإكتراث بمن سيكون الرئيس القادم، همّهُ الأول كيف يعيش للغد. ما فعلتهُ حكومة خميس هو تكملة لما قام به السابقون من نهبٍ وفساد وتدمير للإقتصاد السوري وتهريبٍ للمليارات إلى الخارج، وإطلاق يد الأثرياء للسيطرة على الدولة وتحجيم دورها. في بداية الأزمة عام 2011 اتّهمَ عبد الدردري بتقويض الإقتصاد، اليوم هناك عشرات الدرادرة… لكن احذروا أيها الأذكياء…

إلى أين المفر؟

متابعو صفحة مركز فيريل على الفيس بوك قرأوا تحذيراً منذ نهاية آذار ورد فيه: خطرٌ بدأ يتصاعد حول العالم مع عزل المدن خاصة في #الدول_الفقيرة. عندما تعجز الدولة عن تأمين حاجيات المواطن المعزول. الجوع سيؤدي لثورة عارمة تحرقُ الأخضر واليابس. إنها ثورة الجياع… الربُّ واحد والموت واحد ومَن لم يمت من الكورونا سيموت من الجوع.

كان المسؤول أو الثري يسرق ويسرق، وعندما يفتضحُ أمرهُ، يفرّ إلى أوروبا ويتقدم بلجوء سياسي ليصبحَ معارضاً “شريفاً”. عندما كان المسؤول يمرض كان يتعالج في مشافي أوروبا على حساب الدولة. عندما يريد ابن المسؤول الترويح عن نفسه “المكتئبة” يسافر إلى أوروبا بمهمة رسمية… اليوم أين المفر؟ أين المفر يا سارقي البلد وناهبي الشعب؟ إن كنتم تعتقدون أنّ الكورونا ستنتهي خلال أيام فأنتم متوهمون. إن كنتم تظنّونَ أنّ الشعب يمكن تخديرهُ بالمزيد من الحقن فأنتم أغبياء…

إنّ أبشع أنواع الثورات وأشدها سفكاً للدماء هي ثورة الجياع. إن حصلت (ثورة الجياع) وهذا ما لا نتمناه إطلاقاً، لن تستطيعوا قمعها ولن تستطيعوا الفرار خارج البلد. أسماؤكم معروفة وعناوين قصوركم محفورة في صدر كلّ جائع دافع عن الوطن وقدّم شهيداً وشهداء. واللهِ أرى قصوركم تُحرق وأموالكم وكنوزكم تُذرى ورؤوسكم اليانعة تحتار إلى أين تنظر. نحنُ في مركز فيريل للدراسات نُحذّرُ من هكذا سيناريو ونؤكدُ أنّ أية مظاهرات عنيفة ستنقلبُ عكساً. نحنُ ضدّ أي عنف أو استهدافٍ للحجر والبشر مهما كانوا. ارفعوا الصوت وعارضوا أية إجراءاتٍ حكومية غبية، وسائل التواصل الإجتماعي إحدى ساحاتكم، لن يستطيعوا سجن الآلاف بسبب أو بدون سبب. مركز فيريل للدراسات من دمشق. 11 نيسان 2020.